|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  27  / 1 / 2016                           د. حسن البياتي                        كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



حكاية اسطورية من شبه جزيرة القرم

ترجمة : د. حسن البياتي
(موقع الناس)


حكاية ينبوع أي – پيتري

في سالف الزمان كان ثمة زوجان طاعنان في السن، عاشا حتى الرمق الأخير من حياتهما على ضفة النهير الجبلي خاستا – باش، الواقع بين قريتي آلوپكا وميسخور. وكان يضمهما كوخ متقوض يوشك ان يتداعى من قدم. ولاعجب، فالزوج العجوز قد أكمل التسعين من عمره، في حين بلغت زوجته عامها الثمانين. أما ابناؤهما فقد تفرقوا في الارض بحثاً عن السعادة والاستقرار العائلي.

وكان البستان الصغير الكائن عند كوخ الزوجين العجوزين لايكاد يقدم لهما الا النزر اليسير من اسباب العيش.

أحس العجوز بدنو أجله. كانت تمضّه وزوجته فكرة واحدة هي : من أين يمكنهما الحصول على النقود الكافية لإقامة مراسيم تشييع لائقة؟

قرر العجوز، وقد استجمع آخر ما لديه من طاقة، أن يذهب بضع مرات الى الجبال والى الغابة، ليجمع هناك بعض الخشب اليابس فيبيعه في سوق آلوپكا ويشتري بثمنه تابوتاً وكل ما هو ضروري لتشييع جنازة.

وفي صباح اليوم التالي تحزم العجوز بحبل، دسّ في حزامه طبراً وتوجه نحو الجبال، متوكئاً على عصا من شجر الزعرور. ولم يتمكن من قطع الطريق الا بعد فترات طويلة ومتكررة من الاستراحة. وبلغ أخيراً سفح جبل أي – پيتري، حيث الكثير من الاشجار المتداعية بفعل العواصف، ومن الأغصان الصغيرة اليابسة.

بعد ان أعد العجوز حزمة كبيرة من الخشب ألقاها على ظهره ومضى يجر قدميه جراً الى اسفل السفح، وهو يئن، متعثراً في مشيه الوئيد، حتى بلغ أحد ينابيع المياه التي تشكل مصدر نهر خاستا – باش. كانت الشمس في السمت تماماً، فأوهن القيظ والاعياء الرجل المسن تمام الوهن. فقرر أن يأخذ قسطاً من الراحة، فرمى الحزمة على الأرض وراح يروي بنهم ظمأه الشديد الى الماء. وأحس بعدئذ أنّ به حاجة ماسة الى النوم، فارتكن الى جذع صنوبرة وراح يغط في سبات عميق.

حين استيقظ العجوز من نومه رأى أن الشمس قد جنحت نحو المغيب، معلنة انتهاء النهار. فشعر بالقلق وأسرع متوجهاً الى بيته. رمى حزمة الخشب على عاتقه بيسر وبدأ يهبط من المنحدر بخفة وهو يكاد يرقص، متحدثاً – كعادته – مع نفسه :
- قليل هو الحطب الذي جمعته، ايها العجوز! .. ان حملك لخفيف جداً، كان عليك أن تأخذ أكثر من ضعف هذه الكمية.

في غضون ذلك قررت الزوجة، غير منتظرة أوبة زوجها، أن تذهب الى الغابة لتبحث عنه. وحين شاهدت رجلاً شاباً يحمل حزمة توجهت اليه وسألته :
- الم تصادف، أيها الفتى، زوجي العجوز في الغابة؟
- ماذا جرى لكِ، يا امرأة؟! – رد عليها العجوز دهشاً – أتراكِ عميتِ من كبر، فلم تعودي تعرفين زوجك العجوز؟!
- لا تضحك مني، أنا المرأة المسنة. لسوف يأتي يوم تصير فيه مثلي، فلقد كان زوجي قبل سبعين عاماً مثلك ايضاً.

وادرك الزوج، عندئذ، أنه قد أرتوى من ينبوع الشباب الذي حدثه عنه جده ذات مرة.
اخبر العجوز زوجته بذلك. فأرادت هذه، طبعاً، ان تشرب فوراً من ذلك الماء نفسه. بيّن لها زوجها كيف تصل الى الينبوع إياه، ثم مضى حثيثاً الى البيت.

وفي البيت تذكر فجأة أنه لم يرمم، منذ سنوات عديدة، السياج المحيط بالبستان الصغير، وان بابه الخشبي القديم مازال مرمياً، شبه محطم، في مكانه على الأرض، وان في الدار عامة اشياء كثيرة يتطلب عملها اليد القوية والنظرة المبصرة من لدن صاحب الدار.

لم ينتبه العجوز، وهو منشد الى العمل، كيف زحف الليل وساد الظلام. بل حتى انه لم يتذكر الا في ذلك الحين زوجته الغائبة عن الدار. فاندفع راكضاً الى الجبال، قاطعاً، في بضع دقائق، المسافة ذاتها، التي أنفق عدة ساعات حين قطعها في الصباح. غير ان المرأة العجوز لم يكن لها من أثر عند ينبوع الماء.

بحث الزوج طويلاً عن زوجته حتى يئس من العثور عليها. لكنه سمع فجأة بكاء طفل وسط الاحراش فتوجه نحوه ثم التقطه وقفل عائداً الى البيت. وعند حلول الفجر كانت دهشة العجوز تفوق الوصف وهو يرى ان الطفل الذي كان يحمله بيديه ملفوف بأسمال زوجته العجوز...

لقد اتضح أن المراة العجوز قد شربت، وهي مندفعة بالنهم الذي تتميز به النساء في السعي وراء ديمومة الشباب، قد شربت كمية كبيرة جداً من ماء ذلك الينبوع العجيب الكائن عند سفح جبل أي – پيتري.

 


لندن -27/01/2016

ترجمة عن اللغة الروسية

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter