|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  11 / 4 / 2014                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

هل سيكون الفوز للأحسن في انتخابات العراق القادمة؟

كاظم حبيب

تتباين التحليلات والآراء الناتجة عنها والتقديرات السياسية على الصعد المحلية والإقليمية والدولية حول ما ستنتهي إليه الانتخابات العامة القادمة بالعراق بالارتباط مع ما جرى ويجرى بهذا البلد المستباح من الإرهاب والفساد والطائفية السياسية بعد أن استطاع الاحتلال الأمريكي للعراق تكريس هذه السمات التي تميز الوضع، سواء أكان هذا التكريس بشكل مباشر أم بصورة غير مباشرة، إذ إن الحصيلة واحدة. والتباين في الآراء والتقديرات ناجم عن صعوبة الوصول إلى تحليل مواقف العراقيات والعراقيين من القوائم الانتخابية في ضوء الخبرة التي اكتسبوها خلال الأعوام العشرة المنصرمة وهل تحول الوعي من رؤية الطائفية والإرهاب والفساد والفقر والفجوة المتسعة والمتفاقمة بين الفقر والغنى في المجتمع ونمو الاستبداد السياسي كحالات قائمة، إلى أدراك ناضج للعوامل أو الأسباب الكامنة وراء كل ذلك من جهة، والقوى التي تؤجج وتستفيد من الشحن والتصعيد المستمرين للسياسات والصراعات الطائفية وكذلك ومن جديد للصراعات القومية من جهة أخرى، وما ينشأ عنهما من اصطفافات واستقطابات طائفية وقومية على الساحة السياسية الشعبية العراقية. وبالتالي، هل توصل العقل الفردي العراقي وكذا العقل الجمعي إلى رؤية صافية لما يفترض فيه أن يتخذه من موقف في الانتخابات القادمة ولمن يعطي صوته: هل يعطيها إلى ذات القوائم التي كانت السبب وراء هذا الواقع المزري وهذه الاستباحة للوطن والشعب من قوى الإرهاب والمليشيات الطائفية المسلحة، شيعية كانت أم سنية، والفساد والطائفية السياسية المقيتة والتزام الهوية الفرعية الطائفية القاتلة لوحدة الشعب، أم سيمنح صوته لتلك القوى التي لم تتلطخ أيديها بدماء الشعب ولم تدنسها بسرقة ونهب أموال الشعب العراقي وأكل السحت الحرام؟ هل ستنتخب ذات القوى الحاكمة حالياً والتي مارست كل الموبقات بحق الشعب العراقي، أم ستنتخب من يستطيع إنقاذها من هذا الواقع المرير، الذي يعيد إلى الأذهان ما عاشه العراق طوال عقود؟ إن العاقل والعاقلة من أبناء وبنات الشعب العراقي يدركان بوضوح العواقب الوخيمة لانتخاب تلك القوى التي أعطت الوعود وأخلت بها كلية وتركت العراق يسبح بدماء أبنائه على أيدي قوى الإرهاب الدموي والمليشيات الطائفية المسلحة ويعيش البطالة والفقر لنسبة عالية من فئات الشعب نتيجة التخلي العملي عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وبالتالي يفترض أن لا يمنحا صوتيهما لهذه القوى بل ينتخب القوى الديمقراطية البديلة لهذه القوى، القوى المدنية والديمقراطية ذات البرنامج الوطني الذي يتبنى مبدأ المواطنة الحرة والمتساوية لكل أبناء وبنات الشعب العراقي بغض النظر عن هويته القومية أو الدينية أو المذهبية وبغض النظر عن كون رجلاً أم امرأة.

لو سارت الانتخابات القادمة في الثلاثين من شهر نيسان/أبريل 2014 على نمط ما حصل في انتخابات 2006 و2010 فإنها ستكون كارثة حقيقية للشعب العراقي ولن ينتخب الأحسن من المرشحات والمرشحين لحجز مقاعد البرلمان، بل ستأتي بأسوأ مجلس نيابي وأسوأ نماذج من النواب في غالبيتهم ممن لم يدركوا سوى مصالحهم الذاتية ونسوا الشعب والكوارث التي ألمت به والعيش غير الكريم الذي عاشت فيه الأكثرية العظمى من السكان.

وعلينا أن ندرك بأن وجود نظام سياسي طائفي قائم على المحاصصة الطائفية والأثنية وحكومة طائفية سياسية بامتياز ورئيس حكومة طائفي حتى النخاع ومستبد بأمره واستمرار وجود الإرهاب والفساد المالي والإداري لا يمكن أن يوفر الأجواء المناسبة ولا تمارس فيها الأساليب الديمقراطية لخوض انتخابات عامة نزيهة ونظيفة وإنسانية بحيث يمكن أن يفوز الأحسن فيها.

إن العراق الراهن لا يملك دولة دستورية ديمقراطية قائمة فعلياً وليس نظرياً وعلى الورق تستند إلى تفاعل سليم واستقلالية مطلوبة بين سلطاتها الثلاث. فهذه السلطات الثلاث هشة وغير ديمقراطية ومتداخلة وتعمل بالاتجاه الخطأ الذي لا يخدم مصالح المجتمع بكل طبقاته وفئاته، بكل مواطنيه. فالنظام السياسي القائم في هذه الدولة الهشة هو نظام طائفي محاصصي متصارع بين الأحزاب والقوى الدينية والقومية المشاركة في الحكم على وفق المحاصصة الطائفية والتي ابتعدت كلية عن مبدأ المواطنة الحرة والمتساوية. فهو نظام يمارس التمييز باتجاهات عدة وخال من الحيادية إزاء الفئات والقوى والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني. يتجلى ذلك بشكل صارخ ومرضي في الموقف من أتباع الديانات الأخرى وإزاء أتباع المذاهب في الإسلام وإزاء المرأة على نحو خاص، إضافة إلى التمييز بين القوميات والمناطق والأقاليم والمحافظات أو حتى بين المدن وبين المواطنين بشكل عام ... الخ. والحكم الراهن بالعراق يعتمد في سياساته وسلوكه اليومي الاستبداد الفظ والتعصب الطائفي الفج، وهما اللذان قادا البلاد إلى الجحيم الذي يعيش تحت وطأته الشعب العراقي بأغلبيته.

وفي هذه الانتخابات تستخدم الأحزاب الحاكمة أجهزة الدولة وإعلامها لصالح مرشحيها بشكل غير حيادي، وتبدو مفوضية الانتخابات عاجزة تماماً عن إيقاف هذه الممارسات أثناء الحملة الانتخابية أو أثناء العملية الانتخابية ذاتها، تماماً كما حصل في الانتخابات السابقة. وبالتالي فليس هناك أي حياد من جانب أجهزة السلطة التنفيذية إزاء قوائم المرشحين والمشاركين فيها، بل تجري الرياح لصالح القوى الحاكمة. وقد نشرت الصحف والمواقع ونشرات الأخبار الكثير من المخالفات الدستورية وقانون الانتخابات من جانب القوائم التي تمثل الأحزاب الحاكمة وخاصة الحزب الذي ترأسه رئيس وزراء العراق المهيمن على كل السلطة التنفيذية والمتحكم إلى أبعد الحدود بالسلطة القضائية والمعطل، بالتعاون مع رئيس السلطة التشريعية بتعطيل مجلس النواب عملياً، سواء نسقا في ما بينهما أم لم ينسقا.

وفي هذه الانتخابات لا يجد المتتبع أي تكافؤ للفرص بين القوائم الانتخابية التي تخوض الحملة الانتخابية. فعلى سبيل المثال لا الحصر ينعدم التكافؤ كلية بين قائمة التحالف الوطني الحاكمة، التي تتجمع فيها الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية، وبين قائمة التحالف المدني، التي تمثل قوى وأحزاب التيار الديمقراطي العراقي، في مسائل كثيرة بما في ذلك الصرف المالي المفتوح لقائمة دولة القانون، بما في ذلك أموال الدولة، وعجز حقيقي عن الصرف المالي لدى القائمة المدنية، أو في استخدام أجهزة الإعلام الحماية الضرورية الحكومية وتسخير بقية الأجهزة التنفيذية لصالح الحملة الدعائية لقائمة ومرشحي دولة القانون، وهي بعيدة كل البعد عن قائمة التحالف المدني حتى إن مرشحي هذه القائمة لا يحظون بالحماية الضرورية من أجهزة الدولة المسؤولة عن الأمن.

وفي هذه الانتخابات تمارس بعض المرجعيات الدينية الدعاية الفظة والمناهضة لدستور البلاد. فكيف نفهم تأليب الشيخ كاظم الحائري العراقيات والعراقيين ضد انتخاب المرشحين العلمانيين، وبالتالي فهو يدعو صراحة إلى انتخاب قائمة التحالف الوطني. إن مكان هذا الرجل المؤجج للعداء والكراهية ضد أبناء وبنات الوطن الذين يعتمدون مبادئ المجتمع المدني والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ويدعون إلى دولة مدنية ديمقراطية اتحادية هو الوقوف أمام المحاكم العراقية لينال جزاء تأجيجه الحقد والكراهية، إذ إن تبني هذه المبادئ الإنسانية هو حق مشروع من حقوق المواطنة والمواطن بالعراق في ضوء الدستور العراقي، رغم نواقصه. إني حين أنتقد رئيس الوزراء العراقي فنقدي يستند إلى الدستور الذي يمنع ممارسة السياسات الطائفية والتمييز ضد المرأة مثلاً والتي لم تمنح حقوقها في ظل حكومة نوري المالكي من حيث تمثيلها في جلس الوزراء مثلاً، أو حين يصرح بعنجهيه غريبة وعشائرية بالية "الدم بالدم .. وأنا ولي الدم" في حادث يمكن أن يحصل يومياً بسبب شجار بين شخصين عربي وكردي، فيحوله إلى عداء "عربي ضد الكُرد" بتعمد مقصود، وهو رئيس وزراء للعراق كله، أو حين يعبر عن استبداد وعدم احترام للتداول السلمي والديمقراطي للسلطة حين يقول "أخذنا بعد ما ننطيها" للسلطة، تماماً كما كان صدام حسين يقول "جئنا لنبقى" لينتهي على الحفرة ومن ثم تحت التراب!!

إن المشكلة التي تواجه الانتخابات القادمة ترتبط بضعف الوعي لدى جمهرة واسعة جداً من الناس بالعراق عن الأسباب الكامنة وراء فقرهم أو وراء الإرهاب الذي يقتل المزيد من البشر يومياً أو الفساد الذي يستنزف موارد البلاد المالية أو الاستبداد الطائفي الذي يتحكم بالشارع العراقي ويتسبب بالصراعات والنزاعات الطائفية.

يتحدث الكثير من الناس عن الأموال التي تملأ جيوب الكثير من الساسة العراقيين قبل وأثناء الحملة الانتخابية، بعضها يصل إلى تلك الجيوب من داخل العراق، والكثير منها يأتي من الخارج لتستخدمها قوائم بعينها في حملاتها الانتخابية، بما في ذلك لشراء ذمم الناس، وجهل الناس وفقرهم يسهم في تنشيط هذه العملية الجائرة.

والسبب الذي يدعو إلى تصديق مثل هذه الاتهامات التي تدور في الشارع العراقي وعلى نطاق واسع يبرز في الغنى الفاحش لجمهرة كبيرة من المرشحين أو أولئك الذين يسندون قوائم بعينها والذين لا يعلم "إلاّ الله والراسخون في العلم" من أين وصلتهم هذه الأموال الطائلة التي تبنى بها العمارات والفنادق أو تشترى بها القصور بالخارج أو تصرف الملايين على الأعراس. إنهم أصحاب نعمة حديثة وقطط سمان يلتهمون أموال الدولة من خلال نظام الفساد السائد بالبلاد ومن قوى أجنبية لها مصلحة في ذلك، وليست هناك جهة واحدة تمارس هذا السلوك بل جهات عديدة.

إننا نتمنى أن تكون الانتخابات نزيهة، عندا سيفوز الأحسن من بين المرشحين، وهذا تمني لا غير في ظل الأوضاع الراهنة. ومع ذلك نقول بأن من يريد الخلاص من هذا الوضع المزري، من يريد التغيير يفترض أن ينتخب قائمة ومرشحي التحالف المدني الديمقراطي 232 فهم الذين يمثلون القوة الفكرية والسياسية والثقافية القادرة على تحقيق التغيير الذي ينشده الشعب ويتناغم مع حركة التقدم الاجتماعي ويحملون مهمات وأهداف هذا التغيير ومستعدون له، بخلاف الجماعات الطائفية التي تحمل الانقسام والتشتت في المجتمع العراقي وتساهم في تعميق الصراعات وتحويلها إلى نزاعات دامية، كما يعيشها الشعب في الوقت الحاضر.

 


9/4/2014
 



 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter