| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. هاشم نعمة

 

 

 

الجمعة 7/5/ 2010



الفدرالية : المفهوم والتطبيق
(4)

د. هاشم نعمة

المسألة القومية الكردية والفدرالية في العراق

الفدرالية في العراق لم تبرز فجأة بل مرت بمراحل انتقالية وارتبطت بالأساس بحل المسألة القومية الكردية حيث لم تستطع الأنظمة المتعاقبة منذ تأسيس الدولة العراقية - رغم تفاوت رؤيتها لهذه المسألة- من حلها بسبب رؤيتها الشوفينية الضيقة لجذورها وأسبابها الحقيقية ونتيجة لذلك دفع الشعب العراقي عموما والشعب الكردي خصوصاً ثمنا باهضا بسبب استمرارها طيلة عقود.

 فالقائلون بالفدرالية، وعلى اختلاف مذاهبهم، يجعلونها شرطاً للتقدم الاجتماعي والاقتصادي، وضمانة للديمقراطية، وسبيلا لحل المسألة القومية وتجاوز مخاطر النزعات الانفصالية. بينما يذهب الرافضون إلى القول، بأن الفدرالية تؤدي إلى التشرذم والتبعثر، ومن ثم، تقود إلى عرقلة تطور البلاد، وتكرس اللا تجانس الطائفي والقومي، لتشكل في النهاية، مقدمة لتقسيم العراق إلى دويلات.([1]) وتنطلق النظرة الأخيرة في الغالب من مفهوم يحكمه التعصب وضيق الأفق القومي.

ويذهب البعض إن المسألة مرتبطة بالفضاء الذي خلقته الحركة القومية العربية لنفسها، ذلك الفضاء الذي يشبه أسطورة مليئة بالأعداء الوهميين، وكان أحد هؤلاء الأعداء ولسوء الحظ الأكراد الذين دخلت الحركة العروبية في معركة طاحنة معهم منذ بداية القرن العشرين حيث شكلت صورة الأكراد في ذهنية تلك الحركة صورة الباغي الذي يهدد باستمرار- على الصعيد الداخلي- وحدة صفوف الشعب ووحدة أراضي الوطن وخارطته السياسية، ويتحالف- على الصعيد الخارجي- مع أعداء الأمن القومي.([2])

إذن نحن إزاء تعارض في فهم طبيعة المسألة القومية الكردية وإيجاد الحلول لها وهذا التعارض ينبع من مواقف سياسية وفكرية تغذيها البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المتخلفة التي لم تتطور كفاية رغم عقود من ما يسمى مشاريع التنمية الاجتماعية-الاقتصادية.

 موقف الحزب الشيوعي العراقي

يستند موقف الحزب من المسألة  القومية الكردية إلى الفهم الماركسي-اللينيني لحق الأمم في تقرير مصيرها. لذلك للرفيق فهد مؤسس الحزب موقف واضح منها. ومعروف أن جريدة كفاح الشعب، أول جديدة تحمل أسم الحزب الشيوعي والصادرة في نهاية تموز 1935 رفعت شعار: استقلال كردستان. وورد في التقرير المقدم إلى المؤتمر الوطني الأول للحزب "...فالأمريكان يريدون الآن أن يوجدوا لهم قاعدة اجتماعية في العراق، ويريدون أن يستغلوا وضع الأكراد ويجعلوا منهم قاعدة اجتماعية لهم... إننا ننبه إخواننا الأكراد إلى أن قضيتهم الوطنية مرتبطة بقضية العراق التحررية وأن حرية الأكراد في العراق لا تأتيهم عن طريق الوعود الاستعمارية..بل بالنضال المشترك مع العرب من أجل استكمال استقلال العراق. إن  حزبنا يدعو إلى الصداقة العربية الكردية، إلى النضال المشترك من أجل قضية العرب والأكراد على السواء". ([3]) وهذا التنبيه لا زال ساري المفعول فلازالت القوى الكردية الرئيسية تعول على هذا الدعم سواء قبل سقوط النظام أو بعده وجانب من ذلك يعود لعدم ثقتها بتوجهات الأحزاب العراقية الرئيسية المهيمنة على السلطة في العراق تجاه حقوق الشعب الكردي.

وفي الحقبة التي تلت ثورة 14 تموز 1958 شغلت القضية الكردية حيزا كبيراً من اهتمام الحزب، نظراً لأنها تتعلق بالقومية الكبيرة الثانية في البلاد، التي ظلت تتطلع، طوال العقود الماضية، إلى المساواة وإلى تحقيق حقوقها القومية، وتُتاح لها، لأول مرة، فرصة حقيقية لكي تمارس بعضاً من حقوقها القومية، بعد الثورة. ومنذ ربيع 1962، شرع الحزب في تركيز انتباهه إلى المسألة الكردية، ففي آذار تدارست اللجنة المركزية للحزب المسألة، واتخذت قراراً بتأكيد مطالبة الحزب بالحكم الذاتي لكردستان العراق. وكذلك أقرت تقريراً يعالج سياسة الحزب لحل المسألة القومية الكردية في العراق حلاً ديمقراطياً عادلاً.([4])

وفي أعقاب انتفاضة آذار 1991، طورت القوى الديمقراطية العراقية، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي، شعار "الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي الحقيقي لإقليم كردستان"، وتبنت شعار الفيدرالية لإقليم كردستان، في عراق ديمقراطي إتحادي (فيدرالي) موحد، وذلك باعتباره حلا ديمقراطياً للمسألة القومية الكردية. وتكرس هذا قانوناً بالقرار الذي أتخذه المجلس الوطني الكردستاني المنتخب، في الرابع من تشرين الأول 1992. وهو القرار الذي حظي باحترام قوى المعارضة العراقية، وجرى النص عليه في مواثيقها وبياناتها منذ ذلك التاريخ وحتى الآن([5]) إذن كان تطوير الشعار استجابة للظروف الملموسة المستجدة على الصعيد الداخلي ويمكن أن يكون للبعد الخارجي تأثير والمتمثل بتوسع المطالبة بتبني الفدرالية على المستوى العالمي بعد نهاية الحرب الباردة كما ذكر أعلاه.

وورد في التقرير السياسي للحزب المقر في المؤتمر السابع عام 2001 "إن الدكتاتورية لا يمكن أن تجلب للشعب الكردي سوى المحن والويلات. وأن الظروف المناسبة لتحقيق مطامحه وحل القضية الكردية عموماً، لن تتوفر إلا في إطار عراق ديمقراطي يضمن الحقوق القومية للشعب الكردي والقوميات الأخرى. وبدون ذلك لن يمكن وضع الفيدرالية، وهي الشكل الملموس الذي أختاره الشعب الكردي للتمتع بحقوقه القومية في إطار العراق الموحد، موضع التنفيذ". وجاء في برنامج الحزب في نفس المؤتمر " إقرار صيغة الفدرالية لإقليم كردستان دستورياً".([6]) وقد زكت مسيرة المسألة الكردية هذا التشخيص فرغم المفاوضات والاتفاقات التي جرت بين قادة الحركة الكردية والنظام السابق في مراحل مختلفة فإنها لم تحرز أي تقدم وهذا ناتج من طبيعة البنية الفكرية والسياسية الشمولية لنظام البعث ونظرته القومية الضيقة وبالتالي لم يكن مؤهلاً موضوعياً لحل هذه المسألة حلاً عادلاً.

كذلك جاء في برنامج الحزب المقر في المؤتمر الثامن عام 2007 ما يلي:

    أولاً: إقرار حق تقرير المصير للأمة الكردية في أجزاء كردستان كافة، وحقها في الوحدة الوطنية.

ثانياً: تعزيز النضال المشترك والأخوة العربية- الكردية بما يمكن من بناء عراق ديمقراطي اتحادي "فيدرالي" موحد.

ثالثاً: ضمان الحقوق القومية والإدارية والثقافية للتركمان والكلدان – الآشوريين- السريان والأرمن وتطويرها وتوسيعها، واحترام المعتقدات والشعائر الدينية للايزيديين والصابئة المندائيين، وإلغاء جميع مظاهر التمييز والاضطهاد ضدهم. ([7])

  وهذا تطوير واضح لموقف الحزب وله دلالته الفكرية والسياسية الدقيقة وباتت نظرته للمسألة القومية أكثر شمولا حيث حددت وبشكل واضح حقوق المكونات القومية والدينية الأخرى.

 

[1] - ياسر المندلاوي، الثقافة الجديدة، العدد 315، 2005، ص 103.

[2] - مجلة النهج، العدد، 22، ربيع 2000، ص 203.

[3] - حمدان يوسف، الثقافة الجديدة، العدد، 302، 2001، ص 12-13.

[4] - عزيز سباهي، عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، الجزء الثاني، دار الرواد، 2003، ص 497 و512.

[5] - عبد الرزاق الصافي، الثقافة الجديدة، العدد 315، 2005 ص 65-66.

[6] - الحزب الشيوعي العراقي، وثائق المؤتمر الوطني السابع، 25-28 آب، 2001، ص57 و94.

[7] - الحزب الشيوعي العراقي، وثائق المؤتمر الوطني الثامن، دار الرواد، بغداد، 2007. ص 141.

 

¤ الفدرالية : المفهوم والتطبيق (3)
¤ الفدرالية : المفهوم والتطبيق (2)
¤ الفدرالية : المفهوم والتطبيق (1)


 

free web counter