|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الخميس  16  / 1 / 2014                                                                                                                         آداب

 
 

 

مسرحية من فصلٍ واحد ..

فراشة

ميسون يوسف إمام *

بيت متداعي من بيوت بغداد القديمة ، وشناشيل ذات زجاج ملوّن أطفأ بريقه القِدم ...

تدخلُ عروس لا يتجاوز عمرها الخامسة عشر عاماً ، تتدلّى ظفيرتين محنّاة مختفية وراء شرائط فضيّة نازلة من رأسها حتّى خصرها النحيل .. وثمّة خوفٍ يتدارى حول ذكرياتٍ قريبة .. فلا زالت لعبتها التي صنعتها من القماش والشعر الصوفي الأسود والفستان الأحمر في قعر صندوقها الخشبي حيث أودعتها مع ملابسها الجديدة المصنوعة من (الستن) والمزيّنة ب (الدانتيل) وكذلك المشط الخشبي و (القبقاب) المرسوم بالزهور الملوّنة .

جالت بعينيها تبحثُ عن الصندوق ... تُرى أين وضعوه ؟ ... إذن هو ذلك حيث يرقدُ بسلام في الزاوية القصية من الغرفةِ .. ثمّ تتوقف لتتمعّن بالسرير ذو الأعمدة الصفراء الذهبية ، وثمّة فانوس معلّق على الجدار وبساط مزركشٌ بالألوان والأشكال غطّى مساحة من أرض المكان .

راحتْ تدورُ في أركان الغرفةِ كأنها تبحثُ عن منفذٍ للخلاصِ .. وإحساسها بالخوف أخذ يتصاعد وبدأتْ اطرافها ترتجفُ هلعاً .. فتحتْ يدها الراعشة المخضبّة بالحناءِ فوجدتها مبتلّة بالعرقِ المتصبّب من جسدها الصغير وهي لا تدري ماذا ينتظرها بعد برهة قصيرة من الزمن .

أصوات النسوة خارج الغرفةِ يضغطُ بشدّةٍ على مسامعها ولم تستطع أن تمّيزها .. هل هي صرخات أم ضوضاء أو زغاريد أم ولولةٍ نادبةٍ تعقبُ قتلها على يد جلاّدٍ لم تر وجهه ولا تغرفُ عنه شيئاً سوى إنه بعمر أبيها ...

تجمّع عمرها الآن في لحظات .. كأنها فقدت الذاكرة .. كأنها تحلم .. وراحت تدورُ في الغرفةَ وصوتٌ خفيضٌ يئنُّ بداخلها .. إرجعيني أيتها اللحظات الى حضنِ أمي حيث أسمعُ دقات قلبي وهو يغوصُ عند مجيء أبي الى الدار .. أيها الشباك الصغير .. دع لجسدي الصغير متسعاً فيك لينفذ منه .. إجعل قضبان حديدك تفتحُ مجالاً كي أطير وأسقط على دربك الضيّق كي أضيع في عتمةِ ليله الداكن .. وأنت أيها البساط الجميل كن بساطاً سحريّاً وطر بي الى فضاءات أرحب من هذا القبوِ وإمنحني حريّة فراشة إصطادتها يدٌ عابثةٌ ستُطير الكثير من غبار أجنحتها ..

تحرّكتْ قدميها الصغيرتين نحو عمود السرير الذهبي ومسكته وهزّته كما تهزُّ مرقدُ إمامٍ يستجيبُ لدعوات زوّاره ، وكانت دموعها تتساقطُ وهي تجلس الى جانبه ، ولا زال صوتها الداخلي يتضرّعُ .. خذني أيها السريرُ كما في قصص ألف ليلةٍ وليلة الى جزر الواق واق أو جزر العفاريت أو أي مكان الاّ أن أبقى هنا رهينةَ الانتظار المميت والمصير المجهول .. حلّق بي حيث الغيوم وحيث أنامُ عند تخوم القمرِ .. سأقصُّ جدائلي وأزيّن بها أعمدتكَ الذهبية وإنزعُ أساوري ألُبسها لها .. رحماك .. رحماك .

فجأة .. سمعتْ طرقاً قوياً على الباب .. وصراخٌ صمّ أسماعها ثم إنفتح البابُ على مصراعيه ، و|إذا بالنسوة يندفعن ويعولنّ ويلطمن الخدود .. وتتقدّم إحداهنّ وهي تحملُ عباءةً وثوباً نسائياً أسوداً وهي تولول .. صاحت في وجهها .. يا لحظكِ التعس .. هاكِ إلبسي السواد لقد مات العريس !!

لم تفعل شيئاً وظلّت مسمّرة في مكانها .. وثمّة رقصةٍ بدأت تهتزُّ في حناياها ودمعة فرحٍ كظيم أبتْ أن تنزل ....

 

 * قاصة عراقية

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter