|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأربعاء 9/1/ 2013                                 جلال رومي                               كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

أوراق أنصارية

(عن مفارز الأنصار السرية)
(3)

جلال رومي ( أحمد عرب )

في يوم 25/12/1985 کنا مفررزة من آربعة رفاق أنا والدکتور شاکر وعلی سلیمان وسلام اختفینا فی آعالی جبل (کولان) مقابل قرية (كاني سارد) وتقع قرية (باني خيلان) خلف الجبل ، وبعد مراقبة المنطقة قررنا الذهاب الى قرية باني خيلان وبعد دخول القرية ذهب علي سليمان لوحده لإنجاز عمل تنظيمي حسب ما قال وذهبنا أنا وشاكر وسلام الى إحدى البيوت وتناولنا العشاء وفي طريقنا لمغادرة القرية قررنا زيارة بيت أحد أصدقاء الحزب وزوجته بنت أحد رفاقنا واقترحوا علينا أن ننام عندهم في المطبخ بدل النوم في الجبل لان الجو كان باردا وممطرا على أن نذهب فجرا الى الجبل ورحبنا بذلك خاصة وإن البيت يقع في نهاية القرية ، بعدها علمنا أن مفرزة من أوك طاردت علي سليمان ولكن تدخل الأهالي اضطرهم الى ترك مطاردته وتمكن من مغادرة القرية وعند صعوده الجبل أطلق صليتين باتجاه القرية ، وقبل أن نتمكن من النوم سمعنا أصوات وحركة حول البيت وفوق السطح وعرفنا انهم من جماعة أوك تحاصر البيت ثم دخلوه وتوجهوا الى الغرفة التي توجد فيها صاحبة البيت (بنت الرفيق قادرفارس وأطفالها الثلاثة أو الأربعة حسب ما أذكر) وأخافوها والأطفال بالتهديد وعرفوا اننا في المطبخ وبدأوا بالصراخ وطلبوا الإستسلام لهم فقلت لهم إننا أنصار الحزب الشيوعي وليس جحوش ولكنهم تهجموا بكلمات سيئة جدا وأصروا على الإستسلام ورغم محاولاتنا لاقناعهم بالابتعاد وتركنا لحالنا حيث لا مصلحة لاحد منا بالاصطدام مع البعض الا انهم واصلوا وشددوا تهديدهم وهم يشهرون أسلحتهم عند باب المطبخ وكان مسؤولهم يحمل مسدسا فبادرت بإطلاق النار ومن ثم وجهت سلاحي باتجاه اليسار على المجموعة الموجودة فی (الهال) وهم يردون على ذلك ، كان الرصاص في كل مكان والدخان والصراخ ومع الأسف الشديد اصيب الرفيق شاكر بعدة اطلاقات واستشهد فورا وكانت خسارة فادحة ، وكان الرفيق سلام خلفي واستبدلت مخزن الإطلاقات عندما کانوا ينتظرون ما سيحدث ، توقعت بأنهم سيجلبون قاذفة ( RBG7) لضرب المطبخ ، وفي لحظة قررت الخروج من المطبخ وهي أفضل وسيلة للبقاء على الحياة ولي تجارب في ذلك ، المهم كنت كالطير الذي يريد أن يفلت من القفص فالأسر مذلة ولم أستطع تصوره ، أخبرت سلام بأني قررت الخروج من المطبخ وهي أفضل وسيلة للبقاء على الحياة وقفزت الى خارج باب المطبخ فسمعت اصواتهم حيث كانوا متواجدين في غرفة العائلة يتحاورون حول كيفية اقتحام المطبخ وكان عناصر أوك محتمين بالجدار واحد وراء الآخر فأطلقت ثلاث صليات عليهم وخرجت من البيت راكضا وأنا متأهب لإطلاق النار غير إني لم اشاهد أحدا وركضت مسرعا وتزايد الاحتمال لدي بأني يمكن أن أخرج حيا وكان الرفيق سلام خلفي ولكنه اتجه باتجاه اخر ، بعد لحظات بدأ إطلاق النار علي من كل الإتجاهات وفي هذه الظروف استطعت أن أعبر سياج حجري واتجهت الى التلة المجاورة الى أن وصلت الى حفرة كأنها خندقا حفر خصيصا لي ، جلست في هذه الحفرة لأكثر من ساعتين وأنا أسمع أصوات القرية ، كانت الربايا الحكومية قريبة جدا ومسيطرة على القرية لذا كنت مطمئنا من عدم تحرك عناصر أوك باتجاهي وهنا سمعت اصوات انفجارات قوية من اتجاه البيت وتبين بعد ذلك انهم رمو عدة رمانات يدوية في المطبخ. لم تتبلور لدي أي خطة بأي اتجاه سأذهب فقرية (كاني سارد) تحيطها ربايا الجحوش ودخولها بالنسبة لي صعب جدا ولا أتمكن من الوصول الى أحد بيوت أصدقائنا وفي الجانب الآخر دربنديخان حيث الحكومة تسيطر على كل الطرق وحتى لو دخلتها فليس لدي مكان أذهب إليه وفكرت أن أذهب بعيدا الى منطقة قرداغ ولكن المسافة طويلة ولا قطعة خبز لدي ، بعد ذلك قررت أن أذهب الى راعي أغنام وهو أخ أحد رفاقنا يسكن مع أغنامه في جبل (كولان) اسمه (كمال) أخ الرفيق (عه ول) يعمل في التنظيم المدني للحزب وابن اخت الرفيق اسكندر ، كنت أعرف اتجاه الذهاب إليه غير إني توقعت أن ينصب أوك لي كمائن هناك ، مع ذلك ذهبت إليه وأنا اراقب كل شئ وأشم رائحة الخطر وتجنبت الطرق المعروفة وكنت أسير عبر الصخور ، وأخيرا وصلت قرب بيت (كمال) الذي كان يملك كباقي الرعاة كلابا شرسة تشم رائحة الإنسان من بعيد وتبدأ بالنباح والهجوم ، ولكن الغريب لم أسمع أي شئ فأخذت أرمي الأحجار على باب البيت الى أن تنبهت الكلاب وبدأت تنبح عندها خرج (كمال) فسألته عن وجود أحد عنده فأخبرني بوجود علي سليمان الذي وصل قبل ساعتين وأخبرتهم بما جرى فقال علي سليمان بأنه رمى صليتين كي ينبهنا . المهم الآن علينا أن نغادر ونجد مكانا نقضي فيه الليل ، أخذنا (كمال) الى مكان لا يعرفه أحد سوى اسكندر كما قال وهو أمين جدا وقد قطعنا مسافة داخل نهر (ديوانه) نخوض في الماء شبه المتجمد ليلة 25-26 /12 وفي كردستان وبعدها وصلنا الى تكوين رملي يشبه الكهف ونحن راضون بالرغم من البرد والرطوبة وعدم النوم . في هذه الأحداث كان الرفاق حمه رشيد واسكندر في گرميان ولا يعرفان بما حدث ، رجع كمال ومعه طعام وبعد أن علم رفاق التنظيم المدني بالحدث أرسلوا إلينا رفاقا فى منتصف النهار بحجة صيد السمك وفعلا اصطادوا سمكة وشويناها ، بعدها ذهب علي سليمان الى گرميان أما أنا فأرسلوا كاوه ابن اسكندر لنقلي الى قرية (كاني سارد) حيث وفر لي الرفاق مكانا هناك وكان مع كاوه ملابس مدنية وحمار وضع عليه ملابسي وسلاحي وصعدنا سوية على الحمار وبطريقته الرائعة في التمويه أخذ يغني بصوت مرتفع لأن الربايا الحكومية قريبة جدا وتشاهد الداخل والخارج للقرية وخاصة من جهة (ديوانه) ، كان الرفاق قد وفروا غرفة خلفية في بيت (محمود مله أحمد) وكان الجيران من معارفهم ، كانت العائلة تتكون من الأب محمود وابنه رزگار وزوجته وأطفاله ومن بهيه بنت محمود وهي زوجة لشهيد وابنتاها أواز و ريواز وكذلك ابن عمهم مهدي واخته حيث يعيشون جميعا في نفس البيت ، وقد قاموا بضيافتي على خير وجه وجلبوا لي مجلات باللغة العربية من دربندخان . إن ماقامت به هذه العائلة لي لا يمكن أن أنساه أبدا حيث حموني من كل سوء وهم يعرضون حياتهم جميعا للمخاطر . لم تكن امكانية للخروج الى خارج الغرفة إلا ليلا لغرض الذهاب الى قضاء حاجتي والإغتسال ، كان في الغرفة انبوب لصرف الماء الى الشارع وكنت استخدمه للإغتسال وفي الحالات الإضطرارية الى التبول ، بعد يومين جاء أحد الرفاق من أهالي القرية ونبه أهل البيت بأن خروج الماء من هذا الانبوب الى الشارع سيثير الشكوك بأن أحدا يسكن هذه الغرفة المتروكة لسنين ، وكان الحل اضطراريا بأن جلبوا لي صفيحة (تنكة) لأغسل يداي وأتبول فيها وفي المساء افرغها في المرحاض . كان الخوف في النهار من دخول قوات السلطة وفي الليل من دخول قوات أوك ولو كان دخولهم نادرا ، ومن المفارقات التي حدثت في القرية أثناء وجودي هو قصف القوات الإيرانية باتجاه القرية ظهر أحد الأيام لوجود قوات ومعسكرات للسلطة في المنطقة مما اضطر جميع أهالي القرية للخروج الى الملاجئ خارج القرية إلا انا حيث بقيت وحدي في القرية الكبيرة التي تتكون من مئتي بيت . بقيت عند هذه العائلة ثلاثة عشر يوما ، وفي هذه الأثناء وصل الرفيقان حمه رشيد واسكندر وعرفا تفاصيل الحادث وبأن مفارز أوك كانت تنوي أسرنا وتسليمنا الى السلطة وإن نتيجة الاصطدام معهم كانت استشهاد الرفيق الرائع شاكر ومقتل آمر كارت من أوك وجرح اثنين أحدهما ذهب بعد ذلك الى السلطة وحصل نتيجة ذلك على سيارة ومبلغ من المال . جميع أهالي القرية اعتبروا موقفنا دفاعا عن النفس وهو حق مشروع وبأن جماعة أوك يتحملون مسؤولية ذلك ، أما جماعة أوك فقد حاولوا الإنتقام منا لكننا كنا حذرين جدا . بعدها توجهت مفرزتنا باتجاه منطقة قرداغ وبالتحديد قرب ناحية قرداغ ، كنا نختفي في النهار تحت ربايا الجيش العراقي لأنه لا أحد يمكن أن يفكر باننا يمكن أن نكون في هذه المناطق لخطورتها فالرفيق حمه رشيد ابن المنطقة ويعرف كل دروبها حتى إنه كان يقول وبكل ثقة إنه حتى لو عرفوا بوجودنا فإنهم لا يجرؤوا على التقدم باتجاهنا لصعوبة و وعورة المنطقة وتخوفهم من تواجدنا . في احدى الليالي دخلنا الى ناحية قرداغ وكانت المفرزة تتكون من حمه رشيد اسكندر وسلام وأنا وتناولنا العشاء وأخذنا ما نحتاج أليه وعند محاولة الخروج من الناحية وعبورنا أحد الشوارع المبلطة داخل المدينة فوجئنا بإطلاق نار كثيف علينا ، تراجعنا قليلا وبدأنا بالعبور واحد بعد الآخر واطلاق النار مستمر وعرفنا مصدر النيران كان من بيت رئيس الجحوش ونجحنا بالخروج من المدينة ، الرفيق سلام قال لنا إنه يشعر بأنه اصيب في رأسه لكننا لم نصدق قوله فلا أثر للدماء كما إنه كان يسير معنا بشكل طبيعي ، كان ذلك في الساعة الثانية ليلا ، وفي الصباح الباكر تفقد سلام قبعته العسكرية وشاهد في اعلاها ثقبا نتيجة اصابتها برصاصة فعرفنا بأن الرفيق سلام نجا من الموت باعجوبة .

في مساء 17/01/1986 كنا مع رفاق من مفارز گرميان مجتمعين في قرية (هومه ر قه لا) وكان عددنا يقارب عشرة رفاق أتذكر منهم حمه رشيد ، اسكندر ، حمه سليمان علي سليمان ، سلام ، وأنا وكان معنا أحد السجناء اعتقلناه لأنه سرق منا إثنتين من بنادق كلاشنكوف وهذا السجين هو من أقارب اسكندر. كانت عندنا بندقيتي كلاشنكوف زائدة أخفاها اسكندر في منطقة آمنة لأنه يعرف المنطقة جيدا وكان حمه سور وهو ابن نفس المنطقة يراقب اسكندر بالناظور وعرف أين أخفى البندقيتين ، بعد فترة وصل الى اسكندر خبر إن حمه سور باع قطعتي كلاشنكوف في المدينة ولهذا شك اسكندر بالأمر وذهب لتفقد ما أخفاه ولم يجد البندقيتين ولهذا طلب أرقام البندقيتين اللتين بيعتا في المدينة وتم الحصول عليها ومع مطابقتها مع الأرقام التي يحتفظ بها اسكندر تأكد بان حمه سور هو من أخذ البندقيتين ولهذا تم اعتقاله ومطالبته بتعويضها أو دفع ثمنها . في الساعة العاشرة والنصف ليلا اتفقنا أن ننام في احدى الديوانيات لأن القرية بعيدة عن مفارز أوك وكان الجو ماطرا وكذلك جرى الإتفاق على أن تكون الحراسة من اثنين من الرفاق وأن يكون الخروج من القرية في الساعة الخامسة صباحا ، غير ان مفاجأة حصلت حيث كانت القرية هدفا لقذيفة RBG7 وصليات من الكلاشنكوفات ، استنفرنا جميعا برغم الظلام الدامس وتوزعنا على أطراف القرية وراقبنا بحذر وتأهب ما يحدث حولنا لمدة ساعتين وكان القرار أن ننقسم الى قسمين الأول يذهب الى قرية (باوه خوشين) والثاني مع السجين الى قرية ديوانه ، اتجهنا أنا وحمه سليمان وسلام الى باوه خوشين التي تقع في الجانب الآخر من نهر ديوانه ومعناه المجنون لأن هذا النهر يكون هائجا وماءه يهدر في أوقات المطر ، وكان المطر ينزل في هذا اليوم ولهذا حاولنا ايجاد مكان مناسب لعبوره دون جدوى ولا مفر من دخول الماء ونزعت حذائي ونزلت وكان الماء الذي وصل الى صدري يدفعني بشدة وكان شديد البرودة فهذه ليلة 17-18 من الشهر الأول من السنة والساعة الثانية والنصف ليلا وناديت جماعتي وعبرنا ، ولكن الوصول الى قرية باوه خوشين محفوف بالمخاطر لأن جماعة أوك متواجدين بشكل دائم في جامع القرية ويعتبرونه مقرا لهم ، كما ان دخول القرية في هذا الوقت المتأخر من الليل يعني هياج ونباح الكلاب من كل مكان في القرية ، كان هدفنا الوصول الى بيت مام سعيد وهو رفيق قديم في الحزب ويقع بيته في منتصف القرية ، كما إن بيت مام رستم أخ مام سعيد يقع في أطراف القرية والوصول الى بيته أسهل بكثير ووصلنا الى بيته برغم نباح الكلاب إلا إنها كانت بعيدة عن الجامع الذي تتواجد فيه قوات أوك وخرج لنا ابنه وهو راعي وكلاب القرية تعرف رائحته ويتمكن من اسكاتها بسهولة عكس حالنا فالكلاب لا تعرف رائحتنا ، المهم أصبح الوصول الى بيت مام سعيد أسهل حيث أخذنا الإبن الى داخل القرية ، وقرب بيت مام سعيد أخذ معه حمه سليمان وذهبا الى بيت مام سعيد وتركنا أنا وسلام في جوار أحد البيوت ننتظر النتيجة ، كان الوقت قاسيا جدا حيث تجمعت حولنا الكلاب الشرسة ولم يكن أمامنا سوى رمي قطع الخبز لها لكسب الوقت ومع مرور الوقت بدأت قطع الخبز تصغر لقرب نفاذها ، وبعد عشرين دقيقة وكأنها عشرين ساعة رجع إلينا الإبن وأدخلنا بيت مام سعيد بهدوء وعندما شاهدنا مام سعيد ونحن بهذه الحالة ضرب على رأسه ألما وقال كيف ننام نحن في البيوت والدفء وأنتم بهذه الحالة والماء يقطر من كل جزء منكم في هذا البرد ، وأسرع لأشعال صوبة الحطب وبسكب المزيد من النفط العزيز في ذلك الوقت وهو يتألم لما نعاني وجلبوا لنا ملابسا جافة وأخذوا ملابسنا المبللة وجهزوا لنا طعاما ساخنا لنتغذى وليخف البرد في أجسادنا ، بعدها آوينا للنوم متمتعين بالدفء ونهضنا في الساعة الحادية عشرة قبل الظهر ورجعنا الى ملابسنا الجافة ولم يستمر هذا الشعور بالراحة طويلا فقد سمعنا طرقا علي باب البيت حيث كانوا من قوات أوك جاءوا لتناول الغداء لكن بنت مام سعيد الكبيرة وهي ذكية جدا استقبلتهم ورحبت بهم وأخذتهم الى غرفة اخرى وأغلقت الباب عليهم وطلبت منا الخروج بسرعة والإنتقال بواسطة درج الى مكان آخر تابع للبيت وهو حضيرة الحيوانات ، في وقت كانت والدتها ترحب بجماعة أوك وتقدم لهم الغداء وبعد ساعة خرجوا ولم يلاحظوا أو يشكوا بشئ ، وبعد خروجهم رجعنا الى البيت وتناولنا الغداء الفاخر من لحم الأرانب وبعدها الشاي ، بعدها جاءنا صديق يحمل رسالة من حمه رشيد يطلب فيها الإلتحاق بهم في قرية ديوانة في المساء حيث سيتم التحرك الى مكان آخر وتم ذلك والتقينا بالرفاق وأخبرنا حمه رشيد بضرورة الإبتعاد عن المنطقة حتى يتسنى لنا أخذ قسطا من الراحة في هذا الجو الشتوي السئ إضافة الى الإبتعاد عن متابعة جماعة أوك لنا ، وبالفعل سرنا مسافة طويلة باتجاه مناطق (به نارشهرزور) حيث يوجد هناك أقارب ومعارف الرفيق حمه رشيد يسكنون في قريتين صغيرتين وكان الوصول اليهم صعبا جدا بسبب الأمطار والوحول والطين بحيث لا نستطيع أن نسحب أحذيتنا من الطين مما اضطرنا الى خلعها والسير حفاة ولكن بعد هذه المعاناة قضينا حوالي اسبوعا في أماكن دافئة وطعام جيد والمهم مناطق آمنة لبعدها عن تجمعات أوك وصعوبة الوصول إليها واغتسل الجميع وغسل ملابسه وكانت بحق استراحة حقيقية .

في أحد الأيام طلب الرفيق حمه رشيد أن أذهب الى قرية باوه خوشين مع الحقيبة الطبية التي أصبحت بعهدتي بعد استشهاد الرفيق شاكر وأخبرني أن الرفيق (جزا) اصيب بطلق ناري في فخذه نتيجة صدام مع جماعة أوك وسوف أجد هناك أدوية وخيوط لخياطة الجرح . كنت أعرف جزا من عام 1981 حيث التقيته في مقرنا الحدودي في قرية (دولكان) وكان سابقا يعمل راعيا في مناطق قرداغ وفي المقر علمه الرفاق الأنصار القراءة والكتابة وهو شخص شجاع ولطيف المعشر ويعرف المنطقة جيدا ، علمت إنه التحق بجماعة (ئآلاي شورش) ويعني راية الثورة وهي مجموعة صغيرة من خمسة أشخاص انشقت عن أوك في مناطق گرميان وكانوا يلتقون بنا في بعض الأحيان ، ذهبت الى القرية ووجدت جزا في أحد البيوت وهو مصاب في الجزء الخارجي للفخذ وخرجت الرصاصة من الجهة الاخرى من دون اصابة العظم وضمدت الجرح وكان معي كمية كافية من ابرالبنسلين وحاولت أن أخيط الجرح من مكان خروج الطلقة حيث يكون واسعا ولكني عجزت أن أدخل الابرة في جلده وكأنه جلد بعير بعدها استسلمت للأمر الواقع وقلت له الجرح نظيف والمهم ايقاف النزيف وتم ذلك واستمريت بزرقه بابر البنسلين كل ست ساعات لمدة اسبوع الى أن تحسن وضعه وعولج بدون أي نقص .

وانا أقترب من نهاية هذا القسم من (أوراق أنصارية) أرى واجبا علي التطرق الى الرفيق الرائع اسكندر من أنصار الحزب القدماء معروف بحبه وإخلاصه اللامتناهي للحزب في جميع الظروف وقد كرس كل عائلته وأقاربه لخدمة الحزب ، أخوه الوحيد (جوهر) كان المسؤول العسكري لقاطع السليمانية وكركوك استشهد بعد الأنفالات حيث بقي في منطقة دربنديخان كما استشهد ابنه كاوه اثناء تصديه لتقدم قوات السلطة فى فترة الانفالات ، وله عدة أخوات ، كان في الخمسين من العمر يتمتع بالشجاعة والحكمة ومعروف في المنطقة وما حولها وذو شعبية كبيرة كما يتمتع بالحدس وقراءة نفسية الإنسان والحدس لحد ان الكثير من الناس يعتبرونه يعلم بالغيب لاكتشافه الكثير من السرقات وتفسير بعض الأحداث والمواقف . امميته عالية وحافظ على سلامة الرفاق من المنطقة العربية وكان يعتني بهم ويقدم لهم كل ما يستطيع ومهما كتبت عنه فلا اوفيه حقه ، أتذكر في يوم خريفي كنت معه نسير في جبل (كولان) وهو جبل شبه أجرد ولا توجد فيه عيون ماء سوى في القرى المجاورة وكان لكل واحد منا زمزمية والشمس قوية وبقى في زمزميتي القليل من الماء والعطش يكاد يقتلني فقلت له : رفيق ماذا نعمل الماء سينفذ قريبا ؟ فقال رفيق اشرب ما عندك من الماء فقلت له وبعد ذلك قال : انظر الى تلك الصخور الكبيرة هناك يوجد حجر كبير وهو مكان لتجمع مياه الأمطار فيه ما يقارب ستة عشر صفيحة (تنكة) من الماء وهو ماء نظيف وبإمكانك أن تغسل به لو أردت فقلت له : هل هذا صحيح ؟ فقال : إذا قال الرفيق اسكندر فصدق ذلك . وبعد مسيرة نصف ساعة صعدت بمساعدة اسكندر على الصخور وإذا الماء موجود كما قال فتعجبت لذلك ولو كنت وحدي لما عرفت مكان الماء في هذا الجبل الأجرد . هنا أقول واكرر بأن الأنصار من أهل المنطقة هم فقط قادة الكفاح المسلح أما أهل المدن فهم مساعدون لهم .

في بداية ربيع 1987 وصل إلينا الرفيق (مجيد دوكاني) وكان قد جرح في عام 1983 وارسل للعلاج في إحدى الدول الإشتراكية وهناك درس في إحدى الدورات الحزبية وهو رفيق شاب ومندفع للعمل ومن أهل المنطقة من قرية (دوكان) التابعة لناحية قرداغ وتكونت بيننا علاقة لطيفة ولم يتمكن الرفيق من زيارة عائلته لوجود مقر لأوك في القرية ، واقترح علي أن أذهب معه عند زيارته لعائلته ووافقت على ذلك واتفقنا نذهب أولا الى قرية جبلية اسمها (قاميشان) فيها راعي أغنام وعنده كلاب شرسة كالاسود لا تسمح لوصول أي شخص الى القرية إلا إذا كان الراعي موجودا ، في مساء اليوم الثاني نزلنا باتجاه قرية دوكان ومن خلال مجرى تصريف المياه وصلنا الى داخل القريةومن ثم الى بيت الرفيق مجيد وكانت رائحتنا سيئة جدا مما اضطرنا الى نزع ملابسنا والإستحمام أولا وبعدها بدأ أهل مجيد بتقبيله وحضنه بعد اربع سنوات من الفراق . بعد فترة من الوقت أخبرني الرفاق بأن الرفيق مجيد بإمكانه ايصالي الى مقر رفاقنا في (كه رژال) على الحدود مع ايران عن طريق منطقة شهرزور وهو نفس الطريق الذي وصل به الرفيق مجيد إلينا فوافقت على ذلك وودعت رفاق مفرزة الإختفاء الذين شاركوني السراء والضراء وقلبي معهم لعلمي بظروفهم ولم تتوفر لي الفرصة لتوديع رفاق المنطقة ورفاقنا وعوائلهم الذين احتضنوني برغم المخاطر على حياتهم ولم تكن لي فكرة كيف ألتقيهم ثانية حيث كنت أتصور إنه من الصعب اللقاء بهم مرة اخرى لكن الأقدار منحتني هذه الفرصة بعد سقوط النظام وعدت الى المنطقة مرة ثانية وزرت الكثير منهم ولحد الآن أزورهم إذا توفرت الفرصة لذلك وهذا مبعث سعادتي .


يتبع
 

أوراق أنصارية (عن مفارز الأنصار السرية) (2)
أوراق أنصارية (عن مفارز الأنصار السرية) (1)

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter