|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  11 / 1 / 2016                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

نقاش لا بد منه حول أحداث ليلة عيد الميلاد 2016 بألمانيا

كاظم حبيب
(موقع الناس)

بعد أن نشرت مقالي الأول حول ما حصل من فوضى وإساءات وتحرش جنسي إلى حد اغتصاب بعض الفتيات ألألمانيات في عيد رأس السنة الميلادية (السلفستر)، أرسل لي أحد الأخوة العرب مجموعة من التعليقات النقدية التي وصلته، إضافة إلى تعليقه الشخصي، والتي تنتقد مقالي الموسوم "ضيف ويدبچ على السطح" والمنشور في جريدة العالم العراقية وعلى صفحات موقع الحوار المتمدن ومواقع أخرى. كما وصلتني رسائل تأييد كثيرة جداً وتعليقات مفيدة من أخوات وإخوة آخرين حول المقال نفسه. وقبل أن تصلني هذه التعقيبات كنت قد بدأت بكتابة مقال جديد تحت عنوان "محاولة لفهم العوامل الكامنة وراء ما حصل في ليلة السلفستر 2016". لقد وقعت الأحداث في أكثر من مدينة ألمانية من جانب مواطنين عرب مسلمين يعيش أغلبهم منذ فتر بألمانيا وبعضهم الآخر من اللاجئين الجدد، كما تبين وجود إيراني وأمريكي وربما أخرين من جنسيات أخرى بينهم أيضا. ولكن وصول تلك التعقيبات جعلني أفكر بالإجابة على تلك التعقيبات أولاً. بعدها سأحاول كتاب مقال جديد أتوسع في دراسة ظاهرة التحرش الجنسي ومجمل القضية التي غيرَّت الكثير من الأجواء السياسية والاجتماعية إزاء الأجانب من العرب المسلمين والمسلمين بشكل عام بألمانيا والتي نأمل أن تكون مؤقتة.

سأبدأ بنشر تلك التعقيبات مع حفظ الأسماء، خاصة وأني احتفظ مع بعضهم بصداقة قديمة وود مستمر.
التعليق رقم 1: "هَم ضيف وهَم يدبچ على السطح : مقال للكاتب اليساري العراقي كاظم حبيب المثير للجدل بقوة كما انه وللاسف يسبق الاحداث ويوزع الاتهامات على العرب جزافا ...وقبل ان تنتهي التحقيقات وينطق القضاء كلمته .. وهذا ما ينص علية القانون الالماني الذي نحترمة ونقدرة !!!.بالرغم من تصريحات الشرطة ومنها بان الفاعلين على الاكثر من شمال افريقيا ولكن لحد الان بدون دليل ؟؟ واخيرا لابد من التاكيد على قول الاستاذ حبيب : من واجب العرب وكل الأجانب بألمانيا إدانة هذه الأفعال الدنيئة وشجبها والمطالبة بمحاسبة الفاعلين وإنزال العقاب العادل بهم، لأنها ليست من خلق وأعراف وعادات وتقاليد الضيف، وهي تسيء بشكل كبير للجميع دون استثناء".

التعليق رقم 2: "أكيد يجب شجب كل الأعمال الدنيئة والمهينة والتي لاتليق بأخلاقنا العربية والإسلامية . ولكن لماذا هذا التهويل /500/ ثم يلحق بهم /500/ في كولن . والفيديوهات المعروضة تبين بأنهم لايتعدون العشرين الى الثلاثين وهم ناس غير لاجئين بل مقبميين ويمكن ان يكونوا يحملوا الجنسية الألمانية وقد يكونوا بأصول عربية (شمال افريقيا) أي تربوا تربية المانية لأن العربي المسلم اللاجئ لا يمكنه ان يقوم بهذه الأعمال لأنه يخاف بخوف ووازع دبني ومجتمعي اولا وثانيا لأنه آت من دولة ديكتاتورية يرعبه مخالفة القانون".

التعليق رقم 3: "أتمنى على الصديق كاظم حبيب أن يتأكد من صحة كل ما ورد في النصف الثاني من مقالته المتعلق بما يقول أنه حدث في مدينة كولون ، إنصافاً للموضوعية ، مع خالص الود والتحية /".

يأخذ كاتبو هذه التعليقات على كاتب المقال ثلاث مسائل:
1: أن الكاتب كان متعجلاً في توجيه الاتهام للعرب، وكان عليه انتظار نتائج التحقيق.
2: وإن المشاركين في كل ذلك لا يزيد عددهم عن 20-30 شخصاً لا غير.
3: وأن الكاتب كان غير منصف في الجزء الثاني من مقاله.

يبدو لي بوضوح كبير وقوع بعض الأخوة في خطأ اعتقادهم بأني أوجه الاتهام للعرب، كل العرب حين يقول صاحب التعليق الأول : "وللأسف إنه يسبق الأحداث ويوزع الاتهامات على العرب جزافاً"، في حين إن المقال أكد دون أي لبس أو إبهام بأن القائمين بتلك الأفعال مجموعة صغيرة من العرب وأفارقة، ربما عرب وأمازيغ، من شمال أفريقيا ساهموا في تلك الأفعال. لهذا وجهت النداء إلى كل العرب بألمانيا أن يشجبوا هذه الأفعال ويدينوها لأنها تسيء إلى العرب جميعاً في حين إن أكثر من 99% من العرب والمسلمين براء من كل ذلك. إن مضمون المقال كله لا يوجه الاتهام للعرب والمسلمين بل يدافع عنهم من خلال الإشارة إلى إن هؤلاء جاءوا من منطقة الشرق الأوسط ومن شمال أفريقيا، وهو ما ثبت حتى الآن ولم أكن مخطئاً في هذا التشخيص الذي اعتمد على تصريحات المسؤولين الألمان، حتى إن بعضهم حاول إخفاء وجود لاجئين بين المعتدين لكي لا يساء إلى اللاجئين من قبل النازيين الجدد واليمين المتطرف واليمن عموماً. ويبدو لي إن بعض الأخوة يريدنا أن نكون، تحت تأثير الفكر القومي، كالنعامة حين تدفن رأسها بالتراب لاعتقادها بأن العدو لا يراها، بدلاً من مواجهة القضية بكل إبعادها والعمل على معالجتها وتجنب تكرارها، أو دفاعاً عن العرب أو أخيك ظالماً كان أو مظلوما.

والآن وبعد مرور عشرة أيام على وقوع الأحداث في مدينتين أساسيتين هما كولون وهامبورغ، إضافة إلى شتوتكارت وفرانكفورت، بنسبة إيذاء وتحرش أقل بكثير مما حصل في كولون وهامبروغ، تبين للجميع إن عدد المشاركين في تلك الاحتفالات من العرب وأفارقة شمال أفريقيا العرب هم بين 1000- 1200 شخص بمدينة كولون وحدها، وأن عدد الشكاوى المرفوعة من النساء الألمانيات وغيرهن بلغ حتى الآن (10/1/2016) بمدينة كولون 516 شكوى، إضافة إلى 133 شكوى في هامبورغ. وهذه الأرقام ليست من عندياتي، بل هي من الجهات المسؤولة والمنشورة على صفحات الصحف الألمانية وذكرت في نشرات الأخبار وعلى الإنترنيت، وهي أرقام رسمية، بعضها يمكن أن يشكل جنحاً والآخر جرائم جنسية أو غيرها. ومع إن السلطات الحاكمة لم يعتقل حتى الآن سوى مجموعة صغيرة من الشاركيت في تلك الاحتفالات والمشكوك بمشاركتهم في تلك الأفعال المخزية، فإن هذا لا يعني بأن الشكاوى المرفوعة كاذبة وبهذا العدد الكبير.

ويوم أمس (10/1/2016) صرح وزير العدل الألماني الاتحادي، وهو عضو قيادي في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأن الدلائل التي تتجمع لديهم تشير إلى احتمال كبير بوجود تنسيق وتنظيم مسبق بين الجماعات التي حضرت إلى محطة كولون الرئيسية وشاركت في ساحة الاحتفال ومارست تلك الأفعال بنية مسبقة. وأكد على ثلاث مسائل مهمة : التحري عن واقع هذا الاحتمال التنسيقي والمنظم مسبقاً، ثم عن الجماعات التي تقف خلفها، وأخيراً الابتعاد عن اتهام جميع اللاجئين بذلك.

لقد كان عنوان مقالي "ضيف ويدبچ على السطح" أو "نزل ويدبِك على السطح" فيه شيء كثير من الرمزية لما يفترض أن يتجنبه الإنسان حين يكون مهاجراً أو لاجئاً سياسياً في بلد ما، وليس مطابقاً لواقع الحال، إذ أن اللاجئ ليس ضيفاً، بل يمتلك حقاً ثابتاً في اللجوء لأسباب محددة ومعروفة دولياً أكدتها لوائح الأمم المتحدة والمواثيق والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وكذلك دساتير الدول الغربية كلها، ومنها ألمانيا الاتحادية، وهو ما أشار إليه الأستاذ خالد شبيل في رسالته الشخصية لي. إن وجود حق ثابت ومكرس في الدستور الألماني للاجئ السياسي في أن يحظى بالعناية في الدولة التي يلجأ إليها مسألة مهمة من جانب، ولكن وفي الوقت ذاته يفرض عليه ذلك جملة من الالتزامات الأساسية، منها مثلاً احترام الدستور والقوانين المرعية ويلتزم بها، بغض النظر عن رأيه فيها أو في بعض موادها والتي يمكنه أن ينتقدها ويعبر عن وجهة نظره بشأنها دون أن يتجاوز عليها. كما إن من واجب الدولة أن تحاسب من يسيء إلى بنود الدستور الألماني والعيش المشترك في إطار المجتمع الألماني على وفق الدستور والقوانين الألمانية المعمول بها، إذ من واجب الدولة الألمانية حماية مواطنيها، ومنهم الأجانب المقيمين فيها، بمن فيهم العرب والمسلمين، من أي تجاوز عليهم. وليس في هذا أي جديد، بل هو معروف للجميع ولم يكن ضرورياً تكراره وتأكيده في مقالي سابق الذكر.

يتبين من كل ذلك إن الإخوة المنتقدين قد تعجلوا هم بنقد مقالي لأني لم أحمل العرب، كل العرب ولا المسلمين، كل المسلمين، وزر ما حصل، كما أن المقال طالب بالتحقيق العادل والمسؤول ومحاسبة الفاعلين بكل عدل ومسؤولية وعلى وفق الدستور والقوانين الألمانية، كما لم أكن مبالغاً في تشخيصاتي المستندة إلى المسؤولين الألمان. كما طلبت من العرب المقيمين بألمانيا وكذلك من اللاجئين القادمين من المناطق الساخنة شجب وإدانة ما حصل، وكذلك الدعوة إلى الالتزام بالدستور والقوانين الألمانية وهو أمر ضروري جداً لصالح العيش المشترك والتفاعل والاحترام المتبادل.

ومع ذلك فشكراً على تقديم الملاحظات النقدية، إيجابية كانت أم سلبية، بشأن المقال، وعليّ أن استفيد منها، "والاختلاف في الرأي يفترض أن يفسد في الود قضية".
 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter