| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فلاح علي

 

 

 

                                                                                     الثلاثاء 17/4/ 2012


 

ذكرى مرور 22 عام على كسر الانصار الشيوعيين للحصار
الايراني بعد اختراقهم لحصار جبل كَار
(3)

فلاح علي

الوصول الى معسكر الخوي :
وصلنا الى المعسكر بعد الساعه 11 ليلاَ وكان ذلك في نهاية كانون الثاني او اوائل شهر شباط 1989 , خصصوا لنا بلوك نظيف وجيد , وكان يسع ما بين 6 الى 8 غرف في المقدمه , وفي الجهه الثانية من نفس المدخل ملاصقه لها 6 الى 8 غرف , ويوجد ممر واحد يؤدي الى الجهة الثانية , وامام كل مجموعة من الغرف ساحة مبلطة بالاسمنت .وتوزع الرفاق كل ستة رفاق في غرفه , اما العوائل فتم توزيعهم على غرف مخصصة للعوائل كل غرفتين كبيرتين ملاصقة لبعضهما وكأنها بيوت صغيرة تسكن فيهما عائلتين وكان السكن افضل بكثير من السكن في زيوه .

في صباح اليوم الثاني بعد تناول الفطور , خرجنا من بلوك السكن , واذا بتجمع كبير من العوائل الكردية المتواجده في المعسكر كان في استقبالنا , ونسبه غير قليلة منهم نعرفهم جيداَ , عملنا في مناطقهم (القرى والقصبات التابعه لمحافظة دهوك ولأقضيتها ونواحيها) وسبق وان إستضافونا في بيوتهم , وكان لقاءنا حاراَ معهم, وكان من ضمن القادمين للسلام علينا , رفيقنا الجندي المجهول المتفاني والمعطاء عبد الرحمن بيرموس , كان يسكن في قرية بيرموس القريبه من القوش والواقعه في نهاية دشت القايدية , وكان بجانب القرية جبل على سفحه (كهفين كبيرين ) هذين الكهفين كانا مقر لسريتنا , بقى الرفيق عبد الرحمن يسكن في القرية لوحدة بعد ان تعرضت للقصف بالطيران وهجرها أهلها , وبقى معنا كأنه واحد من أعضاء السرية ويتم تكليفه من قبل الرفاق بمهام خاصة غير عسكرية , وعادة نلتقي معه كل يوم في القرية حيث الرفاق الخفر يعملون الخبز ويطبخون , ونلتقي احياناَ في ثلاث وجبات أكل في مطبخ السرية الذي تم بناءه ما بين سفح الجبل والقرية . عانقنا الرفيق عبد الرحمن بحراره والدموع في عينيه وكأنه استذكر ايامه عندما كان في الجبل و ذكرياته وحريته في القرية وانه كان قوياَ حراَ اما الآن فهو يخضع لقيود روتينية ادارية ممله . كان ذلك اليوم بالنسبه لنا جديداَ وكنا نشعر بالغبطه والفرح في دواخلنا مع قوة وتماسك , لانه اينما نذهب نجد جماهير تحتضننا , وهي ايضاَ بوجودنا معها تشعر بالقوة وعدم الضعف .كان مقابل باب البلوك مجموعة من المواطنين الاكراد العراقيين يبيعون الخضروات ليعتاشوا عليها , وبعد هذا اللقاء الجميل بالقرويين , توزع بعضنا على شكل مجموعات وقمنا بجوله للاطلاع على المعسكر والتعرف على ما في داخله وحوله .

كان المعسكر يقع في منطقة نائية جداَ , بالقرب من حدود الاتحاد السوفياتي السابق , اعتقد جمهورية أذربيجان , وتحيط به سلاسل جبلية ومعزول تماماَ ولا توجد حوله قرى او سكن او بناية, ويبعد عن قضاء الخوي حوالي 40 دقيقه . المعسكر محاط باسلاك عالية , مع حراسات عسكرية من جميع جهات المعسكر المكان المخصص للحراسة يقع في ابراج عالية يشرف الحرس من خلالها على المنطقه وبجانب كل نقطة حراسة بروجكترات تضيئ المنطقة لمسافة واسعة , ويحوي المعسكر على ساحة كبيرة لكرة القدم , وعلى حمام , وعلى مكتبة وقاعة اشبه بكَازينو فيها تلفزيون فقط القناة الايرانية , ويحوي على بنايات كثيره للعوائل ومكاتب للادارة وقسم للحراسات ومخازن للمواد الغذائية , وفرن لصنع الخبز , مع وجود بلوك ثاني ملاصق الى بلوكنا يسكن فيه أيضاَ عراقيين .

تم نقلنا الى هذا المعسكر لغرض اجراء التحقيق معنا , ولكن ما لفت انتباهنا, في تمام الساعة السابعة مساءَ تم ادخالنا الى داخل البناية البلوك وتم قراءة اسماءنا لتسجيل الحضور والغياب وبعد التأكد من الحضور قام الحرس بأغلاق الباب من الخارج , وشعرنا اننا في سجن وهذه هي الحقيقة كان سجن ولا نعرف متى ستنتهي مدة محكوميتنا فيه , لكن انتزعنا لاحقاَ بعض الحقوق من خلال خوضنا الصراع مع ادارة السجن , وهذا ما سأوضحه لاحقاَ في الحلقة القادمة, تكررت عملية اجراء التعداد في الايام التالية واغلاق باب البناية الرئيسية وهذا مما لا نقبل عليه .

حياة الانصار في المعسكر منذ الايام الاولى تميزت بالحيوية وتنوع النشاطات :
بعد ان رتب الانصار امورهم اليومية من خلال التنظيم الاداري في الغرف ووجود خفارات يومية في كل غرفة , وبدأوا بتنظيم وقتهم واستغلال الفراغ وممارسة بعض النشاطات والهوايات, , وبطبيعة الانصار المعروفين بعيشهم المشترك, وإلفتهم ومحبتهم وبعلاقات التضامن الرفاقية القوية , ساعد ذلك على تخلصهم من حالة الرتابه التي كانت سائده بينهم في قرية زيوة وتجلت حياتهم اليومية في هذا (السجن الجديد) بتنوع النشاطات والاهتمامات وبالحيوية والنشاط والتنظيم واستغلال الوقت .

من ابرز ملامح حياة الانصار في هذا السجن هي :
1- تم تشكيل فرق رياضية لكرة القدم , هذا مما دفع الشباب من ابناء العوائل الى تشكيل فرق ايضاَ , واصبح مساء كل يوم ممتع حيث تبدأ المبارات والتدريبات ويحضر المشجعون , ثم تم تشكيل منتخب للانصار , واقيمت دورة رياضية وتطور الامر وشارك فريق ايراني من خارج المعسكر بالدورة الرياضية التي اقامها مسؤولي الفريق الرياضي بالتعاون مع فرق الشباب من العوائل .
2- شكلت صفوف لتعليم اللغة الروسية والالمانية والانكليزية وعدد قليل جداَ بدأ يدرس اللغة الفرنسية , أبرز معلمي اللغة الروسية الرفيق ابو عمران خريج جامعة لينين كَراد , وأبرز معلمي اللغة الالمانية الرفيق ابو ماجد لاسلكي خريج المانيا والانكَليزية الرفيق حسين كان مدرساً في العراق, والفرنسية لا يوجد فيها معلم ولكن حصل عدد من الرفاق على كراس لتعليم اللغة وبدأوا بدراسته ومنهم الرفيقين ابو طالب وابو حازم اداري الفوج الاول , بالنسبه لي دخلت في دورتين لتعليم اللغة الروسية والالمانية .
3- بدأت زيارة المكتبة ووجدنا كتب باللغة العربية منها نهج البلاغه ,وبدأنا في الاستعارة وقراءة الكتب , أتذكر بعض الرفاق أنهوا قراءة الجزء العشرين لنهج البلاغة , ومنهم الرفيق ابو فاتن , بالنسبه لي أنهيت قراءة الجزء رقم 12 .
4- البعض يعطي من وقته لمشاهدة التلفزيون , في القاعة الكبيرة , وهي على شكل مضيف الجلوس على الارض , واحياناَ يكون تجمعنا كبير لانه بين فترة واخرى ينقلون مباراة لكرة القدم ونتجمع فيها .
5- تمت ممارسة لعبة الشطرنج على مجال واسع داخل المعسكر رغم عدم موافقة الايرانيين , وكانت هناك مبارات ومنافسات بين لاعبي الشطرنج , وكان عدد من الرفاق يلعب الشطرنج بشكل جيد , ومنهم الرفيق المرحوم ملازم فائز وابو رائد ومنذر وعمودي كان لاعب جيد وابو حازم اداري, وآزاد وابو فاتن وهوبي وابو حسن ياسرعرفات وعدد غير قليل من الرفاق وكاتب هذه الاسطر , وتحصل منافسات حادة بينهم , ويشاهد المبارات جمهور من الرفاق , واجمل المبارات عندما يكون فيها المنافس الرفيق ملازم فائز ,حيث احياناَ يمارس طرق لا يكتشفها أحد بسهولة , ويمارس ذلك للمزاح عندما لا يكون موجود حكم وجمهور كثير , حيث كنت ألعب معه تقريباَ كل يوم , وبطريقه سريعه وخاطفة يرجع القلعة الميته او الحصان او الفيل الميت الى الرقعه , وعندما يتم اكتشاف ذلك يقول زين نعيد الداس من جديد .
6- كان عدد من الرفاق ينهض بوقت مبكر لممارسة الرياضية الصباحيه الركض حول السياج .

من الاجراءات التنظيمية التي اتخذت لخوض مرحلة التحقيق :
بعد ذلك برز دور التنظيم لمواجهة الصعوبات والتطورات اللاحقة ,فكانت الهيئة القيادية في المعسكر يقودها الرفيق ابو هندرين , عملت على تنظيم وتعزيز الصلات التنظيمية بشكل اوضح مما كان عليه في زيوه ,وإتخذت الهيئة القيادية قرار بكشف 10 انصار بأن يقولوا في التحقيق نحن اعضاء في الحزب الشيوعي العراقي , والاسباب التي دفعت بالرفاق لأتخاذ هذه الخطوة التاكتيكية هي للتغطية على بقية الرفاق لانه من غير المعقول هذا العدد من الرفيقات والرفاق في المعسكر ولا يوجد فيه شيوعيون , ولضبط الامور وحصرها ولعدم كشف قضايا في التحقيق ,ولغرض متابعة انجاز امورنا مع الادارة في حالة المطالبة بشيئ او حصول اشكال يتطلب ان يكون هناك وفد يفاوض , ولحماية بقية الرفاق من ممارسة الضغط عليهم في التحقيق .

الشيوعييون العشرة الذين تم كشفهم هم :
الرفيق ابو واثق والرفيق ابو عليوي والرفيق ابو كمال والرفيق آزاد والرفيق المرحوم فراس حيث توفى قبل فترة في السويد والرفيق ابو رضية وكاتب هذه الاسطر ولا اتذكر اسماء الرفاق الثلاثه الآخرين , حيث تم تبليغنا بالقرار ,هذه المجموعة ، يتحمل كل واحد فيها مسؤولية موقفه في التحقيق , وعليه ان يصمد ويقاوم الضغوطات, مع عدم كشف الاسرار وان لا يعطي نقطة ضعف ينفذ منها المحقق الذي هو رجل مخابرات في الاصل , وتم أخذ آرائنا ومدى استعداد كل رفيق لتحمل هذه المهمة التي لا تخلو من الصعوبات , ووافق الجميع واقتنعوا ان الكشف هو مهمة تقتضيها مصلحة غالبية الرفيقات والرفاق لذلك لم يتردد احد بالموافقة .

المجموعة الثانية من الرفاق وهي كبيرة ومعهم العوائل , تقول نحن اعضاء في الانصار ولكن نحن غير شيوعيين التحقنا بالانصار لغرض التخلص من الضغوطات الامنية علينا حيث يلاحقوننا في عملنا ويطلبوا منا ان نكون بعثيين ونحن نكره الانتساب لحزب البعث ولا نريد ان نكون اعضاء في صفوف حزب البعث , ثم يحيكوا لهم رواية كأفادة يقدموها وكأجوبة على اسئلة المحقق , وان لا يذكر الانصار نحن خدمنا في الجيش , حتى لا يضغط عليهم بطلب معلومات عسكرية .

المجموعة الثالثة من الانصار تقول تم طلب مواليدنا للالتحاق بالخدمة العسكرية او كأحتياط الا اننا نرفض الحرب لهذا قررنا عدم الالتحاق بالخدمة العسكرية, وفسحت لنا الفرصة للتوجه الى كردستان من خلال اصدقاء للتخلص من القاء القبض علينا وزجنا في جبهة الحرب , وكنا نفكر بالخروج الى ايران , وأوصلنا اصدقاء ومعارف الى الجبل , والتقينا بمفارز الانصار وأخذونا الى مقراتهم وبقينا معهم .

اول مواجهه مباشرة بين الشيوعيين وادارة السجن:
صادف ان اتخذت ادارة السجن قرار بعدم دخول المواد الغذائية ( الخضروات ) الى داخل السجن العسكري , وهذا القرار تضرر به طرفين الطرف الاول العوائل حيث فقدوا ارزاقهم , والطرف الثاني الانصار وكل من هو في داخل السجن حيث فقد حاجته من المواد الغذائية , صحيح ان ادارة السجن توزع بين فترة واخرى ( السكر والشاي والزيت والصابون والرز والفاصوليا اليابسة والملح ) وتبيع سيكَاير بهمن بسعر مخفض . ولكن هذه المواد بدون خضروات لا تسد الحاجة .

ما الذي حصل :
مجموعة من الرجال ممن هم متواجدين داخل المعسكر من العوائل , قاموا بزيارتنا الى البلوك , لانهم بلا شك أختبروا مواقف الشيوعيين في الظروف الصعبه ,والتقى بهم الرفيق ابو واثق في غرفته التي كان يسكن معه فيها الرفاق : ابو رياض وابو ماجد وابو سعد اعلام وابو كمال وآزاد , وكان اللقاء اعتقد بحضور هؤلاء الرفاق مع الوفد القادم الذي يمثل وجوه من العوائل .

وعلمت من الرفاق ان الوفد قال لرفاقنا , نحن نعتمد عليكم في تحقيق مطاليبنا لانكم لديكم القدرة في المواجه ولديكم الامكانية في التعبير عن مطاليبنا بصدق ونحن اختبرناكم في ظروف صعبه ونثق بكم وانتم تثقون بنا , ونرجو منكم التحرك مع الادارة لتحقيق مطاليبنا , ونحن ندعم موقفكم بقوة في حالة عدم موافقة الادارة اواذا قامت بمضايقتكم , نعبئ العوائل للوقوف معكم ونشكل ضغط على الادارة التي تخشى هذا الضغط .

مطاليب العوائل كانت التالي :
1- افساح المجال لدخول المواد الغذائية .
2- اعادة فتح اعطاء الاجازات لغرض النزول الى قضاء الخوي .
وكانت هذه في الحقيقة هي حاجتنا ومطاليبنا ايضاَ , وقدم رفاقنا شكرهم للوفد على هذه الثقة وهذا الاحترام الذي يكنوه للشيوعيين ووعدوهم بالتحرك وقالوا لهم سوف تسمعون نتائج تحركنا .


( يتبع)

16-4-2012
 


ذكرى مرور 22 عام على كسر الانصار الشيوعيين للحصار الايراني بعد اختراقهم لحصار جبل كَار (2)
ذكرى مرور 22 عام على كسر الانصار الشيوعيين للحصار الايراني بعد اختراقهم لحصار جبل كَار (1)


 

free web counter