|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  1 / 5 / 2017                           د. حسن البياتي                        كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



من يوميات الصبي الكادح حسوني

أ.د. حسن البياتي
(موقع الناس)



في البدء ِ كان بائعاً

أرغفة َ الخبز على رصيفْ

شويرع ٍ في حارة ٍ شرقيَّ بغدادَ اسمها المألوف ،

في ألسن الناس ، (محلة الكرنتينهْ) ،

بيوتها عامرة بالفقر والإباءِ و الزينهْ ...

أمضى بها كادحنا الانسانْ

حياتــَه حتى حصولهِ على شهادة (الليسانسْ) ،

أحبه ، أحبهم فيها جميعُ الناس ،

إلا كلابَ الليل ِ والفئران ...

جارته - بائعة الحناء والبخورْ -

لمــّا يزلْ يذكرها ، كان اسمها بدور ،

صبية ٌ هادئة لطيفة مقلتها تنبض بالحنانْ

لطالـَما عاكسها الصِبيان

فتنزوي ، باكية حزينهْ

لكنما صبينا ، كادحنا الاصيلْ

كان يغيث دائماً جارتـَه بكفه الأمينه

ذات العصا الغليظة المكينه ،

مكفكفاً ، برقة ، دموعها السخينه

فتنثني باسمة ، شاكرة صنيعه الجميل ...

ومر عامان ، مضى بعدهما كادحنا ،

فارسنا النبيل

يخوض ، واثـق الخطى، تجربة كادحة جديدهْ

قد فتحت ادراكه على رؤى

عوالم ٍ واسعة غنية بعيده ...

صار يبيع الماءَ منذ لحظة الاصيل ،

بالقرب من مدخل ملهى اسمه المشهورْ

ملهى ليالي الصفا

يختلط الصفاء ، في احضانه ، بالجفا

فيظهر المكشوف والمستور والمحظورْ

وتفعل الكؤوس ما تشاءْ

في ذمم الرجال والنساء ...

تعلم الفتى ،
وقد شبَّ عن الطوقِ ، الكثير الكثيرْ

قبيل أن يحط ّ كعبيه على

أعتابِ مدخل كبير ٍ كبير

لمعمل ِ السكائر الكائن في محلة (المربـّعه) ...

مـرّ من الشهورْ

ثلاثة أو أربعه

على الفتى ، كعامل ٍ أجير ...

وجاء عام خمسة واربعينْ

فهـزّ إضرابُ جموع الكادحين

في معمل السكائر المشهور (لوكسْ) ،

كيانَ مصاصي دماء المعدمين .

ودارت الأحداث والأمور :

معاركٌ حامية نال بها كادحنا الجسور

ما نال من شتيمة وركلة و (بوكس) :

- ماما ، لقد أسهمت في الإضرابْ

فسرحوني خارج الابواب ،

وليدك الصغيرُ ، منذ لحظة الإضراب والمناوشات صارْ

يفهم ، عن وعي ، اموراً جمة كبار

- يا ولدي ، يا كادحي الصغير ،

فلتبتهجْ ، خسرتَ في
معركة الاضرابِ هذي العملا

لكنْ ربحتَ في مسيرة الحياة الأملا ،

فلتبتهج ، يا كادحي الكبير ،

أليومَ قد غدوت ، حقاً ، رجلا ...

واختطفت ، بـُعيد أشهرٍ ، يد المماتْ

والدةَ الفتى الذي ما زالت الحياة

تمنحه، يمنحها الكثير

ولم يزل، رغم الثمانين التي عانقها ،
يسير ...
 


لندن - في الاول من ايار 2012

 


 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter