|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  10 / 7 / 2014                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

الرقصة الأخيرة : رقصة الموت السياسي لنوري المالكي!

كاظم حبيب

اليوم هو العاشر من تموز/يوليو 2014. مرّ شهر كامل على اجتياح مدينة الموصل واحتلالها والتوسع إلى مناطق أخرى في صلاح الدين والأنبار وديالى من جانب قوات الإرهاب الدموية. مر شهر على الهزيمة الكبيرة التي مني بها الجيش العراقي والشعب العراقي عموماً في الفلوجة والموصل وتكريت وغيرها بسبب السياسات الاستبدادية والسلوكيات الحمقاء التي مارسها رئيس وزراء العراق منذ منتصف الولاية الأولى له على رأس الحكومة الاتحادية. الأيام تمر وقوى الإرهاب بمختلف هوياتها، سواء أكانت محلية أم إقليمية أم دولية، تقتل وتدمر الإرث الحضاري للعراق وتدفع بمئات الآلاف من العراقيات والعراقيين إلى مغادرة دورهم ومناطق سكناهم والنزوح إلى إقليم كردستان العراق وإلى مناطق أخرى من العراق بعد أن أصبح مستحيلاً عليهم البقاء بمدينة الموصل أو المناطق التابعة لها تحت رحمة قوى الإرهاب التي أقدمت على قتل الكثير من البشر وإلى اعتقال وتعذيب آخرين وفرض البيعة عليهم للمجرم "أبو بكر البغدادي"، هذا الخليفة المسعور والمصاب بجنون التطرف والرغبة في القتل.

كان وما يزال هول الكارثة كبيراً على الرأي العام العراقي بالداخل والخارج، إذ أصبح ثلث مساحة العراق ونسبة عالية من سكانه تحت سيطرة ورحمة قوات "الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) والقوى البعثية وغيرها المتحالفة معها. وهي تسعى للتمدد والسيطرة على مناطق أخرى من العراق، إذ ما تزال الفلوجة وصلاح الدين وأقسام من ديالى تحت هيمنة هذه القوى الإرهابية التي بدأت تفرض رؤيتها المشوهة والمزيفة والكريهة للدين الإسلامي على سكان هذه المناطق وتفرض على المحتجين على سياسات الحكومة الطائفية ببغداد البيعة لهذه الدولة اللقيطة ليكونوا رعايا "الخليفة" أبو بكر البغدادي وأن يسلموا أسلحتهم لتنظيم داعش.

وفي الوقت الذي يواجه الجيش العراقي قوى داعش والبعث المسلح ويخسر المزيد من الضحايا، تغيب في الوقت نفسه عن البلاد الوحدة الوطنية الضرورية وحكومة وطنية مسؤولة وعقلانية وليس حكومة تصريف أعمال لا يحق لها ممارسة صلاحيات ودور الحكومة المنتخبة القادرة على مواجهة قوى الإرهاب ودحرها.

إن المالكي لا يغامر بحياته السياسية ويتدحرج بسرعة صوب موته السياسي فحسب، بل يغامر بأمن وسلامة ووحدة العراق. إنه يرقص رقصته الأخيرة، رقصة موته سياسياً حين يرفض الانسحاب من الحكومة ولا يسمح بعقد جلسة للمجلس النيابي الجديد بانتخاب حكومة وحدة وطنية، حكومة إنقاذ وطني، حكومة بديلة للحكومة الطائفية الفاشلة الراهنة ولرئيسها الذي دفع بها إلى هذا الفشل الذريع.

إن المالكي، كما قلت في مقال سابق مصابٌ بأكثر من علة نفسية واجتماعية، إضافة إلى إنه مصاب بخلل في قدرته على التمييز بين الأشياء والأحداث، إنه عاجز عن رؤية عواقب سياساته التي تدفع بالعراق إلى حرب أهلية مريرة. وأخيراً رفع عقيرته بشتم أولئك الذين احتضنوا على مدى أكثر من عقدين من السنين الكثير من العائلات المضطهدة والمطاردة والمحرومة من الأمن والاستقرار والسلام. وها هو إقليم كردستان العراق يحتضن اليوم المزيد من النازحين من محافظة الموصل والأقضية والنواحي والقرى والأرياف التابعة لها هرباً من القتلة الإرهابيين والنجاة من احتمال ذبحهم أو تعذيبهم حتى الموت.

إن اتهام المالكي لرئاسة وحكومة إقليم كردستان بالتآمر على العراق والتحالف مع القوى الإرهابية واحتضان أعداء الشعب العراقي هي كذبة كبيرة يجب الرد عليها وإفشال ما تسعى إلى تحقيقه، إذ إنها تسعى إلى ثارة الشعب العربي بالعراق ضد الشعب الكردي. إنها البداية، إذا ما بقى في السلطة، لشن حرب ضد الشعب الكردي، ولكن لن تكون نهايته بأفضل من نهاية صاحب عمليات ومجازر الأنفال وحلبجة صدام حسين. إن الحقد والكراهية التي ينشرهما رئيس وزراء العراق ضد الشعب الكردي باتهامه بإيواء مجرمين قتلة يجب أن ترد بقوة من كل الخيرين والمناضلين في سبيل عراق ديمقراطي مزدهر تسود قومياته الأخوة والتضامن. إن وجود شيوخ وسياسيين من المناطق الغربية المحتجة والمنتفضة على سياسات النظام العراقي الطائفي لا يعني بأي حال إيواء الإرهابيين والقتلة بأربيل أو غيرها من مدن إقليم كردستان العراق. إننا هنا نميز بين قوى الإرهاب والقوى التي طرحت مطالب عادلة منذ سنتين ورفض الاستجابة لها بعنجهية شرسة وتعامل بها بالسلاح بدلاً من الحوار الديمقراطي المنتج وتحقيق الفصل بين الإرهابيين والمنتفضين.

إن نوري المالكي ما زال يغامر بحياته السياسية، لقد بدأت الغالبية العظمى من الشعب العراقي تقرأ الفاتحة على دوره في الحياة السياسية العراقية نتيجة لطائفيته البشعة وعشقه المرضي للسلطة والهيمنة على البلاد وتحكمه بالمال والمجتمع. والدكتاتور الجديد لا يختلف في ذلك عن الدكتاتور السابق صدام حسين الذي عجز عن إثارة الشعب العربي ضد الشعب الكردي بالعراق، وهو ما سيفشل فيه قطعاً.

إن وحدة قوى الشعب العراقي بكل قومياته وأحزابه الوطنية ضرورة وملحة في المرحلة الراهنة، وعلى القوى والأحزاب السياسية الواعية بما حل بالعراق وشعبه وما يمكن أن ينتظرهما من كوارث جديدة، أن تضع خارطة طريق أو برنامج ينقذ العراق من الكوارث التي حلت به خلال الأعوام العشر المنصرمة وخاصة فترة حكم الجعفري والمالكي، فترة حكم حزب الدعوة الإسلامي المنصرمة، والكارثة الكبرى التي انتهت باجتياح واحتلال الموصل، إضافة إلى الفلوجة وتكريت وغيرهما. وبدون هذه الوحدة الضرورية التي عمل ويعمل المالكي على تفتيتها سيصعب حقاً على القوات المسلحة والشعب العراقي تحقيق النصر على أعداء الشعب العراقي من كل الفصائل الإرهابية، وخاصة داعش وجماعات البعث المسلحة ...الخ. إن وحدة الشعب تتطلب الخلاص من المليشيات الطائفية الشيعية أيضاً التي تمارس اليوم شتى صنوف انتهاك حقوق الإنسان في مناطق وجودها ونشاطها العسكري وإلى اعتقال وتعذيب وقتل المزيد من الناس الأبرياء بسبب هوياتهم الفرعية. إن السلاح ينبغي أن يبقى بيد الدولة وليس بيد المليشيات المسلحة اياً كانت تلك المليشيات.



10/7/2014
 





 





 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter