| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

كامل زومايا

kamelzozo@hotmail.de

 

 

 

السبت 24/1/ 2009

 

رحلة من اربيل الى بغداد ... ومسرحنا الفقير (*)

كامل زومايا
 
بالرغم من الحاح الإخوة الأحبة في اربيل ونصائحهم بالسفر إلى بغداد عبر الطائرة حيث الأمان واختصارا للوقت ، إلا إني كنت قد عزمت، أن أسافر في المنشأة ( حافلة 44 راكب ) . فبعد إن وصلت إلى كراج اربيل بصحبة صديق العمر ناظم ودعته على أمل اللقاء به ثانية في أربيل ، أخذت مكاني في وسط المنشأة ، وأخذ المسافرون إلى بغداد يصعدون للمنشأة ( الحافلة ) ، وكنت مندهشا لحركة الناس ، متذكرا سفراتي بين الموصل وبغداد، يوم خبئت في تلك المنشأة خبز الحزب القادم من الأبطال الأنصار بعيدا من عيون السلطة ومع تلك الإسرار قصيدة للشاعر الكبير سعدي يوسف مطلعها ....

بلاد بين نهرين
بلاد بين سيفين....

ذكّرت بها الشاعر سعدي يوسف عندما استضافه نادي الرافدين الثقافي في برلين قبل سقوط النظام وكان سعدي يوسف الانسان قبل ان يكون شاعرا حينذاك يكتب وصاياه للشعب لكي لا تهزه الريح الصفراء

لا تقلب سترتك حتى لو ابتلت
لا تشرب من ماء جبين....

ولكن شاءت الأقدار، إن الشاعر المتألق دوما سعدي يوسف نسى من وصاياه بعد حين وفي زمن حي على العمل ...
في سن الشيخوخة
قد يبدو الشعر الأبيض.......أسود

لنعود إلى المنشأة ونترك الذكريات التي تعتصر ألما في زمنا أبطاله جنودا مجهولين...في المنشأة.. تسعة نساء.. سافرة واحدة والباقي محجبات، وكان شابا ابن الثامنة عشر من عمره بائع الجرزات (المكسرات) يهيم صعودا ونزولا، ليبيع ( فستق إيراني وحب ابيض واحمر..) للمسافرين ....
الجرزات أو المكسرات .. هدية مناسبة للأهل وأنت عائد إلى أحضان بغداد الدافئة...
ناديت الشاب لكي اشتري منه بعض المكسرات ،الا اني فوجئت بسؤال سماوي ... ايها الزائر .... انت ؟؟
لمن ستشتري الهدايا أيها الزائر.؟؟
أنا بغداد.... وبغدادي لي لم السؤال ؟؟
ولكن وان جاهرت بذلك ....
أين مسكنك ؟ وأين اهلك ؟ وأين حبيبتك ؟ وأين أحلامك التي خبأتها في تلك الدوائر الأمنية ...؟؟
عليك أن تستفيق أيها الزائر... فأهلا وسهلا بك ... أو كما يحلوا لك أن تكنى.... أيها الــ بغدادي...
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.
بغداد أنا أبــــــــــنــك..
أعود لتستقبلينني هكذا يا أمي أنا البغدادي ...
لا خلان ولا حبيبه في بغداد
لا أهل ولا أقارب ولا جيران في بغداد
لا قلبا يخفق ولا ضمير يرتجف يا بغداد
بغداد أجيبي من يعرفني
- كفى .. كفى .. كفى .. سوف لن اشتري يا هذا، لا اريد مكسراتك حتى ولو بلاش بدون فلوس ...
لم يبقى لي في بغداد سوى أصدقاء ورفاق درب تعمدنا في سجن ابوغريب معا بعد تلك الهجرة القسرية لأبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري...
لنعد إلى الحافلة بدون ذكريات موجعة ، عند الساعة السابعة والربع من صباح يوم الثامن من كانون الثاني /2009 ، اكتملت الحافلة بمسافريها ،وأعلن السكن (مساعد السائق) انطلاق الرحلة إلى بغداد وأخذ السكن (المساعد) السائق بجمع الكروة (الأجرة) 15000 دينار إي ما يعادل ثلاث عشر دولارا ، لم أرى النساء المحجبات ماذا يفعلن، إلا أن البنت التي كانت على ما يبدو مع أبيها في العشرين من عمرها ، منكبه بقراءة كتاب أدبي ( قصة أو رواية أو ماشابه ذلك ) .
انطلق السائق في رحلته من كراج اربيل داسا شريطا في مسجل الحافلة وبصوت مرتفع بعض الشيء ....
ألم يشرح لك صدرك وآواك
والتين الزيتون
ويوسف وإخوانه التسعة والشمس والقمر
وعند انتهاء الشريط، أكمل السائق الوجهة الثانية من آيات الذكر الحكيم الرحمن الرحيم....مالك يوم الدين الرحمن الرحيم إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم .
وما انتهى الشريط الكاسيت حتى استبدله بأخر
سلام عليك يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث حيا
وبأي آيات تكذبان رب المشرقين ورب المغربين

فبالرغم من ساعتين من السفر إلا إننا مازلنا عند مشارف مدينة كركوك ، بادر احدهم من خلفي ويبدو من خلال تلفونه الخلوي ليطلق العنان لصوت حسام الرسام (عندي وطن ...) واخذ الأنين للوطن ونحن داخل الوطن !!! يتجدد ويتوهج ولم تتجاوز عشر دقائق أجابه حاتم العراقي بهدير صوته الشجي يبحث عن عودة المسافر التي طالت غيبته عبر نواحه لأهله وللوطن والاحبه ... الغريب انك حين تسمع تلك الأغاني وأنت في الغربة مؤلمة ، ولكن في الحقيقة هي أكثر إيلاما حينما تسمعها وأنت في وطنك! وانك لا تبتعد عن بغداد الا 200 كم تقريبا.
تجاسرت المطربة اللبنانية الوديعة أليسا بصوتها الهادئ بأنسامها العليلة تبحث عن صدى لحبها في أجواء مغبره عبر الطريق الصحراوي بين كركوك ـ بغداد ، فعلا كنت في صدمة من فرح وحزن في آن واحد ، فما زال صوت الشيخ القارئ يرتل القرآن ترتيلا والمطرب حاتم العراقي ينوح كالطير المذبوح من الهجرة  والمطرب حسام الرسام يبحث عن دار وايجار ويلطم بطريقته الخاصة والمطربة اللبنانية أليسا تتدفق حنانا بأغانيها الهادئة .
المثير للدهشة لم تسمع شكوى من المسافرين المستمعين قسرا. ... ولم اعرف هل هي من باب الحرية ؟
أم الخوف احدنا من الأخر..؟! استمر الوضع هكذا إلى حين توقف سائق المنشأة في منتصف الطريق تقريبا (طوزخورماتو) للاستراحة وما أن هممت للنزول لأتفاجئ بتلال من قشور الحب تحت المقاعد وعبر الممر داخل المنشأة ، بشكل لا يصدق فقد خاب ظني عندما اعتقدت بأنهم يشترونه المكسرات كهدية للأهل ، ولكن كما يبدو طوال الوقت كانت مجرشة ملا عبود الكرخي شغالة تناغما وانسجاما مع الأصوات المسموعة في المنشأة ليس إلا.
قبل أن نصل إلى بغداد وفي مضارب الخالص اوقفتنا سيطرة وسألت السائق :
- منين جايين؟ (من أين انتم قادمين؟)
- من اربيل
- وين رايحيين ؟ ( والى اين تذهبون ؟)
- الى بغداد
- هل الركاب زوار ايرانيين؟
- لا يابه لا.... عراقيين
- لعد اطبك للتفتيش ( اذن قف للتفيش !!!!!....)
- السائق ..... ماشاء الله ( مستهزئا)
تم التفتيش مثل عشرات التفتيش التي صادفناها في الطريق وقبل وصولنا الى بوابة بغداد.... سيطرة اخرى  :
- منين جايين ؟
- من اربيل ورايحيين الى بغداد
- مسؤول السيطرة مستفسرا سواح مو..؟ ( سواح اليس كذلك ؟)
ضحك السائق ونحن معه جميعا
- الله يخليك يا سياحة بهل الشتاء سياحة وبغداد ...

بعد تسع ساعات من الرحلة، وصلنا الى ساحة النهضة عند خط السريع ،حاولت ان استعلم معالم ساحة النهضة فلم اتمكن معرفة المكان ؟؟؟ ...
الركاب نزلوا من الحافلة منهم من كان اهله او اقاربه ينتظره والاخرين اقلوا سيارة الاجرة التكسي
استقبلتني بغداد ضيفا لمدة اسبوع لأنجاز معاملاتي لأثبت فعلا اني مازلت على العهد بغداديا وابن الرصافة والكرخ.


(*) المسرح الفقير مسرح لا يحتاج الى مخرج وممثليين ولا ديكور الجمهور يتحدث عن لسان حاله كيف هي اوضاع وثقافة البلد بدون رتوش او تزويق ، واني نقلت ما شاهدته بكل دقه والله على ما أقوله شهيد


غدا بعد نتائج الانتخابات
نداء : تلكيف تستغيث يا أهالي نيو تلكيف
 

¤ الكوتا "مسيحية" والقوائم الوطنية "قومية" ..!!
¤ احزابنا القومية "الكلدانية السريانية الاشورية " واصرارها على اذلال شعبنا في سهل نينوى
¤ زيارتي الى الوطن

 


 

free web counter