| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. هاشم نعمة

 

 

 

الثلاثاء 4/5/ 2010



الفدرالية : المفهوم والتطبيق
(3)

د. هاشم نعمة

 توزيع السلطات

توزيع السلطات من المسائل الهامة والحساسة جدا والتي أثير الكثير من النقاش حولها على المستوى السياسي والأكاديمي في مسيرة بناء الأنظمة الفدرالية في العالم. وهي لا تزال محط حوار ونقاش عميق ولا نستطيع القول حتى في الأنظمة التي أرست دعائم قوية للبناء الفدرالي بأنها حسمت فهي محل مراجعة وتدقيق مستمرين مع الوقت.

    ومن هنا تشغل هذه المسألة مكانا هاماً في النقاش خاصة إذا ما عرفنا إن العوامل الجغرافية والتاريخية والاقتصادية والأمنية واللغوية والثقافية والديمغرافية والدولية كانت جميعا وراء ما يدفع باتجاه الاتحاد، وفي ذات الوقت وراء ما يدفع باتجاه الهوية الإقليمية. على العموم كلما زادت درجة التنوع ازدادت السلطات الممنوحة للوحدات المكونة للحكومات المحلية. وكما تشير الوقائع يتعذر على الأنظمة الفدرالية أن تتجنب التداخل في المسؤوليات. ومن المألوف أن يوجد قدر من التعاون المتبادل. وتكتسب مسألة العلاقات ما بين توزيع السلطة التشريعية والتنفيذية، أهمية خاصة. لقد بينت التجربة أن لا مفر من تداخل الاختصاصات السيادية. ومن هنا يجب التشاور ما بين الحكومة الفدرالية وحكومة الإقليم قبل إبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية. ([1])

     نستطيع تحديد فدراليات قوية وأخرى ضعيفة. فالبنية الفدرالية القوية، هي التي تكون فيها الولايات المكونة للدولة قوية لأنها تحتفظ بدرجة كبيرة من السلطة وتكون الحكومة الفدرالية ضعيفة. أما في النظام الفدرالي الضعيف تمتلك الولايات فقط درجة محدودة من السلطة وتكون الحكومة الفدرالية قوية.([2]) وهناك نمط ثالث من الفدراليات تكون السلطة فيه قوية لكل من الحكومة المركزية والولايات أي يكون هناك توازن في السلطة وهذا ما يفترض أن يكون عليه واقع الفدرالية في العراق.

    ففي النمط الأول والثاني هناك درجة من التوتر والنزاع بين المراكز المختلفة للسلطة. فالولايات تكون حريصة على الاحتفاظ بسلطتها والإبقاء على درجة معينة من الاستقلال. أما الحكومة الفدرالية فتكون دائماً حريصة على مد سلطتها وتأثيرها على أجزاء البلاد. وتبحث الأخيرة على إنتاج سياسات وطنية بينما الولايات تبحث عن قدر من الاستقلال الذاتي. ويتفاقم النزاع في حالة وجود اختلافات في القناعات أو المعتقدات السياسية بين مستويي السلطة.

 سويسرا مثلا تخضع إلى نظام ممعن في اللامركزية. وقد جاء تجانس الوحدات المكونة للفدرالية عبر أقصى فصل إقليمي ممكن لمختلف الجماعات، ووضع كافة الوظائف التي يمكن أن تصبح اللغة فيها مسألة حساسة، كالشؤون التربوية، والفكرية، والفنية ضمن أشراف السلطة الكانتونية. ([3])

 ووفرت الفدرالية المزدوجة والمعقدة في بلجيكا، مخرجا لمشكلة التوتر بين المتحدثين باللغة الهولندية والفرنسية. فقد قامت في البلاد ثلاثة أقاليم هي والونيا للمتحدثين بالفرنسية وفلاندرز للمتحدثين بالهولندية وإقليم بروكسل الذي أعتبر ثنائي اللغة. ويمكن لكل مجموعة سكانية ممارسة سلطتها في إقليمها وفي بروكسل. بالتأكيد، إن هذه الترتيبات أكثر تعقيداً من غيرها في الدول الفدرالية الأخرى. إلا أن لديها ميزة كبرى وهي تقديم الحل لوجهتي نظر مختلفتين ومتعارضتين إلى حد بعيد، فيما يتعلق بطبيعة الدولة الفعلية. وهكذا فإن الدستور الفدرالي البلجيكي يقبل ويحدد رؤيتين للدولة.([4])

 وفي الهند تم تنبني البنية الفدرالية المعقدة مباشرة بعد الاستقلال 1949-1950. وتستمد هياكل الحكم إلى جانب الحكومات المحلية، سلطتها من الدستور الذي يوزع السلطات بتناسق بين الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات أو بدون تناسق من خلال عدة مواد دستورية مثل تلك التي تتوجه حصراً إلى الجماعات القبلية، والأقليات الإثنية، والتنمية الوقائية لشعوب بعض الأقاليم والأقاليم الفرعية المختارة. وتتمتع السلطة المركزية بصلاحيات تنظيمية تمارسها على عدد كبير نسبياً من القضايا. ويعترف الدستور بسيادة الصلاحيات القانونية المنوطة بكل وحدة فدرالية. لكن تتوافر أيضاً "أعباء تفاضلية"- حيث يترتب على بعض الوحدات مسؤولية مهمات أكثر من البعض الآخر- ضمن ميادين متشابهة أو مختلفة. وهكذا فيما تبسط الولايات سلطتها على التعليم الابتدائي عموماً لا تنطبق الحالة نفسها على التعليم العالي، حيث يجب أن تشارك في صلاحياتها القانونية الحكومة المركزية.([5])

 وبالنسبة للعراق وفيما يتعلق بالإشكالات التي تواجه النظام الفدرالي وبالأخص التباين حول الصلاحيات بين الحكومة المركزية والأقاليم من الضروري " الانتباه إلى أن الفدرالية لا تبنى دفعة واحدة وبقرار فوقي بعيدا عن واقع الظروف الموضوعية. وليس بالضرورة أن يكون تحويل الصلاحيات للأقاليم بمستوى واحد ووتيرة واحدة وبوقت واحد، وإنما المطلوب مراعاة القدرة الاستيعابية للصلاحيات (من حيث توفير البنى التحتية/ الكادر/ وغيرها من المستلزمات اللوجستية والبشرية). ولهذا فإن التدرج التصاعدي في تحويل السلطات والصلاحيات ضرورة موضوعية للبناء السليم لمنظومة العلاقات المنظمة لصلاحيات السلطات الاتحادية والأقاليم وما بينهما".([6]) وهذا يعني أن بناء النظام الفدرالي عملية تراكم مستمرة وأن أي إشكالات تبرز في مسيرة هذا البناء لا سبيل لحلها إلا بالحوار فقط.

 

[1] - رونالد ل. واتس، "الأنظمة الفدرالية" عرض عزيز سباهي، الثقافة الجديدة، العدد 322-323، 2007، ص 129-130.

[2] - John R. Short, op. cit., p.100.

[3] - شاكر الأنباري (إعداد)، الديمقراطية التوافقية، بغداد، 2007، ص 36.

[4] - راؤول وأبيغيل، حوارات حول الأصول الدستورية، 2007، ص 10-12.

[5] - جورج مايثو، توزيع السلطات والمسؤوليات في البلدان الفدرالية، 2007، ص23.

[6] - حميد مجيد موسى، الثقافة الجديدة، العدد 329-330، 2009، ص 145.

 

¤ الفدرالية : المفهوم والتطبيق (2)
¤ الفدرالية : المفهوم والتطبيق (1)


 

free web counter