|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  6 / 9 / 2015                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

مسؤولية الحفاظ على زخم المظاهرات ووطنيتها..

فخري كريم

كتب لي العديد من الاصدقاء عن سبب عدم توقفي عند مظاهر ملفتة سلبية أحاطت بالمظاهرات خلال الاسابيع المتتالية. كذلك الامر بالنسبة لبعض من سمح لنفسه بادعاء قيادتها رغم الشبهات التي تحوم حول سلوكه ودوافعه واغراضه، التي يمكن ان تكون من بين اسباب تراجعها واضعاف زخمها.

ببساطة شديدة، ان المظاهرات هي سيدة نفسها، وكل متظاهر هو راية من رايات الاصلاح، اذا ما حرص على التعبير عن مضامينها وهمومها وعبر عنها بسوية سياسية واخلاقية تجنبها ما يخدش مصداقيتها وارتباطها بقضايا الناس ومصالحهم المستباحة. وفي كل ما يتعلق بالشأن العام، والحركات الاحتجاجية من بينها، يمكن ان تتعرض الى ما يُشبه "الهكر" أو الالتفاف عليها من داخلها، واظهارها ودفعها خارج سياقاتها الوطنية العامة، سعياً لاخضاعها لمصالح فئوية وشخصية وغيرهما من المطامع والاغراض المشبوهة. لكن مثل هذا الاستلاب او الالتفاف لن يظل بعيداً عن الانكشاف للقوى الحية المعنية بالحراك، وصاحبة المصلحة الحقيقية بانجاز اهدافها ومهامها. وهذه المصلحة لا تتوافق مع من يريد تحجيم الحراك والمظاهرات، ولا تحويلها الى منصات شخصية.

لقد نسي البعض او توهم بان المظاهرات جاءت تلبية لـ"بوست" في الفيس بوك، أو تجمع من بضعة اعلاميين، بينهم من يحمل الهم العام ويريد خلاصاً حقيقياً، ولم يُدرك ان الناس لا تخرج الى ميادين الاحتجاج لارضاء رغبة شخصية أو دعوات مجردة، دون ان تكون الظروف الموضوعية والذاتية قد نضجت، وجعلت من استباحة كرامتها وامتهان حياتها وانتهاك حرياتها منطلقاً للاحتجاج والرفض والخروج بما يتاح لها من وسائل لاصلاح احوالها ووضع حدٍ لكل انتهاكٍ واستباحةٍ وامتهان.

إن مثل هذه المظاهر تشكل عاملاً من عوامل انهاك الاحتجاجات وتراجع الالتفاف حولها، اذا ما شابت الحركات الاحتجاجية، او حاولت العناصر الحاملة لوبائها الاندساس فيها وإضفاء شعارات لا تعبر عن صميم اهدافها، على تجمعات تنفرد بها، في محاولة لابراز ما هو ثانوي على ماهو مطالب واهداف اساسية.

وللاحتجاج والتغيير والاصلاح "لغتها" المعبرة عن سوية المحتجين الاخلاقية والسياسية التي تنبذ لغة الرثاثة والشتائم والتعريض حتى بالفاسدين او من هم المسؤولون عن خراب البلاد ودمارها ونهب ثرواتها، ووضع ثلث البلاد تحت سلطة قُطّاع الطرق وقطعان داعش وكل فصائل الارهاب والجريمة المنظمة.

فالاصلاح، اذ يُريد الاحتكام الى الدستور والقانون والعدالة، يضع المتهم امام سلطة الشعب الممثلة بالسلطات الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية، حتى اذا كان ثمة عِوٓر في الدستور أو في القوانين ما لا ينسجم مع الحقوق والعدالة والمساواة، او شابت البرلمان ما يعتبرها البعض او الكل مثالب ونواقص، تجعل بعضاً من اعضائه او كلهم مجردين من تمثيل الارادة الشعبية، او تحوم حولهم الشبهات بالفساد او ضعف الارادة. كذلك الامر بالتعامل مع السلطة التنفيذية او شخص العبادي. فرغم فساد الطبقة السياسية المهيمنة على سلطة القرار، فان الكيفية التي تُصار اليها ادارة العملية الاصلاحية تتطلب قدراً من الاعتماد على الدستور ومراعاة الصلاحيات وتطويع ما لا يستجيب لدعوى الاصلاح بما يمكن من حدود دنيا للالتزام بالشرعية القائمة التي فقدت شرعيتها في نظر المتظاهرين، لكن فقدان الشرعية هو الآخر بحاجة الى آليات وقوى دافعة.

خلال تطور المظاهرات من اسبوع الى اسبوع، جرى التشويش على المتظاهرين من خلال رفع شعارات ثانوية تارة او تعجيزية تارة أخرى. ان المطالبة بالغاء الدستور او تعطيله، وحل البرلمان والحكومة، واعلان حالة الطوارئ، تثير اشكاليات وقلقا حتى بين صفوف المطالبين بالاصلاح، بل والاخطر من ذلك من شأنه توحيد المناوئين للاصلاح واعادة ترتيب تحالفاتهم والبحث عن اساليب
"شرعية" في ظاهرها لتفريغ عملية الاصلاح من محتواها وجوهرها.

ومثل هذه المطالب تثير تساؤلاً مشروعاً عن الجهة التي توكل اليها سلطات التشريع والقضاء والتنفيذ في ظل احكامٍ عرفية وغيابٍ لاي سلطة لها طابعٍ "شرعي" ولو بالحدود الدنيا.! وحتى لو افترضنا ان مثل هذه الشعارات ممكنة التطبيق، الا يصبح ضرورياً التوقف عند متطلبات اجراء انتخابات مبكرة، حرة ونزيهة ومعبرة عن ارادة المطالبين بالاصلاح والتغيير.؟ ومن بين الشعارات العاصفة، تلك المطالبة بملاحقة القضاة الفاسدين. واكاد أجزم وانا مهتم منذ التغيير بمتابعة اوضاع القضاء وشؤونه، ان اصلاح القضاء يحتاج الى احدى وسيلتين، أما جراحة قيصرية او خطة اصلاحية محكمة تعيد بناء قضاء عادل يستطيع الاسهام في بناء دولة مدنية ديمقراطية، دولة مؤسسات وحقوق انسان وعدالة اجتماعية.

كل هذا لا علاقة له بأي شعارٍ ثأري، او يعكس الرثاثة وفساد اللغة والشعار، ويتعارض مع مطالب تعكس مصالح ونزعات شخصية معزولة..

قد يجوز ان المظاهرات الاخيرة لم تكن عددياً مرضية، لكن هذا يجب ان لا يكون مدعاة للشعور بالاحباط والتراجع او اي مستوى من اليأس..

 

المدى
العدد (3449) 6/9/2015
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter