| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. هاشم نعمة

 

 

 

الثلاثاء 11/5/ 2010



الفدرالية : المفهوم والتطبيق
(5)

د. هاشم نعمة

موقف الأحزاب العراقية الأخرى
يهدف الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى ضمان حق "الأمة الكردية المجزأة في تقرير مصيرها أسوة بجميع أمم العالم". كما يدعو إلى "حكم ديمقراطي برلماني فدرالي في العراق قائم على دستور إتحادي يضمن احترام حقوق الإنسان والتعددية الحزبية والمساواة أمام القانون" .. وحق أبناء القومية الكردية في العراق في تقرير مصيرهم" والذي حدده برلمان كردستان في هذه المرحلة بصيغة الفيدرالية".. العمل على ضم مناطق مثل "كركوك وخانقين ومندلي وسنجار وشيخان وتلعفر وزمار وغيرها إلى إقليم كردستان". بالنسبة للإتحاد الوطني الكردستاني ينص برنامجه على "حق تقرير المصير لأبناء القومية الكردية.."ويتمثل ذلك بتحرير الوطن الكردستاني" وتقوية "التعاون والاتحاد النضالي والثوري مع القوى الديمقراطية والتقدمية العربية والأقليات القومية في كردستان وبالأخص الآشوريين والتركمان وكذلك تقوية أواصر العلاقات مع القوى التحررية والديمقراطية والاشتراكية في العالم من أجل التحرر والسلام والديمقراطية"([1])

وما زالت العديد من الأحزاب والقوى العراقية الأخرى بحاجة لتبني رؤية ديمقراطية ومضامين مدنية حديثة تجاه الفدرالية. وهذه أحدى الإشكالات الرئيسية في تطبيق النظام الفدرالي في العراق، أو في نجاح الائتلافات السياسية التي لم تقم إلا على أساس المعاناة المشتركة من النظام السابق، رغم التباين الكبير في مواقفها السياسية.

يؤكد دستور كردستان في ديباجته على الهوية العراقية للإقليم، وأن الأخير إقليم اتحادي ضمن العراق(م1)، وأن شعب كردستان اختار الاتحاد الحر بالعراق، وأن استمرار هذه الرابطة مرهون بشرطين معقولين– الالتزام بالدستور الاتحادي والنظام الفدرالي البرلماني، وعدم انتهاج سياسية التمييز العرقي وتغيير الواقع الديمغرافي في كردستان. (م8) صحيح أن ثمة تأكيدا على حق شعب كردستان في تقرير مصيره، والمواد (14، 18، 37، 38، 42، 66، 67) أكثر من واضحة في الدلالة على التوجه المدني (غير الإثني) للقومية الكردية. كما أن الاستقلال لا يندرج في برنامج أي من الحزبين الرئيسيين في الإقليم كهدف رسمي. وقد فسر مسعود البارزاني، مبكراً في 1992، هذا الموقف للحركة الكردية، حيث أشار إلى أن "الوضع في عالم اليوم لا يسمح بأية تغيرات في الحدود الإقليمية، أو يقبل أي تجزئة. ومن ثم على الأكراد ألا يسبحوا ضد التيار في العالم". وهذه المواد لا تضع اللغة أو الثقافة الكردية فوق غيرها (العربية والتركمانية وحتى السريانية والأرمنية) بل تعترف بها جميعا كمكونات قومية لشعب كردستان، وتحظر الفكر العنصري أو التطهير العرقي أو الطائفي أو التمييز العنصري أو القومي أو الديني أو المذهبي أو السياسي. ([2]) كذلك فإن توازنات القوى الإقليمية والعالمية ومصالح تركيا حليفة الغرب في المنطقة لا تسمح بغير الفدرالية إضافة إلى أن القيادات الكردية تدرك الآن أن الوضع الجيوبوليتيكي لكردستان العراق لا يسمح بإقامة دولة كردية.
 
لقد دخلت القوى الكردية في العملية السياسية بعد سقوط النظام بوصفها أقوى الأطراف الفاعلة محليا من الناحية العسكرية. ومنذ عام 1991 وهي تشيد منطقة مستقلة ذاتياً حيث أرسيت أجهزة الدولة في إطار مؤسسات ذات كفاءة متزايدة، تتمثل في مؤسسة تشريعية (البرلمان) وجهاز قضائي وأداري. وبالرغم من نواقص هذه التجربة وتقاطعها في بعض المجالات مع الديمقراطية إلا أنها تشكل قاعدة لتحقيق المطالب الأساسية للقيادات الكردية والمتمثلة بالاحتفاظ بمستوى الاستقلال الذاتي الحالي، كحد أدنى  وتوسيعه بضم كركوك. وامتلاك قوة عسكرية، والتمتع بصلاحية منع انتشار القوات العسكرية العراقية شمالاً.([3]) لكن اعتبار اللحظة الراهنة هي اللحظة التاريخية الأهم، والتركيز على المسألة الكردية دون أن يرافق ذلك نفس القدر من الاهتمام بقضايا بقية العراق وإطلاق التصريحات غير المدروسة أحياناً من أجل الضغط السياسي قد أعطى خصوم الفدرالية سلاحا إضافياً ضدها وقلص قاعدة مؤيديها والتي هي بالأساس محدودة على الأقل وسط الرأي العام.
 
إن المصالح القومية تعتمد على قوة القانون الذي يراعي احترام هذه المصالح ويوفر أسس العدالة الاجتماعية بين المواطنين ويؤمن لهم المجتمع الآمن المزدهر الذي يسمح لهم بالعيش برخاء ويضمن المساواة في الحقوق والحريات المدنية. وبعد سقوط النظام عام 2003 وسن دستور جديد والمصادقة علية في الاستفتاء العام والذي أقر بان العراق دولة فدرالية فحسب المادة (116) من الدستور "يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمةٍ وأقاليم ومحافظاتٍ لا مركزيةٍ وإداراتٍ محلية." كما تنص المادة (117) على "يقر هذا الدستور، عند نفاذه، إقليم كردستان وسلطاته القائمة، إقليماً اتحادياً". بينما تنص المادة (118) على " يسن مجلس النواب في مدةٍ لا تتجاوز ستة اشهر من تاريخ أول جلسةٍ له، قانوناً يحدد الإجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الأقاليم، بالأغلبية البسيطة للأعضاء الحاضرين "([4]) وهكذا حسم الدستور هذه المسألة ولا مجال للتراجع عن الفدرالية لأنها الحل الأنسب للمسألة الكردية في الوضع الراهن.

أخيرا هناك تباينات واضحة على مستوى المفهوم والنظرية والتطبيق فيما يخص الفدرالية لذلك اتخذ تطبيقها أنماطاً شديدة التنوع، وأنه لا يوجد نموذج فدرالي صاف يمكن تطبيقه في كل مكان. وأن المرء لا يسعه أن يختار النموذج الفدرالي كما يهوى، إذ حتى المؤسسات المتماثلة فإن الظروف المختلفة قد تؤدي بها للعمل بصورة مختلفة. ([5]) وهذه أمور مهمة ينبغي التمعن والتدقيق بها في حالة العراق لتقرير أي فدرالية يمكن أن تصلح له. وهنا أميل إلى مقترح مجموعة الأزمات العالمية التي درست الوضع في العراق ورأت أن العراق يصلح له النظام الفدرالي الخاص أي أن يتمتع إقليم كردستان بالفدرالية دون بقية البلاد بسبب خصائصه الجغرافية والتاريخية واللغوية والثقافية والاثنية.

 

[1] - د. عبد الوهاب حميد رشيد، العراق المعاصر، المدى، دمشق، 2002، ص 360-363.

[2] - أيمن إبراهيم الدسوقي، مصدر سابق، ص 229 -232.

[3] - جاريث ستانسفيلد، "الانتقال إلى الديمقراطية"، في المجتمع العراقي حفريات سوسيولوجية، بغداد، 2006، ص 364-365.

[4] - دستور جمهورية العراق

[5] - رونالد ل. واتس، مصدر سابق، ص 128.

 

¤ الفدرالية : المفهوم والتطبيق (4)
¤ الفدرالية : المفهوم والتطبيق (3)
¤ الفدرالية : المفهوم والتطبيق (2)
¤ الفدرالية : المفهوم والتطبيق (1)


 

free web counter