|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  11  / 4 / 2016                           د. حسن البياتي                        كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



سوق الطيور
(مسرحية كوميدية ذات فصل واحد)

تأليف: گريكوري كورِن
نقلها من اللغة الروسية : أ.د. حسن البياتي

كلمة المؤلف :
في البدء كانت (الطيور) مسرحية اريستوفان الكوميدية المشهورة، المخصصة للحديث عن الطيور التي اجتمعت معاً لتبني مدينة الطيور السعيدة .
كانت ثمة رغبة شديدة لدى مسرح موسكو للرسوم المصغرة (المنمنمات) – الذي يشرف عليه الفنان أركادي رايكن – في اخراج هذه الكوميديا الطريفة. لكن هذا المسرح يعيش اليوم المشاكل الراهنة التي ربما لا يعيشها أي من مسارحنا الاخرى. ومن هنا فان المسرحية الكوميدية الشهيرة اياها قد فات أوانها الى حد ما. وعلى كل فقد مر عليها الفان وخمس مئة سنة.. ولذا فقد طلب مني مسرح موسكو ان أعد نسخة عصرية للمسرحية .
أعجبتني الفكرة. اردت ان اعرف ما المشاكل التي تعاني منها طيور زماننا. لذلك فقد توجهت مع الممثلين الى واحد من متنزهات موسكو القديمة، حيث يقطن سرب من الغربان، وجعلت أراقب افراده.
شرع الممثلون يدرسون عادات الطيور. جربوا أن يقلدوها في مشيها، ان يضربوا بالمناقير مثلها، ان يجفلوا كما تجفل الطيور، بل حتى ان يحلقوا كما تحلق.. وفجأة حدث ما لم يكن في الحسبان : لقد استهوت المحاكاة احد الممثلين فأغرق في التلويح بيديه لدرجة انه حلق بغتة، مختفياً في السماء مع سرب الغربان ..
كيف حدث هذا؟ ولماذا حدث؟.. من اجل ذلك عقد المسرح اجتماعاً طارئاً، أعرض للقراء الكرام تسجيلاً مختزلاً له.

شخوص المسرحية اثناء الاجتماع الطارئ:
( يلاحظ ان الالقاب هنا منسوبة الى اسماء طيور اليفة معروفة – المترجم )
- الرفيق مدير الجلسة.
- الرفيق تيتيريف (ديك الاحراش – الاطرش).
- الرفيقة زيابليك (الشرشورة الدورية او الحسونة المغردة).
- الرفيقة سيبيجكينا (القرقوفة الزرقاء – طائرة القرقف).
- الرفيق بيتوخوف (الديكي- الديك).
- الممثلة.
- اصوات من داخل القاعة.
- ممثلون وممثلات وكوادر فنية مسرحية مختلفة.

/ منضدة، منصة، في صدر المجلس يجلس مدير الجلسة. وفي حلقة غير متكاملة يجلس اعضاء مسرح موسكو المساهمون في الاجتماع /

- مدير الجلسة : ايها الرفاق! .. نبدأ بافتتاح الجلسة المخصصة للنظر في القضية الشخصية المتعلقة بفناننا نيقولاي ﭭوروبيوف (العصفوري)، الذي ما زال، لليوم الثالث، محلقاً – الله اعلم أين – عازلاً بذلك نفسه عن الجماعة. كل المحاولات التي بذلت من اجل الاتصال به، لم تؤد ِ- مع الأسف! – الى نتيجة.
- صوت من القاعة : وأية محاولات؟
- مدير الجلسة : ناديناه.. قدمنا له المزيد من الخبز.. مقداراً اضافياً من اللحم..
- صوت من القاعة : اللحم من القطاع الخاص؟ (ضحك).
- مدير الجلسة : بجد، ايها الرفاق، بجد رجاء!.. الحادثة استثنائية. علينا ان نناقش الامر، ان نتخذ التدابير والاجراءات اللازمة. من يرغب في الكلام ؟ (يرفع احد الجالسين في القاعة يده) تفضلوا!.. الكلمة للرفيق تيتيريف (ديك الاحراش – الاطرش)، نيابة عن مجلس شورى الفنانين القدماء.
- تيتيريف (ظاهراً على المنصة) : جميع الهأهآت المهأهئة!.. جميع الخرخشات المخرخشة! قد لعبتم بها حتى اوقعتم انفسكم في ورطة ما بعدها من ورطة.. ذوقوا اذن جزاء ما اقترفتم. هذه هي نتيجة العلانية – البلانية، هذه هي نتيجة الديمقراطية – البيروقراطية. خذوا مثلا ً السيدين نابوكوف – گوميلوف!..
- صوت من القاعة : نريد كلاماً واضحاً! ..
- تيتيريف : لا تشوشوا عليّ بتلميحاتكم!.. أنا، في كل الاحوال، لا اسمعها!.. انني – والحمد لله – ثقيل السمع.. فيما مضى كان هذا الامر يؤلمني؛ لانني لم اكن افهم الاوامر.. اما الآن فأنا مرتاح؛ لأنني لا أسمع كيف تلقى!.. هذا هو واقع الامر. انكم مستغربون من ان نيقولاي العصفوري قد طار فجأة، أما انا فأعجب من كونه استطاع ان يظل بيننا كل هذه المدة الطويلة. ترى هل درستم صحيفة اعماله؟! لقد درستها!.. وانني لا استطيع ان افهم كيف امكن ان يقبل للعمل في مسرح حكومي شخص له مثل هذه الصحيفة؟!... هل فكرتم من هو؟ أهو عصفوري فقط؟ هذا بالنسبة الى ابيه (عصفور)، اما اذا نظرنا اليه من جهة امه، فهو – استميحكم عذراً – حمامة!.. ارجوكم ان تنتبهوا جيداً : حمامة! بالتاء المدورة المربوطة.. اي انه ليس من صنف طيورنا تماماً. ان احد نصفيه غريب عنا!..

/ ضجيج في القاعة .. صفير .. /
- صوت من القاعة : لا تكيلوا بالـ نصفيات!..
- تيتيريف : بالنصفيات سنكيل، و (بالربعيات) ايضاً سنكيل.. بالمناسبة، لقد كانت جرعة حسنة، عبثاً انهم ابطلوها! .. وهكذا، ايها الرفاق!.. اذا ما ذهبنا الى ما هو ابعد، في خط الامومة هذا، فسوف نكتشف عندئذ ان جدة الحمامة مدفونة في مكان غير معلوم، اما جدها فمجهول الهوية!..

/ ضجيج في القاعة .. صفير /
(رافعا عقيرته عالياً :) ولهذا لن تاخذني الدهشة من ان يكون نيقولاي العصفوري قد اقترب في تحليقه من الحدود الفنلندية، هذا في حين انكم تبدون هنا التساهل معه وتشغلون انفسكم في اطعامه المزيد من اللحم.
- مدير الجلسة : وضحوا بشكل ملموس، أيها الرفيق الاطرش! .. ماذا تقترحون؟
- تيتيريف : بشكل ملموس؟ تفضلوا! .. بشكل ملموس، يعني : تؤخذ بندقية ذات ماسورتين، يضاف اليها بعض الكرات الورقية الصغيرة، زائداً حشوات نمرة سيكس.. ثم تضرب مصوباً - كما في لعبة البليارد – بام!.. لتعود اليك الضربة مرتدة، في سرعة الترويح بمروحة يدوية، بام!..

/ ضوضاء .. صفير .. /
(رافعاً صوته فوق صراخ الآخرين :) واذا تركناه وشأنه فليس بمستغرب أن يبدأ صاحبنا نيقولاي العصفوري ينعق وينعب، في القريب العاجل، من وراء الاكمة، باصوات الآخرين.. على امواج، انتم أعرف اية هي.

/ ينزل من المنصة، مشيعاً بالضجيج والصفير /
- مدير الجلسة : من يرغب ايضاً في الكلام؟ (ترتفع في القاعة أيد كثيرة) تفضلوا، رفيقة زيابليك، تفضلي ايتها الشرشورة الدورية، يا حسونتنا المغردة!..

/ ترتقي المنصة، راكضة، فتاة ترتدي زياً رياضياً /
- زيابليك ( الشرشورة الدورية ) : اتحدث اليكم نيابة عن الشبيبة، أي باسم معشر الروكيين الديسكويين، الصخابين الضجاجين، المصفقين المصفرين، الهيبيين المتأمركين .. نحن نعتقد ان نيقولا قد رفع الى السماء، ما دام لا احد هنا، على الارض، يصغي لمشاكلنا.. لنأخذ (البريك دانس) ((تثب من فوق المنصة، تبدأ ترقص)) هكذا!.. بديع! .. رائع! .. بايقاع منسجم، متناسق.. لكن لا كيف لا تكييف، ليس ثمة من مسكـّن، ليس ثمة من مساكن، لا واقيات للركب، بل ولا اربطة بسيطة للرقب!.. أليست هذه مشاكل؟ أو لنأخذ مثل هذه الوضعية (تستلقي على ظهرها، تقوم بحركات دورانية) لـَكم من مرة طالبنا فيها الادارة أن تكشط الارضية وتـنعمها!.. الى متى نظل نرقص على شظايا ونتوءات خشبية؟! او مثل هذه الوضعية...
- مدير الجلسة : ستوب! ستوب! (بصعوبة يوقف الفتاة عن مواصلة الرقص) . ايها الرفاق، لسنا الآن في صالة رقص! .. فلنعبر عما نريد بكلمات جدية، لا بحركات جسدية.. من يرغب في الكلام من بعد؟ سينيجكينا، طائرة القرقف الزرقاء؟.. تفضلي، ايتها الرفيقة القرقوفة الغريدة!..

/ ترتقي المنصة قفزاً فتاة من الوسط المثقف تلبس نظارات /
- سينيجكينا (القرقوفة المغردة) : رفاقي، اصدقائي!.. فيوت – فيوت! .. لن نتشاجر! فليُطر ِ كل منا الآخر ... فيوت – فيوت!.. دعونا نفكر لماذا حلق نيقولا؟ ألا يكون هذا حباً؟ فيوت – فيوت !.. او شعوراً من طرف واحد؟ .. هيا بنا، ايها الاصدقاء، ليمسك كل منا بيد الاخر، ولنقرر معا هنا في المكتب، في المقر – لمن؟! فيوت!... أقليلون هم ذوو الجدارة عندنا؟! بهدوء، بلطف، برضا.. نتوزع، من مع من؟.. فيوت.. فيو ت! ونقيم حفلات اعراس!.. مع الشاي، مع البقسم الفاخر المبروم... مع مقدم البرامج المعلوم، سوف يحلو اللعب ويحلو :
( عقعقة أريبة، سوداء
بيضاء جنب، كلها دهاء
قد طبخت في بيتها عصيدهْ
شهية، لذيذة، مفيده
صبت لهذا طبقــا
صبت لتلكم طبقــا،
وذلكم لم تعطهِ شيئاً من العصيده)
والجميع سيكونون فرحين منشرحين!.. وبعد ذلك : الى الاعشاش!.. ما اروعها من عشيشات صغيرة بديعة.. دافئة وديعة... فيوت .. فيوت!..
- صوت من القاعة : ومن اين نحصل على مواد البناء؟
- القرقوفة المغردة : ولماذا هكذا بتعبير مبتذل نثري عادي، ايها الاصدقاء ؟! باحاسيسنا سوف نتدفأ، بمشاعرنا.. بمهجنا وارواحنا!.. أيروقني ان لا تصيبكم عدواي؟ أيروقكم ان لا تصيبني عدواكم؟
- صوت من القاعة : يروقنا!..
- القرقوفة المغردة : لينقل كل منا عدواه الى الآخر!.. بلطف، برقة، برضا!.. فيوت.. فيوت!.. (تهبط طائرة من فوق المنصة).
- مدير الجلسة : أثمة من يرغب في الكلام؟ بيتوخوف؟ تفضلوا، ايها الرفيق الديك!

/ ينط الى المنصة فتى نشيط ذو مقلتين براقتين .. /
- بيتوخوف (الديكي- الديك) : انا متفق مع الخطيبة السابقة في الجوهر، لكنني لست معها في الباطن!.. الحب؟ موافق!.. فقط بغير مراءاة. الحب هو جنس ايضاً. لماذا نلتزم الصمت حيال هذا الامر؟ العلانية تعني العلانية!.. العلانية لا يمكن ان تكون من هذا الحد الى هذا الحد. ان العلانية يجب ان تكون في الاسفل ايضاً..
- مدير الجلسة (مهدئاً) : دُوَيـك! دُوَيك!.. لا تذهب بعيداً، يا دويك!
- بيتوخوف الديكي : كلا، تعالوا نتدبر الامر!.. لقد تحدثنا كثيراً عن قوة الجنس الضعيف، آن لنا ان نفكر في ضعف الجنس القوي. والمشكلة الاكثر حدة لستم انتم من يحدثني عنها. فطبقاً للاحصائيات، ان ثلاثين بالمئة من الرجال ينظرون الآن الى المرأة كرفيقة فقط! .. وان ثلاثة بالمئة ينظرون الى الرفيقة نظرتهم الى إمرأة!.. وكل هذا لا يمكن ان لا يقلق اولئك الذين ما زالوا يقلقون. سأوضح بمثال..
- مدير الجلسة : دُوَيـك! دُوَيك!.. كف عن هذا، يا دويك!
- بيتوخوف الديكي : انني افهم نيقولا العصفوري جيداً!.. فلأحلق، اذن، نحو أم الابالسة جميعاً!.. (يبتعد، قافزاً قفزات متكررة، وراء المنصة).

/ ضوضاء عامة شاملة. صراخ : /
- أطلقوا عليه الرصاص من البندقية ذات الماسورتين!
- بريكاً نريد!.. بريك!
- يجب أن نتماسك، ايها الشبان!.. يجب ان نتماسك!..
- مدير الجلسة : هدوء!.. ايها الرفاق!.. ايها الرفاق! (فجأة يظهر الحزن على وجهه) ايها الشباب، ماذا جرى؟ عم تتحدثون؟!.. تعالوا نفكر عميقاً في جوهر المسألة.. نحن، في الواقع، لسنا قلقين لأن نيقولا قد حلق طائراً. اننا يجب ان نفهم لماذا هو لم يرغب في ان يكون انساناً؟!.. هذا هو جوهر المسألة. فلتدركوا اذن، ايها الاخوة.. ولكن ألا يجوز أن لا نكون نحن ايضاً في عداد البشر الآن. ها؟.. ايها الاولاد؟

/ تجري إحدى الممثلات حاملة رسالة /
- الممثلة : رسالة مختصرة من نيقولا العصفوري..
- مدير الجلسة : من اين جئت بها؟
- الممثلة : جلبها واحد من الحمام.
- تيتيريف (ديك الاحراش الاطرش) : قلت مراراً حمامة!
- الممثلة : كلا. انه حمام حقيقي، حمام الزاجل.. هاك خذ! (تقدم الرسالة الى مدير الجلسة)
- مدير الجلسة (يقرأ) : (( لا تقلقوا بشأني!.. استقر بي المقام في مزبلة مريحة. رتبت اموري جيداً. اعيش عيشة راضية مرضية.. زميلكم نيقولا العصفوري)).

/ بلبلة شاملة . موسيقا حزينة . ينطفئ النور /



المصدر:
مجلة يونوست (الشباب)، العدد السادس ص 95-96، موسكو 1987.





 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter