| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. عقيل الناصري

 

 

 

السبت 5/7/ 2008



من تاريخية الثورة الثرية
(2-3)

د. عقيل الناصري

- انفراد قاسم وكتلة المنصورية بالتنفيذ ومقدماته :(27)

- مبررات الانفراد:

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة يتمثل في ماهية المسببات والدوافع التي دفعت قاسم بالإنفراد
والتحقيق المادي لفعل التغيير المرتقب من دون مساهمة اللجنة العليا.؟!
ومن خلال إستقراء السيرورة المادية لحركة الضباط الأحرار وحراكيتها الأفقية والعمودية و الظروف الموضوعية والذاتية التي حددت مساراتها اللاحقة ودفعت بها للخروج من كونها فكرة هلامية إختمرت لدى هذا الضابط أو ذاك، إلى حالة مادية غائية متكتلة، أنضجت ذاتها لتصبح نزعة ذات زخم تستهدف إنجاز ما خططت له.. وكذلك من خلال ما انتابها من إشكاليات وتناقضات من جهة؛ ومن نسبية طبيعة ظروف البلد والحراك السياسي فيه وفي دول المنطقة من جهة ثانية. من كل هذه الظروف الموضوعية والذاتية، الخاصة بقاسم وكتلته واللجنة العليا للضباط الأحرار، يمكننا التوصل إلى جملة من العوامل دفعت بقاسم، كشخصية أرأسية، إلى تحقيق التغيير الجذري من قبله ومناصريه، نكثفها بما يلي:
- ما له علاقة بقاسم كذات قيادية محورية لها مشروعها الجمعي وطموحها الذاتي؛
- تعددية الزعامة اللا رسمية في اللجنة العليا وكثرة الكتل في حركة الضباط الأحرار؛
- تباينات المواقف الفكرية/الفلسفية والابعاد التنظيمية لأعضاء اللجنة العليا ؛(28)
- إستناد قاسم على الإتفاق الضمني والصريح بإسناد حركته من جميع الكتل؛
- " إن قاسم كان يعرف بصورة جيدة كل عضو في اللجنة العليا ... (29)"
- المنافسة الحادة بين القادة المحوريين وتزايد النشاط التقسيمي بينهم؛
- " عدم وجود ذلك القائد الثوري الجريء الذي يقودهم للنصر(30)
- أنفراد بعض أعضاء اللجنة العليا في تبني محاولات لم يحصل اجماع عليها ؛(31)
- شيوع حالة من التردد، إن لم نقل الشلل والاحباط الذي أصاب بعض أعضاء اللجنة
من الذين سنحت لهم فرص عديدة ليتولوا التنفيذ، لكنهم لم يستغلوها؛
- الحاجة إلى السرية والعمل المبني على التوقيت السريع؛
- قوة الرقابة التي أخذت السلطة تفرضها على تحركات قاسم؛
- الضغط الذي مارسه الضباط الأحرار الصغار وبالأخص من الكتلة الوسطية المندفعة؛
- تعدد الخطط لتنفيذ الثورة وعدم اجماع اللجنة العليا على أية خطة منها ؛(32)
- معرفة قاسم بصورة جيدة لكل أعضاء اللجنة العليا وقدراتهم، فانفراده وكتمانه سر التنفيذ كانت لها مبرراتها بغية ضمان النجاح؛
- وهنالك عوامل أخرى أقل أهمية منبثقة من واقع حراك الحركة و مما له علاقة بالاشاعات والاقاويل التي تسربت (بعضها عمداً) من بعض الضباط ضد قاسم .(33)
هذه العوامل حولت الثقل الكبير إلى صالح التركيز في يد قاسم، واقنعته بقراره الذاتي، الذي كان يساوره منذ زمن بعيد، وبات من الطبيعي أن يضطلع بشؤون الاستعدادات العسكرية والسياسية أكثر فأكثر، وأقناع المحوريين من كتلته، بالإنفراد في تحقيق فعل التغيير المرتقب ووضع عموم كتل الحركة، القريبة من اللجنة العليا أو التي تدور في فلكها، أمام الأمر الواقع. وهذا ما يتناغم مع اعماق ذاته إستعدادها للتضحية وركوب المخاطر التي تتفق مع طبيعته ورسالته نفسها. وكما قلنا فقد " سنحت فرص عديدة لغير عبد الكريم قاسم ليتولوا قيادة وتنفيذ الثورة، ولكن سعيهم قد إستطال أكثر مما ينبغي (لإستكمال الاستعدادات) وأغلب الظن، هو أن قاسم، بعد أن رأى كل ذلك، وركن إلى مساندة الكثيرين، بدأ يفكر بالاعتماد على قواته وانصاره الأقربين، إلى جانب حرصه المفرط على الكتمان واستخدامه عنصر المباغتة (34)". هذه الفكرة " قد تكون راسخة في ذهنه من قبل، وهي أن يأخذ على عاتقه والقوات التي كانت تحت امرته والانصار المقربين إليه زمام المبادرة وهذا ما تم فعلاً (35)".
والاستنتاج المنطقي الذي يمكن الخروج به من هذا العرض المكثف هو: إن محاولة قاسم للإنفراد بالتنفيذ لا تخرج عن السياق المألوف لدى الاعضاء المحوريين في اللجنة العليا للضباط الأحرار أواللجنة الوسطية. وبهذه الصورة والمبررات سلك قاسم ذات الدرب التكتلي الذي سار عليه قبلئذ اللاعبون الأساسيون من الضباط الأحرار مثل: عبد الوهاب الشواف ورفعت الحاج سري ورجب عبد المجيد وصفي طاهر وغيرهم.
لقد شرع قاسم, وبالتعاون مع ضباطه المقربيين، في السنة الأخيرة السابقة للثورة كما أكدنا سابقاً، يفكرعمليا بإنفراد كتلته بتحقيق التغيير الجذري المنتظر، وأخذ يكثف ويهيئ مقومات النجاح، العسكرية وما أمكن السياسية (داخلياً وخارجياً)، ويكيف سلوكه المهني والحياتي بما يتلائم وهدفه الغائي. إذ أخذ يموه، مع عارف، عن وسائل التحقيق المادي للتغيير "... بأقصى درجة الكتمان والسرية، فحاولا إخفاء نواياهم عن معظم أعضاء اللجنة العليا للضباط الأحرار بمختلف الطرق لكي لا تتسرب المعلومات إلى السلطات الحكومية. كما حاول عبد الكريم قاسم تبديد شكوك السلطات حول تحركاته، فأخذ يرتاد المحلات العامة البارزة عند مجيئه إلى بغداد خلال العطلة الأسبوعية وهو بصحبة أشخاص لا يشك بإتجاهاتهم السياسية (36)".
وضمن هذا السياق أخذ، يطبق في لواءه ما يطلق عليها عسكرياً ب (تمارين الإيواء الليلية)، بالاتفاق مع بعض أعضاء اللجنة العليا في مديرية الحركات بمقر وزارة الدفاع، وبالتحديد مع معاون المدير العقيد الركن عبد الوهاب الأمين. إذ أخذ قاسم يقوم " بمسيرات ليلية في منطقة أبو صيدة التي تقرب من معسكر سعد في بعقوبة ب 15 كم. وكان الزعيم عبد الكريم قاسم يتعمد دعوة قائد الفرقة الثالثة اللواء الركن غازي الداغستاني لحضور التمارين، ليطمئن إلى صدق النية في ممارسات التدريبات العسكرية ليلاً, وقد أثرت كثيراً على قائد الفرقة فأبعدت عنه عناصر الشك من محاولات الزعيم من قلب نظام الحكم. فاصبح يوم السبت في 14مايس بداية المسيرة للتحضير لثورة 14 تموز 1958 (37)" من قبل كتلة قاسم (المنصورية) بالأساس . إذ سبق وأن " هيأ عبد الكريم قاسم ذلك اللواء على أساس القيام بتدريب ليلي باتجاه بعقوبة، إذ وصل في المرتين المذكورتين إلى مشارف بعقوبة في أواخر شهر حزيران، وقد أبدى انزعاجه، بوصفه آمر لواء، لعدم قيام اللواء بإجراء التمرين بشكل مرضٍ وعقاباً لهم على ذلك تقرر أن يقوم اللواء في غضون الأسبوعين اللاحقين (من1 تموز إلى 15تموز) بإعادة التمرين نفسه طالباً من الضباط كافة تدريب أفواجهم على الإكثار من المسيرات الليلية. كان ذلك في الاجتماع الذي أعقب التمرين وأمام جميع منتسبي اللواء من ضباط وجنود. " إن هذا بالطبع يدحض أقوال بعض المتقولين الذين يشيرون بذلك أن عبد الكريم قاسم لم يكن له دور في الثورة وإنما استثمرها، وانه لو قيض لها أن تفشل، لكان أول المتبرعين للقضاء عليها، كما أشيع في حينه (38). أن تسلم الأعتدة والقنابل ليلة 14 تموز من مخازن السلاح بواسطة الملازم حافظ علوان وبإرادة الرئيس رشاد كمال الدين والرئيس محمد جواد وحفظها في سيارات مقر اللواء، أمر آخر يدل على إصرار عبد الكريم قاسم بتنفيذ الثورة واشتراكه فيها.
يبدو أن عبد الكريم قاسم قد احتاط للأمر في حالة فشل الثورة، بحجة التدريب الليلي الذي سبق أن مارسه من قبل، وهكذا تهيأ اللواء التاسع عشر للحركة على أساس ذلك التدريب. إن قيام الملازم الأول حافظ علوان، آمر فصيل الواجبات في مقر الواجبات، بتهيئة العتاد و الأسلحة من المخازن من الرئيس الأول رشاد كمال الدين، وهو من ضباط الثورة، وانشغاله طوال الليل بتسلم العتاد وحفظه في سيارة من سيارات المقر اللواء لم يعرف به أحد قط (39)".
كانت خطة قاسم المرفوضة في اجتماع اللجنة العليا، التي سبق ذكرها، (وقيل بعد رحيل قاسم أن الذي أعدها هي الكتلة الوسطية (40))، تعتمد على فكرة تجميع الوحدات من داخل مدينة بغداد، وكانت [تعتمد في تأمين عنصر المشاة على طلاب المعاهد والمدارس العسكرية ]، لكنه عدل عن ذلك واستعاض عنها بأن تكون القوة الضاربة لواء مشاة مساند ( لواءه 19) تسانده وحدات متفرقة في بغداد في معسكري الرشيد والوشاش ومن تلك المتواجدة بالقرب منها، مثلا في بعقوبة/معسكر سعد. ومع ذلك طبق رجب عبد المجيد الفكرة الأولى المرفوضة، عندما تم السيطرة على معسكر الرشيد بما فيه من وحدات ومنها القوة الجوية ومطارها.
وكما أكدنا سابقاً، فقد فرضت الظروف الذاتية لحركة الضباط الأحرار وما انتابها من توترات في الأشهر الأخيرة التي سبقت الثورة، إلى تكاتف مجموعة المنصورية وافرادها المحوريين وبالأخص كل من عارف والدراجي، اللذان ابديا كامل استعدادهما لتنفيذ مقترحات قاسم بالسيطرة على بغداد وبالإتفاق المسبق مع قيادة الكتلة الوسطية و بعض الضباط الديمقراطين واليساريين (41) من كتلة اتحاد الجنود والضباط في الفرقة الثالثة, ووضع اللجنة العليا، أمام الأمر الواقع إزاء ترددها المتكرر وعدم إتفاقها على أية خطة تعرض أمامها، وهذا ما تشير إليه الوقائع، المتفق عليها، في مذكراتهم، وهذا ما حدث بالفعل.
ومن نافلة القول فقد سبق لعبد السلام عارف أن صرح بصورة (غير مقصودة) في أحد اجتماعات اللجنة العليا يوم الخميس و" يحتمل جداً أنه كان الثاني عشر من حزيران/يونيو، أعلن في اجتماع للجنة وبشكل مفاجئ أنه قرر، هو والزعيم الركن عبد الكريم قاسم (الذي لم يكن حاضرا) القيام بالانقلاب يوم السبت التالي. وكان هذا النبأ بمثابة المفاجئة للجميع وشعر بعض أعضاء اللجنة بأنهم أهينوا. واحتج هؤلاء بحرارة قائلين لا يمكن اتخاذ القرارات بهذه الطريقة... ولكن عارف لم يتزحزح من موقفه، ورد قائلاً: إما السبت أو لا شئ، وبالمصادفة فإن عارف هتف في هذا الإجتماع نفسه، ومن دون مقدمات ولا أسباب ظاهرة، قائلاً: [أقول لكم ايها الأخوان، ماكو زعيم إلا كريم]، ويعني بذلك عبد الكريم قاسم (42)". بعدها أنقطع عارف عن حضور اجتماعات اللجنة العليا، في حين واظب قاسم على الحضور والتي اتصفت هي الأخرى بالمشاحنات والتشككات واللوم المتبادل، إذ كان " الواحد يلوم الآخر.. فكان قسم يتصور بأن هناك بعض التردد من قسم من الجماعة الآخرين (43)"، خاصة في ذلك الاجتماع الذي تم في27 حزيران وكان " الهدف منه تحديد يوم الانقلاب واتخاذ الاستعدادات الأخيرة اللازمة، لكنه ما كاد أن يبدأ حتى ووجه بالمشاكل "، بين قاسم ورجب عبد المجيد، وإن كان الأخير ليس كامل البراءة بشأن النشاط التقسيمي، حسب رصد بطاطو، إذ وجه قاسم له الاتهامات الانقسامية إلى درجة " إستاء كثيراً وطلب إجراء تحقيق فوري لكشف حقيقة الوقائع ، وأضاف بحسم أنه ليس مستعداً للتعاون مع رجل يثير في وجهه أمثال هذه الاتهامات الخطيرة التي لا أساس لها من الصحه. واشتد توتر الجو إلى درجة اضطرت المجتمعين إلى رفع الاجتماع (44). وعادت اللجنة إلى الاجتماع في الثالث أو الرابع من تموز/يوليو في بيت قاسم في العلوية من دون عبد المجيد، الذي رفض حضور الاجتماع ونظر المجتمعون (45) في مسألة التوقيت الدقيق للانقلاب ولكي تختار، بين أشياء أخرى، أعضاء مجلس وزراء الثورة والمجلس الثوري (
قيادة الثورة-ع.ن) ومجلس السيادة ولكنها لم تفعل ذلك أبداً. فقد سمع قرع على باب البيت ودخل شخص مجهول، تحدث على انفراد مع قاسم ثم ذهب. عندها أعلن قاسم أن الاستخبارات العسكرية علمت بالاجتماع وسوف تلقي القبض على المجتمعين في أية لحظة وسارع شركاء قاسم إلى التفرق من دون أن يعرفوا، إلا بعد الثورة أنه لعب عليهم (46)". لكن ينفي ناجي طالب هذا الرأي ولا يعتقد "... أن هذا الأمر دبّر بليل كما كتب لك الفريق طاهر يحيى، لأنه كما أعتقد، ما كان هناك داع لمثل هذا التدبير، ولم يظهر حتى الآن ما يؤيد هذا القول. إن عبد الكريم هو الذي اقترح قبل ليلة أن يكون بيته مكاناً للاجتماع، كما أنه بعد ذلك لم يقل أنه دبّر هذه القضية، ولا المهداوي قال في المحكمة أنه وعبد الكريم خططا هذه العملية بقصد إنهاء اجتماع اللجنة العليا أو تخريب ذلك الاجتماع. العكس ربما كان هو الأصح، لأن المهداوي في حديثه عن الموضوع في المحكمة أعطى (لاجتماع الزعيم بالضباط الأحرار في منزله) هذا أهمية كبيرة..الخ. هذا بالطبع مجرد تقدير والله أعلم. أخيراً، أنا أؤكد لك أن أحداً من المجتمعين لم ينسحب خلال هذا الاجتماع أيضاً... ولماذا ينسحب من قيل لك أنه اراد الانسحاب أو انسحب؟ في بيت عبد الكريم لم يحدث أبداً ما كان يدعو إلى ذلك والذي ذكرته أعلاه كان يفي بالمرام..." علماً "... أن الاشاعات كانت تتحدث عن نشاط عبد الكريم قاسم السياسي وأنه يتحرك ضد النظام... (47)" آنذاك. (التوكيد منا-ع.ن)
من الصعوبة بمكان التأكد من كون هذه العملية برمتها هي (لعبة) من قاسم، قدر كونها ربما كانت تحسباَ إحترازياً وإحتراساً مبالغٌ فيه من قاسم في ذلك الظرف الصعب وهو يهيء قواهم نحو إستكمال المقومات الذاتية للتغير المرتقب، وبكونه مراقب من الاجهزة الامنية. لكن في الوقت نفسه لا تخرج عن طموحه الذاتي في قيادة حركة التغيير وتحديد مساراتها من جهة، ومن جهة أخرى من أجل الابتعاد قدر الإمكان عن المماحكات المنتظرة عند مناقشة الأسماء المطروحة لتولي مسؤوليات الدولة بعد التغيير المرتقب، خاصةً وان فعل التغيير قارب من تحققه الزمني وبوادر الانقسام بدت واضحة جلية بين أعضاء اللجنة.
لم تجتمع اللجنة العليا، كما قلنا، بعد ذلك التاريخ، لكن جميع أعضائها (خاصةً غير المبلغين بساعة الصفر) كانوا في حالة من الترقب المنتظر، عسى أن يرسل لهم رئيسهم قاسم إشارة بدء التحرك، لكنه حاول، عبر الدراجي، خلق الانطباع الواهم بأن موعد التغيير المرتقب قد أُجل، وإن جحفل اللواء العشرين سوف لن يقوم بالتغيير أثناء مروره ببغداد، بل سيتحرك نحو الفلوجة ومن ثم يعود أدراجه في يوم يحدد في ما بعد لتنفيذ خطة الثورة (48). بالطبع لم يقتنع أعضاء اللجنة العليا بهذه الفكرة غير المحكمة، كما أوردوها هم، وتيقنت شكوكهم في مضمونها ودوافعها، ومع هذا كانوا في حالة (انذار) ذاتي، كما صرحوا بذلك بعد رحيل قاسم، تحسباً لتنفيذ هذه الفرصة التي سوف يحققها قاسم وكتلته بما معروف عنه من اقتحام للظروف. وكانوا لا مفر لديهم من تأييد حركة قاسم. حسب قول منسوب برفعت الحاج سري. خاصةً وأن الأخير عرف من قاسم الجنابي وفتاح الشالي بالموعد المرتقب.
هنا لابد من الإشارة إلى أن الظروف الإقليمية التي حدثت آنذاك قد هيأت الفرصة التي كان ينتظرها الضباط الأحرار بفارغ الصبر، وهي حصيلة ما حدث منذ منتصف الخمسينات وتلك التي حدثت في النصف الأول من العام 1958 منها:
- قيام حلف بغداد؛
- حرب السويس؛
- إعلان الوحدة المصرية السورية؛
- الحرب الأهلية اللبنانية؛
- تشكيل الاتحاد العربي الهاشمي بين العراق والأردن ؛(49)
- اندفاع دول حلف بغداد (وخاصة العراق) لاجراء تغيرات انقلابية في سوريا.
ساعدت هذه الظروف وتوافق المصادفات، بصورة مباشرة وغير مباشرة، على تحقيق فعل التغيير يوم 14 تموز. إذ قررت الحكومة العراقية إرسال بعض القطعات العسكرية إلى الأردن بدعوى مساندتها ضد التهديد الإسرائيلي. لكن الغاية الحقيقة كانت، وبالتوافق مع المخططات البريطانية، دعم حكومة كميل شمعون في لبنان وتهديد سوريا من خلال تحشيد الوحدات العراقية على حدودهما المشتركة وعلى حدود الأردن وسورية من جهة، ولأجل دعم النظام الأردني إزاء التحركات الشعبية التي كانت تعتلج بداخلها من جهة أخرى.
لقد عرف فوستر دالاس وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك أن اتفاقاً جرى بين بريطانيا والعراق "... على تحريك وحدات من الجيش العراقي إلى الأردن، وأخرى إلى الحدود السورية العراقية، وأوضح دالاس بأن بريطانيا قد خططت لهذا التحرك لتبرهن على أن أمريكا لا يمكنها لوحدها معالجة (ثورة ناصر) في لبنان، وإن بريطانيا يمكنها إنقاذ الوضع بإستخدام الجيش العراقي لإيقاف ج.ع.م عن النشاط في لبنان والاهتمام بحدودها، ووصف دالاس هذا التصرف بأنه جنون محض وسيكون عملاً إنتحارياً مثلما حدث بالسويس، لهذا كان علي أن أتحدث بإسمه إلى العراقيين وأن أذكرهم بأن الأعتدة الأمريكية لا يمكن إستخدامها خارج العراق إلا بإذن من الحكومة الأمريكية وأن أمريكا لا توافق أبداً على منح مثل هذا الإذن في الوقت الحاضر (50)". حسب قول مدير
C.A.I في الشرق الأوسط آنذاك.
وتأسيساً على ذلك أصدرت دائرة الأركان العامة في وزارة الدفاع، وهي وزارة اتحادية، كتاباً بتاريخ 7/6/1958 يتعلق بموضوع سفر جحفل اللواء العشرين إلى الأردن تحت عنوان (عملية صقر) (51). وكانت الأوامر قد حددت يوم 3 تموز موعداً للتنفيذ ومن ثم أُجِّل التحرك إلى السابع منه ثم إلى ليلة 13/14 منه. ويبدو أن التأجيل قد لعبت فيه اصابع الضباط الأحرار لتهيأت ما أمكن من ظروف النجاح للتغيير المرتقب.
وقد سبق لذات الدائرة أن أصدرت في 25 حزيران وصايا حركات المقر العام وقد وقعها العقيد الركن عبد الوهاب الأمين، عضو اللجنة العليا ومدير الحركات وكالةً، الذي قام بالجانب التنفيذي من الخطة بما في ذلك تبديل مواعيد حركة اللواء واسلوبه بما يلائم خطة اللجنة العليا لتنفيذ التغيير المنتظر، حيث ستدخل قطعات الجحفل مجتمعةً إلى مدينة بغداد، وهذا بحد ذاته خلافاُ لقواعد التنقل. إذ قام عبد الوهاب الأمين بتحريك اللواء وهو الذي أمر أن يعطى عتاد الخط الأول وهو الذي وافق على مسيرتهم في الليل. وبدورها " أصدرت الفرقة الثالثة وصايا الحركات النهائية وحملت الرقم1 وبتاريخ 6 تموز 1958، وهي نسخة طيق الأصل لوصايا حركات المقر العام دائرة الأركان العامة..." كما " أصدر جحفل لواء العشرين أمر التنقل في 8 تموز 1958 المبني على وصايا حركات الفرقة الثالثة... (52)".


(27) الدراسة مستلة من كتاب سيصدر للمؤلف وهو بعنوان{ 14 تموز الثورة الثرية-من ماهيات سيرة عبد الكريم قاسم الكتاب الثاني – الجزء الأول}
(28) سادت اللجنة العليا ثلاثة اتجاهات فكرية رئيسية هي: الاسلامي؛ القومي (العربي) ؛ الوطني( العراقي) ذو التوجهات الديمقراطية العامة. أما اصولهم الطبقية فكان: 4 منهم من عوائل عسكرية و5 من عوائل مالكة للأراضي و4 من عوائل تجارية وواحد ابن موظف والآخر أبن نجار.راجع المصدر السابق، ص. 514. ويمكن تقسيمهم من حيث درجة الاندفاع إلى: من هو سريع الانفعال قليل الصبر مقتحم حد التهور، كبد السلام عارف والشواف ووصفي طاهر من هذه المجموعة؛ ومنهم ممن يتسم بالتروي الأكثر من اللازم كمحسن حسين الحبيب وعبد الرحمن عارف ومحمد سبع ورجب عبد المجيد؛ اما الصنف الثالث فكان أكثر حكمة في تصوراته وفي إستغلال الفرص دون تهور مثل، عبد الكريم قاسم وناجي طالب ومحي الدين عبد الحميد.
(29) أحمد الجبوري، ثورة 14 تموز والجيش العراقي، ث.ج. العدد 199-200 ص, 62. تموز 1988
(30) حامد مقصود، ثورة 14 تموز مدارات الأخوة الأعداء، ص. 261، مؤسسة موكرياني اربيل 2002. ويشير أن " الترد كان مخيماً على عقلية الضباط القادة ونرى نتيجة يأسهم وتخبطهم إنفراط منظمة القادة ..."
(31) يشار هنا إلى محاولة 11مايس 1958على وجه الخصوص بالتعاون مع ضباط شيوعيين وتقدميين. حيث إجتمع أكثر من مائة ضابط، في بيت خزعل السعدي وبيت آخر داخل معسكر ابو غريب، لكنها أًجلت بسبب تخلف عبد الغني الراوي وتخوفه، كما نعتقد، من سيطرة الضباط اليساريين على الحركة، وغياب طاهر يحيى كذلك نعمان ماهر الكنعاني الذي ظل طريقه إلى المعسكر. للمزيد راجع: حامد مصطفى مقصود، وثمينة ناجي يوسف ونزار خالد، الذاكرة التاريخية، ليث الزبيدي، وجاسم العزاوي كلها مصادر سابقة. وقد سبق لقاسم أن أمتثل إلى الإيعاز الصادر له من قادة المحاولة، بإسنادها والتهيؤ في معسكره.. أما رأي قاسم في هذه المحاولة التي قرر إسنادها رغم عدم قناعته بصواب خططها، فينقله المؤلف، عن لسان قاسم كما يلي: " أنا كنت هناك عندما قرروا القيام بالثورة.. ونصحتهم أن يتريثوا لفرصة أخرى، بسبب عدم دقة الخطة وهناك احتمال قوي بفشلها وما سيؤدي من كارثة.. ولكنهم لم يوافقوا وقرروا بإصرار على تنفيذها ..وطلبوا منا (أنا وعبد السلام) التأييد، فأيدناهم على مضض لئلا نكون سبباً في إعاقتهم لتحقيق هدفهم.. والآن ترى ما آلت إليه النتيجة. ثم وجهت الكلام له ثانيةً :( سيدي نحن قلقون على مصيرنا بسبب التأجيل وإفتضاح أمرنا)، أجابني الزعيم عبد الكريم قاسم: (لا تقلقوا فلنا عيون تراقب وعلى أعلى المستويات، لتمنع أي خبر فيه ضرر لنا من الوصول إليهم"، ص. 66، ومنذ هذا التاريخ، 12 مايس1958، تم التعاون، إن لن نقل الدمج العملي بين كتلة المنصورية والضباط التقدميين في الفرقة الثالثة، الذين كان حامد مقصود مسئولهم.
(32) ليث الزبيدي، ص. 170، مصدر سابق. علما أن الزعيم قاسم طرح في اجتماع اللجنة في 20 مايس 1958 خطة الإطاحة بالنظام الملكي اشرك فيها أغلب اعضاء اللجنة العليا " خلاصتها أن آمر قطاع الرصافة محي الدين عبد الحميد والمسؤول عن الاستيلاء على معسكر الرشيد رجب عبد المجيد. أما قاطع الكرخ فآمره محسن حسين والمسؤول عن الهجوم على قصر الرحاب عبد الوهاب الشواف وأن ناجي طالب وعبد الوهاب أمين مسؤولان عن الاستيلاء على وزارة الدفاع..." الذاكرة التاريخية، ص. 54، مصدر سابق. لكن لم يتم الموافقة عليها وقيل لأسباب فنية عسكرية بحته. لكني أعتقد إن السبب الأرأس يكمن في قيادة قاسم للمحاولة وهذا ما ذكرته الخطه صراحةً من أن القائد العام للقوات المسلحة هو عبد الكريم قاسم ومعاونه عبد السلام عارف، مما أثار حفيظة وأنوية الآخرين، إذ قالوا:" ولكن شكوكنا بعد هذا الاجتماع كادت ان تصبح يقيناً من ان عبد الكريم قاسم وعبد السلام يديران شيئاً بينهما ومن وراء ظهر اللجنة "ص. 55 ذات المصدر.
(33) على سبيل المثال، اتهم رجب عبد المجيد كل من خليل إبراهيم الجبوري وإسماعيل علي، فقال إنهما: " يابه هذولة مشبوهين، ومع الأسف أقول هذا الكلام ولكن هذا التاريخ ينبغي قوله وهو ما سمعته ولا أعلم هل هو صحيح أم كذب وهؤلاء لا يمكن اعتبارهم من العناصر الوطنية في الجيش" الذاكرة التاريخية، ص. 147. علما بأنهما من أوائل الضباط الأحرار ومؤسسيها وهما من التنظيمات الديمقراطية ولهما دور فيها حتى قبل انضمام رجب نفسه للحركة.للمزيد راجع كتابنا الأول، من ماهيات السيرة، صص. 437-458،كذلك جرجيس فتح الله ، العراق في عهد قاسم، ج.2. كلها مصادر سابقة.
(34) عامر عبد الله، خواطر وذكريات، ص.31، الثقافة الجديدة ، العدد 144، تموز 1983. والجدير بالذكر إن هذا الإسناد كان متفق عليه بين كل كتل الضباط الأحرار, وهذا يوضح مدى التضامن بينهم رغم إختلافات الرؤى، [ لأنهم في مركب واحد] كما نرى.
(35) المصدر السابق، ص. 20.
(36) إسماعيل العارف، أسرار ثورة 14 تموز ، ص.169، مصدر سابق..
(37) حامد مقصود، ص. 75, مصدر سابق. ويشير المؤلف في ص. 84، إلى ان فكرة المسيرات الليلية التي طبقها قاسم قد شكلت، إحدى الوسائل لقلب نظام الحكم، إذ سبق وإن حاول بمعية عارف من القيام بمسيرة ليلة نحو بعقوبة ليلة 22 حزيران ومن ثم يتوجه باللواء 19 تتبعه وحدة عبد السلام لإحتلال بغداد. (وقيل بعد رحيل قاسم، أن وحدة عارف تتوجه إلى بغداد ويتبعه اللواء 19)، الذاكرة التاريخية، ص. 153، لكنه أجلها بعدما تسريب إشاعات عن غرض المسيرة ووصول أنبائها الى الجهات العليا، مما اضطره الى التخلي عن القيام بها. أنظر ليث الزبيدي، ثورة 14 تموز، ص. 169. أميل إلى أن الإشاعات لم تكن عفوية، بل (ربما) صدرت عمداً من بعض الضباط لعدم تمكين قاسم وكتلته من الإنفراد في تحقيق فعل التغيير.
(38) كتب الضباط المتقاعد عبد الحميد العباسي، ردا على على بعض التشويهات منها ماجاء في القدس العربي في لندن العدد 5195 في 16/2/2006الصفحة 17 من اوراق حازم جواد يقول: " كل الشواهد والدلائل.. تشهد ان عبد الكريم قاسم، كان لا يزال موجودا في مقر لوائه.. يستمع لصوت عبد السلام بذيع بيان الثورة . وفي ذلك مغالطات.اقول شاءت الاقدار ان اكون في قلب الحدث ولست فاعلا فيه وعلي مقربة، بل علي تماس مع الزعيم في الايام والساعات القليلة التي سبقت اعلان الثورة في 14 تموز (يوليو) كان الزعيم ولأيام قبل الثورة ورغم ما عرف عنه من شدة الكتمان، كان يفكر بصوت مسموع لا يخطئه ذوو الالباب.ان من راقب فعاليات الزعيم ومن التقاهم، من شخوص الثورة، في نهار 13 تموز (يوليو) يجد ان عبد الكريم فجر الثورة في 13 تموز (يوليو) وأذاع بيانها الاول عبد السلام في 14 تموز (يوليو). شارك في تفجير الثورة اشاوس من ضباط جيش العراق كثيرون وسوف يتكلم، من لم يتكلم منهم، يوما ما. هذا لا يقلل من اقدام عبد السلام وشجاعته ووطنيته. كان لواء عبد الكريم (19)، جاهزا ويتحرك منذ فجر 14 تموز (يوليو) في تمرين اعده الجيش ولكنه استدار نحو بغداد (عند ملتقي شارع المعسكر بالشارع العام) في مخطط الثورة الذي اعده الزعيم ليحسم الموقف ان لزم. وان ما قام به اللواء العشرون كان جزءا من مخطط الثورة، بحكم مرور اللواء في بغداد وليس بمبادرة شخصية من عبد السلام. هذا ما لزم ذكره في هذه الفسحة. ".
(39) جاسم العزاوي، ثورة 14 تموز، ص.115، مصدر سابق
(40) لكن أكثر الدلائل تشير إلى أن خطة الثورة وضعت من قبل عبد الكريم قاسم الذي (ربما) أمتزج رأي المقربين منه. يذكر ليث الزبيدي, ص. 131، أن " خطة الثورة تم وضعها من قبل ثلاثة ضباط هم عبد الكريم قاسم والعقيد الركن عبد السلام عارف والعقيد عبد اللطيف الدراجي" في حين يذكر في ص. 182" كانت الخطة التي وضعها عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف للقيام بالحركة ". لكني اعتقد جازماً "... وبنتيجة التأمل والتدقيق... فالثورة في العراق كانت حتى في مراحلها التحضيرية من عمل شخص واحد وقد نفذها قاسم مع العقيد عبد السلام عارف معاونه الشخصي الموثوق به "اوريل دان، ج.1، ص. 32،. ويشير حامد مقصود إلى كون الزعيم قاسم قد أطلعه على خطة الثورة التي " أخرجها من جيب قميصه الصيفي الأيسر وقال: ( شوف حامد ما بداخل الأوراق) وعندما فتحتها وجدت العجب.. الخطة العسكرية لإسقاط النظام الملكي مع الأرتال والبلاغات وقوائم التعينات وقوائم الإحالة على المعاش وما إلى ذلك من متطلبات القيادة التي ستغير النظام السابق، بما فيهم الأدلاء", ثورة 14 تموز، ص. 68، مصادر سابقة. ويبدو من الدلائل المتوفرة أن الزعيم قاسم سبق وأن تداول مع القريبين منه فكرياً في اللجنة العليا مثل محي الدين عبد الحميد " بشأن نص البيان الذي اطلع على مسودته بخط قاسم نفسه، فنصحه محي الدين بأن يعرض النص على المنظمة المركزية للضباط الأحرار. إلا أن عبد الكريم قاسم فكر في أنه لو فعل ذلك فأنه سيؤدي إلى إختلاف في الرأي مما جعله لا يستشير غير القليلين، بينهم عبد السلام عارف، وقال محي الدين في رسالته بأنه لفت نظر عبد الكريم قاسم إلى تعبير جمهورية الشعب وهو تعبير مأخوذ من البلاد الاشتراكية، وفي استعماله ما قد يشير شكوك الغرب في ما يتعلق بإهداف الثورة، إلا أن عبد الكريم قاسم لم ير في استعمال هذا التعبير أي ضرر ". مستل من د. مجيد خدوري، العراق الجمهوري، ص. 86، مصدر سابق.
(41) كانت مساهمة الضباط واليساريين غير منظمة، إذ لم يُبلغ الكافة بالموعد رغم تبلغ الحزب الشيوعي بذلك إذ " كادت أن تقع كارثة تحول دون قيام الثورة أساساً. ويتخلص الأمر في أن الصدف شاءت أن يُلقى القبض على حكمان فارس الربيعي، المرشح للجنة المركزية للحزب وأحد المسؤولين عن تنظيمات الحزب في المجال العسكري في يوم 12 تموز، فإنهار وأدلى بإعترافات خطيرة كان من نتائجها أن اعتقل الرئيس فاضل البياتي أبرز الشيوعيين العسكريين الناشطين في ميدان العمل الحزبي في الجيش وكذلك حمزة سلمان المحامي، المرشح للجنة المركزية وأحد المسؤولين البارزين في مجال العمل في الجيش. وكان كلاهما قد بُلغ بالحدث القادم وكانا يعملان على تبليغ المنظمات العسكرية التي ينشطون فيها بتوجيه الحزب، إلا أنهما صمدا رغم التعذيب الفظّ وإحتفظا بسر الثورة وفوتا الفرصة على أجهزة الأمن الملكي لاكتشاف ما كان يًدبَّر حتى أنقضى اليومان وانفجرت الثورة. بيد أن اعتقالهما أوقف حركة تبليغات الشيوعيين العسكريين الذين يرتبطون بهما وبالتالي قلل هذا من مساهمة العديدين من الضباط والمراتب، وتحركوا فقط حين إستمعوا إلى بيان الثورة من الاذاعة. وقد اسهم الشيوعيون العسكريون ولا سيما الضباط منهم بكل ما يملكون من قوة لدعم الثورة وفي بعض المواقع كان لهم دور متميز وحاسم". عزيز سباهي، عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي في ثلاثة أجزاء، ج.2، ص. 276، منشورات الثقافة الجديدة، دمشق –بغداد 2003-2005.
(42) بطاطو، الجزء 3، ص. 108، مصدر سابق. لكن الباحث ليث الزبيدي ص. 179، واستناداً إلى أقوال بعض ضباط الأحرار، يشير إلى أن الاجتماع كان في يوم الخميس المصادف 1مايس 1958, حيث أصر عارف على قيام الحركة يوم السبت المصادف 3 مايس. لكن السؤال الذي يطرح هل ان تصرف عارف كان بالاتفاق مع قاسم أم أنه كان يتصرف بما تمليه عليه عواطفه وهو المعروف بأنه "من يرغب بالعمل بشكل انتحاري"، حسب قول صبيح علي غالب في مذكراته، ص. 65، مصدر سابق. وهل هنالك من مقومات فنية لتنفيذ وعده؟ أم أن عارف استند إلى خطة قاسم في استغلال المسيرات الليلة للواءه حتى بعقوبة ومن ثم الانقضاض على بغداد ؟ خاصةً وأنه لم يتقرر آنذاك موضوع سفر اللواء العشرين إلى الأردن.
(43) حسب قول ناجي طالب، مستل من مذكرات صبيح علي غالب، ، قصة ثورة 14 تموز والضباط الأحرار، ص. 65، دار الطليعة بيروت 1968.
(44) ويقول د. فاضل حسين، إستناداً لمخطوطة مذكرات رجب :" ولكن عبد الكريم قاسم أنفجر غاضباً وإتهم رجباً بإتهامات باطلة وهي 1- كان رجب سبباً في مقاطعة عبد السلام حضور اجتماعات اللجنة العليا، 2- أنه أبعد وصفي طاهر عن اللجنة العليا،3- حاول إبعاد محمد سبع وبعض الضباط الأخرين، 4- فرق وحدة صف الضباط الأحرار... إستنكر جميع الأعضاء الحاضرين إتهامات عبد الكريم وأثبتوا بطلانها". سقوط النظام الملكي ص. 73، مصدر سابق. لكننا لم نعثر على مصدر محايد يؤيد ما ذهب إليه رجب من كون الحاضرين أستنكروا رأي قاسم به، سوى أنهم بذلوا " كل محاولات التهدئة والتوفيق " ولم يفلحوا بذلك، حسب شهادة ناجي طالب، في الموسوعة، ج. 6، ص. 311، مصدر سابق.
(45) كان الحاضرون كل من: عبد الكريم قاسم وناجي طالب ومحي الدين عبد الحميد وعبد الوهاب الأمين وعبد الوهاب الشواف وطاهر يحيى ومحمد سبع. وهم 7 من أصل 15 عضو في اللجنة العليا.
(46) بطاطو، ج.3، ص. 108-109. ويتضح من قول رجب عبد المجيد، عدم الارتياح من قاسم والتنافس معه على قيادة فعل التغيير المرتقب، والمشادة التي حدثت بينهما أدت إلى تلك القطيعة في العلاقات وما القول أعلاه وغيره لرجب فأنه مستوحى من ذلك الظرف وزمنيته. ويشير ناجي طالب إلى ان الشخص لم يكن مجهول إذ " تبين لنا أن الطارق هو فاضل عباس المهداوي" الذاكرة، ص. 156. في حين يروي عبد الكريم الجدة مبررات التأجيل بشكل آخر، يقول:" وبعد ذلك، وقبل عشرة أيام من يوم الثورة، بلغني ممن أثق بهم بأن دوائر الأمن والاستخبارات العسكرية جادة بمراقبة الزعيم عبد الكريم ومراقبة داره، وحتى تلفونه، وقبل أن أتصل به وأخبره بذلك صادفت العقيد فاضل عباس المهداوي وكان يوم جمعة، فذكرت له ما يدور من الشائعات حول الزعيم وطلبت أن يخبره بها وفي المراقبة التي اتخذت تجاهه، فاتصل به العقيد المهداوي في داره، فوجده مجتمعا ببعض الضباط لأحرار، ولما أعلمه بما كنت قد بينته له، أبدى عدم الاكتراث واستأنف بعض الأحاديث مع ضباطه ثم أمر بفض الاجتماع ". الزعيم المنقذ، ص.30، مطبعة البرهان، بغداد 1960. ويشير إسماعيل العارف في مذكراته " أن العقيد عبد الكريم الجدة علم من أخيه المقدم عبد الرزاق الجدة الذي كان مرافقاً لنوري السعيد في ذلك الوقت", ص. 171. لكن يُنسب ليث الزبيدي في هامش ص. 178، إلى ناجي طالب، أن نهاية الاجتماع كانت مرتبة من قبل عبد الكريم قاسم؟! كلها مصادر سابقة.
(47) خليل إبراهيم حسين، الموسوعة، ج.6، ص. 312, و320 مصدر سابق.
(48) طرح هذا الرأي من قبل مناوئ قاسم بعد رحيله، لكني أحتمل إن ما قاله الدراجي فيه شيء من الصحة لأن قاسم ربما لم يكن متأكداً من أن السيطرة على اللواء 20 ستتم بتلك السهولة التي تمت وأقترنة بالجرأة والمصادفة الحسنة، فوضع خطة رديفة تكمن في إحتمال أن السيطرة ستتم في الفلوجة عندما يعسكر اللواء للراحة ومن ثم يعود أدراجه إلى بغداد ويدخلها من الغرب. وفي الوقت نفسه سيكون اللواء19 قد وصل إلى بغداد من الشرق لتطوق المراكز الحساسة فيها ويسيطر عليها الوضع. إن هذا الإحتمال مستنتج من دراستي لنفسية وسلوكية قاسم الذي كان يحتاط إلى أكثر الأمور مهما صغرت وخاصة عندما تخص أرواح بشر، ما بالك بالحركة برمتها وبقواها المنفذة؟! وهذا هو ديدنه قبل وبعد استلام المسؤولية الأولى في الدولة.
(49) تقول وزارة الخارجية البريطانية أن " البديل المؤثر الوحيد للناصرية في الوقت الحاضر هو الاتحاد العربي الذي يضم العراق والأردن. ومن الضروري أن نعمل كل شيء ممكن لضمان نجاح هذا الاتحاد في المستقبل القريب. وهذه هي الطريقة الوحيدة لدحر تأثير جمهورية عبد الناصر العربية في أقطار العالم العربي ". مستل من العراق في الوثائق البريطانية، ج.1، ص. 9، مصدر سابق.
(50) ولبركرين إيفلاند، حبال من رمل. ت. سهيل زكار،ط.2، دار طلاس، دمشق 1985.ص.519. ويقول في ص.531 " ولسوء الحظ كان الزعيم غازي الداغستاني نائماً أيضاً... كم هو مدهش وغريب أن يكون غازي واحداً من ضحايا عملية (الانتشار) التي ساعده البريطانيون على التخطيط لها... وحيث أن الداغستاني كان هو ضابط الإتصال العراقي بالمخابرات البريطانية كان من المفترض أن يرافق الملك وولي العهد ونوري السعيد إلى الجلسة الطارئة لحلف بغداد...". ويشير المؤلف إلى أن الداغستاني "... إعترف بدور العراق بخطط المخابرات البريطانية وخاصةً خطة الانتشار، وعلل الداغستاني إتصالاته بالدكتاتور السوري السابق أديب الشيشكلي وليان وأنه بذلك تحكم بخطط نوري السعيد وأعاقه عن ضم سورية بالقوة...".
(51) الموسوعة،ج.6، ص. 313. يحاول الكاتب عبد الجبار العمر، التشكيك بثورة 14 تموز من خلال طرح تساؤل يتمحور في الاستفهام: " هل حاول العهد الملكي تفجير ثورة بيضاء في تموز 1958 فارتدت عليه حمراء قانية؟ والذي أثار عندي هذا السؤال غير المألوف هو: " أن خطة حركة صقر هي التي ضمنت انتصار الثورة على يد اللواء العشرين وعبد السلام عارف".الكبار الثلاثة، ثورة 14 تموز في 14 ساعة، ص . 4، دار النشر بلا، مطابع دار الشؤون الثقافية بغداد 1990. يحاول المؤلف الخلط بين الإجراءات الفنية للوحدات العسكرية التي تقوم بها وزارة الدفاع وخطط التكتل الغائي لحركة الضباط الأحرار الذين حاولوا قبل ذلك استغلال أية فرصة للإطاحة بالنظام الملكي. إذ كان بمقدور قاسم عبر المسيرات الليلية القفز إلى بغداد، وهذا ما اتوقعه لو تأجلت الحركة في 14 تموز! هذا من جهة، ومن جهة أخرى لم تدلل الوقائع على أن النظام الملكي حاول تغيير بعض من مساراته أو/و إعادة تجديد وإنتاج نخبته القيادية عبر الانقلابية العسكرية الخطيرة والمجازفة، بتهور، بالنظام برمته من أجل تحقيق شيء جزئي؟ وهذه العملية خارج مألوف المنطق العلمي، ومن جهة ثالثة حاول النظام الملكي منذ فشل حركة مايس التحررية 1941، إبعاد الجيش عن صراعات نخبة الحكم أو في مواجهة الانتفاضات الشعبية والاستعاضة عنه بالقوة السيارة للشرطة.
(52) خليل إبراهيم حسين، الموسوعة،ج.6، ص. 319، مصدر سابق. علما بأن الفرقة الثالثة كانت تتكون آنذاك من ثلاثة ألوية هي19،20 و21. وكل لواء يتكون من 3 أفواج .


يتبع
 

¤ الجزء الأول

 

free web counter

 

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس