| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كامل العضاض
kaladhadh@yahoo.com

 

 

 

السبت 23/8/ 2008

 

ملاحظات أساسية حول
 " مسودة الإتفاقية بين حكومتي الولايات المتحدة وجمهورية العراق بشأن وضع القوات"

د. كامل العضاض
kaladhadh@yahoo.com

1. تمهيد:
إن الغرض من هذه المقالة هو لمحاولة المساهمة في إثارة الوعي والإهتمام الشعبي والنخبوي العراقي حول مسار المفاوضات بين الجانبين العراقي والأمريكي لإعداد ما يسمى، حتى الآن، ب "الإتفاقية " بين الحكومتين الأمريكية والعراقية. وسنعلّق ونناقش، بالطبع، بنود هذه المسودة، بعدما ندرسها بهدؤ، ونبدي ما نعتقده ملاحظات أساسية حولها، بدون الإلتفات الى أية إرهاصات " شعارية " مزايدة. ولكن، وقبل المباشرة بذلك، لا بد من توضيح طبيعة هذه المسودة ومصدرها، وتوصيف هيكلها ومحتوياتها ومحاورها، وذلك تمهيدا لتحليلها ومناقشتها بموضوعية كاملة، و بدون التأثر بالمواقف المتشنجة أو الرافضة، وربما بصدق، لموضوع توقيع أتفاقية مع الولايات المتحدة أصلا.

2. وصف الوثيقة ومحتوياتها ومحاورها
إن عنوان الوثيقة أعلاه مأخوذ نصّا من المسوّدة ذاتها، والتي إستلمناها، كفايل مصوّر، من اصدقاء أعزاء، و مصدرها، بالطبع، العراق. ونشير الى إن العنوان الأصلي تضمن إشارة لاحقة، بأن المسوّدة هي، " مسوّدة موقف المفاوضات لغاية 8 أيار 2008 ". وعلى ذلك، نعتقد بأن العمل لا يزال جار لإستكمالها، وحلّ نقاط الإختلاف العديدة المشار إليها على هوامش المواد الخمس والعشرين التي تتألف منها الوثيقة لحد الآن. قد لا نسجل رأيا قاطعا حول النقاط التي لا تزال خلافية، ولكننا، بالتأكيد، سنناقش، وبقوة، النقاط المتفق عليها. ويلاحظ، أيضا، بأن نصوص المواد والهوامش والمواقف التفاوضية الختامية، هي ملوَنة بالألوان الخضراء والصفراء والحمراء، وأحيانا الرصاصية. فاللون الأخضر يشير الى المادة المتفق عليها عموما، والأصفر يشير للمادة غير المتفق عليها بعد، أما الأحمر، فيشير الى المادة التي عليها إختلاف كبير. ومن يطلع على أصل الوثيقة، سيلاحظ تعليقات مثيرة للإنتباه، سواء كانت تلك التي تصدر عن السفير الأمريكي أو عن الجانب العراقي. وعندما يكون نصّا معينا ملوَنا باللون الرصاصي، فهو يشير لنجاح الجانب العراقي في فرضه.
تتألف وثيقة مسودة الإتفاقية هذه من خمس وعشرين مادة، معظمها تتبعه فقرات متعددة. وتنتهي بعناوين؛ للملحق (أ)، الذي لم ينجز بعد، وتتبعه ثلاثة مرفقات تخص نشاطات محددة، ولكنها هي الأخرى لا تزال قيد الإنجاز. سنهتم فقط في مناقشة عدد محدود من المواد المتفق عليها، والمواد التي يطالب الجانب العراقي بتعديلها؛ أي لمناقشة طبيعة التعديل المقترح، بينما سنمرّ مرور الكرام بمواد وصفية وتعريفية روتينية، ولكن سنتوقف عند أي من هذه المواد التي لنصوصها آثار إقتصادية وإجتماعية ومالية ضارة، في رأينا، بالإقتصاد والمجتمع العراقيين. وقبل المباشرة، أيضا، بمناقشة المواد، لابد من التذكير، بل والإنطلاق من بعض المعايير الوطنية، وخصوصا تلك التي عرضناها في مقالة سابقة لنا " مواقف من المعاهدة ومزالقها "، في 27/حزيزان/ 2008، (
أنظر صحيفة الناس الإلكترونية الغراء؛ www.al-nnas.com  ) .
وكما أشرنا، فإن الوثيقة تتألف من خمس وعشرين مادة وملحق وثلاثة مرفقات، ويسبقها عنوان لم يتفق عليه بعد، ثم ديباجة، تم الإتفاق على إعادة صياغتها بعد الإنتهاء من صياغة بنود الإتفاقية نهائيا. وندرج في أدناه محاور الإتفاقية، كما معبّر عنها بعناوين المواد، وكالآتي:

المادة الأولى؛ المجال والغرض؛
المادة الثانية؛ التشاور والتعاون السياسي والعسكري؛
المادة الثالثة؛ إحترام قوانين وأعراف وتقاليد العراق؛
المادة الرابعة؛ تعريف المصطلحات؛
المادة الخامسة؛ إمتلاك الممتلكات؛
المادة السادسة؛ إستخدام المنشآت والمساحات المتفق عليها؛
المادة السابعة؛ تمركز وتخزين ومعدات الدفاع؛
المادة الثامنة؛ حماية البيئة؛
المادة التاسعة؛ حركة السيارات والزوارق والطائرات؛
المادة العاشرة؛ إجراء التعاقد؛
المادة الحادية عشر؛ توفير الماء والكهرباء؛
المادة الثانية عشر؛ وضع الكوادر العاملة؛
المادة الثالثة عشر؛ حمل الأسلحة وإرتداء البزّات الرسمية؛
المادة الرابعة عشر؛ دخول البلاد ومغادرتها؛
المادة الخامسة عشر؛ الإستيراد والتصدير؛
المادة السادسة عشر؛ الضرائب والرسوم؛
المادة السابعة عشر؛ التراخيص أو التصاريح؛
المادة الثامنة عشر؛ المركبات الرسمية؛
المادة التاسعة عشر؛ خدمات النشاطات السائدة؛
المادة العشرون؛ العملة والصرف؛
المادة الحادية والعشرون؛ المطالبات ( عموما، التعويضات )؛
المادة الثانية والعشرون؛ تعميم الإتفاقية لأطراف ثالثة؛
المادة الثالثة والعشرون؛ المرفقات؛
المادة الرابعة والعشرون؛ الخلافات والتنفيذ؛
المادة الخامسة والعشرون؛ الدخول حيّز النفاذ والتعديل وإنهاء العمل؛

هذه هي أهم بنود ومحاور الإتفاقية، قيد الإنجاز، وسنحاول تجنب الإسهاب في شرح مضامين كل مادة، نظرا لما قد يسببه ذلك في إطالة المقالة وتعقيدها، وعدم تيسير قراءتها للجميع؛ فالمختص بإمكانه الرجوع الى أصل الوثيقة التي سنحاول إرفاقها مع المقالة، لمقارنة عرضنا وملاحظاتنا.

3- المعايير الوطنية المعتمدة لمناقشة أهم مواد الوثيقة:
لتشكيل موقف ناضج من أي حدث أو فعل أو صفقة، مهما كان نوعها، لابد أن يكون هناك طرفان أو أكثر، لهما أو لها مصالح في نتائج الحدث أو الفعل أو الصفقة؛ وقد تكون المصالح مادية بحتة، أو معنوية، ( بالمعنى الواسع )، أو كلاهما. والحصيف من الطرفين هو من يستطيع، ليس فقط تحديد مصالحه، إنما أيضا التعرّف على مصالح الطرف الآخر المشارك بالحدث أو الفعل أو الصفقة. وهذا التبسيط يتجاهل، طبعا، حالة الكرم والتضحية أو التعفف، أو غير ذلك، لأن هذه قد تكون حالات فردية غير شائعة، ولكنها، بالتأكيد غير موجودة في العلاقات والتعاملات والإتفاقات بين الدول. فالولايات المتحدة التي تدعو وتسوّق الديمقراطية للدول الأخرى، لا تفعل ذلك كرما منها، أو لأن لديها رسالة سماوية بهذا الشأن. لقد كانت تساند ولا زالت تساند بعض الدول الطغيانية، حينما تقتضي مصالحها ذلك. ولكن بعد غياب التحدي السوفيتي، وتفردها في العالم، ومن ثم ظهور وتضخم حالة الإرهاب الدولي السلفي المتلحف بالإسلام، وقيامه بمهاجمتها في عقر دارها، صارت الدعوة الى الديمقراطية مطلبا إستراتيجيا للأمن القومي الأمريكي. ولا نود الإفاضة في هذا الموضوع. فالولايات المتحدة مع حلفائها إحتلت العراق في نيسان 2003، ولم تزح فقط النظام الطغياني القائم آنذاك، إنما هدمت الدولة بكل مؤسساتها الأساسية، خدمة لمصالحها الأساسية ومشروعاتها الإستراتيجية، بعيدة الأمد؛ والنفط، بالطبع، يقع هنا في قلب هذه المصالح، الى جانب مصالحها في محاولة لجم التهديدات المحتملة لأمنها القومي في الأمد البعيد، سواء كان مصدرها الإرهاب أو دولة قومية منافسة أو غريمة لها على الصعد الإقتصادية والمالية والفنية والسياسية، كالصين وروسيا ودول جوار العراق؛ وإيران تأتي في مقدمتها. والآن تدعو الولايات الى إستبدال الإحتلال بإتفاقية، وهي تسمية مخففة لمعاهدة متوسطة أو طويلة الأمد، تنظم بموجبها مصالحها المباشرة وبعيدة الأمد، وفقا لمنظورها هي عن دورها كقوة عظمى وقائده على مستوى العالم كله. وحين تصيغ أو تقترح هي بنود أو مواد إتفاقية، (سمّها ما تشاء)، فلابد أن تضع مصالحها أولا في الإعتبار. إن مشكلة التفاوض مع طرف قوي ومؤثر كالولايات المتحدة ذات الأهداف والغايات المتعددة، الصريحة منها والخفية، تكمن في القدرة على تحديد وتشخيص هذه الأهداف والغايات، ليتسنى للجانب المفاوض الضعيف، كما هي حال العراق اليوم، تحديد مصالحه، ضمن خيارات تتفاوت من الأفضل الى الأقل سوءا، مع تقدير لكلفة كل خيار على المصالح الوطنية؛ والمصالح الوطنية تبتدأ بمصلحة السيادة الوطنية والإستقلال وحرية إتخاذ القرارات؛ وهناك مصالح أخرى تليها بالمنزلة، كالقدرة على صيانة وحدة البلاد وإستقلالها وحمايتها من التقسيم ومن التدخل الأجنبي، وكالقدرة على إدارة الثروات الوطنية لصالح جميع العراقيين وأجيالهم القادمة، دون تمييز أو تفريق؛ وزد على ذلك، المصالح الوطنية لتنمية الإقتصاد والمجتمع. ولجذب الإستثمارات وتطوير وإستغلال الثروة النفطية لصالح تنمية مستدامة حقيقية. هذه كلها مصالح يعرفها ويتكلم عنها الجميع، ولكن السؤال هو كيف نعبّر عنها أو نذود عنها، عندما نعقد معاهدات أو إتفاقات مع دول أخرى، عظمى كانت أم صغرى؟ هنا ينبغي التوافق على إستراتيجية وطنية يقبلها كل العراقيين، ممثلين بقادتهم وأحزابهم ونوابهم وسياسييهم. أما إذا لم يتوفر توافق وطني على الخيارات المتاحة، كما هي اليوم حالة الإنقسامات الضارية، الدينية والأثنية السائدة في عراق مابعد الإحتلال، عند ذاك سيتمكن الطرف الأمريكي الأقوى من تغليب، بل وفرض مصالحه، وتقديم خيارات هشة للطرف المقابل الضعيف، العراقي في هذه الحالة. فالكرد، مثلا، تجدهم متحمسين للإتفاقية ومستعدين للتساهل والتسهيل، بينما الأطراف الأخرى، أما مترددة أو خاضعة لضغوط سياسية خارجية، (وطنية وأجنبية )، كما هي حال الحكومة الحالية، أو معارضة بغض النظر عن المصالح الوطنية، كما هي حال بعض القوى الشعبوية ذات الإرتباط بدول أجنبية، لاتناسب الإتفاقية مصالحها، أو معارضة بدون وعي مناسب. وعليه، تقتضي الوطنية العراقية الحقيقية ضرورة وجود إتفاق كامل على معايير وطنية، لتشكل مقياسا لوزن بنود الإتفاقية، ولتقدير مقدار وفائها بالمصالح الوطنية، مقابل تقديم ثمن ما مدروس للطرف الآخر، وبما لا يمس المصالح الوطنية العليا.
والمعيار الأول بهذا الخصوص هو أن يستعيد العراق إستقلاله ويخرج من البند السابع، وبذلك يصبح خضوع أية قوات أجنبية لإرادة الحكومة الوطنية وللقوانين العراقية تحصيل حاصل. أما المعيار الثاني، فهو تثبيت حق العراق بإعادة وتطوير كافة مؤسساته العسكرية والأمنية التي هدمها الإحتلال، سواء كان ذلك بقصد أو بدونه؛ وهذه مسؤولية تتحملها الولايات المتحدة بصورة أساسية. والمعيار الثالث، هو إذا كان الإستقرار والسلام والديمقراطية هي الأهداف المعلنة من قبل الولايات المتحدة للعراق، فهذه لن تتحقق بدون وحدة العراق أرضا وشعبا، وبدون ضخ الإستثمارات، ( منح وقروض )، لإعادة بناء وتطوير البنى الإنتاجية في الإقتصاد العراقي. إن تعويض العراق عن الأضرار التي نشأت أثناء الغزو وبعد الإحتلال هو حق له وليس رجاء أو إلتماس يقدمه. وهناك معايير أخرى، لا مجال للخوض فيها، ولكنها تصّب في سيادة الدولة العراقية للتصرف في مواردها، ولتطوير علاقاتها الدولية والإقليمية والوطنية، بما يخدم أغراضها الإستراتيجية الوطنية.
في ضوء هذه الإعتبارات والمعايير سننظر فى بنود الإتفاقية، موضوع بحثنا، وسنشير الى بعض المقارنات بمعاهدات عقدتها الولايات المتحدة مع دول أخرى، في ظروف مختلفة.

4- مناقشة أهم مواد أو بنود الإتفاقية:
قبل المباشرة في إبداء الملاحظات حول المواد المنتقاة، لابد من الإشارة الى أن الجانب الأمريكي حرص على تسمية هذه الوثيقة بالإتفاقية، وليست بالمعاهدة، مبررا ذلك، حسب تعليق السفير كروكر الوارد في الهوامش، بأن الكونغرس الأمريكي سوف لا يصادق على معاهدة مع العراق، ولكن الإتفاقية يمكن أن تمرّ بدون عرضها عليه. وملاحظتنا هنا ذات شقين؛ الشق الأول، إن الإتفاقية لا تلزم بالتعهد بل بالتشاور والتعاون لتنفيذ الأهداف؛ وعلى ذلك فإن الولايات المتحدة قد تتدخل أو قد لا تتدخل عسكريا إذا تعرض العراق لغزو من قبل دولة أجنبية، أو قام بعض أقاليمه أو محافظاته بالإنفصال الفعلي، كأن ينفصل الأكراد نهائيا، أو يقوم دعاة فدرالية الوسط والجنوب من قادة الأحزاب الشيعية بإنفصال أو شبه إنفصال مشابه لما يقوم به الكرد في شمال العراق. أما الشق الثاني، هو إن إدعاء المفاوض الأمريكي بمعارضة الكونغرس الأمريكي لعقد معاهدة، هو في الواقع نوع من الخداع، لأن الرئيس الأمريكي لديه حق الفيتو، من جهة، ومن جهة أخرى، إن العراق يتعامل مع دولة، وليس مع فئات أو أحزاب أو مؤسسات أمريكية متصارعة سياسيا، وعليه يجب أن يكون المفاوض الأمريكي مخوّل لتمثيل دولته وليس رئيسه أو حزبه أو إدارته.
لدينا في التأريخ غير البعيد نماذج من هذا الخداع التفاوضي والإستعماري، فبريطانية التي كانت سلطة الإنتداب في فلسطين، خلال الثلاثينيات من القرن الماضي، وكانت تسهّل للمهاجرين اليهود الهاربين من جحيم هتلر بالتدفق الى فلسطين؛ وكان بلفور وزير خارجية بريطانية قد أصدر قبل ذلك تعهدا لإقامة وطن قومي لليهود، ولكن بدون الإضرار بمصالح السكان المحليين! يالها من لغة مخادعة ومزدوجة؛ وبخبث كانت سلطة الإحتلال الإنتدابية تسمح بتسليح وتهريب السلاح لليهود، وتزج المقاومين الفلسطينيين بالسجون؛ وبعدما تأكد لها ترجّح كفتهم، وبعدما ضمنت مسرحية أية حرب، كان متوقعا أن تقوم بها الدول العربية المجاورة، سحبت جيوشها، لتملء القوات العسكرية والعصابات الإرهابية اليهودية الفراغ، ولتعلن دولة إسرائيل، بعد حرب شكلانية، يقود كلوب باشا البريطاني أحد جيوشها، في عام 1948.
ومن هنا تنشأ ريبة مشروعة في نية الأمريكان، وعليهم أن يبددوها بتعهد واضح وصريح وملزم، كما فعلوا مع اليابان في المعاهدة التي وقّعوها معهم في أيلول من عام 1951؛ وسنعود لهذه المعاهدة لاحقا. ومن هنا، نجد إن الجانب العراقي المفاوض، كان محقا في عدم الموافقة لا على تسمية الإتفاقية ولا على الديباجة، وأقترح تأجيلهما لما بعد الإنتهاء من كل نصوص المواد المطروحة للمناقشة. ولنناقش الآن مجموعة محددة من المواد الواردة في الوثيقة.

المادة الأولى:
المجال والغرض؛ المفروض في هذه المادة أن تنصّ بوضوح على الغايات والأغراض من الإتفاقية، ولكن نصّها جاء إستطراديا؛ وها نحن نجزأه الى النقاط الآتية:
(1) تعزيز الأمن المشترك لطرفي الإتفاقية؛
(2) المساهمة في السلام والإستقرار الدولي؛
(3) محاربة الإرهاب؛
(4) التعاون في مجالات الأمن والدفاع؛
(5) الإحترام الكامل لسيادة كلا الطرفين؛
(6) الوصول الى إتفاقية تسهّل وتعززالتعاون بين الولايات المتحدة والعراق.
وإذا كانت هذه هي الأغراض من الإتفاقية، فلابد من وجود تعاريف دقيقة لمصطلحات جوهرية، مثل، الأمن المشترك، السلام والإستقرار الدولي، التعاون، الإحترام الكامل لسيادة كلا الطرفين، والإرهاب. ولكن بدلا عن ذلك نجد إن المادة الرابعة، بعنوان "تعريف المصطلحات" التي تتألف من سبع فقرات تشمل تعاريف لا علاقة لها بالأهداف أعلاه، بل تركّز على تعريف المنشآت والمساحات والقوات والأفراد والعناصر، وكيفية إدارة المنشآت ومقدار حرية القوات الأمريكية في التصرّف بها. وهنا يقفز السؤال، هل هذه إتفاقية لتنظيم وجود وتحرك وإقامة القوات الأمريكية، أم هي جاءت لتنظيم وتشريع تعهد الولايات المتحدة لضمان وحدة الأراضي العراقية وإستقلال العراق ولمنع أي غزو أو تدخل أجنبي؛ ولتحقيق الإستقرار بمعنييه، الإقتصادي والسياسي، فضلا عن دعم النظام الديمقراطي؟!

المادة الثانية:
تضمنت نصّا يقول: " يسعى الطرفان للتشاور بإنتظام ... الخ "، فالمسألة إذن هي مسألة سعي للتشاور وليس حتى تشاور؛ وهذا النص بالطبع يخلو من أي تعهد أو إلزام للولايات المتحدة، للدفاع، مثلا، عن حدود العراق أو وحدته! وكان الجانب العراقي محقا في التحفظ على هذا النصّ.
ولو قارنا هذه النصّ مع المعاهدة الأمريكية – اليابانية للأمن، سنجد لغة مختلفة ونصوصا تتضمن تعهدات صريحة وواضحة لتعزيز القدرة الدفاعية لليابان، وللتدخل العسكري لإيقاف أي عدوان أو غزو أجنبي، بل ولمجابهة أية إضطربات أو إنفصالات داخلية، تهدد وحدة وإستقلال اليابان. وقد يكون مفيدا أن نشير بسطور قليلة الى أهم معالم هذه المعاهدة.
أنظر: The Okinawan History and Website, 1993- 2008 – John Mickael Purves.
لقد عقدت اليابان عدّة معاهدات أمنية ودفاعية، وإتفاقيات للتعاون المشترك في حقول عديدة ، مع الولايات المتحدة التي كانت قد إحتلتها وهزمتها بعد أن ضربتها بالقنبلة الذرية. ولكن هذه المعاهدة الأمنية عقدت بالتزامن مع معاهدة السلام، أو الإستسلام، كما يسميها البعض، في أيلول من عام 1951، وقد تضمنت مقدمة أو ديباجة تنص على حاجة اليابان الى إعادة بناء قدراتها الدفاعية ولحمايتها من الغزو الخارجي أو التمرد الداخلي، وخصوصا بعدما أصبحت منزوعة السلاح. وإن الولايات المتحدة تقرّ بهذا الحق لليابان، لاسيما وإن النزعات العسكرية الخارجية لا تزال قوية، وإنها، أي الولايات المتحدة، تتعهد بالدفاع عن إستقلال ووحدة اليابان. ومن ثم تأتي بقية النصوص بخمس مواد مركّزة، تحدد بوضوح تعهد الولايات المتحدة وقبولها بوضع قوات تسمح لها اليابان بإستخدام أراضيها ومياهها وفضاءها، لتحقيق هذه الأغراض المحددة فقط. ولا تتجاوز هذه المعاهدة التي وقعت في سان فرانسيسكو بالتأريخ المشار إليه، الصفحة الواحدة بخمس مواد فقط، كما ذكرنا. أما آليات ومعايير وضوابط عمل القوات الأمريكية فقد وردت في إتفاقيات إدارية متعددة. فضلا عن ذلك، فإن إتفاقية التعاون المتبادل التي أقرّت بعد ثلاث سنوات، أي في عام 1954، فقد تضمّنت نصوص مفصّلة للتعاون الإقتصادي والثقافي والتجاري والفني وغير ذلك.
في ضوء ماتقدم، يبدو لنا بأن نصوص وأغراض الإتفاقية، موضوع بحثنا، تدلّ بأنها نوع من الإتفاقيات الإدارية لتنظيم وجود القوات الأمريكية ولتحديد إمتيازاتها؛ وهي وإن ذكرت تحقيق السلام والإستقرار...الخ لكنها ليست تعهد أمريكي لإعادة بناء القوات العراقية أو لإعادة تعمير البنى الإرتكازية ومؤسسات الدولة، ولا هي تعهد لحماية العراق من الغزو أو الإعتداء الخارجي، أو من التفكك أو الإنقسام الداخلي. وعليه، سنناقشها كإتفاقية إدارية لخدمة وجود القوات الأمريكية، كما سنبين ذلك في التعليق على البعض من بقية موادها.

المادة الثالثة:
تنصّ هذه المادة على إحترام قوانين وتقاليد العراق. ولكن سيلاحظ القارئ إن الكلمة المفتاح هنا هي " إحترام "، وهي كلمة معنوية فضفاضة، والمفروض أن تكون الكلمة، " الإلتزام " أو الخضوع أو الأحتكام أو حتى " مراعاة أحكام القوانين العراقية "!! فهذا إذن نصّ مائع قد يفسره الطرف الأمريكي بأنه لا ينطوي على الإحتكام للقوانين العراقية؛ وهو وضع للمجاملة كما يبدو!

المادة الخامسة:
تنص على بقاء الممتلكات، كالمنشآت والأراضي تحت التصرف الكامل لقوات الولايات المتحدة، ولكنها تؤول بالنهاية الى العراق، وربما ببدل عن بعض الأجهزة والمعدات المضافة إليها، تمنح كهدية بعد التشاور. مثل هذه النصّ موجود في جميع المعاهدات والإتفاقيات المماثلة التي عقدتها الولايات المتحدة، ولا مناصة منه. ولكن المشكلة إن هذه المادة تتضمن نصّا يقول بأن أية أضرار تنشأ من عمليات أو أفعال القوات الأمريكية والأفراد التابعين لها، لاتعوّض إلا إذا كانت عمدية. ونحن نسأل، ماذا لوهدمت القوات الأمريكية مدينة كاملة بحثا عن إرهابي واحد أو أثنين أو ثلاثة؛ هل يجب قبول هذه الأضرار وخصوصا عندما تعود لمواطنين أبرياء، بحجة إنها نشأت عن أعمال حربية وليست قصدية أو كيدية؟؟ ماهي الضوابط المفروض وضعها، لتعريف الضرر وحالاته بوضوح، سواء كان عمديا أو غير عمدي.

المادة السادسة:
حول إستخدام المنشآت والمساحات المتفق عليها؛ فهي تتضمن معايير، عموما، عادية لموافقة العراق على إستخدامها والتشاور حول تطويرها، وإعادة ما له قيمة أثرية أو يحتوي على موارد طبيعية وغير ذلك الى الحكومة العراقية بعد إجلاء القواعد الأمريكية، ولكن كل ذلك متروك للتشاور، وليس أمرا مفروغا منه. فضلا عن ذلك، لم يوافق الطرف الأمريكي على قيام القوات العراقية بفرض سيطرتها على مداخل هذه المنشآت والمساحات، ماعدا ذات الإستخدام المشترك. كما تفرض أحد فقرات المادة الإعفاء من الأجور أو الرسوم للإستخدام والتحوير؛ أي إن القوات الأمريكية لا تدفع أجور إستخدام أو إيجارات ولا رسوم بلدية لتغطية تكاليف الطرق والشوارع المستخدمة. بينما نجد في العديد من معاهدات الولايات المتحدة إنها تدفع بدلات إيجارات محددة، كما كانت تدفع القوات البريطانية عن قواعدها في الحبانية طوال سنوات وجودها في العراق، ولغاية بعيد عام 1958. كما تدفع الولايات المتحدة بدل إيجارات لقاعدة غوانتنامو في كوبا منذ مئة عام!! ويشير هامش الجانب العراقي بأن ليس لديه توجيهات من حكومته حول هذا الأمر!!؟

المادة التاسعة:
جاءت هذه المادة لتنظيم حركة السيارات والزوارق والطائرات، ومعظم نصوص فقراتها تعطي، طبعا، حرية الحركة والتنقل والإستخدام الكامل لها من قبل القوات الأمريكية، وهذا أمر يتوافق مع التسهيلات اللازمة لوجود هذه القوات " لحماية العراق "، كما يفترض، ولكن يلاحظ بأن هذه القوات الأجنبية لا تدفع أي أجور أو رسوم، عدا عن رسوم تسجيل المركبات أو إستصدار أرقام خاصة بها. أما أية مخالفات أو أضرار أو إستخدامات البنية التحتية أو تلويث للبيئة، فلا تدفع هذه القوات شيئا. والسؤال هو لماذا لا تدفع؟ ولابد من التكرار، إن خدمات القوات الأمريكية في العراق هي ليست كرم مجاني، بل هي أيضا لحماية المصالح الأمريكية، فلماذا لا تتحمل جزء من تكاليف تشغيلها في العراق؟

المادة الثانية عشر:
تنظم هذه المادة وضع الكوادر العاملة لدى القوات الأمريكية، عسكريين ومدنيين، ولكن يلاحظ بأن مقاضاة هؤلاء، بما فيهم المتعاقدين مع هذه القوات، سواء كانوا من حملة الجنسية الأمريكية أو غيرها؛ هي حق حصري للولايات المتحدة، مهما كانت طبيعة جرائمهم أو جنحهم. فأين إذن " إحترام " القوانين العراقية؟ وللمجاملة نصت إحدى فقرات هذه المادة، بوجوب أخذ التحقيقات العراقية عند حصول أي إعتداءات مدنية من قبل التابعين للقوات الأمريكية، بعين الإعتبار؟ ماذا يعني بعين الإعتبار؟ ولعلّ الجانب العراقي كان محقا في التحفظ على هذه المادة، ووعد بتقديم بدائل، منها حول إنصاف المتضررين المدنيين العراقيين، ومنها الحالات التي تبيح للقوات الأمريكية و/ أو المتعاقدين من الشركات الأمنية أو المدنيين المتعاقدين معهم، في حالة الدفاع الشرعي، بأن لا تترتب نتيجة ذلك عليهم أية مسؤولية جزائية. والسؤال هو، ماهو التعريف الدقيق للدفاع الشرعي، كيف يمكن إثباته؟ وماهي الآليات المقترحة لإثباته من قبل الطرفين المتعاقدين؟؟ وبصدد حدود الحصانة للجرائم والجنايات التي ترتكب خارج الولايات المتحدة، فقد طلب الجانب العراقي بأن يقدم بها ورقة، بالإستفادة بالأساس من إتفاقية اليابان. وهذه الأخيرة تتضمن الآليات والضوابط لتحديد مبدأ عدم شمول الحصانة والجرائم والجنايات التي قد ترتكبها القوات الأمريكية وأفرادها، خارج العمليات الحربية المشروعة في اليابان؛ ولا مجال لتفصيلها هنا.

المادة الرابعة عشر:
وهي حول دخول القوات الأمريكية والأفراد التابعين والمتعاقدين معها ومغادرتهم العراق. وتنصّ على حرية الدخول والخروج بدون جوازات وبحرية كاملة؛ أما الجانب العراقي فيطالب، في الأقل، بتثبيت حق السلطات العراقية في التدقيق والتفتيش على كل المواد التي يجري إدخالها و/ أو إخراجها من البلاد، مع تثبيت الحق بأن تؤؤل كل المواد المدخلة لأغراض نشاطات القوات الأمريكية للحكومة العراقية بعد الإنتهاء منها، أو إخضاعها لرسوم عقد؛ ولا ندري فيما إذا سيوافق الأمريكان على ذلك أم لا؟

المادة الخامسة عشر:
وتتضمن نصوصا حول الحرية الكاملة للقوات الأمريكية بالإستيراد والتصدير وإعادة التصدير. ويلاحظ هنا بأن الفريق العراقي المفاوض لا يضم، كما يبدو، إقتصاديين وتنمويين مختصّين، ولذلك نجده يقترح إقتراحات إدارية صرفة، منها المطالبة بوضع نصّ حول المواد الممنوعة من الدخول الى العراق، وفرض بعض الرسوم والضرائب عند إعادة بيع المستوردات داخل العراق. ولكن لغرض حماية المستهلك العراقي، من جهة، ولموازنة التجارة الخارجية، حسب متطلبات التنمية الوطنية، كان لابد من إخضاع خطة الإستيراد والتصدير وإعادة التصدير التي تقوم بها القوات الأمريكية والمتعاقدين معها، والتي ستكون بحجوم مؤثرة على الإقتصاد العراقي الضعيف. لمتطلبات الموازنة الإقتصادية التنموية، كما هو الشأن في خطة التجارة الخارجية الوطنية. فإحتمالات الإغراق والفساد والتفسيد كبيرة، إذا لم تكن هناك ضوابط إقتصادية ومالية لهذه النشاطات، سواء كانت لأغراض إستخدامات القوات الأمريكية، أو لأغراض تجارية.

المادة السادسة عشر:
تنظم هذه المادة الموقف من الضرائب، حيث تنصّ على عدم فرض أية ضرائب على شراء السلع والخدمات في العراق أو نيابة عنه، أو لأغراض إستخدام القوات الأمريكية. ويبدو إن الجانب العراقي ليس لديه أية توجيهات بهذه الخصوص، حسبما مبيّن على هامش هذه المادة من قبل الجانب العراقي. والمفروض أن تفرض ضرائب على كل السلع والخدمات التي لا تتعلق بشكل مباشر في عمليات القوات الأمريكية داخل العراق أو على حدوده.

المادة العشرون:
وهي حول العملة والصرف؛ ويلاحظ إن هذه المادة لا تفرض أية قيود على إدخال العملات الأجنبية وشراءها وبيعها وتوزيعها، وحسبما تشاء! و لم يطالب الجانب العراقي سوى بتحديد المبلغ المطلوب عن طريق المصارف المعتمدة. وهذه أمر خطير، ذلك لأن عرض وطلب الدولار بدون ضوابط سيؤدي الى تأثيرات كبيرة على إستقرار سعر صرف الدينار العراقي. وعليه لابد وأن تخضع هذه العملية لموازنة السياسات النقدية والمالية التي تضعها السلطات العراقية المعنية.

المادة الحادية والعشرون:
وهي حول المطالبات بالتعويضات، فيلاحظ إنها تقرّ فقط بالتعويضات للأشخاص الطبيعيين والمعنويين عن الأخطاء العمدية، ( أي غير القتالية )، مع جواز إجراء تسويات مباشرة مع المتضررين، بدون محاكم أو تدخل الحكومة العراقية. وهذه أمر ينطوي على إحتمالات سؤ الإستخدام وتعدد التفسيرات، وربما التوظيف السياسي.

المادة الثانية والعشرون:
حول تعميم هذه الإتفاقية على أطراف أخرى، أو دولة ثالثة، أو منظمات دولية. وهناك هامش واضح من جانب المفاوض الأمريكي، إن دول التحالف الموجودة في العراق مشمولة، تلقائيا بهذه الإتفاق؛ وإنه ليس بوسع الحكومة العراقية دعوة أطراف ثالثة، أو دعوة الأمم المتحدة للدخول كطرف لتحقيق أهداف هذه الإتفاقية.

المادة الثالثة والعشرون:
بالنسبة للمرفقات، تنص بأن إلغاء أي مرفق لا يلغي الإتفاقية، ولكن العكس صحيح. ونعلّق تعليقنا هنا، وذلك لأن المرفقات لم تعدّ بعد لندرسها تفصيلا.

المادة الرابعة والعشرون:
وهي بخصوص نشوء الخلافات والتنفيذ. وهنا يترك أمر تسوية الخلافات الناشئة وأساليب التنفيذ لوكيلي طرفي الإتفاقية. ولعلّ النقطة الجوهرية هنا، هي حذف دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن في ضمان حسن تطبيق الإتفاقية، وذلك لأن الولايات المتحدة موجودة أصلا في العراق بموجب قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فكيف إذن تستبعد وتنفرد الولايات المتحدة وحدها بإدارة عملياتها لضمان إستقلال دولة عضو في الأمم المتحدة، كما يفترض؟!

المادة الخامسة والعشرون:
الدخول حيّز النفاذ وتعديل الإتفاقية وأنهاء العمل بها؛ والأمر البارز هنا إن الإتفاقية تدخل حيّز النفاذ من تأريخ آخر مذكرة بإكتمال إجراءاتها، وبإتفاق مكتوب. وماذا عن دور البرلمان العراقي؟ ويبدو بأنها ستعرض عليه، ولكن بعدما يتم التوافق عليها من خلال ما يسمى بالمجلس السياسي، وهوعمليا يمثل قادة الكتل والزعامات المتحاصصة. وعليه سيكون دور البرلمان عندها المصادقة الآلية. والأمر الثاني يتعلق بإنهاء هذه الإتفاقية، فيتم بموجب إخطار خطي يرسله أحد الطرفين للطرف الآخر عبر القنوات الدبلوماسية قبل تأريخ إنتهاء العمل بالإتفاقية بعامين. وتلاحظ المدة " بعامين "، أي انه ليس بوسع الحكومة العراقية إلغائها حسب مقتضيات المصالح الوطنية؛ فأين هي السيادة؟ ثم إن المدة طويلة، إذ حتى في معاهدة اليابان، كانت مدة الإخطار سنة واحدة وليس أكثر!! ويدور الحديث الإعلامي بأن القوات الأمريكية قد تنسحب نهائيا في عام 2012، ولكن السيدة رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية، وبعض المسؤولين العراقيين يقولون بأن موعد الإنسحاب الفعلي يعتمد على التطورات على الأرض، أي إن تحديد جدول للإنسحاب هو قرار أمريكي، وليس قرار وطني عراقي. هذا في الوقت الذي يجب أن يكون فيه وجود أو إجلاء القوات الأجنبية مرهون بالإرادة الوطنية، وفقا لمفهوم السيادة الوطنية التي جاءت كأحد أهم أهداف الإتفاقية! إن من مبادئ السيادة الوطنية أن الطرفين أحرار في إنهاء أية إتفاقية بينهما حسب مقتضيات مصالحهما الوطنية.

5. الإستنتاجات والتوصيات:
ذكرنا في بداية البحث بأن مسوّدة الإتفاقية هذه تعود الى تأريخ 8 آيار 2008، وعليه، لابد وإن نصوصها المختلف عليها قد عولجت الآن بشكل أو بآخر، ولا ندري بأية معايير و لا باية إتجاهات. ولذلك فإن ملاحظاتنا هنا تستند الى حيثيات المسوّدة التي تحت أيدينا الآن. بيد أن الغرض الجوهري منها هو لتثبيت المعايير الوطنية اللازمة لتحقيق المصالح الوطنية العراقية، وفقا لهذه الإتفاقية أو لغيرها. هذه من جهة، ومن جهة أخرى، فإنها تهدف الى تعميم الوعي العام، وكذلك لمحاولة التأثير لتعديل ما لم يعدّل من نصوصها التي لا تصّب في مصلحة الشعب العراقي.
ونوجز في أدناه أهم توصياتنا:

(1) من خلال فحصنا المستفيض لمسوّدة الإتفاقية، تبيّن إنها إتفاقية إدارية لتنظيم وجود القوات الأمريكية وإمتيازاتها في العراق، لمدى زمني غير محدد، أو غير متروك لإرادة الحكومة العراقية. وعليه، لابد من قيام الحكومة العراقية من تثبيت نصوص لمعاهدة مستقلة عنها، تتضمن تعهدات أمريكية واضحة وغير قابلة للتأويل لضمان الآتي:
أ‌- تثبيت وتعزيز سيادة الحكومة العراقية، كممثل شرعي ومنتخب من قبل الشعب العراقي، على كافة أراضيها ومجالاتها وفضاءها وحدودها ومناطقها الجغرافية من أقصى العراق الى أدناه، وحسب خرائطه الرسمية والمعترف بها تأريخيا ودوليا.
ب‌- المساهمة الفاعلة في الدفاع عن وحدة التراب العراقي، والتدخل لإيقاف أي عدوان أو غزو خارجي، أو محاولات لتقسيم البلاد أو تفتيتها مذهبيا أو عرقيا أو مناطقيا أو دينيا، تحت أية مسميّات، فدرالية كانت أم غيرها. وعلى أن يخضع طلب التدخل العسكري الإمريكي لصد عدوان خارجي الى موافقة البرلمان العراقي.
ت‌- إعادة بناء القوة العسكرية الدفاعية للعراق، وتعزيز وإعادة المؤسسات العراقية العسكرية والأمنية والمدنية التي ألغيت و / أو تضررت بفعل الإحتلال وما بعده.
ث‌- تقديم الدعم الإقتصادي والمالي والثقافي والسياسي، لإعادة إعمار العراق، ولتطوير مؤسساته الديمقراطية، بما فيها تطوير العملية السياسية على أساس المواطنة العراقية، وليس الطائفة أو العرق أو المذهب.
ج‌- دعم العراق بتوفير الإستثمارات والقروض والمنح للمساعدة في إستعادة نموه الإقتصادي، ولتحقيق أهدافه في تحقيق التنمية المستدامة.
ح‌- إقرار وتثبيت سيادة العراق على كافة موارده النفطية والطبيعية الأخرى، بدون السماح بتفتيت هذه السيادة أو إضعاف السلطة المركزية الفدرالية في مجال التصرّف بها وتوزيعها توزيعا عادلا.
(2) مراجعة نصوص هذه الإتفاقية، في ضوء ملاحظاتنا هذه وغيرها مما قد يستجد لدى الأطراف المعنية، وإعتبارها إتفاقية تنفيذية، بعد التعديل، لمعاهدة مستقلة، تتضمن التعهدات الأساسية المشار إليها، وعلى غرار ما فعلت الولايات المتحدة مع اليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
(3) طرح مسودة الإتفاقية ومعاهدة التعهدات الأمريكية أمام البرلمان العراقي لمناقشتها؛ وفي حالة عدم توافقه عليها، تعرض للإستفتاء الشعبي العراقي.
(4) بث الوعي الكامل حول هذه الإتفاقية وغيرها من إتفاقيات وتعهدات، ليقول الشعب والمفكرين والقادة رأيهم فيها.
(5) تتعهد الحكومة العراقية في المقابل، أن تلتزم بسياسات هدفها تحقيق السلم العالمي والإستقرار وإزدهار التجارة الإقليمية والعالمية.
(6) تشارك الحكومة العراقية الولايات المتحدة تطلعاتها ومحاولاتها لمحاربة الإرهاب العالمي.
(7) تعمل الحكومة العراقية على تحقيق مشاركة تجارية وثقافية وإقتصادية كاملة مع الولايات المتحدة، بما في ذلك تلبية حاجاتها للطاقة وللإستثمار والتبادل التجاري، وفقا لنظام السوق العالمي ومبادئ التجارة العالمية، وحقوق الإنسان ومواثيق الأمم المتحدة.


آب/ أغسطس، 2008.



 

free web counter