|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  7  / 1 / 2006                                 يوسف أبو الفوز                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

أوراق عائلية ـ 3

أنا وزوجتي والكلاب

يوسف أبو الفوز
(موقع الناس)

بدلا من الاهداء :

لكل القراء الاعزاء ـ والزوجات الطيبات خصوصا ـ اود القول ، ان تأخير نشر النص ، لم يكن مخططا له ، وربما هناك شئ ما ـ قوة خفية ـ جعلت موعد نشر النص يكون مع حلول العام 2006 ، الذي يقول التقويم الشرقي (الصيني والياباني ) انه "عام الكلب " ، والذي ـ ويا للمفارقة ـ تبين ان زوجتي وقبل حفنة من السنين ـ لا اجرؤ على ذكرها ـ ولدت في عام كان هو ايضا " عام الكلب " ، لذا اود التنبيه .

سماوة القطب
الساعة الاخيرة من عام 2005

***
ـ اذهب أو لا اذهب ؟
هكذا ، ومرة واحدة ، وجدت نفسي أمام جبروت وبهاء الكاتب العظيم وليام شكسبير، الذي لا اعرف كيف لم يعمم " القومجيون " العرب رسميا نظرية كونه عربي واسمه الحقيقي " شيخ زبير" ، ولأردد معه ـ شكسبير وليس غيره ! ـ وبصوت عال ، سؤالا مقتبسا من روح سؤاله الاشهر" اكون او لا اكون " ، الذي تردد كثيرا على لسان ملوك جبابرة وناس بسطاء تحددت مصائرهم بهذا الشكل او ذاك في مدارات جواب هذا السؤال !
من جانبي رددت السؤال بطريقة تلائم تلك المواقف التي طالما وضعتني فيها زوجتي ، التي طالما جعلتني اكز على اسناني فأشعر باختفاء اخر الشعرات السوداء حول صلعتي . ها اني أترك الحافلة الثانية ، الذاهبة الى مركز العاصمة ، تمر دون ان أرفع ذراعي لإيقافها . ولان احدا لم ينزل من الحافلة ، فأنها مرت دون ان تتوقف في موقف الحافلات الملاصق للعمارة حيث أقيم ، في طابقها الثاني ، منذ سنين طويلة ، بعد حلولي في هذا البلد لاجئا لاسباب انسانية رغم ان ملفي السياسي يصلح ليستخلص منه "شيخ زبير" تراجيديات تشيب لها القلوب . وها اني في هذا الطقس القطبي الشمالي ، الذي تتجمد فيه حتى الكلمات ، أجد نفسي أندفع الى موقف الحافلات غاضبا ، وانا اردد :
ـ اذهب او لا اذهب ؟
احب زوجتي بشكل عميق ـ وحق رب العالمين ـ وكل يوم يزداد تعلقي بها ، ففي كل مرة أكتشف فيها أشياء تزيد من إعجابي بها . من الأيام الأولى لتعارفنا لفتت انتباهي بتمسكها بمواقفها المبدئية ، ويوما بعد يوم عرفت ان هذا اكتسبته من والدها الشهيد ، الذي دفع حياته ثمنا لثباته على مبادئه في نضاله من اجل حياة حرة كريمة للناس ، وكفاحه ضد نظام ديكتاتوري سلب الناس حتى حقهم في الحياة . بعد سنين من زواجنا ، اكتشفت ان مبدئية زوجتي ، التي أفخر بها ، ويحسدني عليها أصحابي ومعارفي ، اكتشفت ـ انا الزوج المحب ـ ان هذه المبدئية كثيرا ما رمتني في مواقف لا مناص من القول انها ورطة بشكل ما ، تصلح لكوميديا موليرية ناشفة ، تماما مثل ورطتي هذه المرة وانا في موقف الحافلات ، أرتجف من البرد ، رغم كل الثياب التي أرتديها ، التي حرصت زوجتي بنفسها على اختيارها هذا اليوم لتكون دافئة وانيقة في الوقت ذاته ، فهذه ليلة غير عادية ، وأنا ذاهب ـ هذا اذا ذهبت ـ الى مكان تتعلق فيه أنظار الحاضرين ـ هكذا تعتقد زوجتي ـ بمظهر كل من يحضر اكثر من اي شئ اخر ، وهذا واحد من الأشياء التي جعلتني أردد بصوت عال وأنا أحرك اقدامي المتجمدة باضطراب :
ـ اذهب او لا اذهب !
يوما بعد اخر ، كانت زوجتي تأسرني بردود فعلها ، وتصرفها الهادئ ، خاصة حين افاجأها بأشياء غير متوقعه لها تبرز في شخصيتي . مثلا عصبيتي المفاجئة ، التي تتجاوز احيانا حدودها وتجعلني أتصرف ، بعد عودتي الى نفسي ، بشكل يثير حزني اكثر من ندمي . كانت زوجتي بشخصيتها الطيبة والدمثة دائما تجد حلولا صائبة لمساعدتي للخروج من حرجي وحزني وندمي دون ان تجعلني أشعر بالذنب ، فروح التسامح عندها تأسرني اكثر من أي شئ اخر . ولكنها اليوم فاجأتني بأنها شئ اخر تماما ، انسانة مختلفة ، لا تسامح ، ولا هدوء ، ولا دماثة ، ولا كل تلك الاشياء الناعمة التي عودتني عليها . كانت قاسية مثل صخرة ، باردة مثل شفرة ، عيناها تلمعان بالغضب بدل الحب ، وشفتاها ترتجفان ، وهي تقول لي وبثقة بالنفس تعودتها منها :
ــ روح اضرب رأسك بالحائط ، افعل ما تشاء ، فلن اغير من موقفي ابدا !
وهذا جعلني أغضب جدا ، فأنا رجل شرقي ، ودماء اجدادي ـ بدو الصحراء ـ لا تزال تسري في عروقي حارة ـ رغم كل صقيع القطب ـ ، ولتدارك الموقف ، وخوف ان تفلت اعصابي بشكل يفسد اشياء كثيرة ، وبحكم وجود صديقتنا المقربة عواطف وزوجها خليل ، الذين هبطا علينا فجاة وكانا عاملا حاسما في تصعيد موقف زوجتي وافساد كل شئ ، اختطفت معطفي غاضبا ، وركضت الى موقف الحافلات ، ولكني وقبل ان أصل الموقف ، وقفت أزرر معطفي ، وأقلب كل ما قيل لأجد نفسي اردد بحيرة حقيقية :
ـ اذهب او لا اذهب ؟
وأقول لنفسي بصوت مسموع :
ـ الا ترى يا هذا ، انت ايها الرجل الغاضب دوما والشاتم لكل شئ ، ان زوجتك ، حبيبتك ، صديقتك ، تبدو على حق فيما تقول ؟ وهل كانت بحاجة لمجئ عواطف وخليل لتقف هذا الموقف ؟ وأليس من الحكمة ان تعلن لك موقفها الرافض في بيتها بدلا من تعلنه بين الناس وتضعك في حيص بيص ؟
واردت الصراخ :
ـ من اين ظهرت لي عواطف ؟
من نافذة الشباك ، كنت ارى عيون تراقب حيرتي وقلقي وانا اتحرك في موقف الحافلة . لم تكون سوى عيون جارتي العجوز المتقاعدة ، لكني حاولت اقناع نفسي بقولي :
ـ ما لي وما لجارتي الان !
وفكرت ان الاهم هو الخروج من حيرة سؤال :
ـ اذهب او لا اذهب ؟
ولاضع حلا لحيرتي ، رحت استعرض وبشكل سريع سبب كل المشكلة ، الا وهو علاقة زوجتي بالكلاب . القضية التي صدمتني في شخصية زوجتي منذ الاسابيع الاولى لوصولها هذه البلاد لتقاسمني عذاب المنفى ، وطالما ادخلتني في مواقف محرجة مع اصدقائي من اهل البلد ، بحيث ان بعضهم ، ومن اجل ضمان حضورنا ، وحتى لا نبحث عن عذر ساذج نعتبره ذكيا وهو مكشوف لهم ـ مثلما فعلنا عدة مرات ـ صاروا يضيفون عبارات خاصة في دعواتهم ، شفاهيا او كتابة ، مثلا عبارة تقول :
ـ ارسلنا " ويسكي " الى مكان اخر.
وما "ويسكي" الا كلب اسود ، بول دوغ Bulldog ، طالما اثار انتباهي اهتمام صاحبه به وطريقته في مبادلته الحديث وكأنه انسان عاقل ، وحدث ونحن في حفل انتقال احد الاصدقاء الى بيت جديد ، اقترب " ويسكي " ـ الذي كان مدعوا مثلنا الى الحفل مع صاحبه ـ من زوجتي يتشمم طرف ثوبها ، فاطلقت صرخة افزعت الحضور ، وكادت ان تقلب الطاولة القريبة ، واربكتني بحيث ضاع عليّ عدد كؤوس النبيذ التي شربتها مداريا خجلي . وعبثا حاولت علاج خوف زوجتي من الكلاب ، والتي كانت تكرر بأصرار:
ـ لا تتعب نفسك يا حبيبي ، الامر يسري في دمائي منذ طفولتي ، يكاد يكون وراثيا في عائلتنا : لا صحبة لنا مع الكلاب !
صرت ادرك ان الموقف السلبي من الكلاب عند زوجتي لا يعود لاسباب دينية كما ظننت اول الامر ، فانا اعرف رأي الأديان في الكلب التي تعتبره من الحيوانات النجسة :
ـ ... ، يلحس الدم المسفوك ، وينهش لحوم الأموات ، ويهاجم الناس ، ويطلق اسمه على أتباع الشهوات والناكثين توبتهم في العودة إلى الخطايا والكذابين .
ـ ... ، وفي القرآن الكريم ورد ذكره في سورة الأعراف في القول الكريم "مثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث لك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا " وذاك للتشبيه بالوضاعة والخسة والكذب .
موقف زوجتي السلبي من الكلاب يأتي لاسباب خاصة بها ، ربما نفسية ، وربما اسباب اخرى لست مدركا لها . ولكم ان تقدروا حجم مشكلتي ، ونحن نعيش في وسط اجتماعي ، يعدون الكلب فيه من افراد العائلة .
حين سألت مرة جارتنا العجوز المتقاعدة ، عن عدد افراد اسرتها ، قالت ببساطة بينت لي سذاجة سؤالي وسخافته :
ـ نحن اربعة . انا و"شيرما " وزوجي وابنتي !
ولم تكن " شيرما " ، التي قدمتها على الجميع ، سوى كلبة ، ذئبية الطراز ، بأذنين منتصبتين دائما ، وذيل مثني على الظهر دائما يشبه الريش . حين صادفتنا جارتنا العجوزة عند سلم العمارة مع كلبتها ، هربت زوجتي مع كثير من الفوضى ، واذ رحت اداري الموقف بكثير من المجاملات ، توفرت الفرصة لجارتي المتقاعدة لتشرح لي ودون توقف ، صلة كلبتها مع كلاب " الهكسي " القطبية المهجنة ، التي يقال لولاها لانقرض جنس الاسكيمو ، والتي تمتد جذورها العائلية الى الذئب القطبي ، وطلبت جارتنا مني ـ بتهذيب كبير ـ مراقبة نباح كلبتها لارى كيف انه قريب من عواء الذئب . وفي كل لقاء ، كانت جارتنا تحكي لي قصصا عجيبة وغريبة عن كلبتها ، وكيف انها مرة انقذت في احد الليالي ابنتها الصبية ، من رجل سكير، مشبوه ، اراد سرقة حقيبة ابنتها ، وربما نوى اشياء اخرى . انا اصدق جارتنا الطيبة تماما ، مهما بالغت في الحديث عن كلبتها ، وكنت فرحا بحكاياتها للاستفادة منها كاسلوب علاجي ، تنفيذا لنصيحة صديق طبيب ، يعتقد نفسه خبير كلبي . وهكذا رحت اروي كل ذلك لزوجتي ومعه قصصا طريفة ومواقف مختلفة عن الكلاب ووفاءها وشجاعتها وذكائها . لم اتعب في ذلك كثيرا ، ففي المكتبة العامة للمدينة عثرت على عدة مجلات متخصصة بأنواع الكلاب . لم استعر المجلات المختصة بطعام الكلاب ، ولا المختصة بعلم نفس الكلاب ، ولكني وجدت في المجلات المصورة ، التي تتحدث عن رياضة الكلاب ، فرصة لاريها لزوجتي ، ولاقرأ لها قصة كل كلب والاوسمة التي حصل عليها . اما غنيمتي الكبرى ، فكانت مجلة اخبار الكلاب البوليسية ، التي تحوي قصصا تفوق قصص " جيمس بوند " ، حول ذكاء الكلاب البوليسية في اقتفائها لاثار المجرمين ومساهمتها في حل الغاز الجرائم . وفي مشاويرنا الى السوبر ماركت للتبضع ، كنت عامدا ادور بزوجتي عند قسم اغذية الكلاب ، لتلاحظ كيف انها في هذه البلاد مخلوقات تشاركنا حياتنا واسواقنا وحتى افكارنا . واطلعتها على خبر افتتاح فضائية تلفزيونية ، في احدى الدول المتمدنة ، مخصصة للكلاب والقطط ، تقدم برامج التسلية والترفيه وربما التعليم لهذه الفئة من الحيوانات الاليفة لادخال البهجة الى قلوبهم . ورغم كل محاولاتي وجهودي ، لم اجد ولا اسلوب مناسب استطاع مساعدتي في حل مشكلتي ، التي وصلت بي الى حد سؤال :
ـ اذهب او لا اذهب ؟
جمعت لزوجتي وحكيت لها قصصا ، لم تفكر بها شهرزاد ولا عبد الله ابن المقفع . حكيت لها عن محبة الناس للكلاب ، وكيف ان الصحف نقلت بالتفاصيل حكاية الكلب المسكين " ديوي " الذي قامت امرأة بعد ربطه باحكام ، باغراقه في حوض حمام المنزل ، وقتلته من شدة غيرتها لاهتمام خطيبها بالكلب وتفضيله عليها احيانا . لكن زوجتي ، التي يبدو فهمت دوافعي ، برطمت بأستخفاف بكل تفاصيل الحكاية ، التي حرصت على تقديمها ساخنة موشاة بكثير من بهارات التشويق . ولجأت الى كتب التراث ، وانا اعتبر نفسي اقترب من روح زوجتي ، التي لا تمل تكرار تمسكها بشرقيتها . واستعرت من صديق محب للقراءة كتاب " فضل الكلاب على كثير ممَنْ لبس الثياب " لأبي بكر محمد بن خلف بن المرزبان ، ورحت اقرا لها بصوت عال وابين فضل الكلاب الأخلاقي نسبة إلى أخلاق البشر ، من قليلي الوفاء وفاقدي الكرامة ، مَنْ لم يحفظوا أمانة الأصحاب ولم يستجيبوا للأصدقاء وقت الحاجة ، ولم يجد فيهم المروءة مثلما نجدها عند الكلاب . وحاولت ان ابين لها كيف ان الانسان تاريخيا لا يمكن ان يستغني عن الكلب ، وبعض وظائفه المعروفة ، مثل الحراسة والصيد ، ففي القران ورد في سورة "الكهف": "وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد"، وفي صورة "المائدة" : "وما علمتم من الجوارح مكلبين" ، أي ما تصيده الكلاب . ولكن كلامي كله كان يطير مع الهواء . لم تقتنع زوجتي بكون الكلب المهان حاليا كان يوماً من الأيام طوطماً يعبده البشر، ولكنه انتقل في ذهنية الناس من التقديس إلى التدنيس . وكان علي ان اتعايش مع موقف زوجتي السلبي من الكلاب ، وابحث عن سبل لتسهيل حياتنا اليومية ، وكان يزعجني جدا اني صرت رغما عني اعمل بوابا في شقتنا ، اذ كلما تريد زوجتي المغادرة الى العمل ، علي ان افحص سلم العمارة خوف ان تكون " شيرما" او "نيمو " ، او " فنك " هناك ، ولم يعد جيراننا يصدقون قولي ان لدى زوجتي نوع من الحساسية ، فصاحب الحساسية لا يطلق صرخات الخوف عند اقتراب الكلب منه . وهاهي عواطف وزوجها خليل ، يصلون في غير الوقت المناسب تماما ، ولتنطلق احتجاجات زوجتي بوجهي بغضب حاد ، مغلف بكلمات ناعمة ، وتصلني مثل الرصاص :
ـ حبيبي ، يا بعد عيني ، كيف تريد توريطي بمثل هذه الزيارة ؟
ولم اكن اعرف ان عواطف ستصل فجأة ، لتستعير منا قوالب " الكليجة " ، لو عرفت مسبقا لكنت فعلت شيئا ما وعرقلت زيارتها بشكل ما ، فبعد حديث هاتفي سريع مع زوجتي ، قالت عواطف انها سـتأتي لدقائق فقط ومن عند الباب . وجاءت عواطف بسيارة زوجها ، الذي من واجب الصداقة نزل ليلقي التحية . ولاننا اصدقاء حميمين جدا ، فقد الححت بنفسي ، ومن واجب اللياقة ، على ان يتناولوا فنجان قهوة او شاي بشكل سريع ، ويغادرونا على مزاجهم ، فنحن على كل حال سنغادر بعد اكتمال استعداداتنا . وبدأ الامر ـ الكارثة ـ مع سؤال برئ اطلقه خليل بكل هدوء ، حتى قبل ان تلامس عجيزته ظهر الكرسي في صالة شقتنا الصغيرة :
ـ الى اين كل هذه الاستعدادات ؟
وكنا نجهز انفسنا للخروج ، وكنت احسب ان ذلك امر يخصني وزوجتي فقط . كانت زوجتي قد قررت ان ارتدي بدلتي الشتوية القاتمة اللون ، واصرت ان اضع ربطة العنق الجديدة . اختارت لنفسها بدلة سهرة تتناسب مع لون بدلتي ، وكانت محتارة شيئا ما في نوع حقيبة اليد ، لذا كان وصول عواطف منقذا لها . وبنفس براءة سؤال خليل ، اخبرته باننا سنحضر حفل زواج احد المعارف من الاخوة العراقيين ، وهنا برز السؤال الثاني من عواطف وكـأنها توزع الادوار مع زوجها :
ـ ومن صاحب الحظ السعيد ؟
وما ان سمعت عواطف بالاسم ، حتى انتفضت ، وارتفع حاجبيها الى فوق ، واتسعت عينيها ، وانتصبت واقفة لتصيح بنا :
ـ وما علاقتكم بهذا الكلب ؟
ومع سؤال عواطف وترددي في الجواب ، بدات الامور تاخذ طابعا دراماتيكيا ، لم اكن انتظره ولا اتوقعه ابدا . ولا اراديا فككت ربطة العنق ، لان يدي زوجتي تجمدتا في الهواء ، وكاد يسقط من يدها ابريق الشاي ، وهي تسمع كلمة : " الكلب " . وسألت زوجتي بسرعة ، وبصوت مرتجف ، وقوي :
ـ كلب ... لماذا ؟
تبرع خليل ، تعاونه عواطف ، لنبش كل تاريخ العريس وعائلته ، امام زوجتي التي كانت ترميني بنظرات اتهام قاتلة وهي تتهمني بأخفاء كل ذلك عنها . كنت اريد اقناعها بكوني مجبرا ومتورط لقبول الدعوة :
ـ يا حبيتي ، سبق وان اخبرتك بانه العريس ليس صديقي ابدا . قلت لك الف مرة انه من المعارف فقط . وسأكون في ورطة حقيقية لو رفضت دعوة حضور حفل الزواج ، وموافقتي جاءت كوني مطالب امام الناس بألتزامات اجتماعية ، والعريس يا حبيبتي ذكي جدا ، لانه ارسل الدعوة بواسطة اخرين ، وفي حال رفضي للدعوة سادخل معهم في مماحكات لا تنتهي .
لكن زوجتي ، راحت تكرر ما سمعته ، من عواطف وخليل ، وتضيف :
ـ اهكذا ؟ هكذا يكون الامر يا حبيبي ، تستغل ثقتي وتاخذني الى حفل زواج رجل بهذا التأريخ المشبوه ؟ موقع اخوانه ، ولسنين طويلة في اجهزة حكومة صدام حسين ، ومتاجرته بمصيبة الشعب العراقي خلال سنوات الحصار ، وتهريبه الادوية الى الوطن تحت ستار مساعدة الشعب العراقي ، وما يقال عن مشاكله مع اجهزة الضريبة في بلد اللجوء الذي قدم له السقف الامن وفرص العمل ، وتفاصيل قصص خداعه لبنات الناس ، وثلاث خطيبات مغدور بهن مرة واحدة ، وفوق كل هذا هناك الشكوك العديدة حول تاريخه الشخصي ومساهمته في كتابته التقارير الامنية عن الناس الطيبين من معارفه ، خصوصا المثقفين ، واختفاء بعضهم بسبب تقاريره ، وحتى لو اتبعت ـ يا حبيبي ـ طريقتك في حساب هامش للمبالغات والاشاعات في احاديث الناس وما يتناقلونه عنه ، ومن كل الذي سمعته اليوم فقط ، فان ما يبقى في حصة هذا الكلب الحقير لا يسمح لي بان اشارك في حفل زفاف رجل ساهم بأي شكل كان في دعم نظام ديكتاتوري دموي أضطهد شعبي وقتل والدي ؟
ـ ولكن يا حبيبتي ...
ـ بلا اي كنكنة يا زوجي العزيز ، لن اذهب مهما ستقول . ان كان يهمك حفظ الاعتبارات الرسمية مع كلاب ولغوا بدماء شعبنا ، فاذهب وحدك يا بعد روحي .
وخطفت معطفي ، وغادرت المنزل هائجا بأتجاه موقف الحافلات ، وحمدا للسماء لم ادوس على" فنك " في سلم العمارة وهو يصعد مع صاحبه .


سماوة القطب
خريف 2002
 

*  أوراق عائلية ـ 2
*  أوراق عائلية ـ 1



 

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter