|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الثلاثاء 30/10/ 2012                                فلاح علي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

ملاحظات على تعقيب تناول مقال التواجد الروسي
في البحر المتوسط

(1)

فلاح علي

نشر السيد سنان احمد حقي تعقيب في موقع الناس بتاريخ 25-10-2012 ضمنه مجموعة من الملاحظات على المقال الذي كتبته والذي نشر في موقع الناس وعدد من المواقع بتاريخ 17-10-2012 وكان يتضمن موضوعة التواجد العسكري الروسي في البحر الابيض المتوسط . اني في الوقت الذي اشكر فيه السيد سنان احمد حقي على توقفه عند المقال وتقديمة لملاحظات انتقادية حول ماجاء فيه، وهذه هي طريقة سليمة في الدراسة والبحث والتي تسهم في تنشيط ثقافة الحوار وتفاعل الآراء المتباينة واحترام الراي والراي الآخر وصولاً الى حقائق الاحداث ان كانت تاريخية او فكرية او سياسية او اجتماعية .... الخ وسواء كانت على الصعيد المحلي او الاقليمي او الدولي، لتوضيحها بكل امانة وحيادية وهذه هي الطريقة الواقعية في البحث. وبعد اطلاعي على ملاحظات السيد سنان احمد حقي وجدت فيها كثير من النقاط بعضها مشوشة وملتبسه وفيها غموض ولا تستند الى معطيات ووقائع وبعيدة عن الحيادية في الكتابة والبحث، ولأجل التعرف على حقيقة الاحداث سأشيرالى معطيات ووقائع تاريخية وهذا ما تقتضية الامانة في الكتابة وان الحقائق التاريخية لا تلغيها مقالة لكاتب:
1- في مقدمة مقالة السيد سنان احمد حقي يتساءل فيها عن التوازن الدولي والاقليمي ويؤكد في تساؤله اذا كان هذا التوازن قد تم التطرق اليه في سلسلة المباحثات التي جرت بين الدولتين ابان مرحلة الوفاق؟ ومحادثات انهاء الحرب الباردة؟ ويشير ان المسؤولين السوفييت قد طرحوا خيار الصفر، وتنازلوا عن القواعد في القارة الاوربية وعن حلف وارسو والتخلي عن عدد من الجمهوريات التي كانت منضوية في اتحاد الجمهوريات السوفياتية، وكانوا يحسبون حساب للردع النووي كما عبر عنه، ويتسائل اذا كان الامر كذلك فعن اي توازن نتحدث الآن؟
عند التوقف لما جاء في المقدمة والتي وضعتها في النقطة الاولى نجد هناك مجموعة من النقاط تتضمن افكار متداخلة فيها خلط غير واضح، فهو في الوقت الذي يتساءل عن التوازن الدولي والاقليمي في مرحلة الوفاق والتي هي مرحلة تاريخية لها فترة زمنية لم يذكر تاريخها في مقالته المنشورة في موقع الناس يلجأ الى خطأ آخر وهو الربط بين مجموعة من الاحداث بمرحلة الوفاق مثل احداث مرحلة حل حلف وارسو والانسحاب السوفياتي من بعض الدول الاشتراكية والتخلي عن عدد من الجمهوريات السوفياتية السابقة كما عبر عنها . يلاحظ الخطأ الواضح الذي وقع فيه هو انه لم يكن هناك فصل بين احداث المراحل، لاسيما انه بين المرحلتين او الفترتين مرحلة الوفاق وحل حلف وارسو حقبة تاريخية تصل الى اكثر من ثلاثين عاماَ، هذا الخلط والتداخل يؤثر على محتوى الكتابة ويضعف المنهجية في البحث والتحليل، ويؤشر الى غياب الادوات العلمية والواقعية في البحث، فهذه الطريقة في الخلط العشوائي تجرد الموضوع من قيمة العلمية والواقعية وبهذا يصبح الموضوع بلا جدى، اضافة الى ان الكاتب لم يقل لنا ما هو فهمه للتوازن الاقلمي والدولي.
اني على ثقة تامة ان غالبية القراء يعرفون تماماً متى بدأت مرحلة الوفاق ويعرفون احداثها ويميزون بين المراحل التاريخية ولتسليط الاضواء على الألتباسات التي وقع فيها السيد سنان احمد حقي في مقالته، لا بد من المرور السريع لمرحلة ما قبل الوفاق الدولي وما بعدها وبعض احداثها من الناحية التاريخية لتوضيح حقائقها التي ستؤشر ان السيد سنان احمد حقي لم يتذكر تجليات السياسة الدولية في تلك المرحلة التاريخية المنصرمة وكيف كان التوازن الدولي له فعل مؤثر على الاحداث وسأشير الى تلك المراحل التاريخية وباختصار شديد لتوضيح بعض الحقائق التاريخية المرتبطة بمرحلة الوفاق والتوازن بين القطبيين آنذاك .

التغيرات في السياسة السوفيتية بعد وفاة ستالين في عام 1953:
في مارس عام 1953 توفي جوزيف ستالين الذي كان له دور متميز في تأريخ تلك المرحلة وكذا دورة في العلاقات الدولية وفي الحرب الباردة وبغض النظر عن الصراعات و الأسباب الأخرى العسكرية والسياسية والإقتصادية والإيدلوجية لها فأن نهج جوزيف ستالين قد ترك بصماته على أحداث تلك المرحلة بلا شك أن وفاته قد أحدثت تغيراَ في السياسة السوفياتية . فقد حصل تغيرآ في الجو السياسي. بعد مجيئ خروتشوف (( فقد حصل إنقلاب على المبادئ الستالينية رغم أن الإتحاد السوفياتي في عام 1953 قد إمتلك القنبلة الهيدروجينية وبعد التجربة الناجحة التي أجراها للصواريخ العابرة للقارات التي بأمكانها حمل الرؤوس النووية لتصل بذلك إلى مستوى الولايات المتحدة الأمريكية في التسلح وتتعادل معها)) (1). إلا أن خروتشوف حاول أن يحكم بدون خوف وبدون إستخدام عنف وأراد أن يتعايش سلميآ مع الولايات المتحدة الأمريكية في ظل وجود توازن بينهما، رغم امتلاك الطرفين للأسلحة النووية وهذا يؤشر أيضاَ إنهما يسيران نحو سياسة سباق التسلح السريع بدون إستبعاد المنافسه السلمية بينهما وبرغم من تهديدات تلك الفترة إلا إنهما قد لجئا إلى الأساليب الدبلوماسية في علاقاتهما الدولية هذا بلا شك بعد إمتلاك الإتحاد السوفياتي للقنبلة الهيدروجينية، وهنا لا بد من التأكيد ان هذا يعود للتوازن القائم بين القطبيين آنذاك.
- في هذه الفترة تأسس حلف وارسو في 14-5-1955 وذلك بعد أن وقعت معاهدة جماعية، بدل من المعاهدات الثنائية بين بلدان أوربا الشيوعية وقد وقع الاتفاقية كل من الإتحاد السوفياتي والمجر، بلغاريا، رومانيا، ألبانيا، تشيكوسلوفاكيا وبولونيا والمانيا الديمقراطية، وكانت الحرب الباردة مستمرة ولم تنتهي في مرحلة الوفاق كما جاء في مقال السيد سنان احمد حقي، وكانت الإستراتيجية الأمريكية قائمة آنذاك على أساس (الحصار والاحتواء) لمواجهة الإتحاد السوفياتي وإضعافة ومحاصرته. من خلال تطويقة وحلفائة بجدار من القواعد العسكرية ومن خلال الأحلاف العسكرية ومن خلال الحصار البحري , وهذا هو احد الاسباب التاريخية للتواجد الروسي الآن في البحر الابيض المتوسط وكما اشرت لها في المقالة وبنفس الوقت إنها أي الولايات المتحدة الأمريكية راعية النظام الرأسمالي تهدف لمد نفوذها وهيمنتها على الأرض المعمورة من قارات العالم ولبسط سيطرتها لغرض التوسع والهيمنة على الثروات.
- وحصلت في هذه الفترة أحداث المجر في عام 1956 وتدخل الإتحاد السوفياتي عسكريآ على إعتبار إن البلد من أعضاء حلف وارسو.
- ثم ظهرت أحداث تأميم قناة السويس وبدأ العدوان الثلاثي على جمهورية مصر العربية عام 1956 والأنذار الشهير الذي أعلنه الإتحاد السوفياتي لوقف العدوان.
- هذه الأحداث أكدت أن العلاقات الدولية بدأت تعود ثانية إلى أجواء التوتر في ظل امتلاك الاسلحة النووية وليس استسلاماَ للولايات المتحدة الامريكية من قبل الاتحاد السوفياتي في مرحلة الوفاق كما ذكره السيد سنان احمد حقي في مقالته . وعادت الأزمات الدولية من جديد كأزمة برلين عام 1958 وبناء جدار برلين في عام 1961. وأزمة الكونغو في عام 1960 وآخرها الأزمة الكوبية التي وقعت في عام 1962 فبعد أن حبس العالم أنفاسة خوفآ ورعبآ من تطور المواجهه بين العملاقين على أثر إقدام الرئيس الأمريكي كندي بإعلان الحصار على كوبا ومراقبة للقواعد السوفياتية المتواجدة على أراضيها .الى انه بدأت بوادر الحل السلمي بالإتصال الذي أجراه خروتشوف مع الرئيس الأمريكي في تشرين الأول من عام /1962 يعلمة فيه بأن الأوامر قد إعطيت بتفكيك الصواريخ المنصوبة في كوبا ليتم إعادتها للإتحاد السوفياتي بشرط أن يعطي الرئيس الأميركي وعدآ بعدم قيام القوات الأمريكية أو سواها بغزو كوبا . فما كان من الرئيس الأميركي إلا أن وافق على المقترح.
- كما حصل في هذه الفترة أن دول عديدة قد حصلت على إستقلالها الوطني مثل إنبثاق ثورة تموز /1958 في العراق وخروجه من حلف بغداد وإنتصار ثورة الجزائر على الإستعمار الفرنسي في عام 1962 وإنتصار الثورة في كوبا عام 1959 وقد تمكن الإتحاد السوفياتي من إيجاد نفوذ واسع له في أمريكا اللاتينية من خلال كوبا وتصاعد حركات الإستقلال في أفريقيا وآسيا وتنامي حركات التحرر فيها.
- وعقدت إتفاقيات ومعاهدات صداقة وتعاون مع الإتحاد السوفياتي والعديد من البلدان المستقلة حديثآ والتي زاد عددها في الجمعية العامة للأمم المتحدة . مع تنامي الاستراتيجية الامريكية في عزل الإتحاد السوفياتي ومحاصرتة وإضعاف دورة في العلاقات الدولية . لهذا فأن الصراع لن يتوقف وبؤر التوتر لن تزول وهذا يعني إستمرار الأزمات والنزاعات المحدودة في هذه المنطقة أو تلك. فأخذت العلاقات الدولية طابعآ متوترآ في ظل استمرار حالة التوازن بين القطبيين آنذاك.
العلاقات الدولية بعد أزمة كوبا الى عام 1981 وأبرز مظاهرها :
- في هذه المرحلة برزت ملامح الإنفراج تتجلى بشكل أوضح من خلال ترسيخ سياسة التعايش السلمي الذي تميزت بها السياسة الخارجية التي إنتهجها الإتحاد السوفياتي في عام 1953 (بعد وفاة ستالين) والتي بدأتها ثورة اكتوبر في عام 1917.
- هذه المرحلة شهدت عقد العديد من اللقاءات وإلأجتماعات بين ممثلي القطبين وتوصل ممثليهما إلى توقيع العديد من الأتفاقيات التي أسهمت في تخفيف التوتر في العلاقات الدولية، ((والحدث ذات الأهمية الذي حصل في شهر أيلول من عام 1963 هو بدأ العمل بالخط الساخن أو( بالخط الأحمر) بين رئيسي القطبين وهذه هي وسيلة إتصال مباشر بينهما تتم بشكل سريع من خلال هذا الخط حول الامور الساخنة، وتم توقيع معاهدات مثل معاهدة الفضاء الخارجي عام 1967، ومعاهدة حظر التكاثر النووي عام 1968 )) (2)
- كما تطور الأمر لاحقاَ لعقد مؤتمرات قمة بين رئيسي القطبين وهذا مما إنعكس إيجابآ على صعيد تخفيف التوتر في العلاقات الدولية بين المعسكرين الإشتراكي والرأسمالي. ورغم التطور الحاصل فقد شهدت المرحلة فترات من التوتر في العلاقة بينهما أيضآ مثل حرب حزيران على أثر العدوان الإسرائيلي في عام 1967. والتدخل الأمريكي المباشر في فيتنام عام 1965 وتدخل الإتحاد السوفياتي في تشيكوسلوفاكيا عام 1968. هنا يطرح سؤال للسيد سنان احمد حقي اين هو خيار الصفر الذي وصفه في ملاحظاته والذي اتخذه الاتحاد السوفياتي آنذاك في ظل تواجد الردع النووي كما عبر عنه؟
- كما حصل في المعسكر الإشتراكي بوادر التصدع في المقابل حصل في المعسكر الرأسمالي أيضآ حيث ظهور النزعة الاستقلالية لفرنسا بأن يكون لها دفاع مستقل عن الناتو (( فقد إنسحبت فرنسا من القيادة المشتركة لحلف شمال الأطلسي في عام 1966، وأخرجت جميع القوات الأطلسية من أراضيها رغم إنها بقيت عضو في الهيكل السياسي للحلف)) (3) مما أحدث ثغرة في الحزام الجيوستراتيجي الذي فرضته الولايات المتحدة على الاتحاد السوفياتي آنذاك، وقد إتجهت ألمانيا نحو الإنفتاح في سياستها نحو الشرق لغرض التخفيف من التوتر في العلاقة بين شطري أوربا .

التغيرات في القيادية السوفياتية خلال تلك الفترة:
- فقد حصل في منتصف الستينات تبدل في القيادة السوفياتية ورافق ذلك تغير في سياستها الخارجية فكان التغير الأول هو إقالة خروتشوف ومجيئ ليونيد بريجنيف. (( وقد انتهج ليونيد بريجنيف سياسة التحدي والمواجهه المتوازنة مع الولايات المتحدة الأمريكية وقد تجلت هذه المواجهه بينهما في عام 1967 أثناء حرب حزيران فأن الإتحاد السوفياتي قد دخل كعنصر موازنة فعالة عسكريآ وسياسيآ وإقتصاديآ في مساندة مصر)) (4). وقدم الاتحاد السوفياتي دعم لبلدان عربية أخرى كانت قد تضررت من الحرب مثل سورية لأن الأتحاد السوفياتي يدرك أن السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط تكون حاضرة ومؤثرة من خلال دعمها لأسرائيل وتمكينها من مواصلة العدوان في أي وقت وإستمرار إستيطانها للأراضي العربية التي إستولت عليها.
- كما تجلت هذه الفترة إنحياز واضح للسياسة الأمريكية الداعمة لأسرائيل وقد شهدت أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن هذا الأنحياز ومن خلال قرارات الفيتو التي إتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية لأبطال قرارات دولية لأدانة ومعاقبة إسرائيل.
- كما في المقابل إتخذ الأتحاد السوفياتي عدد من قرارات الفيتو في مجلس الأمن وأصبح حل الأحداث والتوترات الدولية أو تصعيدها مرتبطآ بمواقف القطبين منها. وأصبحت المنظمة الدولية مسرحآ للصراع السياسي والدبلوماسي بين القطبين.

(يتبع)

[1] - د. محمد منذر. مبادئ في العلاقات الدولية من النظرية الى العولمة- المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع – لبنان . بيروت – السنه 2002 . ص- 242.
[2] - د. علي عودة العقابي. العلاقات السياسية الدولية - دراسة في الاصول والتاريخ والنظريات – الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والاعلان – ليبيا – السنه – 1996. ص- 2.
[3] - مورتن هالبرين. سبق ذكره في كتاب. د. نزار إسماعيل الحيالي. ص- 63 .
[4] - د. محمد علي القوزي. العلاقات الدولية في التاريخ الحديث المعاصر- دار النهضة العربية – لبنان .بيروت. الطبعة الاولى – السنه 2002. ص- 163.
 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter