الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

الأثنين 14 / 5 / 2007

 

 


من أجل خطة لتطوير الإنتاج الموسيقي في العراق
(2)


حميد البصري

استعرضت في الحلقة الأولى دور الفن في المجتمع ، وما يخص الموسيقى من ذلك ، واهمية تطوير الانتاج الموسيقي عبر تطوير الانسان المنتج للموسيقى . وذكرت دور الأغنية الكبير ، كونها حاجة يومية لكل فرد ، وابتدأت بالنص – الشعر – الذي هو أولى مكونات الأغنية وأساسها . ويأتي حديثنا في هذه الحلقة عن اللحن ، أي موسيقى الأغنية ، هذا الجانب الأكبر أهمية في الأغنية .

2 – اللحن – الموسيقى –
هناك حقيقة علمية معروفة لدى الكثير من الناس ويجهلها أكثرهم . وهي أن للموسيقى تأثير نفسي وعضوي –سايكوفسيولوجي – مباشر وغير مباشر على الفرد .
إن اكتشاف هذه الحقيقة ليس بالجديد ، فقد استخدمتها السلطات الدينية المختلفة في معظم طقوسها الدينية ، كما أن في التراث العربي شواهد كثيرة على ذلك فقبل أكثر من ألف عام ، ذكر أن الفيلسوف العراقي – الكندي - ، الذي كان موسيقياً أيضاً ، كان يعالج مرضاه بالموسيقى ، كذلك كتب ابن سينا عن ذلك ، وفي زمن الموحدين في المغرب العربي ، أي قبل مئات السنين ، كان هناك مستشفى خاص للعلاج بالموسيقى . ولم تنقطع البحوث والتجارب في هذا المجال حتى يومنا هذا . وليس ببعيد ما أثبته العلماء ، وأكدته التجارب ، حول تأثير الموسيقى على الحيوانات - كالأبقار والدجاج مثلاً – لزيادة الانتاجية . حتى النباتات تتأثر بالموسيقى . وآخر ما نشر بهذا الصدد ، أن نوع الموسيقى التي يسمعها الطفل منذ يومه الأول تحدد طباعه عندما يكبر ، فيكون حاداً وعصبياً أو هادئاً تبعاً لنوع الموسيقى التي يسمعها .
أكدت الدراسات أن استماع الإنسان المتكرر للموسيقى الرتيبة .. البطيئة الايقاع ... المغرقة في الحزن يؤدي به الى التبلد والجمود الفكري .
من كل ذلك ، نجد هنالك دعوات مشبوهة للإبقاء على التراث الموسيقي جامداً ، بحجة المحافظة على الأصالة . وكانت تلك الدعوات قد اثيرت في أول مؤتمر للموسيقى العربية عام 1932 م في القاهرة ، ومثلها كانت الدعوة الى عدم إدخال المكننة الى الزراعة لكي لا يفقد الريف هدوءه وأصالته ، لكي تبقى الزراعة متخلفة .
ويمكن لأي انسان ان يجرب تاثير الموسيقى عليه ، فما عليه إلا أن يستمع في الصباح الى موسيقى حزينة متكررة اللحن ليجد أن الكسل والخمول قد أصابه ، وعكس ذلك ، عندما يستمع الى لحن حرك الإيقاع وجميل ، لفيروز مثلاً. وهناك نماذج أخرى كثيرة لتأثير الموسيقى على الفرد بشكل مباشر وغير مباشر مثل الأهازيج الشعبية والأناشيد الثورية التي تؤجج حماس الناس . لقد اخفقت الدعوات المشبوهة لعدم تطوير الموسيقى العربية ، لأنها كانت ضد منطق التاريخ ، ولوقوف الكثير من الوطنيين ضد تلك الدعوات . لكن تلك الأوساط المشبوهة استطاعت توجيه الغناء العربي ، في غالبيته ، الى التطريب والتخدير بدلاً من الإستمتاع الواعي بالغناء .
إن تطوير الموسيقى والألحان الغنائية يعني خلق موسيقى تعبر عن العصر في الايقاع واللحن والتوزيع والآلات ، موسيقى ذات هوية وطنية تعيش الحاضر المبني على الماضي مع نظرة الى المستقبل . إن هذا الكلام يجرنا الى الحديث عن التراث والمعاصرة وأهمية استيعاب الفنان لخلق توازن بينهما . فالرجوع للتراث يعني استلهام الشكل .. الأسلوب .. الإيقاع واللون ، وهو ما يضقي على الإنتاج الجديد هوية واصالة يتجاوب معه المستمعون ، يفهموه ويتعاطفوا معه . اما المعاصرة فهي الانفتاح على كل جديد من ابداعات الإنسان في كل مكان ، والتعامل مع مختلف الآلات الموسيقية بشكل فني ملائم ، ومحاولة إدخال التوزيع الهارموني باشكاله المتعددة ، البسيطة في البداية وصولاً الى الأشكال المتقدمة الأخرى .
إن المؤلف الموسيقي والملحن هما الأساس في أي انتاج موسيقي وغنائي . ومن أجل تطوير امكاناتهم وخلق المناخ المناسب لإبداعاتهم ، لابد من رعايتهم بشكل خاص وايجاد المحفزات المادية والمعنوية لهم ، ومن ذالك خلق المسابقات المستمرة والمساعدة على الدراسة العلمية لتطوير القابلية الشخصية لهم ، إضافة الى اتاحة الفرص لاطلاعهم على تجارب الشعوب المتطورة وحفظ حقوقهم – حق الأداء العلني – بقانون رسمي ... الخ وكل ذلك يقع على عاتق الجهات المسؤولة في الدولة .

يتبع

¤ الحلقة الاولى