|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس 10 / 10 / 2013                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

هل من أخطاء فادحة ارتكبتها المعارضة السورية؟

كاظم حبيب

ابتداءً أقول لا يمكن ممارسة السياسة دون ارتكاب أخطاء، هذا بشكل عام وفي كل البلدان والأحزاب والمنظمات دون استثناء. وتزداد نسبة ارتكاب الأخطاء في تلك البلدان التي غابت وتغيب عنها شمس الحرية والحياة الديمقراطية وحقوق الإنسان والمؤسسات الدستورية وحين يهيمن حزب واحد على السلطات الثلاث وسلطة الإعلام عقوداً عديدة، كما هو حال الدول العربية دون استثناء سواء أكانت ملكية أم جمهورية، وحين يكون الوعي العام في المجتمع ما يزال ضعيفاً ومتخلفاً عن وعي الحالة التي يعيش فيها، سواء أكان الظلم أم الاضطهاد والقمع أم الفقر، ومتأثراً بشيوخ الدين الذين يوفرون غطاءً لكل ذلك، إضافة إلى العشائرية بتقاليدها البالية وطبيعة العلاقات الإنتاجية والاجتماعية السائدة. هذا الواقع لا يسمح لقوى المعارضة، وهي تناضل في ظروف السرية التامة وضد نظم دكتاتورية بغيضة وقمعية إلى ابعد حدود القمع التي يمكن تصورها، أن تكون ديمقراطية كما يفترض أن تكون أو كما يشتهي الإنسان، بل يأخذ الكثير منها، إن لم نقل كلها، سمات النظام وخصائصه وسلوكياته ذاتها لأنه يعيش تحت وطأته ويعاني منه.

هذه الرؤية للمعارضة السياسية في الدول العربية هي التي جعلتني في العام 1995 أن أسجل في كتابي "ساعة الحقيقة: مستقبل العراق بين النظام والمعارضة" ما يؤكد "أن أغلب قوى المعارضة السياسية بالعراق التي تكافح ضد نظام البعث وصدام حسين، إن لم نقل كلها، لها من السمات والسلوكيات الأسوأ من سمات وسلوكيات الدكتاتور صدام حسين". ومع الأسف الشديد برهنت الحياة على صحة هذا القول حين تولت المعارضة العراقية الحكم بالبلاد بعد سقوط الدكتاتور الأرعن صدام حسين وحزبه ونظامه الدموي، التي تمارس اليوم ذات الأساليب غير الديمقراطية والاستبدادية والتخلف الفكري والحضاري، والتي لا تعود إلى حضارة القرن الحادي والعشرين ولا تمت بصلة حتى إلى الدستور العراقي الذي أقرته القوى الحاكمة بعد أن صوت عليه الشعب. ومنها منع المظاهرات بذرائع واهية لا تصمد أمام الحاجة الفعلية للتظاهر لمنع الإرهاب والفساد والتعبئة ضدهما وضد الحكومة التي تسمح بوقوع كل ذلك في هذا العراق المستباح.

هذه الحقيقة المرة تجلت في سلوكيات المعارضة السورية الحالية التي هي خليط غير متجانس (لملوم) من قوى فكرية وسياسية كثيرة. لا شك في أن هذه المعارضة عاشت وما تزال تعيش تحت وطأة دكتاتورية بغيضة فاشية بكل معنى الكلمة في أساليب حكمها وقمعها وقتلها للناس في سوريا منذ أكثر من سنتين بشكل خاص. وقبل ذاك تصور البعض وكأن دكتاتورية حافظ الأسد وابنه بشار هما أهون على الناس السوريين من دكتاتورية صدام حسين وحزبه ونظامه ونسوا إن أساليب البعث في الحكم واحدة لأنها واحدة في الفكر والسياسة وإزاء المجتمع، وكان الفرق بين النظامين في البلدين يبرز في أن التناقض والصراع الداخلي بالعراق كان في حينها أشد وأعمق مما كان عليه في المجتمع السوري، مما دفع الدكتاتورية الصدامية إلى ممارسة أعنف أساليب القهر السياسي والاجتماعي ضد القوى المعارضة وتمارس سياسة الإبادة الجماعية وضد الإنسانية ضد الشعب الكردي وضد الكري الفيلية وضد عرب الجنوب والوسط بشكل لا يمكن إنكاره. ووحين تفاقم التناقض بسوريا وبدأت التجمعات المدنية تطالب بالديمقراطية يأد النظام السوري يتحرك كما كان النظام العراقي الصدامي يتحرك. واليوم يمكننا تأكيد حقيقة أن النظام السوري لم يكن أحسن من النظام العراقي والجرائم التي يرتكبها اليوم تدخل في عداد جرائم الإبادة الجماعية وضد الإنسانية والتي يفترض أن يحاكم رأس النظام وجمهرة من قياديي الحزب الحاكم والنظام كله أمام محكمة الجنائية الدولية في لاهاي/هولندا.

لا يختلف اثنان من المدافعين عن حقوق الإنسان حول طبيعة النظام السوري وجرائم قيادته السياسية وعائلة الأسد وبخاصة بشار وماهر الأسد لكي لا يذهب البعض ويتصور بأني أدافع عن هذا النظام المجرم حين أشير بعبارة صريحة وواضحة ومن موقع الحرص على الشعب السوري وقضيته العادلة إلى إن المعارضة السورية قد ارتكبت، وما تزال ترتكب، أخطاءً فادحة واحدة تلو الأخرى ومتربطة في ما بينها والتي يمكن بلورتها بالنقاط التالي :

1. الاعتماد غير المعقول وغير المقبول على نظام سياسي قمعي كالنظام السياسي في قطر، هذا النظام الذي نذر نفسه ليكون قاعدة أساسية في الدبلوماسية لصالح تنظيم الإخوان المسلمين ولصالح كل القوى الإسلامية السياسية المتطرفة والإرهابية وخاصة قوى القاعدة بأفغانستان وباكستان والعراق والآن بسوريا، حيث تشير وكالات الأنباء العالمية والعربية والعراقية, حيث يقدم لـ "جبهة النُصرة" جميع أشكال الدعم بالمال والسلاح والعتاد وبالسياسة والإعلام. وقد وضُعت قناة الجزيرة التابعة للشيخ الحاكم بأمره في خدمة هذه القوى والأهداف، رغم البداية الخادعة التي بدأت بها قناة الجزيرة. ولكن من كان يملك وعياً بحقيقة سير الأوضاع في قطر وعلاقتها بالولايات المتحدة ووجود أكبر خزين للسلاح الأمريكي في المنطقة فيها إضافة إلى وجود قوات أمريكية بذريعة حماية ترسانة السلاح، لأدرك بسرعة وسهولة طبيعة قطر وقناة الجزيرة ونشاطهما في المنطقة الذي يفوق حجمها معاً. وقد اختلفت مع الأخوة في مؤسسة ابن رشد للفكر الحر حين منحوا جائزة ابن رشد لهذه القناة ولم أحضر الندوة التي منحوا فيها جائزة العلامة الكبير أبن رشد لهذه القناة. واليوم كشف أمر هذه القناة ولم تعد تؤثر على الناس كما كانت عليه قبل. وبرزت على حقيقتها مع انهيار النظام الإخواني الشرس في مصر والذي تناغم مع موقف الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً. وقد كتبت في بدايات عمل القناة واتجاهها المعاكس مقالاً حول طبيعة عمل القناة منع من النشر في جريدة الزمان اللندنية في حينها وكان الصديق الأستاذ عبد المنعم الأعسم مديراً لتحريره وما يزال سعد البزاز رئيسها. إن التحالف مع قطر يعني التحالف مع قوى الإخوان المسلمين في سوريا وقوى جبهة الُنصرة في آن واحد، وهو الخطأ الأكبر الذي ارتكبته المعارضة السورية

2. والخطأ الثاني يرز في اعتمادها على الغرب وليس على الشعب السوري ونضاله وقدراته النضالية مما ساعد على انتقال الصراع المحلي ضد النظام إلى الساحة الدولية وجعله بين الغرب وحلف الناتو من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، والذي أدى إلى نسيان القضية المصيرية للشعب السوري وسقطت سوريا في حمى المصالح الحيوية لدول الكبرى بسوريا والمنطقة.

3. الخطأ الثالث يبرز في تبني المعارضة السورية وبسرعة لسياسة الكفاح المسلح. وهي نتيجة منطقية للتحالف مع قطر والسعودية والغرب التي كانت كلها تريد التصعيد ونقلها للصعيد الدولي، في حين كان بالإمكان خوض وتطوير النضال السلمي ضد النظام وفضحه حين يعمد إلى استخدام السلاح بما يعريه ويوسع قاعدة المعارضين لإسقاطه. وقد سمح هذا الوضع بتدخل مقابل من جانب إيران وحزب الله اللبناني الإيراني في المعارك الدائرة بسوريا.

4. والخطأ الرابع يبرز في أنها لم تميز نفسها عن قوى الإسلام السياسي التي تتبنى إقامة دولة إسلامية بسوريا والتي لا يمكن أن يركن إليها في النضال من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية، فهي ضد هذه الأهداف الخمسة بكل تأكيد، وهو ما برهنت عليه الحياة مجدداً بمصر وليبيا والعراق وتونس، وكذلك بسوريا.

5. والخطأ الخامس يبرز في عجز المعارضة السورية على توحيد جهود القوى المدنية والديمقراطية والعلمانية في الكفاح ضد النظام المجرم في سوريا، فبعضها متعاون مع قوى غير سليمة ومتصارع مع قوى أخرى ضمن القوى الديمقراطية والعلمانية والرافضة لتدخل الدول الكبرى في الصراع السوري.

6. إن الخطأ الفادح السادس برز في السكوت غير المسموح به نضالياً عن الموقف الطائفي المقيت والصارخ من جانب قوى إسلامية سياسية متطرفة وإرهابية صارخة، ولكنه برز أيضاً في تحليلات ومواقف شخصيات علمانية مثقفة ما كان يجوز أن يُطرح في تحليلاتهم مثل هذه القضية التي شجعت قوى النصرة على قتل المزيد من العلويين والمسيحيين والكرد ..الخ.

إن الضحايا التي سقطت في سوريا كبيرة جداً وتجاوزت الـ 120000 نسمة، دع عنك عدد الجرحى والمعوقين الذي يزيد عن ضعف هذا العدد، إضافة إلى أكثر من مليوني نسمة من المهجرين في الشتات السوري. إن تصحيح الأخطاء ممكن ولكن من الضروري الخلاص من التحالف مع الحليف الخبيث "حكام قطر" وقناتهم "الجزيرة" ومع السعودية. إن هذا يفتح الدرب على تصحيح بقية الأخطاء تدريجاً. كما لا بد من الخلاص من التعاون مع التحالف الدولي الذي لا يريد الخلاص من نظام الأسد بل من أسلحة الدمار الشامل (السلاح الكيمياوي). ورغم صواب الخلاص من السلاح الكيمياوي بسوريا، الذي استخدمه النظام ضد شعبه، ولكن هذا التحالف الغربي لا يريد بالضرورة تغيير النظام، فهو الآن يمكن أن يكون الأكثر خضوعاً للغرب بعد قلع أسنانه الكيمياوية. لهذا أقول من جديد، كان لا بد من الاعتماد على الشعب السوري ذاته وعلى طاقاته الفعلية. وكان عليهم أن يأخذوا من تجربة العراق درساً ثميناً لهم ومانعاً من الاعتماد على الدول الكبرى. فالعراق الآن في أسوأ أحواله، وخاصة القسم العربي من العراق. إن الدول الكبرى لا تفكر إلا بمصالحها ومصالح أقرب الحلفاء إليها. إن اللجوء إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا سمح لتحويل القضية إلى صراع دولي بين تلك الدول من جهة، وروسيا والصين بشكل خاص من جهة أخرى. وهو الذي عقد اللوحة السورية أكثر فأكثر. فما أن بدأ تدمير السلاح الكيمياوي بسوريا حتى بدأت محاولات جون كيري، وزير خارجية الإدارة الأمريكية, بإعادة تأهيل النظام السوري على حساب 120000 قتيل ومئات ألوف الجرحى والمعوقين والخراب الشامل بسوريا إذ أصبحت الكثير من المدن السورية حتى دمشق خرائب ومدن أشباح. وسيستمر القتال لمزيد من الدمار والموت والخراب وستجبر المعارضة السورية على الدخول في المفاوضات بميزان قوى ليس في صالحها وبخلاف ما كانت عليه المعارضة في بداية الحركة النضالية ضد النظام.
 


9/10/2013
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter