| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عقيل الناصري

 

 

 

الثلاثاء 8/7/ 2008



من تاريخية الثورة الثرية
(3-3)

د. عقيل الناصري

- انفراد قاسم وكتلة المنصورية بالتنفيذ ومقدماته :(53)

- يوم الحسم و إقرار موعــد التنفيـــذ:
يعتبر الأداء الوظيفي والسياسي من وجهة نظر علم النفس أحد المعايير الرئيسية في قياس النجاح أو الفشل، كما يعبر عن مدى قوة الفكرة لدى متبنيها ومحققها العملي. مما يؤدي إلى أن يترك بصماته، الإيجابية أوالسلبية، بعمق على توجهاتها اللاحقة بعد التنفيذ الكامل, من هذا المنطلق سافر في العطلة الاسبوعية الأخيرة (الخميس10/7) السابقة ليوم الثورة، قاسم وعارف إلى بغداد، واتخذا قرار تنفيذ فعل التغيير في ذلك اليوم بالتحديد، وليس قبل هذا التاريخ مطلقاً وذلك لتوافق (الصدفة التاريخية) مع حركة اللواء العشرين. ومن هذا المنطلق يمكن تفهم الموقف الحقيقي لقاسم في الاجتماع الأخير للجنة العليا الذي التأم في داره يوم 4 تموز، إذ لم يكن متحمساً ولا مستعجلاً في البت بقضايا التعينات للمناصب الأراسية للدولة ولا في القضايا الخاصة بإعادة تشكيل اللجنة العليا ذاتها وما انتابها من إشكاليات. كما لم يخبر أنصاره العسكريين ولا الأحزاب السياسية القريبة منه، بموعد حركته قبل تاريخ (10/7) مطلقاً، لأنه لم يكن متأكداً لا هو ولا غيره، من أن الفرصة المواتية سوف تسنح لهم عند مرور اللواء العشرين ببغداد ليلة 13/14تموز وذلك لسبب وجيه ومنطقي، مفاده: أن اللجنة العليا للضباط الأحرار سبق وأن أجلت العديد من المحاولات بسبب غياب واحدُ أو أكثر من ثلاثي السلطة الملكية الكبار المتكونة من: الملك، ولي العهد عبد الإله، ونوري السعيد. إذ سبق وأن إتفقت اللجنة العليا على وجوبية تواجدهم في البلد عند تنفيذ اية محاولة للإطاحة بالنظام، حتى لا تتكرر مأساة 1941 التحررية. إذ " كانت السيطرة على (الثلاثة الكبار)... أحد الأهداف العاجلة للثورة العسكرية وطالما أرجأ الضباط الأحرار تفجير الثورة في أوقات متعددة بالرغم من توفر مستلزماتها لأن أحدهم لم يكن في العراق أو لأنهم جميعاً لم يحضروا إلى المكان الذي تقرر إشعال الفتيل فيه وذلك خشية أن يفلتوا من قبضة الثورة ويتمكنوا من استغلال الظروف السياسية والتحالفات السائدة في المنطقة والعودة إلى الحكم تحت ظلال الحراب الأجنبية كما وقع في ثورة مايس 1941 (54)". بمعنى " إن مشكلة تحقيق المفاجئة، بارتباطه المعقد بالتحرك المناسب للقوات، أصبحت هي مشكلة توقيت الانقلاب. ومن هذه الناحية لم يكن باستطاعة اللجنة أن تأخذ في اعتبارها أكثر من طرف واحد آخر. ونظراً لأن الإطاحة بالملكية أصبحت منذ ربيع 1958 الدافع الأول للجنة، فإنه إذا كان للضربة أن تنجح لابد من تنفيذها في يوم يكون فيه أبرز ممثلي الملكية، أي نوري السعيد وولي العهد الأمير عبد الإله والملك موجودين كلهم في العراق. وكان القبض على الثلاثة معاً هو الأمر الوحيد الذي يمكنه أن يؤدي إلى نجاح الانقلاب بشكل كامل (55)".
وتأسيساً على ذلك لم يتأكد قاسم ولا غيره، من أن التغيير المرتقب سيتم يوم 14 تموز، نظراً لغياب كل من ولي العهد ونوري السعيد من العراق، إذ سبق وأن " غادر العاصمة إلى لندن في الثاني من حزيران الأمير عبد الإله ليبحث مع الحكومة البريطانية موضوع تأمين منابع مالية لحكومة الاتحاد العربي. ثم سافر إليها نوري السعيد في 23 من هذا الشهر للغرض نفسه. وقد عاد الأمير في التاسع من تموز وعاد نوري في الثامن منه (56)". وبالتالي فكان يوم الخميس المصادف 10 تموز، يوم الحسم والتحرك الفعلي لتنفيذ التغيير المرتقب من جهة، ومن جهة أخرى حتى يتزامن فعل القوى الضاربة،جحفل اللواء العشرين، دون أن يثير شكوك السلطات الرسمية.
و كما قلنا سابقاً، فقد لعبت الصدفة والضرورة (كمقولة فلسفية) دورها التاريخي في تنفيذ الثورة، لأن عدم عودة أيُ منهما إلى بغداد، سوف يؤدي (بالضرورة) إلى إلغاء فعل التغيير المزمع القيام به عند مرور اللواء العشرين ببغداد. فإذا كان فعل عودة الثنائي الوصي والسعيد صدفة بالنسبة للضباط الأحرار ولكتلة المنصورية على وجه التحديد بإعتبارها القوة المنفذة، طالماً أن الصدفة كمقولة تمتد جذورها لا إلى جواهر الظواهر، وإنما في تأثير الظواهر الأخرى على الظاهرة المعنية وقد تحدث أو لا تحدث.. التي هنا هي فعل التغيير الغائي المرتقب والمنبثق من واقع الأزمة البنيوية لنظام الحكم.
وبذات القدر كانت عودة الثنائي ضرورة لأجل ضبط ما أمكن من توازن الأزمة البنيوية التي كانت تعصف بالحكم وتوجيهها وتحديد مسارات اختناقاتها وبالتالي تفادي انفجارها بغية كبحها أو على اٌلأقل السيطرة عليها. لأن عدم وجود أحد الثلاثة الكبار في العراق سيؤدي (ربما) إلى عملية انفلات الأزمة من عقالها، وهذا ما كان يعيه بدرجة ملموسة، على الأقل، الوصي والسعيد والسياسيون الواعون. في الوقت نفسه وعى الضباط الأحرار أن ثورتهم تتوقف على تواجد الثلاثي في بغداد وإن عودة الثنائي لهو ضرورة لا بد منها بالنسبة لهم. ولهذا السبب فسر الضباط هذه الصدفة بالحظ الذي لعب دورا كبيراً في نجاح الحركة ومن كون [أن الله كان معهم]، وهو ما أحس به الجميع. (57)
ومن جهة أخرى (لو) تأخرت السيطرة على بغداد مدة ساعتين فحسب عن موعد التنفيذ المقرر قبيل السادسة صباحا، لتمكن كل من الملك ونوري السعيد من السفر إلى تركيا لحضور إجتماع حلف بغداد الذي كان مزمع عقده ذلك اليوم. وبالتالي لفشلت محاولة الإطاحة بالنظام الملكي. لذا لعبت الصدفة ثانيةً في صيرورة تحقيق ذاتها صباح ذلك اليوم.. رغم أن ساعات الانتظار التي صرفت في السيطرة على اللواء العشرين (إبعاد آمر الجحفل واعتقال آمر الفوج الثاني) قبيل الانطلاق مع الادلاء لاحتلال المواقع الحساسة، كان فيها الكثير من المجازفة. وكانت ثقيلة الوطء سواءً على المنفذين أنفسهم أو على آمر اللواء19 وحركة لواءه وآمر سرية الهندسة 8 في الفرقة 3، التي كان واجبها اعتقال قائدها والسيطرة عليها لتأمين حركة اللواء 19 في التوجه إلى بغداد .
وبناءً على ما تقدم شرع قاسم كقائد (أرأس) لعملية التغيير، يعاونه عارف والدراجي، بالتحرك العملي منذ مساء يوم الأربعاء المصادف9/7، وتحديد سيرورة فعل التغيير وبوصلة القوى الضاربة اتجاهه بترتيب مخطط ومتزامن. لذ أتصلوا كل حسب موقعه، بالمجاميع العسكرية التي ستساهم في التنفيذ المادي، من أنصار اللجنة الوسطية والآخرين المرتبطين بقاسم من الكتل الأخرى الذين يحضون بمعرفته وثقته التامتين وكذلك ببعض الأحزاب السياسية التي إرتأى اعلامها، لتهيأت أجواء التأييد والمساندة الجماهيرية للفعل المرتقب، والتي بدورها أخبرت الأطراف المشاركة في جبهة الاتحاد الوطني، حزبي الاستقلال والبعث .
لقد وصف بإسهاب اللواء الركن المتقاعد خليل سعيد، نشاط قاسم منذ اليوم العاشر من تموز، وهو يعد لخطوات التغيير المرتقب. ولأجل التمويه على نشاطه زار قاسم بمعية عارف وزارة الدفاع وإلتقى ببعض ضباطها، منهم من له علاقة بالعمل الوظيفي البحت من أجل تمويه حضوره للوزارة، وآخرين ممن لهم علاقة بالثورة المرتقبة، حيث اجتمعا، بعد خروجهما من الوزارة مع آمر الانضباط العسكري آنذاك العقيد محمود عبد الرزاق "... وبعد حديث قصير عام عن الجيش والبلد وضرورة الاصلاح، صمت عبد الكريم وتكلم عبد السلام عارف قائلاً:
- أخي محمود.. هل أنت معنا؟
فأجاب محمود:
- أنا معكم فيما تقدمون عليه.. وإلى (اللوحة)!(
بالدارجة البغدادية وتعني إلى النهاية – ع.ن.)
فتكلم عبد الكريم :
- هذا الإسبوع.. أسهر ولا تنام، وهذا عهدنا بك.
فقال محمود: سأسهر حتى الصباح كل ليالي الإسبوع,
وعلق عبد السلام: بارك الله فيك.. ونسـتأذنك فلدينا اشغال كثيرة، ووقتنا ضيق (58)". وعلى ضوء هذا الموقف وكون العقيد محمود عبد الرزاق، من الضباط الأحرار وكان عضواً في كتلة المنصورية (كتلة قاسم)، فقد تم تعينه آمراً لموقع بغداد في صباح 14 تموز.
لقد استمر قاسم بمعية عارف والدراجي خلال وجودهم في بغداد، ينظمون سيرورة الشأن المرتقب على الصعيدين العسكري والسياسي. فقد أتصل كل منهم، وبصورة سرية، بعدد محدود جداً من الضباط الذين سيساهمون في التغيير القادم ،كإدلاء أو منفذين لمهام محددة ومساعدة اللواء العشرين في الاستيلاء على المراكز الحساسة. إذ قام عارف يوم الخميس 10/7 بتطبيق توجيهات رئيسه قاسم وذلك ابعقد اجتماع مع قادة الكتلة الوسطية المتواجدين في بغداد، المناط بهم بعض الواجبات الخاصة بالسيطرة على معسكر الرشيد واعتقال رئيس أركان الجيش رفيق عارف.
يقول جاسم العزاوي عن هذا اللقاء: " كنا، كما هي العادة، جالسين في النادي العسكري مساء يوم الأربعاء (9تموزعام 1958) حينما دخل الزعيم الركن عبد الكريم قاسم والعقيد الركن عبد السلام عارف والعقيد عبد الكريم الجدة، وبعد السلام علينا جلسوا على شاطئ نهر دجلة على بعد عدة أمتار منا. وبعد حوالي الساعة نهضوا للانصراف، وفي اثناء مرورهم بالقرب منـا همس عبد السلام بأنه يريد الاجتماع بنا مساء اليوم التالي. وفي اليوم المحدد للاجتماع، حوالي الساعة الثامنة مساء يوم الخميس (10 تموز) إجتمعنا في دار الأخ عبد الستار عبد اللطيف وكان حاضر من أعضاء القيادة البديلة كل من: الرئيس الأول الركن جاسم العزاوي والرئيس الأول الركن إبراهيم جاسم التكريتي والرئيس الأول الركن عبد الستار عبد اللطيف والرئيس الأول الركن محمد مجيد" وبعد مناقشات خطة الثورة "رحب الحاضرون بالقرار و اعلنوا بحماسة متناهية الاستعداد الكامل للمساهمة في تنفيذ الثورة (59)". كما " اتفقوا على أن يقوم وصفي طاهر وإبراهيم جاسم التكريتي وإبراهيم عباس اللامي بدور الأدلاء للقطعات الزاحفة. واتفقوا أيضاً واقسموا على القرآن الكريم على ان لا يخبروا أحداً بسر الثورة عدا ضباط خلاياهم وأن لا يخبروا حتى ضباط اللجنة العليا ومنهم رفعت أحد رواد الحركة (60)".
أما على الصعيد السياسي مع الجناح المدني فيمكننا القول من منطلق أن الانتفاضات الشعبية والحراك الاجتماعي ذي الصيغة الجماهيرية لم تؤت ثمارها في إحداث التغيير المستجيب للضرورة الاجتماعية لعراق تلك المرحلة، لأسباب موضوعية وذاتية داخلية وخارجية، استناداً لفرضية سبق وأن طرحناها سابقً والتي مفادها المكثف، عدم قدرة الجماهير الشعبية في حسم الصراع الاجتماعي السياسي، إذ أن هذه القدرة منوطةً في ظروف البلدان النامية بمؤسسة العنف المنظم حسب (61). لقد وعت الحركة الوطنية، بأحزابها السرية والعلنية، هذه الصيرورة، أمست إحدى مطالبها السياسية، مما أدى في أعقاب انحسار الانتفاضة الجماهيرية عام 1956 أن أبدت " الأحزاب السياسية المؤتلفة في إطار الجبهة رغبتها في الاتصال بالتنظيم العسكري للضباط الأحرار... (62)". وتم هذا الاتصال بين الجبهة واللجنة العليا للضباط الأحرار على مستويين: الأول كان بين الجبهة ورجب عبد المجيد/سكرتير اللجنة، من خلال صديق شنشل وفائق السامرائي؛ والثاني: مع قاسم بالذات من خلال مبعوثيه رشيد مطلك وكمال عمر نظمي للحزبين المذكورين ومن خلالهما للجبهة .(63)
من منطلق التعاون والتنسيق وحاجة كلا الطرفين لبعضهما الآخر..واصل قاسم بوعي سياسي موضوعي الاتصال بجبهة الاتحاد الوطني من خلال الأحزاب السياسية العضوية والفعالة و المؤثرة في الواقع السياسي والمتناغمة مع رؤيته الفكرية ومنطلقها الوطني آنذاك، بالأخص الشيوعي والوطني الديمقراطي، إذ أوفد لهما مبعوثه وكاتم سره (قبيل الثورة) رشيد مطلك. في الوقت نفسه تم إبلاغ جبهة الاتحاد الوطني، كما قيل،عن طريق الحزب الشيوعي الكادر المتقدم فيه كمال عمر نظمي.. ومحتمل جداً عن طريق كامل الجادرجي ذاته بعد إبلاغه. لكن هل الإبلاغ للجبهة جاء برغبة من قاسم؟ أم أن كمال طرح الموضوع على الأحزاب المؤتلفة في الجبهة باعتباره ممثلا للحزب للشيوعي فيها، باعتبار أن ذلك أنه من ضرورات العمل السياسي المشترك؟ أم أن الجادرجي رغب بالاستشارة من زعماء الجبهة وبالأخص حزب الاستقلال التي تربطه به علاقة منذ تآلفهم في حزب المؤتمر الوطني؟ (64) في وقت تشير فيه مذكرات الضباط الأحرار على أن رجب عبد المجيد هو الذي يتصل بالجهة ؟ لكن قد تكون هذه رغبة قاسم لمعرفته بأن رجب لم يكن يعرف أو لا يريد له أن يعرف بموعد الثورة بالتحديد ؟ أني أميل إلى رغبة قاسم في أن تعرف قوى الجبهة بالموعد لتحشيد أكبر ما يمكن من قوة جماهيرية مساندة وليعرف أطراف الجبهة أن قاسم هو زعيم الحركة وقائدها حتى لا يفاجئوا عندما تعلن أسمائهم في الوزارة المرتقبة، طالما أن قاسم كان متأثراً جداً بمطالب ورؤى الحركة الوطنية العراقية عامةً والعراقوية التوجه خاصةً. (65)
توضح الوقائع التاريخية أن عبد الكريم قاسم قد حل بمفرده ذات اليوم (يُحتمل 11 تموز الجمعة) في " بيت رشيد مطلك وقد أخبرني رشيد فيما بعد، أنه انكب على وضع وتعديل (البيان الأول) كما بسط أمامه خريطة لخطة الثورة وراح يدرسها بإمعان. ثم قام، على حد قول رشيد، بتصغيرها واختزلها على ورقة صغيرة. وقد وضعها والنسخة الوحيدة من البيان الأول للثورة في الجيب الأعلى لقميصه العسكري. كما أوفد (رشيد) لاستطلاع موقف حزبنا والحزب الوطني الديمقراطي وإبلاغهما بعزمه على تنفيذ الثورة في صباح الرابع عشر من تموز. وقد وصل الإبلاغ إلى سلام عادل بواسطة (كمال عمر نظمي) وعاد كمال إلى رشيد الذي أوصل إلى قاسم موافقة الحزب. كما قام رشيد بإبلاغ كامل الجادرجي ومحمد حديد (66) بالأمر وطلب الموافقة. وقد اخبرني المرحوم كامل أنه أبلغ بدوره الاستاذ صديق شنشل. والأرجح أن عبد السلام هو الذي قام بإبلاغ حزب البعث بموعد الثورة عن طريق فؤاد الركابي... (67)". ويؤكد هذه الواقعة من حيث مضمونها الأرأس، مصدر آخر بالقول: " وصل السيد رشيد مطلك موفد عبد الكريم قاسم إلى دار الاستاذ كامل الجادرجي الذي كان في حديقة داره بين ضيوفه كالمعتاد والذي كان منهم السادة صديق شنشل وفائق السامرائي وحسين جميل وجعفر البدر وغيرهم. انتحى الموفد جانبا بالجادرجي وأبلغه رسالة عبد الكريم قاسم الشفهية بأن اليوم الموعود سيكون 14 تموز وأنه اختير وزيراً للاقتصاد، فرد الجادرجي لا أنا ولا محمد حديد ولا حسين جميل سنشترك في الوزارة ولكننا نؤيد الثورة، فرد الموفد أن محمد حديد وحسين جميل ليسا موضوع بحث ولكني سأبلغ أبو حاتم (يقصد عبد الكريم قاسم حيث كان يكنه بهذا الاسم) رفضكم لهذا المنصب. عاد الموفد وأبلغ قاسم رد الجادرجي وعندئذ اقترح الدراجي ترشيح إبراهيم كبة للمنصب وهذا ما تم فعلاً... حاول الضيوف الاستفهام من الجادرجي عن فحوى رسالة الموفد ولكنه لم يفصح لهم بصراحة حيث قال للأستاذ حسين جميل تهيأ لكتابة المذكرات لأن أحداثاً هامة ستقع في الأيام القادمة وحاول الحيلولة دون سفر السيد جعفر البدر للبصرة ولكن البدر أصر على السفر لانشغاله الطارئة أن احتجت إلي فاتصل بي تلفونياً، كما كلف الجادرجي من يتصل بالأستاذ هديب الحاج حمود والذي كان في مدينته (
الشامية- ع.ن) وطلب حضوره إلى بغداد ولما وصل قال له الجادرجي أن الأحداث التي ستقع أوسع مما تتخيله مخيلتك... (68)".
في الوقت نفسه يذكر ليث الزبيدي أن " حزب البعث العربي الاشتراكي تم إبلاغه بموعد الثورة عن طريق ضباطه داخل صفوف اللواء العشرين وتنظيم الضباط الأحرار، إذ اتصل الملازم علاء الجنابي بالسيد علي صالح السعدي نائب أمين سر الحزب في القطر العراقي في يوم الجمعة المصادف 11تموز1958 وأخبره بأن الثورة سوف تحدث في صباح 14 تموز... إن الملازم علاء لم يكن مرسلاً من قبل قادة الثورة وإنما كعضو حزبي عليه تبليغ الحزب بما يدور في البلاد... أما حزب الاستقلال فلقد علم بموعد الثورة عن طريق أحد ضباط اللواء العشرين الذي هو من أقارب السيد فائق السامرائي، وكان ذلك قبل حوالي أسبوع من الثورة (
؟؟!- ع.ن)، أما رسميا فلم يبلغ حزب الاستقلال كما تبلغ الوطني الديمقراطي والشيوعي والسبب كما أظهرت الوقائع فيما بعد، أن عبد الكريم قاسم لا يميل إلى أفكار حزب الاستقلال. كما تم إبلاغ جبهة الاتحاد الوطني التي تضم الأحزاب الأربعة السابقة الذكر والمستقلين عن طريق كمال عمر نظمي عضو الجبهة وصديق عبد الكريم قاسم الذي أرسله لإبلاغ الجبهة بموعد تفجير الثورة في 14 تموز 1958 (69)". هذا الكلام غير دقيق وينحصر على موعد الثورة فحسب. كما أن الأحزاب المؤتلفة في الجبهة علمت بالأمر بغض النظر عن الجهة المبلغة وهذا الأمر تم قبيل الثورة بأربعة أيام فقط. في الوقت نفسه لا أميل إلى معرفة ضابط برتبة ملازم ثاني بموعد الثورة، وليس له دور تنفيذي مهم فيها، لان خطة الثورة كانت تمنع منعا باتا إعلام القوات الزاحفة إلى ما ينتظرها القيام به إلا عند التحرك الفعلي للتنفيذ, لذا لم يبلِغ المنفذان الرئيسيان لخطة الثورة عارف والدراجي، ضباطهما إلا فجر يوم الثورة وهذا ما أشار إليه أغلبهم, هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان حزب البعث صغير الحجم من الناحيتين العددية والتأثرية ويمر بمرحلة من الشد والجذب بين أعضاء قيادته القطرية المحوريين (70)، ومن جهة ثالثة، لم يصدر الحزب أية توجيهات إلى أعضاءه بضرورة مساندة الثورة مثل ما فعله الحزب الشيوعي، ومن جهة رابعة فأنه فقط "... في عام 1955 ظهرت بواكير العلاقة بالجيش عن طريق طلاب متأثرين بفكر الحزب دخلوا إلى الكلية العسكرية (71)" وكان عدد المنتسبين للحزب " داخل الجيش من العسكريين إلا بما يساوي عدد أصابع اليد الواحدة. وكلهم باستثناء واحد فقط حديثو العهد داخل الجيش، أي من الرتب الصغيرة (72)". والمهم كان حزب البعث في العراق يمر آنذاك "... بأزمة داخلية حادة أيضاً، وكشف تقرير محدود التوزيع أعدته لجنة حزبية استثنائية في تموز/يوليو 1957 أن أعضاء الحزب كانوا مشتتين بين ( تيارات مختلفة يتفق بعضها مع التفسيرات الماركسية بينما تنسجم أخرى مع النازية أو الفاشية أو الاشتراكية الأوربية الغربية...أو مع مبادئ الثورة المصرية...أو تلك الجزائرية). والأهم من هذا أن (معنى الرسالة العربية أختلط في أذهان الكثيرين بالإسلام ). ورسم التقرير كذلك صورة لحالة متقدمة من التفكك الأخلاقي المعنوي، وأشار إلى (انفلات الانضباط) وإلى (الفوضى) في صفوف الحزب، كما أشار إلى انتشار واسع النطاق ل (مركزية الذات) و(الأنانية) وإلى التكرار المستمر للشكاوى والتأفف مثل القول: ( لقد ضحينا بالكثير من أجل الحزب ولم نحصل على شيء منه) أو ( لولا الحزب لكنا أكثر حرية وفي حال أفضل). والواقع أن الحزب تحول إلى (مؤسسة اجتماعية منفِّرة). ومضى التقرير يشكو من (الصدع العميق) الذي يفصل بين القادة والأعضاء بشكل عام. ( القادة... يعملون بمعزل عن الحزب ... ويرون في عملهم عبئاً ثقيلاً وعقبة أمام حريتهم). أما في القاعدة فإنّ الشك والانهزامية ينموان بشكل متسارع إلى درجة أنهما وصلا إلى التساؤل حول ( نفس وجود الحزب: هل يستحق أن يبقى أم أنه تجربة مصيرها الفشل المحتوم؟؟ (73)"(التوكيد منا-ع.ن).
وتأسيسا على ذلك أرجح أن التبليغ جاء من طرف سياسي، هو جبهة الاتحاد الوطني، اكثر من كونه من التنظيم العسكري لحزب البعث. وقد أكد بصورة غير مباشرة عضو القيادة القطرية لحزب البعث آنذاك حازم جواد بالقول: " ومع اقتراب موعد تنفيذ الثورة يوم الاثنين 14 تموز(يوليو) 1958، كان المدنيون الأربعة أو الخمسة في قيادة الحزب- وأنا منهم- على علم بموعد الحركة بيوم أو يومين من موعدها هذا... بقيادة عبد السلام عارف. وأنه تم الاتفاق مسبقاً على أن يكون عبد الكريم قاسم هو الرئيس ويتولى رفيقه عبد السلام منصب نائب الرئيس (
؟؟؟ -ع.ن)… بدأت العلاقة بين قيادة الحزب وقيادة الثورة تأخذ وزناً أكبر من حجم الحزب وثقله في الساحة العراقية... (74)". (التوكيد من-ع.ن)
كما أن الضابط علاء الجنابي، حسب ما ذُكر (75)، كان في بغداد ضمن خلية جاسم العزاوي التي كلفت بالسيطرة على مدرسة الهندسة واعتقال رئيس أركان الجيش رفيق عارف، وتم إبلاغ اللجنة الوسطية مساء يوم 10 تموز من قبل عارف "... بتفاصيل الخطة ووزع عليهم الواجبات وطلب منهم أن يقسموا على أن لا يخبروا أي شخص غيرهم عدا ضباط خلاياهم وهؤلاء يجب تبليغهم ليلة 13/14 تموز (76)".(
التوكيد من- ع.ن). كذلك بالنسبة إلى حزب الاستقلال فمن غير المعقول أن يعرف بالموعد قبل أسبوع من الثورة في وقت لم يحدد يوم الحسم من قبل قاسم إلا بعد يوم 10 تموز كما مر بنا؟ ربما أنهم عرفوا بالتحرك العام وبالنية المبيتة من قبل كتلة المنصورية في إسقاط الحكم لكنهم لا يعرفون بالموعد الدقيق إلا بعد يوم 10 تموز. وهذا ما يؤكد عليه منطق الثورة ووقائعها في الأيام الأخيرة السابقة لها.
وتأسيساً على ذلك فإن التلاحم الشعبي الذي شهده الشارع العراقي برمته، شمالا وجنوبا، صباح 14 تموز، قل نظيره في عراق القرن العشرين، وقد هتف الشعب لعمل الجيش هتافاً شبه إجماعياً وقلبياً وكان في الكثير من جوانبه عفوياً وخاصةً في بغداد، وبعضه الآخر كان نتيجة التحرك المسبق لأحزاب جبهة الاتحاد الوطني لضرورة مساندة فعل التغيير. وقد خرج صباح ذلك اليوم في بغداد وحدها أكثر من 100ألف شخص تأييدا للثورة على وفق أقل التقديرات. وتدلل الدراسات المنشورة أن أحزاب الجبهة لم تصدر توجيهات لقواعده للنزول لمساندة وحماية هذا الفعل الغائي، إلا الحزب الشيوعي العراقي. (77)
لقد لعبت الجماهير الشعبية "... دوراً بارزاً وإن كان بصورة غير مباشرة. إذ اعتقد نوري أن عدداً من الطلاب وفئة قليلة من الآخرين يعارضون حكمه وشخصه والعائلة المالكة فحشد جميع وسائل إرهابه ضدهم بينما في الحق أن المشاعر التي دفعت الجيش إلى الحركة، هي التي سادت الشعب كله. ولو لم تكن هناك إرادة شعبية إجماعية يحس بها الجيش كجزء من الشعب لأدت أية ثورة عسكرية إلى حرب أهلية بين السياسيين الفاسدين المتنافسين عن طريق استغلالهم لطيبة نوايا قادة الجيش. ولحسن الحظ، لم يكن الوضع كذلك، فقد عرف قاسم أنه سيحظى بتأييد الشعب إذ رأى هذا التأييد في إحساسهم وقرأه في عيونهم، وكان دور الشعب في الترحيب بالثورة والحماس لها (78)" واضحاً للعيان، وكان بمثابة استفتاء جماعي عفوي ونادر عبر تاريخ الحركة الثورية في العراق المعاصر، طالما لم تكن هناك قوة أخرى سوى المؤسسة العسكرية تستطيع إحداث التغييرات المعبر عنها اجتماعياً. خاصةً إذا علمنا إن احتياطات واحتراز العهد الملكي كانت في سنواته الأخيرة أكبر من أي وقت مضى.
أما على الصعيد السياسي الخارجي فإن إدراك الزعيم قاسم، ما لدورها المهم في حماية الثورة المرتقبة، كما أشرنا في الكتاب الأول (79)، قد أظهرته كسياسي واعي ذو حنكة في تفهم دور السياسة الخارجية وكيفية استغلالها لصالح الثورة، أكثر مما كان متوقعا حتى من بعض السياسيين المخضرمين. هذا الإدراك استوجب من قاسم ضرورة الاتصال، عبر الوسيط رشيد مطلك (وقيل) كمال عمر نظمي (وربما كليهما)، بالحزب الشيوعي واقترح عليه العمل على تأمين دعم ومساندة الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية، للثورة المقبلة. وقد تم أيفاد عضو المكتب السياسي آنذاك عامر عبد الله لهذا الغرض في البدء، ومن ثم سافر ثانيةَ بمعية سلام عادل سكرتير الحزب، أثناء انعقاد مؤتمر الأحزاب الشيوعية والعمالية في 1957، وحصلا على وعد الدولتين بإسناد الثورة. وهذا ما تم فعلاً منذ إعلانها وكان أحد أسباب نجاحها.
تدلل الوقائع المتفق عليها بين مختلف الباحثين والسياسيين وكثير من الضباط الأحرار وخاصة المحوريين منهم، أن قاسماً ارسل كل من محمد حديد و حسين جميل، بصورة منفردة إلى جمال عبد الناصر حول ذات الموضوع. وقد شرح كل منهما مهمته ونتائجها، وكانا متفقان على موافقة مصر الناصرية في قممها النيرة آنذاك ،وهي ترنو حول تأييدها التام ما دامت ضد نوري السعيد وحلف بغداد و تصب في دعم حركة التحرر الوطني في العالم العربي، وهذا ما تم لمسه ماديا ومعنوياً فعلا في الأيام الأولى للثورة. لنقف على رؤية محمد حديد، نائب رئيس الحزب الوطني الديمقراطي آنذاك، لهذه الواقعة التي وصفها بالقول:
" ومن خلال مراجعة رشيد مطلك لي... فقد علم بنية السفر ذلك الصيف. وقبل موعد سفري بأيام، وفي أحد لقاءاتي معه، أخبرني أن عبد الكريم قاسم يطلب مني القيام بسفرتي بمهمتين: الأولى الاتصال بالجهات الوطنية في سوريا لإعلامها بأن هناك مؤامرة يدبرها حلف بغداد ضد سورية وإن تنفيذها سيكون بواسطة تركيا التي ستخلق ذريعة للهجوم عليها (80)، وذلك بسبب اتجاه الحكومة السورية آنذاك إلى التقارب مع الإتحاد السوفيتي والإتفاق معه على تجهيز سورية بالسلاح وعلى المساعدات الاقتصادية. والمهمة الثانية مقابلة جمال عبد الناصر لمعرفة مدى دعمه العمل الحاسم الذي يعتزم الجيش القيام به من أجل تغيير النظام في العراق ومدى امكاناته الحصول على دعم الاتحاد السوفيتي لمثل هذا التغيير وخصوصاً مدى استعداده للقيام بعمل ما لإحباط الإجراءات المتوقعة من بريطانيا وأمريكا لتحصين النظام القائم في العراق. وكالعادة أخبرت كامل الجادرجي بما دار في هذا اللقاء... بعد ذلك الحديث ببضعة أيام ... أتصلت بميشيل عفلق باعتباره إحدى الشخصيات المهمة التي كانت لي معرفة سابقة بها... وأخبرته بالرسالة التي أبلغها إلي رشيد مطلك من عبد الكريم قاسم من ذكر أية أسماء واكتفيت بأن مصدري هو إحدى الجهات العسكرية الموثوق بها. فأخبرني ميشيل عفلق أن عبد الحميد السراج المسؤول عن المخابرات في سورية، كان مسافراً خارج سورية وأنه سيعلمه بهذا الموضوع حالما يعود. وحدثني في هذه المناسبة عن التطورات في سورية وتولّي خالد العظم رئاسة الوزارة التي تدعمها أكثرية في مجلس النواب السوري مؤلفة من الكتلة الوطنية وحزب البعث والشيوعيين. وأضاف أن إتجاه هذه الحكومة هو إيجاد صلة وثيقة مع الإتحاد السوفيتي على أمل الحصول على أسلحة متطورة للجيش السوري، وعلى المساعدات الاقتصادية الضرورية للتنمية، وكان كل ذلك في طور التفاوضولم يتحقق شيء عملي بعد
وكانت الحقيقة، حسب المعلومات التي حصلت عليها بعدئذ، أن حزب البعث كان غير مرتاح إلى هذا الاتجاه في السياسة الخارجية السورية خشية أن يؤدي إلى تقوية الحزب الشيوعي السوري الذي كان ( حزب البعث) في صراع دائم معه، وهذا ما سيتضح في الأشهر القلائل القادمة التي تلت الحديث مع ميشيل عفلق...عند وصولي القاهرة... اتصلت بمحمد فؤاد جلال المسؤول عن الشؤون العربية في مكتب الرئيس جمال عبد الناصر... وأضفت أني قد كُلفت أن أطلب لقاءً مع الرئيس جمال عبد الناصر من أجل بحث هذه المواضيع وأخبرته أن إقامتي في القاهرة ستكون قصيرة... فذهبت إلى مقر الرئاسة... وأدخلني بعد الاستئذان إلى غرفة جمال عبد الناصر الذي قابلته وجهاً لوجه لأول مرة... وقلت له ربما سمعتم بتأليف ( جبهة الاتحاد الوطني) التي ضمت الأحزاب الوطنية كلها، من اليمين واليسار، وأضفت أن هذه النشاطات السياسية، الحزبية والشعبية، انعكست على الجيش ، خصوصاً وأن هناك منظمة سبق أن شكلها بعض الضباط تعمل إلى جانب جبهة الاتحاد الوطني في صفوف الجيش ابتغاء تحقيق الأهداف نفسها التي ترمي إليها الجبهة. كذلك بينت له أن أحد أبرز الضباط في المنظمة وهو الزعيم عبد الكريم قاسم، آمر لواء في الجيش العراقي كلفني مقابلة سيادته ، وأعلامه أن منظمة الضباط عازمة على القيام بعمل حاسم، وأنهم ، نظراً إلى تجاربه السابقة، ينتظرون أن يغتنموا الفرص لحدث يجتمع فيه الأركان الثلاثة للنظام العراقي ... لآجل القبض على ثلاثتهم معاً حتى لا يفلت أحد منهم فيهدد نجاح حركتهم، كما حدث سابقاً، وأنهم من دون أن تتهيأ مثل هذه الفرصة فلن يقدموا على أي عمل. وفي التهيئو لهذا العمل الحاسم يرون أن أهم عنصر من عناصر النجاح هو تأييد الثورة المصرية لهم ويودون أن يعرفوا مدى الدعم المادي الفعلي الذي يمكن أن تسديه الجمهورية المصرية لحركتهم. ومن جهة أخرى يودون أن يعملوا هل بإستطاعة سيادته، نظراً إلى علاقته بالاتحاد السوفيتي، أن يحصل على وعد من الاتحاد السوفيتي بإحباط أي عمل عسكري أو يره لإفشال هذه الحركة فأجابني عبد الناصر أنه يسره سماع هذه التطورات في العمل ضد النظام العراقي المدعوم من حلف بغداد وأنه يتمنى لها النجاح، وأن الحكومة المصرية مستعدة لدعم هذه التحركات بكل الوسائل المتيسرة لديها. كذلك سيفاتح الاتحاد السوفيتي لمعرفة مدى استعدادهم لدعم هذه الحركة ومقاومة العراقيل التي ستلجأ إليها أمريكا وبريطانيا مع الحلف الأطلسي لإحباط هذا الأمر... وحين وصلت بغداد زرت الجادرجي في سجنه وأخبرته بكل ما قمت به من اتصالات في دمشق والقاهرة. كذلك أخبرت اللجنة العليا لجبهة الاتحاد الوطني (81)". (
التوكيدات منا-ع.ن).
في الوقت نفسه أوفد قاسم سكرتير الحزب الوطني الديمقراطي حسين جميل الذي ذكر للدكتور فاضل حسين " أنه كان من المقرر أيضاً أن يذهب من سوريا ولبنان إلى مصر لحضور الإحتفال بذكرى ثورة 23 تموز وكان معه صديق شنشل فطلب إليه رشيد مطلك أن يجتمع إلى جمال عبد الناصر ويسأله بإسم الزعيم الركن عبد الكريم قاسم رئيس التنظيم للضباط الأحرار عن رأيه في احتمال تدخل قوات أجنبية ضد الثورة المقبلة. في القاهرة طلب حسين جميل موعداً لمقابلة جمال عبد الناصر فعين له يوم 21 تموز1957 (على الأرجح) في داره بمنشية البكري. وقد اجتمع به حوالي الساعتين فكان من رأي جمال أنه إذا قامت الثورة وأستولت على السلطة فلن يقع تدخل من دول الغرب أو حلف بغداد أو المملكة الأردنية الهاشمية ضد نظام الحكم الجديد، وبيّن الأسباب التي تحمله على هذا الاعتقاد بهذا الرأي . قال جمال أن الغرب يهتم بمصالحه بالدرجة الأولى وقلما يهتم بالصداقة والأصدقاء. فإذا تم التخلص من الملك والوصي ونوري السعيد فسيحاول الأنكليز وغيرهم تقوية علاقتهم مع الحكام الجدد لضمان مصالحهم معهم. اوصل حسين جميل هذا الجواب إلى رشيد مطلك الذي أوصله بدوره إلى عبد الكريم قاسم. وحدث الشيء نفسه مع صديق شنشل... (82)".
هذه القراءة العراقية تتضارب وتتناقض مع رؤية محمد حسنين هيكل من حيث الشكل و المضمون، والذي يحاول فيها الحط من القيمة المعنوية لقاسم، ومن ماهيته العسكرية، إذ يشير إلى طلب قاسم عن مساعدة ناصر له في وضع خطة الثورة ؟؟ وعن مدى المساعدة التي يمكن الحصول عليها من مصر؟. هذا ليس له علاقة بالواقع التاريخي للعلاقة التي رسم قاسم حدودها مع مصر الناصرية قبل الثورة سواءً عندما اجتمع بالسراج والبزري أو إيفاده لكل من محمد حديد وحسين جميل.. لا بل تتناقض رؤية هيكل حتى مع ما ذكره رجب عبد المجيد- ذو النزعة القومية حيث قال إنهم أوفدوا صديق شنشل، المعين من جبهة الاتحاد الوطني كصلة وصل مع اللجنة العليا للضباط الأحرار، لمعرفة: " ماذا سيكون موقف ج.ع.م. في حالة قيام الثورة وقيام دول حلف بغداد بمحاولة القضاء عليها. هذا سؤال. والسؤال الثاني: ماذا سيكون موقف الاتحاد السوفيتي من ثورتنا؟ ذهب الرجل إلى مؤتمر الخريجين أو المحامين العرب ثم قصد القاهرة... وقال أنه قابل الرئيس عبد الناصر الذي أكد له إننا نضع جميع امكانياتنا في ج.ع.م. تحت تصرف الثورة العراقية ويعتقد عبد الناصر أن موقف الاتحاد السوفيتي سوف لن يختلف عن موقفه آبان العدوان الثلاثي على مصر.يعني موقف غير واضح وقال أن الرئيس عبد الناصر قال أنه سيتصل بالسوفيت ويستطلع موقفهم... (83)".
أما هيكل فيعرض جواب ناصر بالشكل التالي: " قال ناصر عندما بُلغت بالرسالة، صرفت السراج عن التفكير في ذلك وأوعزت إليه بإبلاغهما الرسالة التالية مني أولاً: إن كانوا جادين حقاً فعليهم الاحتفاظ بسرهم لأنفسهم وعدم إفشائه حتى لنا وثانياً: ليس بوسعنا مساعدتهم في وضع الخطة. لأن الخطة يجب أن يضعها من سيقوم بتنفيذها، ولأنها ستكون دوماً معرضة للتنقيح والتعديل بسبب خضوعها للفرص والظروف المحلية. وثالثاً: عليهم ألا يأملوا في مساعدتنا. فأنا لم أطلب عوناً من أحد في يوم 23 يوليو، ولأن الثوري الحقيقي يجب أن يعتمد على موارده الخاصة لا أن يحاول شد عمله إلى مساعدة خارجية (84)". ترى هل كان هيكل أميناً لنقل هذه الوقائع؟ كل الدلائل تشير إلى الدور الفعال لموقف مصر الناصرية في إسناد الثورة يوم 14 تموز، مما يدحض نقطة هيكل الثالثة، كما أنه يعلم إن معارف قاسم العسكرية ورتبته وشهادة الأركان وخبرته المهنية الطويلة تفوق ما كان لدى عبد الناصر، وبالتالي فهو القادر على وضع الخطط العسكرية. كما يدحض إدعاء هيكل الوقائع التاريخية لحركة الضباط الأحرار.. وهذا ما تم فعلاً وما سنتطرق إليه لاحقاً. كل هذا يدحض إدعاءات هيكل وتسيء إلى ناصر عندما كان في أوج صعوده النير. كما تعبر وجهة نظر هيكل عن نزعة مركزية مصروية أكثر من كونها قومية عربية.


(53) الدراسة مستلة من كتاب سيصدر للمؤلف بعنوان{ 14 تموز الثورة الثرية-من ماهيات سيرة عبد الكريم قاسم الكتاب الثاني – الجزء الأول}
(54) عبد الجبار العمر، الكبار الثلاثة، ص. 33، مصدر سابق.
(55) بطاطو، ج.3، ص. 106، مصدر سابق.
(56) عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارات،ج. 10،ص. 287، مصدر سابق. وبعد إنتهاء ولي العهد من زيارته للندن توجه إلى اسطنبول وعاد فجأةً لبغداد " وسُألته لماذا اختار حرّ العراق على هواء استنبول العليل ؟ فأجابني بأنه فهم من بعض اتصالاته ومن المعلومات التي أتته من الداخل أن بعض المفسدين قد يقومون ببعض الحركات والتشويشات أثناء غياب الملك وغيابه هو أيضاً عن العراق... وبذلك وقع الأمير هو الآخر صكَّ إعدامه". توفيق السويدي، مذكراتي .ص.589.ط.2 دار الحكمة لندن 1999. في حين مكث السعيد في لندن لحين ساقته الظروف إلى عودته لبغداد ولم يعرف دوافعه. وهكذا شاءت الصدف في أن يتجمع الكبار الثلاثة يوم حركة اللواء العشرين. وقد ذكر د. فاضل حسين موعد عودتهما إلى العراق خطأً حين قال : " وفي 13 تموز عاد عبد الإله ونوري السعيد إلى بغداد ". سقوط النظام الملكي، ص. 79، مصدر سابق.
(57) كما لعبت الصدفة دورها في جانب آخر من الحدث. إذ كان من المفروض أن يسافر الملك في 8 تموز 1958 لكنه أجله في البدء إلى يوم 9 منه بناءً على طلب وزير مالية الاتحاد العربي عبد الكريم الأزري. كما أنه " في يوم 8 تموز وردت برقية من شاه إيران الموجود في واشنطن يذكر فيها أنه قابل الرئيس الأمريكي أيزنهاور ولديه معلومات يود إيصالها لمجلس حلف بغداد، وحيث أنه سيمر بإستنبول في طريق عودته إلى طهران وسيكون هناك يوم 14 تموز 1958، لذلك يود لو يجتمع رؤساء دول الحلف في استانبول في ذلك اليوم . عند ذلك اضطر الملك لتأجيل سفره ثانية إلى يوم 14 تموز... ". نهاية قصر الرحاب، محمد حمدي الجعفري، ص.91، دار النشر بلا ،بغداد 1989، مطبعة الشؤون الثقافية.
(58) اللواء الركن المتقاعد خليل سعيد، اسرار لم يعرفها التاريخ، حياة الزعيم في يومي السبت والأحد ( 12و13 تموز)، مجلة البداية، العدد 7، ايلول 2005،ص. 8 ، بغداد.
(59) جاسم العزاوي، المذكرات،ص.110، مصدر سابق. وهذا يتطابق مع مضمون ما ذكره عارف في مذكراته. في الوقت نفسه يشير حامد مقصود ( ص.108 مصدر سابق) إلى أنه في10/7 المصادف " يوم الخميس إجتمع عارف في إحدى الدور بالضباط: المقدم الركن محمد مجيد، رؤساء أول ركن جاسم العزاوي وعبد الستار عبد اللطيف وإبراهيم جاسم التكريتي بحضور منسق حركة (اتحاد) الجنود والضباط الرئيس فاضل الساقي المنسوب إلى الفوج2 اللواء 20 ". لكنه لم يعلل سبب حضور الساقي وهو ليس من الكتلة الوسطية وليس له علاقة تنظيمية معهم ولا واجبا عسكريا يجمعهم.
(60) حسب رواية جاسم العزاوي للدكتور فاضل حسين، سقوط النظام، ص. 75، مصدر سابق.
(61) للمزيد راجع كتابنا، الجيش والسلطة في العراق الملكي في طبعته الثانية، الشؤون الثقافية بغداد 2005.
(62) إبراهيم الجبوري، سنوات من تاريخ، ص.378، مصدر سابق. ويحاول الكاتب في كتابه أن يضع الاتصال بين جبهة الاتحاد الوطني بصيغ مطلقة دون تحديد الجهة المتصل بها ومن قبل من. فعلى سبيل المثال يقول في ص.383: " فأجرى عبد الكريم قاسم رئيس اللجنة العليا للضباط الأحرار اتصالاً بقيادة الحزبين بواسطة رشيد مطلك وذلك قبل أشهر من قيام الثورة ..." ويقصد حزبي الاستقلال والوطني الديمقراطي، في حين تدلل كثير من الوقائع على أن قاسم كان يتصل فقط بالوطني الديمقراطي والشيوعي، وهذان الأخيران ربما يناقشان الموضوع مع بقية أحزاب جبهة الاتحاد الوطني أو/و أن الوطني الديمقراطي يناقش الأمر مع حزب الاستقلال باعتبارهما مؤتلفان في (حزب المؤتمر الوطني) غير المجاز. وهذا ما دللت عليه وقائع الاجتماع الذي تم صباح يوم 14 تموز، كما يقول المؤلف، والذي ضم المستوزرون من أقطاب الحزبين وكذلك محمد مهدي كبة وفائق السامرائي وحسين جميل وفؤاد الركابي وإبراهيم كبة.
(63) تشكلت للجنة العليا لجبهة الاتحاد الوطني عام 1957 من: محمد حديد عن الوطني الديمقراطي، وعزيز الشيخ عن الحزب الشيوعي، ومحمد مهدي كبة عن الاستقلال وفؤاد الركابي عن البعث. وقد مارس الحزبان الأخيران حق الفيتو على أية مشاركة للحزب الديمقراطي الكردستاني. راجع محمد حديد، مذكراتي، ص. 296، مصدر سابق. في وقت ينفرد ليث الزبيدي، ص. 97، في القول أن البعث والاستقلال عارضا في البداية ضم البارتي " إلى الجبهة ولكنهما تراجعا بعد ذلك عن موقفهما غير أن هذا الحزب نفسه قد تلكأ في إرسال ممثليه إلى الجبهة في حينه". لم نعثر على يؤيد هذا الرأي، بل يضيف الزبيدي في هامش ذات الصفحة أن سبب الرفض، حسب قول علي صالح السعدي، " الطبيعة العشائرية لقيادته وكذلك لعمالة الملا مصطفى البرزاني للمخابرات البريطانية...". هذا الموقف يعكس في حقيقته وجهة نظر التيار القومي بصورة عامة إلى الحركة التحررية للشعب الكردي الطامح لتوحيد ذاته القومية وتحقيق دولته الخاصة.
(64) " يعتبر اتصال قادة الحزبين الاستقلال والوطني الديمقراطي بالضباط الأحرار والتنسيق معهم لتغيير نظام الحكم إحدى السمات الجديدة في النضال السياسي للحزبين، الذي اتضح في أعقاب انتفاضة عام 1956، وانعطافاً حاداً في نظرتهما لمفاهيم الديمقراطية السياسية التي تقضي رفض العنف والانقلابات بكافة أشكالها وتحقيق الإصلاح والتغيير بالوسائل السلمية التدريجية" إبراهيم الجبوري، سنوات من تاريخ ،ص.375، مصدر سابق. لكن السؤال المطروح بقوة أن هذا الموقف يتناقض مع موقف الجادرجي من التعامل مع العسكر، على وفق تجربته مع انقلاب 1936، فلماذا أبدى هذا التعاون يا ترى؟ هذا ما سنتوقف عنده لاحقاً.
(65) للمزيد راجع، عبد اللطيف الشواف، عبد الكريم قاسم، مصدر سابق. في الوقت نفسه لابد من الإشارة إلى أن الكلام منصب هنا على موعد تنفيذ الثورة وانفراد كتلة المنصورية بتحقيقها. لكن هذا لا ينفي أن التيار القومي في اللجنة العليا للضباط الأحرار قد سبق وأن نسق العمل مع حزب الاستقلال على وجه التحديد، من خلال بعض الضباط المشاطرين له بالرأي. وهذا يعبر في الوقت نفسه عن الانشقاق غير المعلن داخل اللجنة العليا للضباط الأحرار والذي برز بقوة ووضوح منذ مطلع عام 1958.
(66) اضطر محمد حديد " أن يسافر إلى الموصل قبل الثورة بسبب وفاة والده، فأرسل له رشيد مطلك برقية يقول فيها إن سعر القطن، أو بضاعة أخرى لا أذكر. ولم يكن هذا الرمز متفقاً عليه بينهما لذلك أذكر أن الوالد قد أنب رشيد مطلك على هذا التصرف وقال له: كان هذا قد يؤدي إلى الكارثة ".رفعت الجادرجي صورة أب، ص. 156، مؤسسة الابحاث العربية، بيروت 1985. في حين تورد الموسوعة مضمون البرقية كالتالي: " إن سعر المتر من الأرض بلغ 14 ديناراً وهو تعبير عن يوم الثورة لأن الأستاذ محمد حديد كان قد كلف السيد رشيد مطلك بشراء قطعة أرض لمعمل الزيوت النباتية ". ج.6، هامش ص. 321.
(67) عامر عبد الله، خواطر وذكريات، ص. 32، مصدر سابق. علماً بأن عامر لم يكن في العراق أثناء قيام الثورة لهذا السبب أستند إلى رواية رشيد مطلك. وتشير الموسوعة أن وصفي طاهر إتصل " بالشيوعي الحزبي سعيد مطر وأبلغه بيوم الثورة فأنذر الحزب الشيوعي لهذا الغرض" ج.6، هامش ص. 321. كما يشير حامد مقصود انه " في يوم 11 تموز أبلغ المقدم وصفي طاهر ورشيد مطلك الحزب الشيوعي العراقي" ص. 106. بمعنى أن هنالك أكثر من مصدر أخبر الحزب الشيوعي بموعد الثورة بصورة مباشرة. كلها مصادر سابقة. في الوقت الذي يشار إلى أنه ففي " صيف 1956 زار رشيد مطلك عامر عبد الله عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي السري مرسلاً من عبد الكريم قاسم ونقل إليه عزم عبد الكريم قاسم على الإطاحة بنظام الحكم الملكي عن طريق عمل مسلح سيقوم بتنفيذه خلال مناورات الخريف التالي، وطلب رأي الحزب الشيوعي في مبادئ الخطة التي صمم على تنفيذها والدور الذي يستطيع الحزب أن ينهض به لدعم الثورة ... وذكر عامر أنه دون على بعض الأوراق بعض الأفكار التي نظر فيها المكتب السياسي للحزب الشيوعي وكتب بعض الشروط السياسية لتأمين نجاح مثل تلك الخطة ومنها ضرورة الاعتماد على الجماهير والتلبية الثورية للمطالب الرئيسية للحزب الشيوعي والحركة الثورية...وفي لقاء تالٍ ذكر رشيد مطلك للحزب أن عبد الكريم يطلب أن يبادر الحزب الشيوعي إلى تعبئة الجماهير في مظاهرات إسناد واسعة حالما تبدأ الثورة. وطلب عبد الكريم قاسم أن يتولى الحزب وضع التدابير الخاصة بالشؤون الاقتصادية باعتبارها خارجه عن اختصاص العسكريين" د. فاضل حسين، سقوط، ص. 60-61، مصدر سابق. ويؤكد بهاء الدين نوري السكرتير السابق للحزب الشيوعي، في مذكراته أن سلام عادل حدثه من أن" قاسم كان على صلة مع ح.ش.ع. عن طريق صديقه الشخصي الطيب رشيد مطلك وأحياناً عن طريق الضابط الشيوعي الملازم حامد مقصود". ص.262، دار الحكمة، لندن2001. أن العلاقة بين حامد مقصود وقاسم بدأت على وجه التحديد منذ محاولة 11/مايس 1958، كما يوردها حامد في كتابه، الأخوة، مصدر سابق.
(68) خليل إبراهيم حسين، الموسوعة،ج.6، هامش ص. 321، مصدر سابق. علماً بأن المؤلف لم يحدد لنا مصدر هذه المعلومة، وهذا ما يوسم موسوعته برمتها. في الوقت الذي تدلل الأحداث على أن محمد حديد قَبِلَ المنصب الذي أستوزر فيه كذلك بالنسبة لهديب الحاج حمود الذي استوزر لوزارة الاصلاح الزراعي، و حسين جميل انشغل في الإعداد للدستور المؤقت ولغاية تعينه سفيرا في الهند.
(69) ليث الزبيدي، ثورة 14 تموز، صص. 203-205، مصدر سابق. ويضيف، ص. 184، إلى ذلك واقعة غير منطقية، إستناداً إلى قول صالح علي السعدي، مفادها: أن " حزب البعث العربي الاشتراكي في القطر العراقي كان قد أرسل في صباح يوم 14 تموز1958 سيارة محملة بالعتاد والأسلحة الخفيفة أيضاً لهذه القوات عند مشارف بغداد ووزعت عليها لتعزيز قوتها" !. لم يذكر أغلب القادة المنفذين لخطة الثورة أنهم استلموا أسلحة وأعتدة من الأحزاب السياسية العاملة آنذاك.. سواءً السرية منها أو العلنية، المؤتلفة في جبهة الاتحاد الوطني أو خارجها والتي أغلبها لم تكن تؤمن بالفكرة الانقلابية.
(70) وهذا ما أشار إليه أحد المؤسسون الأوائل وهو فخري قدوري في مذكراته حيث يقول: " فمنذ عام 1952 ظهرت بوادر تكتلات داخل القيادة...كان الركابي نشيطاً وجريئاً لكنه كان تواقاً للحصول على المركز الأول في القيادة. وقد لاحظتُ، كما لاحظ رفاق آخرون، أنه لا يتورع عن ممارسة طرق غير مقبولة للوصول إلى طموحه الشخصي. وهكذا قاد الركابي تكتلاً عن طريق الاتصالات الجانبية داخل وخارج بغداد بهدف إزاحتي أنا من أمين سر التنظيم أولاً ثم من القيادة ثانيا ليتبوأ هو رأس الهرم الحزبي...". هكذا عرفت البكر وصدام، رحلة 35 عاماً في حزب البعث، صص 27-29، دار الحكمة، لندن 2006.
(71) هاني الفكيكي، أوكار الهزيمة، ص.73، رياض الريس لندن 1993. وهذا ما أشار أليه قدوري في مذكراته، ص.26. اامصدر السابق.
(72) خالد علي الصالح، على طريق النوايا الطيبة،ص61، رياض الريس بيروت –لندن 2000. وتشير كثير من الدراسات بما فيها ذات الطابع القومي إلى أن الحزب كان صغيراً ولم يتعد عدد أعضاءه 300 عضواً وحضوره في حركة الضباط الأحرار كان ضعيفاً. راجع حازم صاغية، بعث العراق، سلطة صدام قياماً وحطاماً، ص. 22، دار الساقي بيروت 2003.
(73) حزب البعث العربي الاشتراكي، نشرة خاصة بأعضاء الحزب فقط، نص التقرير الذي قدمته اللجنة التحضيرية إلى المؤتمر الاستثنائي للحزب في القطر السوري في 9 تموز 1957. مستل من بطاطو ،ج.3، ص. 135، مصدر سابق. وقد أكد عبد الناصر هذه الحالة عندما قال أثناء مباحثات الوحدة الثلاثية في القاهرة عام 1963 موجها كلامه لقادة البعث " كانت معلوماتي عن الحزب في أيام محادثات الوحدة – التي عقدت في كانون الثاني 1958- تقول بأنه كان يعاني من مشاكل يكاد تجاوزها يكون مستحيلاً... وتصورنا كلنا أنكم ترغبون، أنتم أنفسكم بحله . "مؤسسة الأهرام ، محاضر محادثات الوحدة، ص. 37، القاهرة 1963. مستل من بطاطو، ج. 3، ص. 136، مصدر سابق.
(74) من أوراق حازم جواد، جريدة القدس العربي في 8 –28/2/2006، لندن. وهي قراءة حزبية ضيقة مبوصلة باتجاه واحد ينتابها الكثير من المغالطات التاريخية وشيء قليل من الموضوعية المتأخرة في طرحها.
(75) هذا ما أكده علاء الجنابي لعبد الجبار العمر. راجع الكبار الثلاثة، ص. 81 وما بعدها.مصدر سابق.
(76) مذكرات صبحي عبد الحميد، ص. 96،. مصادر سابق.
(77) أصدر الحزب توجيهً عاماً بتاريخ 12 تموز يورده ليث الزبيدي (ص. 204) بالشكل التالي:

نظراً للاوضاع السياسية المتأزمة، الداخلية والعربية، ووجود احتمالات تطورها بين آونة وأخرى.. وبغية ضمان وحدة النشاط السياسي لمنظماتنا الحزبية في الظروف الطارئة أو المعقدة نرى من الضروري التأكيد في الوقت الحاضر على أن شعاراتنا الاساسية هي:

1- الخروج من ميثاق بغداد ، وإلغاء الاثفاقية الثنائية مع بريطايا والوقوف ضد مبدأ آيزنهاور.

2- اطلاق الحريات الديمقراطية لجماهير الشعب (حرية التنظيم الحزبي والنقابي وحرية النشر والاجتماع.. الخ). واعلان العفو العام عن المحكومين السياسيين واطلاق سراحهم والغاء المراسيم والقوانين الدستورية التي تستهدف ضرب الحركة الوطنية.

3- اتخاذ التدابير الفعالة لحماية ثرواتنا الوطنية واقتصادنا الوطني والعمل على حل المشاكل المعاشية لجماهير الشعب.

4- قيام حكومة تنتهج سياسة وطنية عربية مستقلة تدعمنضال الشعب اللبناني وسائر الشعوب العربية وتخدم السلم وتحول الاتحاد العربي إلى اتحاد حقيقي بين العراق والأردن ليضمن مصالح شعبنا ويخدم النضال ضد الاستعمار والصهيونية ومن أجل الوحدة العربية واقامة اتحاد فيدرالي مع الجمهورية العربية المتحدة.

ونرى من المناسب التأكيد على :

(1) ضرورة تجنب ابراز شعارات مبهمة أو متطرفة  أو تلك التي تمجد هذا الزعيم أو ذاك من قادة الحركة الوطنية أو العربية على حساب طمس شعاراتنا الأساسية، والتقليل من شأن نضال الجماهير الشعبية والجبهة الوطنية.

(2) ضرورة إبداء اليقظة السياسية العالية تجاه مختلف المناورات والمؤامرات وتجاه نشاط عملاء الاستعمار والعمل بحزم وبأمانة تامة لسياسة الحزب، واعتبار أن واجبنا الأساسي في كل الظروف هو تعبئة أوسع الجماهير الشعبية ولفها حول الشعارات الصائبة في اللحظة المعينة، وحول الشعارات الكبرى لحركتنا الوطنية الديمقراطية.

                                         12 تموز 1958        الحزب الشيوعي العراق


(78) كاراكتاكوس، ثورة العراق، ص.115، مصدر سابق.
(79) للمزيد راجع كتابنا الأول، عبد الكريم من ماهيات، ص. 453؛ كذلك عامر عبد الله، الاتحاد السوفيتي وثورة 14 تموز، الغد الديمقراطي، العددان 57و58، تموز 1985.ولذات المؤلف خواطر وذكريات، ث.ج. عدد 144؛ ثمينة ناجي يوسف ونزار خالد، سيرة ج.1، ص.198؛عزيز سباهي، عقود، ج.2،الفصل 14، كلها مصادر سابقة. علماً أن العلاقة بين الحزب الشيوعي وقاسم تمتد لفترة طويلة نسبياً، عندما أشيع أن قاسم كان على علاقة بالتنظيم العسكري لمجموعة داود الصائغ المنشقة على قيادة فهد، في منتصف أربعينيات القرن المنصرم. أو كما أشار المؤلفان زكي خيري والدكتورة سعاد خيري، في كتابهما، دراسات في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، ص.261، من أن قاسم كان عضواً في كتلة اتحاد الجنود وضباط الصف والضباط. وأعتقد أن العلاقة كانت ذات طبيعة اجتماعية مهنية ببعض أعضاء هذه الكتلة منهم غضبان السعد وسليم الفخري.. ولم ترتق إلى مصاف العلاقة الحزبية. كما تعرف عامر عبد الله على قاسم في 1950، قبيل تبوءه مركزاً قياديا في الحزب الشيوعي. وهذا ينسحب على كثير من الشخصيات الديمقراطية واليسارية من خلال (استاذه) مصطفى علي ورشيد مطلك وناظم الزهاوي والدكتور جواد علي وغيرهم .
(80) وهذا ما دللت عليه الوثائق البريطانية والتي سنتطرق إليها لاحقاً.
(81) محمد حديد مذكراتي، ص. 303، مصدر سابق.
(82) مستل من د. فاضل حسين، سقوط النظام، ص. 60 ، مصدر سابق. علماً أن قاسم بالإضافة إلى اتصالاته الخارجية " كان يتصل بالأحزاب وقد اتصل بالجادرجي قبل تشكيل اللجنة العليا وفي سنة 1956 كان يتصل بالكثير من السياسيين قبل تأسيس اللجنة العليا". حسب قول محي الدين عبد الحميد, الذاكرة التاريخية،ص. 225. أما بصدد صديق شنشل فلم يُرسل موفداً من عبد الكريم قاسم ، بل من خلال سكرتير اللجنة العليا للضباط الأحرار رجب عبد المجيد حسب ما صرح به في ، الذاكرة التاريخية، ص. 147.
(83) الذاكرة التاريخية، ص. 147، مصدر سابق. كذلك راجع إبراهيم الجبوري، سنوات من تاريخ العراق، ص. 379، وما بعدها، مصدر سابق
(84) مستل من جرجيس فتح الله، العراق ،ج.2، ص. 674، مصدر سابق.

 

¤ الجزء الثاني
¤ الجزء الأول
 

 

free web counter

 

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس