| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فلاح علي

 

 

 

                                                                                     الأحد 15/4/ 2012


 

ذكرى مرور 22 عام على كسر الانصار الشيوعيين للحصار
الايراني بعد اختراقهم لحصار جبل كَار
(2)

فلاح علي

وفق مواثيق الامم المتحدة والميثاق الدولي لحقوق الانسان , يحق لنا التمتع بحقوق تتضمنها هذه المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان ,هذا ما فكرنا به عندما اتخذنا قرارنا بعدم البقاء في تركيا خشية من تسليمنا للعراق لوجود اتفاقيات أمنية بين الدولتين في فترة النظام الدكتاتوري المقبور, فأخترنا بأرادتنا مواصلة السير نحو الحدود الايرانية ودخولها كلاجئين مؤقتين , لكن طيلة فترة بقائنا في منطقة زيوة لم نتمتع بأي شيئ من هذه الحقوق , كانت فترة قاسية بمعنى الكلمة , ليس من السهل ان يصمد امام هذه القساوة في العيش اي انسان عادي عندما يكون لوحده او مع مجموعة قليلة وذلك لغياب الحقوق , ولكن ما ساعدنا على تحمل هذه القساوة هو ارادتنا وصبرنا ووحدتنا وتضامننا وبتنظيمنا وبقناعاتنا تمكنا من دحر كل الصعوبات .

سقوط الخيم :

بعد انتقال العوائل الى المجمع بقى في الخيم فقط الرفاق ممن لا عوائل برفقتهم ، بالنسبه لخيمتنا بعد ان بقينا رفيقين فقدم الرفيق ابو سامان للسكن معنا , اتفقنا ان نجلب طابوق من الحمام الذي تم تهديمه لغرض صفه في الخيمة , ليساعدنا في التدفئة ويخلصنا من الحصو الذي ترك آلاماً في اجسادنا , وانهينا العمل خلال يومين ووضعنا خشبه كسند في وسط الخيمه لئلا تسقط من ثقل الثلج عليها , واصبحت خيمتنا دافئه نوعاً ما وجاهزة لمقاومة سقوط الثلوج , وزارنا عدد من الرفاق وحيوا جهودنا للاستعداد لمواجهة سقوط الثلوج , وبعد ثلاثة ايام من انتهاء العمل , وكان الوقت عصراَ وكان ذلك اليوم مشمساً ودافئاً جداَ , و قبل غروب الشمس كنا واقفين مجموعه من الرفاق بجانب سياج بنايه مقابلة للخيم بمسافة حوالي 20 متر , اتذكر منهم الرفاق (ابو بسام وهو من محبي المزاح والنكتة والرفيق الشاعر ابو طالب , وابو فاتن وبسام وكريم  والرفيق ابو سامان و ابو رشا وكاتب هذه الاسطر) ، جميع الرفاق يحبون المزاح مع الرفيق ابو سامان , وهو رفيق طيب وخلوق ومتواضع ويحب ان يساعد الآخرين ويقدم لهم خدماته , ومع هذا هناك عدد من الرفاق وللمزاح والطرافة مع الرفيق ابو سامان ينسبون اليه صفه الشؤم , فكل حادثه كانت تحصل في مقر القاطع مثلاَ (قصف او هجوم او طيران او اي حادث آخر) يحملون الرفيق ابو سامان مسؤوليته بإعتباره  مركزاً للشؤوم , وانتقلت هذه المزحه وتواصلت مع الرفيق الى ايران .

ونحن واقفون والشمس ساطعة , قال الرفيق ابو سامان (الله اشلون جو مشمس اليوم) , فرد عليه ابو بسام على الفور ( احتركَنا ، والله ، الله اليستر اشراح ايصير اليوم ) , فرد ابو طالب في مزاحه المعهود والمعروف (ابو سامان كم مرة عندما كنا في مقر القاطع قلنا لك روح سلم نفسك كي يسقط النظام , ليش هي هاي عيشه نحن عايشين فيها) . وبعد ان انهينا وقتاً ممتعاً من المزاح والضحك , حل الظلام وتوجهنا الى خيمنا وبعد ان تناولنا العشاء وشرب الشاي ، توجهنا الى النوم , سمعت طرق بخشبة على خيمتنا مع صوت عالي , كانت الساعة الثانية والنصف ليلاَ , فتحت باب الخيمة وخرجت واذا بالرفيق عمار , يقول اخرجوا وازيحوا الثلج عن خيمتكم لئلا تسقط , وعلى الفور خرج الرفاق من الخيمة
وازحنا الثلج وكانت غالبية الرفاق تزيح الثلوج المتراكمة على الخيم وشاهدت بعض الخيم منحنيه جانباَ .

عدنا الى الخيمة لغرض النوم ، ثانية في الساعة الرابعة فجراً , سمعت صوت الرفيق (ابو عليوي) ينادي باسمي خرجت شاهدته حامل بطانياته وقال سقطت علينا الخيمة
, فحملت معه البطانيات , وفرشت له بجانب الرفيق ابوسامان , سألني منو هذا النايم فقلت له الرفيق ابو سامان ( فرد قائلاَ لا هذا اخت ال .... الخ ما نام ابصفه ايروح يحركَني ) ففرشت له بجانبي , وفي الصباح كان اول الزائرين الى خيمتنا الرفيق ابو طالب وقال بصوت عالي قبل ان يقول صباح الخير مخاطباَ الرفيق ابو سامان ( اخت ال .... الخ كم مرة عندما كنا بالجبل نقول لك روح سلم خاطر اسقط النظام ما تقبل لاحكَنا الى ايران تحركَنا ) . وكان الرفيق ابو سامان متعوداً على هذا الكلام ويرد على اقوال الرفاق بابتسامته المعهودة .

خرجنا لمشاهدة الخيم ولمعرفة وضع الرفاق ، كانت الخيم تكاد ان تكون جميعها في انحناء مائل الى الارض والبعض الآخر قد سقطت فعلاً لانها لم تصمد امام الثلوج , فقط خيمتنا كانت مائله قليلاَ , رغم هذا الوضع المحزن لكنه كان مضحكاً بالنسبه للرفاق , حيث المزاح والنكات والضحك تعالى ومع مزاح الرفيقين ابو عجو وابو حاتم حيث بعض الرفاق لا يستطيعون الخروج بسهوله من باب الخيمة
, وتجمع الرفاق في الثلج , وكأنهم في موقف تحدي لأنهم حرموا من الحقوق كونهم لاجئين مؤقتين , الا ان جميع الرفاق كانوا متماسكين ومتضامنين وأقوياء , ولا يفضل احد نفسه على الآخر , وبلا شك ان قوتهم هي من قوة فكرهم الذي يمنحهم القوة والارادة وقدرة التحمل في الظروف الصعبة , كان تحرك الرفاق سريعاً جداَ (حيث تمكن الرفيقين ابو كمال وآزاد من الحصول على قاعتين للرفاق) .
 
الانتقال من الخيم :

قبل حلول المساء انتقل الرفاق الى مكانين .

المكان الاول : هو بناية تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني حيث كان يشغلها كمقر له , وكان يتضمن قاعة جيدة مع غرفة صغيرة , وكنت ضمن الرفاق الذين تم تشخيصهم للانتقال لهذا المكان , في الغرفة الصغيرة سكن الرفاق  ابو عليوي وابو بشار وابو جاسم و اعتقد رابعهم كان الرفيق سفين .

اما القاعه فسكن فيها 14 رفيقاً وهم : الفقيد ملازم فائز وابو عجو وابو طالب وابو حاتم وابو حسن حبيب البي وابو سلام وابو عسكر وثائر وهندرين اعلام وماجد شقيق الشهيد ابو رؤوف ومنذر وابو سامان وكريم وكاتب هذه الاسطر . وكان مكاننا يبعد عن البلوك الآخر كما يبعد عن مركز قرية زيوه حوالي 2 كم .

البلوك الآخر الذي انتقل اليه غالبية الرفاق هو بلوك مهجور وغير صالح للسكن طوله حوالي اكثر من 30 متراً سقفه عالي جداَ فيه اوساخ متراكمة ، ارضه رطبة ويتسع لحوالي 12 الى 14 غرفة بلا ابواب بارد جدا ورطب , قام كل ستة رفاق بتنظيف غرفة لهم ووضع بطانية بدلاَ من الباب .

في اليوم الثاني توجهنا لزيارة رفاقنا في البلوك الآخر للاطمئنان على احوالهم , كان سكنهم حقاَ غير لائق وغير صحي ومكان رطب وبارد جداَ, وقد تأثرنا كثيراَ لوضع سكن رفاقنا .

حياتنا استمرت رتيبة , ولكن بها شيئ من تنظيم لامورنا اليومية , حيث في قاعتنا التي عددها 14 رفيقاً ، انقسمنا الى 2 او 3 مجاميع لعمل الاكل وشراء المواد , ومن كل مجموعة يشخص رفيق لكل يوم يكون خفراً ، واصلنا لقاءاتنا اليومية في مقهى رمضان , وكنا نتزاور فيما بيننا حيث اصبحنا ثلاثة مجاميع . مع مجموعة العوائل في مركز القرية ومعهم عدد من الرفاق .

الانصار ينتصروا لاهل القرية في البانزين خانه :

حاجتنا الى البانزين خانه في فصل الشتاء لا بديل عنها , للحصول على النفط الابيض لصوبات علاء الدين التي خصصناها لاستخدامين , استخدام الطبخ واستخدام التدفئة طوال الليل حتى الصباح , وصادف ان يكون البرد في تلك الفترة قاسياً جداَ , فكانت طوابير اهالي القرية تبدأ من الصباح الباكر وتستمر حتى المساء على امل الحصول على النفط . بعض العوائل تأتي بعدة جلكانات لغرض سد حاجاتها لانها عوائل كبيرة , ونحن الانصار ايضاَ نأتي للاصطفاف في الطابور للحصول على النفط . بالنسبه لنا نتعاون فيما بيننا اثناء الوقوف في الطابور الطويل ولشدة البرد يقف كل رفيق من كل مجموعة لمدة ساعة مثلاَ ويأتي آخر يحل محله , وكنا نلتقي في الكازينو القريب من البانزين خانه لغرض التناوب , مر اسبوع والثلج يتساقط بغزارة والبرد قاسي والشخص الذي يعمل في البانزين خانه واسمه (رمضان) عراقي وعضو قيادي في تنظيم زيوه للديمقراطي الكردستاني وعضو في لجنة البلدية للقرية (الكوميته), لاحظناه فجأة يتوقف عن التوزيع ويذهب , وتبقى العوائل والاطفال ونحن واقفين في البرد بالنسبة لنا انتهت آخر قطرة من النفط , واستمر الحال خمسة ايام متتالية نقف في طابور طويل دون ان نحصل على النفط.

قرر عدد من الرفاق ان لا نذهب للاستراحة , وجرى الاتفاق ان نمنع (رمضان) من ترك البانزين خانه , حيث يوقف التوزيع لمدة اكثر من ساعتين والناس تقف في طوابير على الثلوج , ووقفت مجموعة منا في احد ابواب البانزين خانه وكنا ثلاث رفاق (ابو طالب وهندرين اعلام وكاتب هذه الاسطر ) وبقيت مجموعة من الرفاق ضمن الطابور الطويل مع الناس .

فجأة وبكل برود وتعالي على الناس وعلى واجبه أغلق (رمضان) مفتاح انبوب التوزيع , وقرر ترك البانزين خانه , ومر من جانبنا لغرض الخروج . فمنعناه من المغادرة , وتفاجأ من هذا الموقف وحاول بكل الطرق الافلات لكنه يأس ولم يتمكن من الافلات واستسلم وشعر بالاحراج امام الواقفين من اهل القرية من العوائل الذين يخشوه ويخشون قسوته عليهم , وشاهدوا كيف اجبرناه وهو يعود ثانية , فقال اتركوني وسأعطي لكم النفط قبل الاخرين , فقلنا له لا نحن لا نريد ان نحصل على النفط قبل الاخرين , واستمر في التوزيع حسب الطابور الى ان يأتي لنا الدور , وبعد حوال ساعة من التوزيع المتواصل جاء لنا الدور , ولم يغادر البانزين خانه الا بعد ان حصل الجميع على النفط الابيض , يبدو انه  كان يبيع النفط في الاسود ويحصل على مبالغ اضافية .

الناس فرحت لانها حصلت على النفط في ذلك اليوم البارد وشكرونا كثيراَ , وتناقل الخبر بين عوائل اهل زيوه من الاكراد العراقيين , ورفع شكوى علينا الى قيادة الديمقراطي الكردستاني في راجان , الا ان رفاقنا تدخلوا وأوضحوا لهم القصه , وبهذا إنتهت أزمة النفط في فصل الشتاء في زيوه .

الاجتماع الاول :

في هذه الفترة كانت قد شكلت هيئة للتنظيم , وارتبط جميع الرفاق بصلات فردية , واشيع خبر نقلنا قريباَ الى معسكر الخوي لغرض بدء التحقيق معنا , فتم التبليغ لحضور لقاء موسع حضره حوالي 15 الى 17 رفيق كنت من ضمن المدعوين للقاء , اللقاء كان في بلوك العوائل في غرفة الرفيق ابوهندرين , حيث كان يسكن هناك ايضاَ الرفاق الذين حضروا اللقاء منهم ابو واثق وابو ماجد وابو رياض وابو سعد وابو كمال , كما حضر الرفاق ابو طالب وسفين واعتقد ابو نسرين ورفاق آخرين . تم تناول الوضع السياسي من قبل الرفيق ابو هندرين , ثم طرحت موضوعة نقلنا الى معسكر اللجوء لغرض التحقيق , والتهيؤ لئلا يكون النقل مفاجئاً , وكيفية مواجهة المرحلة القادمه ، مرحلة التحقيق وضغوطات لجان التحقيق وهل ان كل الرفاق سيقولون في التحقيق نحن فقط ملتحقون ضمن قوات انصار الحزب الشيوعي العراقي , طرحت افكار كثيرة ودام الاجتماع لوقت متأخر من الليل , ووصلنا الى مكان سكننا بصعوبة بسبب الظلام ولصعوبة السير على الثلج المتجمد .

ابتكار الرفيق ابو رائد :

الرفيق ابو رائد ابتكر مشروب من الدبس المتوفر كثيراَ في قرية زيوه وكان يصنعه بطريقة سرية في الغرفة التي يسكنها لانه لا يريد ان يسبب المشاكل للرفاق وكان معه عدد من الرفاق في الغرفة ابو فاتن وبسام واعتقد الرفيقين ابو بسام وسالم لاسلكي وكانوا يسكنوا في البلوك القريب منا , في احد الايام مساءَ زرتهم , وصدفة جلست بجانب التنكات المهيئة للتصنيع والمغطاة بالبطانية , وسمعت اصوات كأنها تنفس , ولم اسأل وخرجت وبعد حوالي اسبوعين عدت ثانية لزيارتهم في المساء , وكانت امامهم كؤوس فيها عصير وقدموا لي كأس , واكتشفت الامر وتصاعد الضحك عالياَ , وقالوا في زيارتك الاولى كنا نعمل عملية تنفيس للتنكات , لكن الآن المشروب جاهز وكانت جلسة جميلة , وقال الرفيق ابو رائد يا رفيق اشلون انقاوم البرد بهذه البطانيات والارض الرطبة . بهذا العصير نطوي الليل وبرده وننسى المتاعب والصعوبات , وفعلاَ لم نشعر بالبرد في تلك الليلة  .

مرض الرفاق :

في البلوك الكبير فجأة مرض عدد من الرفاق , واستمر المرض عدة اسابيع وكأنه تيفوئيد وكانت هناك خشية من المرض وانتشاره , لكن دكتور القرية رفيقنا النصير , اكتشف السبب , حيث طلب تحليل الماء الذي نستخدمه حيث حفرت آبار في المنطقة لعدم توفر الماء الصالح للشرب في المنطقة التي انتقلنا اليها , وبعد التحليل لعينات من الماء أكتشف انه ملوث , بسبب ان آبار المياه قريبة من المساكن , وتتسرب كميات من مياه المجاري الوسخه الى آبار المياه, بالنسبه لبلوكنا اقترح الرفيق ابو حسن حبيب البي منذ وقت مبكر بأن نقوم بجلب المياه للشرب وللطعام من بئر بعيدة عن القرية , وكان يبعد مسافة حوالي كيلومتر واحد حيث توجد ثلاثة آبار يستخدمها اهل القرية .

في أواخر كانون الثاني او الاسبوع الاول من شهر شباط عام 1989 , تم تبليغنا بأن نجهز حالنا وسيتم نقلنا صباح اليوم التالي الى معسكر الخوي , القريب من حدود الاتحاد السوفياتي السابق , لغرض اجراء التحقيق معنا ولاعداد ملف خاص بكل واحد منا ، نستطيع لاحقاَ انجاز معاملة الخروج من ايران . صباحاً حضرت الباصات الكبيرة , لنقل جميع الرفاق وعوائلهم والاطفال نداء ومشمش وسمسم الذين يحملون اسماء مستعاره ايضاً ، واحتشد عدد غير قليل من العوائل وجميعهم من الكورد العراقيين لتوديعنا وقال بعضهم جئنا لنودع أولادنا وكانوا يعتزون بنا كثيراَ .

( يتبع)

14-4-2012
 


ذكرى مرور 22 عام على كسر الانصار الشيوعيين للحصار الايراني بعد اختراقهم لحصار جبل كَار (1)

 

free web counter