| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

فلاح علي

 

 

 

                                                                                     الجمعة 13/4/ 2012


 

ذكرى مرور 22 عام على كسر الانصار الشيوعيين للحصار
الايراني بعد اختراقهم لحصار جبل كَار
(1)

فلاح علي

بعد سلسلة الحلقات السبعه التي دونتها عن حصار الانصار الشيوعيين العراقيين في جبل كَارا وصمودهم في مواجهة الآلة العسكرية للنظام الدكتاتوري خلال وقوعهم في الحصار العسكري في 30-8-1988 في جبل كَارا والذي دام شهراَ كاملاَ. و تمكنهم من اختراق الحصار وكسره , وبعد مسيرة شاقه استمرت 15 يوماً سيراَ على الاقدام, إبتدأت من يوم تحطيم الحصار واختراقه في 30-9-1988 حيث تم اجتياز الحدود العراقية التركية , ومن ثم اختراق الحدود التركية متوجهين الى ايران اضطرارياَ ,ودخلناها بأرادتنا من خلال منطقة راجان , حال دخولنا الى ايران دخلنا في حصار جديد ولكن كان اختياري اضطراري دام الحصار الايراني قرابه السنتين , تنقلنا خلالها بين ثلاثة معسكرات تقع في ثلاث مدن ايرانية . وتعرض الانصار لظروف صعبه جداَ خلال الفترة التي كانت مليئة بالاحداث التي لا تزال في ذاكرة كل من عاش هذه التجربه , وكثير من هذه الاحداث التي سأتناولها لم تكن شخصية , وانما تجلت فيها حياة الانصار في هذه الظروف القاسية , وبرزت فيها امكانياتهم وقدراتهم المتنوعه في المعايشة مع الصعوبات والعمل على تذليلها مع استغلال الوقت وتنظيم امورهم بشكل جيد, اسهم في تعزيز التضامن بين الانصار في تلك الظروف الصعبه , وحافظ على ابقاء جذوة التحدي والجرأة والاقدام وحتى على الروح الاقتحامية التي تجلت في حياة الانصار في كردستان , والتي كانت هذه السمه صفه بارزة في حياة الانصار وبقيت حية في ايران مع علاقات المحبة الرفاقية والتعاون والتضامن والوقفة الجماعية التي اعطتهم قوة في مواجهة الصعاب في ايران .

في هذه الحلقة والحلقات القادمة سأتناول المحطات الصعبة التي مر بها الانصار في ايران بعد خروجهم من حصار جبل كَارا وسأشير الى الطريقة التي ظلت لغزاَ الى الآن , لدى الجهات المعنية في ادارة المعسكرات الايرانية وهي كيف ان الانصار الشيوعيين تسربوا من المعسكر في وضح النهار , وحصلوا على حريتهم وان طريقة الخروج من المعسكر تجلت فيها روح الجرأة والاقدام , حيث خطط لها بشكل دقيق , رغم بساطة خطواتها وبعد تنفيذها بنجاح وخروج الانصار الشيوعيين من المعسكر الذي كانت تطوقه حراسات عسكرية ايرانية من اربعة جهات , بعدها استنفرت ادارة المعسكر وطاقمها الامني للبحث عن الانصار في طهران ومدن اخرى ولم تتمكن من العثور عليهم . العملية انتشرت اخبارها بين العراقيين في كل المعسكرات الايرانية واصبحت حديث العراقيين في ايران , يتناقلون اخبار قصة تسرب الشيوعيين من المعسكر ويتحدثون عن قدراتهم , كما وصلت اخبارها الى سورية والى العراق كما علمنا بذلك لاحقاَ .

سأشير الى خطة التسرب من المعسكر في الحلقة الاخيرة من هذه المذكرات او قبل الاخيرة حيث بدأ التخطيط لها ما بين اواسط ونهاية نيسان 1990 وبدأت خطوات تنفيذها في آيار من عام 1990 .

الوصول الى راجان ومن ثم الى زيوه :
أشرت في الحلقة السابعة من ذكريات الحصار في جبل كَارا , اننا وصلنا الى قرية راجان عصر يوم 15-10-1988 , وراجان قرية ايرانية تقع على الحدود الايرانية التركية , تابعة الى محافظة أرومية , في القرية مقر للحزب الديمقراطي الكردستاني , وفيها بيوت لرفاق مع وجود القيادي السابق فيها ( حنا القس) ابو حكمت حيث كان عضو في اللجنة المركزية حينها ، كان يتواحد في مقر الديمقراطي الكردستاني . بعد استراحه قصيرة في مقر الديمقراطي الكردستاني , تم نقلنا بسيارات الى قرية زيوه , لعدم وجود مكان للمبيت يسع الى 32 شخص حيث كان عدد مفرزتنا التي دخلت الى راجان , بقي في المقر ثمانية رفاق .

وصلنا الى قرية زيوه ليلاَ وقرية زيوه تقع على الحدود العراقية الايرانية, وتبعد عن محافظة ارومية 60 كم وحيث تقع في حوض منخفض وحولها سلاسل جبلية ,غالبية ساكنيها اكراد عراقيين نازحين من كردستان العراق , عند وصولنا الى القرية وقفت السيارات التي تقلنا امام مجموعه كبيرة من الخيام . وحال نزولنا من السيارات خرج من الخيام رفاقنا ورفيقاتنا الانصار لاستقبالنا وكان لقاءَ حاراَ ,وتوزعنا على الفور على الخيم بعضها خيم للرفاق والبعض الآخر خيم للعوائل اتذكر اني والرفيق كريم ذهبنا مع الرفيق ابو نصار وام نصار لنسكن في خيمتهم وكان معهم الرفيق ابو قحطان وبعد ثلاث ايام جاء الى الخيمه معنا الرفيق ابو سلام , وأتذكر ايضاَ ان الرفيق ابو فاتن والرفيق بسام ذهبوا مع عائلة الرفيقين ابو الطيب وبهار, جميع الرفاق توزعوا على خيم العوائل وخيم الرفاق . كان عدد النصيرات والانصار كثيراَ وتجاوز ال 120 نصير ونصيرة ممن كانوا في الخيم آنذاك , بعضهم من قاطع اربيل ومن قاطع بهدينان و صلوا قبلنا من خلال تركيا.

فترة بقائنا في الخيم كانت قاسية :
ظروف سكننا في زيوة , كانت خالية من ابسط مستلزمات الحياة الانسانية ,اضافة الى ان المكان الذي خصصه الايرانيون ليكون معسكراً للخيم , كان في منطقة منخفضة , ومعرضة لرياح متقلبه في الصيف والشتاء حيث تكون بارده جداَ في الشتاء ,والخيم لا تقي من البرد ولعدم توفر العدد الكافي من البطانيات , حيث مجموعتنا لم تحصل على بطانيات من الحكومة الايرانية , وانما كرم الرفاق وتضحيتهم , اعطوا لكل منا بطانيتين قديمتين , واحدة نفترش فيها الارض الرطبة والثانية كغطاء لا يقي من البرد , واستخدم بعضنا البشتين كمخدة , بالنسبة لي لم اذق طعم النوم قرابة الشهر ,كان مكاني بجانب باب الخيمة وكان مكاني مليئاً بحصو رطب جداَ , وبطانية واحدة لا تساعد الجسم على مقاومة قساوة البرد وضغط الحصو على العظام , ونسبة كبيرة من الرفاق هم على هذه الحال , وبعد مرور شهر اشترى لنا الحزب بطانيات من النوع الجيد والراقي , عندها شعرت بطعم النوم في الليل , في كل خيمة كانت مدفئة قديمة واحدة من نوع علاء الدين تستخدم للطبخ وللتدفئة , نظمنا امورنا في الخيم , في كل يوم تكون الخفارة على رفيق في كل خيمة يعمل الفطور ويجهز الغداء والعشاء , والمهمة الاساسية لخفر اليوم الثاني الذي عليه عدم نسيانها , هو ان يملأ تنكة من الماء ويضعها فوق الصوبة في الليل لكي نتمكن في صباح اليوم الثاني من غسل وجوهنا وعمل الشاي لانه عندما ننهض في كل صباح نجد كل شيئ جامد , في احد الايام شاهدت الرفيق ابو آمال في خيمته يحاول كسر بيضة ولم يتمكن من كسرها كأنها صخرة صلبة جداَ . بدأ الحزب يدفع لنا مصروف يومي ، كل يوم 50 تومان ( نأكل ونجلس في المقهى وبعضنا يدخن سيكَاير بهذا المبلغ ) .

السيد مسعود البارزاني يزور المخيم :
في عصر احد الايام من شهر تشرين الثاني 1988 كنا واقفين بجانب الخيم من طرف الرصيف على الشارع العام , واذا بالسيد مسعود البارزاني , نشاهده يسير بجانب المخيم ومعه مجموعة من المرافقين والحماية , وتوجه نحونا ورفع يده يسلم علينا وردينا له السلام , الا انه يبدو كان على موعد لم يتوقف ولم يسألنا وأعتقد انه كان يعرف ان الشيوعيين في هذه الخيم . لكن الشيئ الملفت الذي حصل بعد يومين من الزيارة كان الاهتمام غير الطبيعي من قبل لجنة البلدية في القرية , حيث ارسلوا لنا بطلب لاستلام بطانيات , حيث لم نكن نصدق ذلك وذهبت مع الرفاق وسلموا لكل واحد منا بطانيتين جديدتين , وكان ذلك مكسباً في حينها .

في قرية زيوه يوجد حمام عمومي نذهب اليه للاستحمام في الاسبوع مرتين , الا انه اغلق لاحقاَ , اضطررنا ان نذهب الى محافظة ارومية في الاسبوع مرة لغرض الاستحمام ونأكل ( الجلو كباب ) . ويوجد في القرية سوق صغير نشتري منه حاجاتنا من الخضروات وغيرها , وتوجد مقهى صغيره من الطين صاحبها اسمه رمضان وهو كردي عراقي طيب ,نتجمع فيها صباحاً ومساءً لاحتساء الجاي العراقي ونقضي بعضاً من وقتنا فيها ونتحاور في الشأن السياسي وتطورات الاحداث في المنطقة والعالم , ونعيد فيها ذكرياتنا , وتتخلل بعض الجلسات مزاح بين الرفاق مثلاَ الرفيق ابو سعد اعلام وذكرياته مع الرفيق عمودي, وذكريات الرفيق ابو نسرين ومزاحه مع الرفيق ابو سامان , وذكريات رفاق الفوج الاول ومزاحهم مع بعضهم مثلاَ ذكريات الرفاق ابو طالب وابو بسام ويوسف ابو الفوز عن تقديرات الرفيق جمال مام احمد ... الخ , ونصغي للرفيق ابو حسن حبيب البي واحلامه الليليه, حيث ان احلامه يرتبها ويصيغها من نسج الخيال , واحدة من احلامه ان الرفاق السوفيت آنذاك ارسلوا طائرة الى طهران مخصصه لنا لأخراجنا من ايران الى موسكو , و ارسلوا لنا سيارات لنقلنا الى المطار ويصف لنا كيف كان يصعد سلم الطائرة, المقهى اصبحت مقراً لنا , وتوجد ناحيه اسمها ناحية دزه تبعد عن قرية زيوه حوالي 10 كم , نذهب اليها احياناَ ونجلس في مقاهيها ومطاعمها , ويوجد في القريه مستوصف يعمل فيه طبيب كان نصيراً في الفوج الاول التحق لفترة قصيرة من الاخوة الازيديين ,كان يستقبلنا بحراره عند ذهابنا للمستوصف , ويتحدث معنا بشوق رغم كثرة المراجعين ,كان يعطي لنا من وقته , وتوجد في القريه بانزين خانه نشتري منها النفط الابيض للطبخ (سأعود لاحقاَ لتبيان حادثه وقعت لنا في البانزين خانه) .

في هذه الفترة عاد بعض الرفاق الى كردستان العراق ثانية الى منطقة ديلي كو حيث توجد مقرات الحزب هناك ومن الرفاق الذين عادوا , اتذكر منهم ابو احرار وابو بافل وابو سلوان وسمير الساعدي والرفيق المرحوم ابوحسان ثابت حبيب العاني حيث كان معنا لفترة قصيرة جداَ في زيوه , كما عاد الرفاق مام احمد وابو فلمير وعابد وجمال .

طرح على عدد من الرفاق العودة الى ديلي كو, كما طرح عليّ الموضوع , وبعد ان درست الفكرة توصلت الى قناعة ان الحزب لا يحتاج الى مقاتلين , ارتباطاَ بحالة الانسحاب , وكانت العودة تعني ان هناك امكانيات للحزب لتسريب الرفاق الى الخارج من طرق خاصة , ففضلت البقاء مع الرفاق لنواجه نفس المصير .

انتقال العوائل الى مجمع :
حين بدأ موسم الامطار وكان فصل شتاء قاسي , اصبح البقاء في الخيم امراً صعباً وتحولت المنطقة الى مستنقع من الوحل يصعب علينا الحركة فيها , اصبحت هناك ضرورة لنقل العوائل من الخيم الى مكان آخر , كانت هناك دائرة للبلديه في القرية , والرفاق الذين كانوا يجيدون اللغه الفارسيه هم اربعة رفاق فقط وهم ابو كمال وآزاد وابو قحطان واسكندر . ورغم انه لم يكن في البداية اي تنظيم لنا ، الا ان قيادة الحزب شخصت الرفيق ابو هندرين كمسؤول عن الرفاق , واختار الرفيق ابو هندرين الرفيقين ( ابو كمال وآزاد ) ليقوموا بمهمة الاتصال بالبلديه والطلب منهم توفير اماكن لنا .

تمكن الرفيقان من الحصول على بنايه على شكل بلوك طويل من الطابوق طوله حوالي 30 متر ارتفاعه عالي جداَ سقفه مقوس , وتوجد في داخله قواطع من الطابوق , ومن يشاهدها كأنها غرف ارتفاعها عالي جداَ , وبلا بيبان , بعض الرفاق عملوا بيبان من صناديق الشاي اتذكر منهم الرفيق ابو رياض . انتقل اليها العوائل وانتقل معهم عدد من الرفاق . في ذاكرتي حوالي 12 عائله من الرفاق والرفيقات , بالامكان ذكر اسمائهم لكن تحتاج الى تدقيق خشية من ان تكون هناك عوائل اخرى أنسى ذكر اسمائها .


( يتبع)


11-4-2012


ملاحظة :
ارجو من الرفاق الانصار الذين كانوا معنا , الكتابة عن هذه التجربة واغنائها , انها كانت تجربة قاسية تجلت فيها معاني جميلة للانصار , لا سيما واني علمت ان الرفيق ابو سعد اعلام قد بدأ بكتابة مذكراته وهو من ضمن من عاش هذه التجربة والرفيق ابو طالب لديه بعض الكتابات والذكريات عن هذه التجربة والرفيق ابو فاتن والرفيق يوسف ابو الفوز وهناك رفاق انصار ونصيرات كثر ممن لديهم ذكريات عن هذه التجربة . اهمية التجربه تكمن انه حصار ثاني وقع فيه الانصار بعد حصارهم في جبل كَارا .

تصحيح رقم : ذكرت في الحلقة السادسة من حصار جبل كَارا المنشورة في4-10-2010 , استلمت مبلغ من المال كما استلم عدد من الانصار وهي اموال الحزب تم توزيعها على الرفاق كأمانة , المبلغ الذي استلمته كان 3 ثلاثة آلاف دينار من الرفيق ابو سلوان , وجميع الرفاق سلموا الامانات عندما دخلنا الى راجان في ايران .
 



 

free web counter