|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  9  / 3 / 2018                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

الانتقام والاجحاف عنوان قرار المساءلة والعدالة الأخير!!

د. غالب العاني
(موقع الناس)

اتخذت هيئة المساءلة والعدالة غير المستقلة القرار رقم 72 لسنة 2017 الذي ينص على مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة لـ 4267 مواطناً عراقيا محسوبين على النظام الشمولي السابق.

وابتداءً أشير بأني من الذين ناضلوا ضد النظام السابق وعانيت من استبداده وقسوة أجهزته القمعية، وبالتالي فلست ممن يدعو إلى عودة النظام الدكتاتوري للحكم ثانية كما لست إلى جانب عودة أتباعه، ولست ممن يدافع عن أفعال النظام وأجهزته اللاإنسانية ولا ممن يدافع عن اَي عمل إجرامي من اية جهة كانت، بل لقد أدنت بشدة وما زلت ادين اَي انتهاك لحقوق الانسان من اي جهة أو فئة يمارس بحق الإنسان العراقي.

إن صدور مثل هذا القرار ضد هذا العدد الكبير من أتباع النظام السابق، وفي هذا الوقت بالذات، وبعد مرور 15 عاماً على إسقاط الدكتاتورية واعتقال الكثير منهم ومحاربتهم وتشريدهم والسيطرة القسرية على منازلهم ودورهم وممتلكاتهم وإعدام الكثيرين منهم، لا يعكس حرصاً على تطبيق القانون، بل يجسد الرغبة في الانتقام ويعبر عن حقد وكراهية لا يجوز أن تبرز في ضوء الدستور العراقي الجديد رغم نواقصه، ورغم التباكي المستمر على المصالحة الوطنية ورصد المليارات وتبذيرها لهذا الغرض!!

ومن حقي أن أشير مؤكداً إلى إن هذا القرار اللاإنساني وبهذا الاتساع يراد منه ما يلي:
** الحصول على أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية القادمة من خلال توسيع دائرة الخلافات وتشديد الصراعات وزيادة التوتر في الساحة السياسية والاجتماعية العراقية.

** إثارة النعرات الطائفية التي يفترض أن تعالج بحكمة ومسؤولية، بل بالعمل على تنشيطها وصب المزيد من الماء على طاحونة الصراع الطائفي.

** وهي محاولة خبيثة وغير مسؤولة للالتفاف على شعار "من أين لك هذا؟" ومحاربة الفساد، من خلال طرح هذه القائمة الطويلة من الناس الذين جرى الاستيلاء على بيوت الكثير منهم من قبل مسؤولين في الحكم أو الأحزاب الحاكمة والتي أصبحت معروفة للجميع، فعلى سبيل المثال لا الحصر، صرح مسؤول في قسم التخطيط بوزارة الإسكان والإعمار والبلديات قائلاً “وجود 1800 عقار مملوك للدولة يتراوح بين قصور رئاسية وأراض زراعية سيطرت عليها شخصيات وأحزاب سياسية ومواطنين عاديين في محافظة بغداد”.، دع عنك بيوت المسؤولين في النظام السابق التي سيطر عليها مسؤولون حكوميون وأعضاء في قيادات الأحزاب الإسلامية السياسية. وكان المفروض ان يتخذ قرار بخصوص مبدأ من أين لك هذا؟ إزاء تلك الأحزاب والشخصيات.

**
ولهذا السبب يمكن تأكيد حقيقة أن هذا القرار يراد منه نسيان أو التغطية على قرار من أين لك هذا، الذي تعارضه الأغلبية الساحقة من النواب الحاليين، لأنه سيكشف ما عندهم الان وما كان لديهم قبل عام 2003. ولا نبتعد عن الحقيقة حين نشير إلى إن الرواتب ومخصصات حكام الدولة العراقية ونوابها، وما يدفع لحماياتها، وبهذا المستوى الخيالي لبلد مثل العراق، يعتبر بحق نهب وسرقة علنية باسم القانون ومن المال العام.

** ان الكثير من بيوت المسؤولين البعثيين السابقين يسكنها اليوم الكثير من رجالات السلطة والأحزاب الحاكمة الحاليين، وبإمكانهم شرائها بأسعار بخسة. وهم عمليا يسيطرون عليها منذ سنوات وفي أعقاب دخول قوات الاحتلال إلى بغداد.

**
ان قانون المساءلة والعدالة الذي ولد مشوها لأنه يحمل في روحه مبدأ الانتقام وليس العدل والتثقيف بل التمييز والاقصاء وبروحية سياسة طائفية مقيته.

** ومن الواجب إلغاء هذه القرارات ذات المضمون والوجهة السياسية الانتقامية وتسليم الأمر للقضاء العراقي ليأخذ مجراه القانوني.

** يعتبر هذا القرار مجحفاً وانتقامياً وانتهاكا صارخا لحقوق الانسان والمواطنة وكل القيم والتعاليم السماوية، وخطوة شديدة الخطورة على النسيج المجتمعي وتمزيقه .

إن هذا القرار يذكرني بقرار الحكومة الانقلابية العراقية بعد اغتيال الوطني عبد الكريم قاسم في ٨ شباط الدموي عام 1963، حيث كنت آنذاك طالبا في جامعة هامبورغ، وكنا كطلبة عراقيين نتقاضى من حكومة ثورة 1958 منحة دراسية قدرها 20 دينارا، كنّا أعضاء في جمعية الطلبة العراقيين في المانيا الاتحادية وبرلين الغربية، ولما سمعنا بالانقلاب المشؤوم، اجتمعنا بعد ايّام امام باب السفارة العراقية في بون في تظاهرة كبيرة احتجاجا على الانقلاب وضد الانقلابيين والمجازر البشرية التي مارستها حكومة البعث والقوميين حينذاك، فتم توقيفنا ونقلنا بسيارات الشرطة الى أحد المواقف في مدينة بون التي كانت العاصمة ايضا، حيث مكثنا لمدة أسبوع في الموقف. كان عددنا32 طالبا من مختلف الجامعات الألمانية. وفي نفس الشهر تلقينا قراراً ينص على :
1. قطع المنحة المالية اعتبارا من 1/3/1963، و
2. سحب جواز أسفر،
3. ومنع التحويل الخارجي عن كل المعتقلين من الطلبة، وكنت أحدهم، مما أجبرت على العمل في ميناء هامبورغ يومين في الأسبوع من العاشرة ليلا حتى السادسة صباحا كي أستطيع مواصلة دراستي وتحصيلي العلمي. لقد اتخذت هذه الإجراءات بحقنا في الأسبوع الثاني من سيطرة الانقلابيين على العراق وليس بعد 15 سنة كما يفعل حكام العراق الجدد حالياً، لقد كان هؤلاء انقلابيون، واما أنتم فمنتخبون، وتعتبرون انفسكم من المدافعين عن المواطنين العراقيين وتعملون من اجل احلال السلام الأهلي وتطوير البلاد!! فما هو ذنب عائلات هذه الآلاف ممن سيشملهم قانونكم البغيض هذا؟

ولعلمكم، ولربما يكون احد هؤلاء المشمولين بقراركم ضمن من اتخذ قرار منع المنح والتحويل الخارجي وسحب الجواز في حينها، ولكن عليّ أن أسامحه، لأننا تعلمنا بان عراقنا بأمس الحاجة للتسامح والمصالحة الوطنية/المجتمعية ، فلذا علينا جميعا وعلى اختلاف أدياننا ومذاهبنا وقومياتنا وعشائرنا ومناطقنا وأيديولوجياتنا ان نكافح وندفن روح الانتقام والاقصاء واية محاولة لتمزيق النسيج المجتمعي العراقي وليكن شعارنا؛
تحقيق مبدأ المواطنة الحقة المتساوية باعتباره أساس بناء دولة المواطنة، دولة الضمانات وحقوق الانسان، الدولة المدنية الديمقراطية.

 

07/03/2018
 


 



 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter