| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كامل العضاض
kaladhadh@yahoo.com

 

 

 

الخميس 30/10/ 2008

 

نظرة ثالثة على مسودة الأتفاقية العراقية الأمريكية

د. كامل العضاض
kaladhadh@yahoo.com

قبل الأطلاع على نصوص المسودة الأولى للإتفاقية أعلاه، كتبنا، في مواقع إعلامية عديدة، بتأريخ 27 حزيران الماضي، مقالا بعنوان، " مواقف من المعاهدة و مزالقها "، مستندين الى تسريبات كانت تنشر عن أهم نصوصها المفترضة. ونظرا لعدم التيقّن من رسمية أو صدقية النصوص المفترضة، أقمنا تحليلاتنا على اسس إشتراطية، أي وضعنا عددا محددا من المعايير و الشروط الوطنية اللازمة لغرض التفاوض مع الجانب الأمريكي، بهدف الوصول الى إتفاقية لا تخرق تلك المعايير والشروط الوطنية، وفي مقدمتها إحترام وصيانة سيادة العراق على كافة أراضيه ومؤسساته وثرواته، إحترام القوانين والدستور العراقي، والخضوع للقضاء العراقي، وعدم إستخدام الأراضي العراقية للقيام بإعتداءات أو شن حروب على دول أخرى، مجاورة وغير مجاورة، ومساعدة الحكومة العراقية لتحقيق الأمن والإستقرار، ومحاربة الإرهاب وفلول النظام السابق والقوى السلفية القاعدية وغيرها، وذلك بالتنسيق الكامل مع الحكومة العراقية، وإعادة بناء مؤسسات الدولة التي دمرت أثناء وبعد الغزو الأمريكي، بما في ذلك إعادة بناء القوات المسلحة، الجيش والشرطة، وتاهيلهما للدفاع عن أمن وحدود العراق، والسعي الجاد لإعادة بناء الأقتصاد العراقي، وجلب الإستثمارات، وتقديم الدعم الفني والثقافي واللوجستي للحكومة العراقية، واخيرا وليس آخرا دعم العملية السياسية و ترصين النظام الديمقراطي، وحماية القوى الديمقراطية من مكائد وتصفيات القوى الظلامية غير الديمقراطية.
الى جانب هذه المكاسب المطالب بها للعراق، ما هي مكاسب أو مصالح الجانب الأمريكي؟ إذ لايمكن أن تقدم هذه الخدمات والمساعدات مجانا ولوجه الله، وقلنا بأن لكل شئ ثمن. فإذا كنتم لا تريدون دفع اي ثمن، فتحملوا مسؤولية إعادة بناء العراق وصيانة أمنه ووحدته بعد رحيل القوات الأمريكية. ادرسوا وحللوا الأوضاع المحيطة في العراق، هل بإمكان الحكومة العراقية لجم تدخل دول الجوار وخصوصا إيران وسورية؟ هل تستطيع القوات العراقية القضاء على الإرهاب الممول من الخارج لوحدها؟، وحينما نصل الى قناعة صادقة بأن الحكومة لا تقدر على كل ذلك، بل ربما تنهار وتتقسّم، فلابد، إذن، من الوصول الى تقديم تنازلات للمصاح الأمريكية الإستراتيجية الحقيقية، وليست الوهمية أو المهوّلة دعائيا. وهنا لابد من معرفة حقيقة هذه المصالح وليس ما يروج عنها بدوافع سياسية تزيفية. ما هي فعلا مصالح الأمريكان؟ النفط في المقدمة منها، هل يأخذوه مجانا؟ كلا، حتى الساذج لا يمكن أن يصدق ذلك، كلا أنهم يريدون ضمانات لإستقرار تدفق البترول العراقي الى الأسواق الأمريكية بالأسعار العالمية، ولربما هم يريدون أفضلية من ناحية التجهيز، بل قل أسبقية. علما بأن الحكومة العراقية كانت تمنح أفضلية الى دول أخرى، ليس بالتجهيز فقط، وإنما حتى بالأسعار المخصومة بشكل كبير، كما تفعل، حاليا، مع الأردن، و كما فعلت بالسابق مع سورية، وستفعل مع لبنان. بل إن هذا الكاتب يعرف بأن العراق كان يمنح الحكومة الفيتنامية في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات من القرن الماضي نفطا خاما بالنسيئة، بلغت قيمته في وقتها أكثر من نصف مليار دولار، وذهب هذا الكاتب مع وفد فني، في عام 1985 للتفاوض حول إمكانية تسديدها بسلع فيتنامية، وتحقق دفع بسيط، أما غالبية القرض النفطي فلم يسدد لحد الآن! وحين ترغب الولايات المتحدة بالقضاء على الإرهاب القاعدي والسلفي، فهذه رغبة لا تختلف عن رغبة الحكومة العراقية ، فلم لا يساند العراق جهود الولايات المتحدة في هذا المجال، وهو أول ضحايا الإرهاب. وحين تريد الولايات المتحدة وجودا يرقّّي مصالحها الإستثمارية والتجارية و يزيد من نفوذها الدولي، وإذا كان العراق بامس الحاجة الى رؤوس الأموال الأجنبية والتقنية الأمريكية العالية، والثقافة العلمية والتكنلوجية للنهوض من كبواته الظلامية، فما أشد حاجته لأن يكون شريكا لأعظم دولة تقنيا وإقتصاديا في العالم. وعلى ذلك، فإن جلّ المصالح الأمريكية مفهومة، وتسعى لمثلها أية دولة أخرى، إذ ،كما قلنا، ليست الدول جمعيات خيرية، إنما تبادل المصالح هو القانون والديدن في العلاقات الدولية. نخلص من هذا، إن على العراق أن يقبل بالمقابل أن يكون شريكا تجاريا، مع إعطاء أسبقية للولايات المتحدة في تعاملاته التجارية والإقتصادية، وأن يكون مستعدا ليكون ظهيرا لها في مكافحة الإرهاب وفي تحقيق الإستقرار والسلم في الإقليم والعالم، وفي أقامة نظام ديمقراطي حر، وثقافة ديمقراطية علمانية وإنسانية متنورة. إذا كانت هذه هي المصالح الأمريكية، فالعراق سيكسب و لايخسر بتأمينها في إتفاقياته الأمنية وغير الأمنية مع الولايات المتحدة. قلنا هذا قبل الإطلاع على النصوص الفعلية للإتفاقية،
أنظر موقع الناس الموقر  www.al-nnas.com   .
ولكن بعد إطلاعنا على مسودة أولى للإتفاقية، كانت قد أعدت في 8 أيار من عام 2008، قمنا بدراسة نصوص تلك المسودة الأولى، مادةُ مادةُ، في ضؤ المعايير والشروط الوطنية التي ذكرناها آنفا، وكان نقدنا غير مساوم أو متساهل أبدا، بل شخصّنا، بوضوح، المواد التي تتضمن شرخا للسيادة الوطنية، أو التي لا تحترم القوانين والقضاء العراقي، أو الولاية القضائية، والمواد التي تقدم إمتيازات للقوات والمتعهدين الأمريكان والتي تضّر بالمصالح العراقية الإقتصادية والمالية والسياسية والإجتماعية، وطالبنا بمراجعتها، بل وإتهمنا الفريق المفاوض العراقي بأنه لايضّم بين أعضائه إقتصاديين وماليين وإجتماعيين، كما اتضح ذلك من خلال مراجعة بعض المواد التي تتعلق بإدخال العملات الأجنبية، والتفتيش على مستوردات وصادرات وإعادة تصدير السلع والخدمات من قبل القوات الأمريكية في العراق، وغيرها من المواد الأساسية. وهذا فضلا عن كشفنا للغموض في العديد من المصطلحات المستخدمة في بعض مواد الإتفاقية، مثل تحديد توقيتات الإنسحابات، ومفاهيم الأرهاب و مراعاة القوانين العراقية، وغيرها، أنظر موقع الناس الموقر، بإعتباره لايزال ناشرا لهذا المقال، بعنوان، " ملاحظات أساسية حول مسودة الأتفاقية بين حكومتي الولايات المتحدة وجمهورية العراق بشان وضع القوات"، 
www.al-nnas.com .
والآن وبعد مرور عملية التفاوض الى مرحلة شبه نهائية، ولدى إطلاعنا على خلاصة عن مسودة الإتفاقية التي قيل أنها نهائية، وإنها أحيلت الى البرلمان لمناقشتها، وقيل ما قيل عن معارضة بعض القوى المحلية المرتبطة بإيران، مع معارضة إيران الصريحة والنشطة، طبعا، ضدها، مما جعل مجلس الوزراء يضيف تعديلات إضافية عليها، بينما تقول الإدارة الأمريكية، إنها لا يمكن أن تقبل تعديلات أخرى على جوهر الإتفاقية. وبطبيعة الحال، نحن لا نعرف طبيعة هذه التعديلات، بل أن عملية التفاوض كلها لم تكن شفافة، وإن الجمهور والمثقفين العراقيين تركوا في غفلة عنها، وقلنا، في وقتها، إن هذا الإغفال يشكل عيبا بنيويا في النظام الديمقراطي السليم. وعلى أية حال، لنرى ماذا تكشف الصياغة المطروحة الآن على البرلمان والتي يقال إن تعديلات إضافية عليها قد قدمت، قبل إقرارها. وللموضوعية والأمانة ولحرصنا الشديد على مستقبل وطننا الغالي، وبدون الإلتفات الى المزايدات السطحية والتوظيفات السياسية، المعارضة للإتفاقية، بغض النظر عن محتواها ونصوصها، نوجز في أدناه أهم الملاحظات:
1. على رغم عدم إطلاعنا على النصوص المفصّّلة، مادةً، مادةً، للأسف، لكن يمكن القول إن الصياغة الجديدة قد عالجت الى حد بعيد الولاية القضائية، وجعلت القضاء العراقي له الولاية على كل الجنايات "الجسيمة" التي ترتكب خارج الواجب وخارج المنشآت والمساحات التي تقيم بها القوات. وهذا على الرغم من رغبتي لو تحذف صفة الجسيمة، وتمنح ولاية القضاء العراقي على كل الجنايات مهما كان حجمها؛ وهل بالإمكان بلوغ المثال!
2. إن النصوص الجديدة حددت بوضوح أكثر، مواعيد الإنسحابات، بما فيها الإنسحاب النهائي، بموعد لا يتعدى30 ديسمبر، ( كانون أول)، من عام 2011؛
3. أقرت النصوص بأن تدار عمليات القوات الأمريكية بتنسيق كامل مع الحكومة العراقية، من خلال لجنة مشتركة
4. وبموجب الإتفاقية ستسلم المراقبة والسيطرة على المجال الجوي العراقي الى السلطات العراقية فور دخولها حيز التنفيذ؛
5. تعتبر موافقة حكومة العراق على تنفيذ جميع العمليات العسكرية متوقفة على التنسيق الكامل مع السلطات العراقية من خلال لجنة مشتركة لهذا الغرض؛
6. لا يزال هناك غموض وعدم وضوح في بعض المصطلحات والمفاهيم، ومنها الإرهاب والأمن والتدخل الخارجي، وغيرها، ولكن وجود لجنة أو لجان للتنسيق، ربما يخفف من الإشكاليات التي قد تبرز، فتمس السيادة العراقية؛
7. لآتزال هناك مواد ونقاط أخرى عالجناها في دراستنا المشار إليها آنفا، ولا يبدو أنها عولجت بشكل مرض بهذه الصياغة شبه النهائية؛
8. نحن نعتقد أنه لا يزال هناك متسع من الوقت لإجراء تعديلات لا تؤثر على جوهر الإتفاقية، بإعتبارها إتفاقية للتعاون الأمني، يتم تنفيذها بمعرفة وإشراف الحكومة العراقية.
9. لابد من القول إن هذه الإتفاقية هي إتفاقية إدارية تنظيمية لوجود القوات الأمريكية في العراق، وهي ليست معاهدة على غرار معاهدة اليابان، إذ لاتزال هناك حاجة لمعالجة إحتياجات العراق الأخرى الملحة في مجال إعادة الإعمار، وإعادة بناء المؤسسات والقوات المسلحة، الجيش والشرطة، ودعم العراق فنيا وتقنيا وثقافيا، وإقتصاديا. إن هذا الدعم المطلوب لإحتياجات العراق التنموية الأخرى، ليس سوى حق شرعي، ذلك لأن الولايات المتحدة، بصورة أساسية، هي المسؤولة عن كل الدمار الذي حلّ في العراق أثناء وبعد الغزو وهي التي حلّت الجيش العراقي وبددته، وهي التي حلّت كل المؤسسات الأمنية، بل وسمحت بتفكيك بعض المنشآت الإقتصادية الهامة، وشرعت ابواب حدود العراق لدخول الإرهابيين وجهات أخرى جاءت لنهب مقتنيات العراق الأثرية والفنية، بل إن قواتها كانت تتفرج على إستباحة ونهب المؤسسات والممتلكات العامة بعيد إحتلال بغداد، فمن المسؤول عن كل ذلك؟
في الخلاصة نقول، بأمانة و موضوعية، إن الصياغة الجديدة قد عالجت معظم القضايا الأساسية التي شخصّناها، كمثالب في مسودة أيار السابقة، ولكننا نعتقد بأنه لابد من وجود معاهدة، ملزمة لحماية العراق من التدخلات الخارجية ومن محاولات تجزأته وتقسيمه أو فصله الى دويلات وأقسام بأية حجة أو شعار مذهبي أو عرقي. وفي كل الأحوال، لابد من تنظيم التعاون الإقتصادي والمالي والفني والثقافي، بإتفاقيات تخصصية، توفي بموجبها الولايات المتحدة بإلتزاماتها للتعويض عن كل ما ترتب على غزو العراق، وقبل ذلك من جراء مهاجمته عسكريا وحصاره لأكثر من عقد من الزمان، مع إستعداد العراق ليكون شريكا إستراتيجيا للولايات المتحدة لتحقيق الأمن والسلم الإقليمي والعالمي، ولتحقيق الشراكة التجارية والإقتصادية، وفقا لمبادئ التجارة الدولية، ولترصين الديمقراطية في العراق، وفقا للمبادئ الإنسانية وحقوق الأنسان العالمية. على حكوتنا أن تثابر لتثبيت والدفاع عن حقوق العراق جميعها، دون كلل، وهذا هو معيار الولاء الوطني للعراق، وطن الجميع، دون محازبة او طائفية أو ممايزة عرقية، عراق الإنسان العراقي، مهما كان جنسه أو لونة أو دينه إو عرقة. هذه هي الأجندة الوحيدة التي ينبغي أن تعمل بموجبها الحكومات الوطنية، إذا كانت وطنية! ووربما نعود لاحقا لهذا الموضوع الهام، حسبما يتطور الوضع، فقد يتطور بإتجاه تأجيل التوقيع على الإتفاقية، والتمديد للقوات تحت رعاية مجلس الأمن الدولي، أو توقيع الأتفاقية برعاية وإشراف الأمم المتحدة، وربما سيكون هذا الخيار الأخير هو الأفضل، اي سيكون أفضل لو قبلت االأمم المتحدة أن تكون هي الضامنة لتطبيق الإتفاق الثنائي ما بين العراق و الولايات المتحدة!



29أكتوبر 2008

 

free web counter