|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 السبت 03/11/ 2012                                فلاح علي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

ملاحظات على تعقيب تناول التواجد الروسي في البحر المتوسط
(2)

فلاح علي

ربط السيد سنان احمد حقي في تعقيبة الذي نشر في موقع الناس بتاريح 25-10-2012 على مقال التواجد الروسي في البحر المتوسط بين مرحلة الوفاق ومحادثات انهاء الحرب الباردة , ولم يقدم للقارئ معطيات عن هذا الترابط , في حين ما اكدته الاحداث ان الحرب الباردة التي ابتدأت في عام 1946 قد انتهت بعد مؤتمر يالطا الذي عقد في عام 1989 وليس في مؤتمر مالطا كما اشار له في مقدمة تعقيبة المذكور , وان مرحلة الوفاق قد انتهت قبل انتهاء الحرب الباردة التي تشير عدد من الدراسات ومنها السوفياتية آنذاك انها قد بدأت في اوائل ستينات القرن الماضي , وهو مفهوم اوجدته السياسة الخارجية السوفياتية آنذاك ولكن الواقع الفعلي يؤكد انها امتداد لسياسة التعايش السلمي وانها قد بدأت بعد عام 1953 , وان الحرب الباردة لم تنتهي من خلال محادثات كما اشار السيد سنان احمد حقي في مقالته , وانما فرضتها مجموعة من المتغيرات والانعطافات والتطورات في المجال العسكري والسياسي والدبلوماسي , لصالح الولايات المتحدة الامريكية وفي مقدمتها سباق التسلح مما اخل في التوازنات الدولية آنذاك , كما يقدم السيد سنان احمد حقي في مقالته سؤال عبر عنه بالتالي : فلماذا تم حل حلف وارسو ؟ الجواب على ذلك هناك معطيات وحقائق لا تزال في ذاكرة التاريخ تبين هذه الحقائق اسباب انتهاء الحرب الباردة وحل حلف وارسو وسأشير الى بعض منها لغرض التوضيح .

الحرب الباردة من عام 1981 إلى عام1985 :

وصل الرئيس الامريكي ريغان للبيت الأبيض في عام 1981 . وإتخذ خطوات زادت حالة التوتر أكثر مما كانت علية في عهد كارتر . فلجأ إلى سياسة سباق التسلح لغرض التفاوض مع الإتحاد السوفياتي في ظل شروط أفضل بالنسبة لواشنطن , فتفاقمت العلاقة خلال فترة رئاسته الاولى وبلغت ذروتها .

- فقد وضع استراتيجية جديدة في سباق التسلح هي برنامج حرب النجوم .(( والذي كان يهدف من ورائه نشر آلاف الأقمار الصناعية الصغيرة القادرة على مهاجمة الصواريخ السوفياتية العابرة للقارات وتدميرها في الجو قبل وصولها للولايات المتحدة , إلا أن الأدارة الاميركية قد تخلت عن المشروع في عام 1993 والذي أطلقه الرئيس الاميركي ريغان)) (1) إن لجوء الولايات المتحدة الأميركية إلى سباق التسلح هذا يعني تفضيلها للقوة بدل من الدبلوماسية لغرض الضغط على الأتحاد السوفياتي . وهي تراهن على ذلك من منطلق أن الإقتصاد السوفياتي غير قادر في هذا الظرف على التواصل في سياسة سباق التسلح . فأقتنعت الإدارة الجديدة أن ميزان القوى بدأ يميل لصالحها بعد أن كان في صالح الإتحاد السوفياتي .

- كما أن الأوضاع في الإتحاد السوفياتي في هذه الفترة شهدت عدم إستقرار في الوضع الداخلي وهذه قدأثرت على سياسة الاتحاد السوفياتي الخارجية . إذ توفي بريجنيف عام 1982 أعقبة أندربوف الذي توفي عام 1984 أعقبة تشيرنينكو وكان طاعنآ في السن . أعقبة في عام 1985 غورباتشيوف إذ أحدث تغيرات دراماتيكية في المجتمع نتيجة سياستة الجديدة التي سماها البيريسترويكا وإنعكس ذلك على سياسة الإتحاد السوفياتي الخارجية ونتيجة هذه السياسة حصل تفوق عسكري للولايات المتحدة الأميركية وإنتهت سياسة التوازن الدولي بين القطبين.

الفترة من عام 1985 إلى مرحلة إنهيار الإتحاد السوفياتي والمنظومة الإشتراكية وحل حلف وارسو ومظاهرها :

فقد تولى ميخائيل غورباتشوف السلطة في الإتحاد السوفياتي في آذار 1985 . وقد طرح سياسته الجديدة في المؤتمر السابع والعشرين للحزب الشيوعي السوفياتي الذي عقد في 25 شباط 1986 من خلال برنامج الحزب الجديد المطروح على المؤتمر . وتجلى النهج الجديد للسياسة الخارجية للإتحاد السوفياتي من خلال سياسة البيرسترويكا التي تدعوا الى حفظ السلم العالمي والعمل على نزع سباق التسلح والتوجه لعمليات البناء والتنمية المدنية وتلبية الحاجات السلمية وإنهاء التوترات الدولية وحل المنازعات بالطرق السلمية . وقد سمي في حينها هذا النهج السوفياتي الجديد (بالتفكيرالسياسي الجديد) الذي أيدته دول وشعوب من منطلق إنهاء التوترات والحفاظ على السلم العالمي . كما أن مصلحة الشعب الأميركي والدولة تكمن في تبني هذا النهج الجديد . الا ان الادارة الامريكية في تبنيها لسياستها الخارجية هي غير ذلك لأن استراتيجيتها مبنية على أساس إضعاف الإتحاد السوفياتي وإنهاء نظامة الإشتراكي وهذا لايتم إلا من خلال إنهاكه إقتصاديآ من خلال سباق التسلح الذي هو غير قادر علية بسبب وضعه الإقتصادي فهي تريد أي الولايات المتحدة أن تحرز تفوقآ عسكريآ على الإتحاد السوفياتي من أجل الحد من دورة على الساحة الدولية وفرض المساومات علية من خلال القوة و التفوق العسكري وتغير موازين القوى لصالحها . الإتحاد السوفياتي إنطلاقآ من نهجة الجديد قد عارض ورفض (حرب النجوم ) فرأت الولايات المتحدة الأميركية الفرصه سانحة لها للسير في برنامج حرب النجوم, وإعتبرته أفضل سيناريو للضغط على الإتحاد السوفياتي وهذا يعني رفع رصيدهم في صراعهم مع الإتحاد السوفياتي . ففي هذه الأجواء الجديدة تواصلت اللقاءات بين الطرفين على مستوى وزراء الخارجية أو على مستوى القمة بين رؤساء الدولتين .

- فطرح الإتحاد السوفياتي مبادرة جديدة وهي فكرة تشكيل ( البيت الأوربي المشترك ) وقام غورباتشوف بزيارة فرنسا في عام 1985 وعقد إتفاقيات معها لتفعيل بعض أنشطة المبادلات معها . لا شك أن الولايات المتحدة الأميركية تعارض هذا التوجه للإتحاد السوفياتي لأنها تسعى إلى عزله ومحاصرته وإضعافه .

- فباشرت الولايات المتحدة الأميركية بتنفيذ برنامج حرب النجوم من خلال تبنيها (( لمبادرة الدفاع الاستراتيجية وخصصت لإنجازها 70 مليار دولار لسنوات متعددة فما أن حل موعد إنعقاد قمة جنيف في تشرين الثاني 1985 بين رئيسي الولايات المتحدة ريغان والإتحاد السوفياتي غورباتشوف حتى أقدم الإتحاد السوفياتي على خطواته التراجعية أمام الولايات المتحدة فأوقف لفترة زمنية محددة تجاربة النووية المعروفة – بالموراتوريوم )) (2) بلا شك بدون أن توقف الولايات المتحدة برنامجها للدفاع الاستراتيجي أو برنامج حرب النجوم , وقد أجرت القوات الاميركية تجارب على أسلحة متطورة ومنها (( تجارب لنظام الدفاع المضاد للصواريخ من منصات إطلاق بحرية , ومن البحوث التي وافق عليها البيت الابيض هو صنع رؤوس حربية لا تزيد على 5 طن ولكنها ذات قدرة فائقة وعالية على إختراق المنشآت البالغة التحصين , وبهذا ستتمكن الولايات المتحدة عندها من نشر تلك الرؤوس الحربية على متن غواصاتها الحاملة للصواريخ الأستراتيجية وعند الاقتراب من السواحل في البحريين النرويجي والشمالي , القريبة من حدود الاتحاد السوفياتي ,وإذا قدمت إنذار إلى الكرملين على غرار ما قدمته لصدام حسين تقريباَ , وأن وقت هذه الصوريخ للوصول للهدف لا يزيد على 7 دقائق في هذه الحالة لا يكفي من الناحية الفنية البته لأتخاذ القرار من قبل القيادة السوفياتية , عندها ستكون المباغته بأنزال ضربة جوية , أما الرؤوس الحربية الفائقة الدقة فسوف تكون قادرة على اختراق الارض بعمق كبير بما فيه الكفاية , لكي تثير ذبذبات زلزالية تهدم في لمح البصر مراكز القيادة والصواريخ المرابطة تحت الارض)) (3) .

- لم ينجح غرباتشوف في تطبيقة لسياسته الجديدة في الحفاظ على التوازن بين القطبين والسير بسياسة التعايش السلمي والحفاظ على الإتحاد السوفياتي . ورغم تحسن علاقته مع الادارة الاميركية ومؤتمرات القمة التي عقدت في تلك الفترة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي للنظر في وضع العالم ووضع العلاقات بين العملاقين , فبعد لقاء قمة جنيف في شهر نوفمبر 1985 . جرت بعد ذلك سلسلة من لقاءات القمة عقدت في ريكافيك أكتوبر 1986 ، وقمة واشنطن في ديسمبر 1987, وكانت قمة يالطا في كانون الاول 1989 هو بمثابة إعلان من غورباتشوف وبوش بأنتهاء حقبة الحرب الباردة . و بإنتهاء الحرب الباردة فقد إنتهت معها سياسة التوازن الدولي ووضع حدآ بذلك للثنائية القطبية التي كانت إحدى نتائج الحرب العالمية الثانية وحصلت تطورات دراماتيكية في بلدان أوربا الشرقية بتحركات جماهيرية واسعة في عدة بلدان أوربية شرقية وتم إزالة جدار برلين في عام 1989 . بعد إنتهاء ولايته ريغن ومجيئ الرئيس بوش الاب فحصل هذا التطور التأريخي وأسقطت الجماهير هذا الجدار وتوحدت المانيا وتفككت المنظومة الإشتراكية وإختارت كل دولة الطريق الذي يناسبها وتم حل حلف وارسووحل الكوميكون وسحبت القوات السوفياتية من البلدان الاشتراكية السابقة .وقد وقعت أحداث دولية أكدت على ضعف الاتحاد السوفياتي وتراجع دوره ومن هذه الاحداث هي إحتلال الكويت في آب 1990 وبدأ حرب الخليج الثانية في عام 1991 و فرضت الولايات المتحدة استراتيجيتها الجديدة المنطلقة من المصالح الأميركية حتى على قرارات المنظمة الدولية , في عدة أحداث دولية ومنها الحصار الإقتصادي الذي فرض على العراق لمدة 12 عام . وبأستراتيجية حرب النجوم وضعت نهاية للأتحاد السوفياتي كدولة عظمى , قادر على فرض قراره في مجلس الامن كما كان في مرحلة الحرب الباردة , وقد تفكك لعدة جمهوريات مستقلة وحل محلة روسيا الإتحادية .

- وظهر النظام الدولي الجديد القائم على قطب واحد فأنتصرت الرأسمالية وهذا يعني هيمنة الولايات المتحدة الأميركية على العالم وفرضت عليه سياسة العولمة الرأسمالية ذات الماركة الأميركية , وهكذا تأثرت شعوب المنطقة وشعوب أخرى في آسيا وأفريقيا وامريكا اللاتينية وفي أوربا بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية وهيمنتها على العالم وتقرير مصائر الشعوب بما يتماشا مع مصالحها . هذه هي تجليات نظام القطبية الواحدة . وبهذا قد سقطت كل الحواجز أمام العولمة الرأسمالية المتوحشة وأصبحت ثروات الشعوب في يد الشركات المتعددة الجنسية وأصبح الاستقلال السياسي للدول معرض للتدخل والانتهاك وربطت إقتصاديات بلدان العالم بالإقتصاد الرأسمالي العالمي وأصبحت القرارات الدولية بيد دولة القطب الواحد. رغم أن غورباتشوف قد سحب قوات بلادة من إفغانستان منذ وصولة إلى السلطة وقلل من الدعم الذي كان يقدمة لدول العالم الثالث وأراد أن يعطي دور أكبر للأمم المتحدة ومجلس الأمن في توفير ضمانات لتخفيف التوترات وأن تكون بيدهما الشرعية الدولية . إلا أن ذلك كان تمني لأنه في الممارسة على أرض الواقع قد حصل إختلال في توازن القوى بسبب استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية الجديدة في تبنيها برنامج حرب النجوم قابلها تراجع من قبل الإتحاد السوفياتي في إيقاف برامج تجاربه النووية وعدم المضي في سباق التسلح من طرف واحد دون أن توقف الولايات المتحدة الأميركية برنامجها للدفاع الاستراتيجي أو ما يعرف ببرنامج حرب النجوم .

- إذ أن العالم اليوم بحاجة إلى نظام دولي جديد في ظل توازن القوى الدولية لكي يكون أكثر عدلآ وحفاظآ على أمن الدول وإستقلالها وبعيدآ عن سباق التسلح وحل المنازعات بالطرق السلمية .

31-10-2012

( يتبع)


[1] - د. محمد عوض الهزايمة . قضايا دولية تركة قرن مضى وحمولة قرن أتى .طبعة مزيدة ومنقحة – عمان . الاردن السنة .2005 . ص-300 .

[2] - د. محمد منذر. مبادئ في العلاقات الدولية من النظرية الى العولمة- المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع- لبنان – بيروت – السنه 2002 . ص- 293 .

[3] - ليتوفكين فكتور . الولايات المتحدة تثير سباق التسلح . httpwww.clooble.com . التأريخ 11-2-2004 . ص-1 . في كتاب .د.محمد عوض الهزايمة . سبق ذكره . ص- 305 .

 

ملاحظات على تعقيب تناول مقال التواجد الروسي في البحر المتوسط (1)


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter