|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  6  / 6 / 2015                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 


 

 موانع تقسيم العراق  ضمن قاعدة توازن القوى في العلاقات الدولية

د. عبد المنعم عنوز *

نعني هنا بالتقسيم هو ان يتحول العراق الى ثلاث دويلات قائمة في تركيبتها اما على المعيار العرقي العربي – الكردي، او ضمن واقع المعيار الديني – الطائفي وان كان في قوم من اصول عربية واحدة . ولقد نضجت للاسف الشديد هذه المعطيات  في افكار وطموحات بعض السياسيين العراقيين تحقيق ذلك ، كما حاولت بعض من الدول الاقليمية والمجاورة تبنيها وتوفير مقومات تنفيذها بعد ان شرعت التخطيط لها ووفرت لها كل الاليات اللازمة منذ انتهاء نظام البعث في عام 2003.

ولقد حصل التعاون والدعم بهذا الاتجاه من قبل بعض رجال السياسة الامريكية التي اعلنت رغبتها في اعادة الخارطة السياسية في المنطقة العربية متمثلة  بمشروع جو بايدن المشئوم بتشكيل ثلاث فيدراليات مبنية في مضمونها على اساس عرقي وطائفي يكون نواة وسببا للتقسيم لاحقا ويؤدي الى اكتساب القوة وممارسة السيطرة على الساحة الدولية.

ومن استمرار هذا النهج ما تأكد اخيرا في قرار لجنة الدفاع العسكري في مجلس الشيوخ الامريكي وذلك بالتعامل القانوني المعلن ضمن هذا الافتراض كشرط لتزويد السلاح للدولة العراقية في حربها ضد الإرهاب ، وهي تدرك جيدا ما يترتب على هذا الموقف من نتائج سياسية وآثار قانونية واقتصادية واجتماعية... يهدف منها بدون شك التجزئة الجغرافية الفعلية لوحدة العراق في الخارطة الدولية.

ولكن من المفيد ان نتعمق في مدى امكانية تحقق  هذا الغرض ضمن منطق العلاقات الدولية في الوقت الحاضر. وبتقديرنا هنالك من الموانع ما  تتعارض مع هذا الاتجاه الذي يتبنى مفاهيم المدرسة الواقعية للسياسة الدولية الامريكية القائمة على اغناء الرغبة في السيطرة من خلال النزاعات والحروب والصراع من اجل انتزاع السلطة و ادارتها طبقا لسياستها .  

ومن المؤكد بان ترشيح قرار التقسيم الامريكي لم يأت من فراغ ، كما يؤيده اغلب المحللين للشأن السياسي العراقي .لماذا ؟ لان كافة الدلائل والمعطيات التي تغذي شروط التقسيم نضجت على المستوى السياسي والاجتماعي العراقي وغيرها من المعايير الاساسية ، تلك التي تتقاطع مع مفهوم الحفاظ على اركان الوحدة الوطنية.

ان اول واهم هذه المعايير هو غياب واقع المواطنة او الشعور بمكنونها  لدى الفرد العراقي. ثم حصول ظاهرة وواقع تهرء النسيج الاجتماعي التي فقدت مقومات التجانس بينها بانحسارها المتباعد جغرافيا تحت وطأة الفصل الطائفي أو العرقي  بين المناطق او المحافظات العراقية على مستوى التعليم الجامعي أو العمل الوظيفي او المعايشة الاجتماعية الاعتيادية. ومن المؤلم ان المجتمع العراقي اصبح يعيش حالة الفصل العرقي والطائفي بين مكوناته حتى في داخل مجتمع بعض المدن المهمة ومنها العاصمة رمز قوة الدولة . وهذا يمهد بالضرورة الى الابتعاد معنويا واخلاقيا الالتزام تجاه الآخرين بواجبات وتحمل المسئولية المشتركة بالدفاع عن الوطن ، مما يسهل استغلالها والمطالبة بتفكيك الارض أو الدعوة اليها لأسباب متعددة أوالدعوة للانفصال التام عنها لتحقيق سياسة المغانم .

بعد هذه الوقائع، ألا يمكن للمرء القول بان التقسيم على مستوى نظام الدولة العراقية قد تحققت مقوماته ؟ للجواب هو ان سياسة الامر الواقع هذه لها شروطها الاخرى كي تصبح قابلة للتنفيذ .

ولهذا أن لنا رأيا مغايرا لأسباب تجد سندها في واقع العلاقات الدولية وطبيعة السياسات المقررة لها، وتنازع القوى الحاكمة في الصراع الدولي، وبنفس الوقت مراعاة ما يترتب على أطراف الصراع بتحقيق التوازن الدولي كما يفرضها مبدأ ميثاق الامم المتحدة في بند مقاصده المتعلق بتحقيق التعاون الدولي لحفظ السلام والأمن كما جاء في نص المادة الأولى، حيث يرتب أثرا قانونيا مشتركا ملزما لجميع الأعضاء لا يمكن لأي طرف في الظروف الدولية القائمة حاليا ان يقرر بمفرده مهما عظم شأنه فرض السياسة التي يبتغيها في مناطق الصراع السياسي او الاقتصادي او الجغرافي . ويتأكد ذلك خاصة بعد بوادر عودة القطبية الثنائية في تقرير الاستراتيجية الدولية متمثلة بالثنائي الامريكي  - الروسي .

 فما هي موجبات وأسباب هذه الموانع ؟ وما هو أثر وقوة فعلها في واقع صراع الإستراتجيات الدولية القائمة حاليا وأطرافها المعنية بأهمية الموقع الجغرافي للعراق ؟ وكيف سيجري التعامل معها سياسيا من قبل الدولة العراقية بمؤسساتها التنفيذية والتشريعية للحفاظ على توازن مصالحها وبخاصة الامنية والسيادية؟

ان اهمية الموقع الجغرافي والاقتصادي لمنطقة الشرق الاوسط ينشأ الاسباب الرئيسية لتواجد الاستراتيجيات الاساسية في الصراع الدولي . ومن المعلوم ان الاستراتيجية الامريكية تحرص بكل الوسائل المتاحة ان تؤمن  لها خطها وعمقها الجغرافي الممتد من الدول الغربية مارا بتركيا والعراق حتى ينتهي بأقصى دول الخليج العربية.

ومن المعلوم سابقا هو انفراد السياسة الامريكية بتقرير شكل ومضمون إستراتيجيتها في هذا الموقع فترة غياب القطب الآخر منذ انهيار منظومة الاتحاد السوفيتي والذي مهد لها كما قررت سقوط النظام العراقي في 2003. إلا ان الفترة الاخيرة فرزت ولادة إستراتيجية اخرى فرضت واقعا جديدا بقيادة روسيا اليوم، لها خصائصها وملامحها وإستراتيجيتها التي لا يمكن اغفال اثارها في تامين مصالحها الاقتصادية وأمنها . وهو ما يدفع بسياسة التدخل المباشر أو غير المباشر لتقرير قواعد بناء مصير المنطقة التي تعتبرها اساسية لها. ولهذا قد رسمت خطا إستراتيجيا خاصا بها تمتد جذوره في روسيا مارا بالجمهورية الايرانية والعراق وسوريا ولبنان حتى الولوج في المياه الاقليمية لسواحل هذه الدول في البحر المتوسط لتأمين وجودها البحري ألاقتصادي والاهم من كل ذلك هو العمق الجغرافي للإبحار العسكري.

بعد هذه الفرضية وكما ذكرنا اعلاه ، فان جغرافية العراق وشكل ومضمون نظامه السياسي يكون بطبيعته نقطة تقاطع مشتركة لاستراتيجيات روسيا وأمريكا والدول الحليفة لها اقليميا وخاصة دول الجوار تركيا و ايران. ضمن هذا الواقع فلا يمكن لأي طرف ان يقرر بمفرده شكل الواقع الجغرافي والسياسي له. وينتج عن ذلك استبعاد فرضية التقسيم مهما كانت عوامل تفعيله ،عرقية ام طائفية وان توفرت . حيث ان نشوء كيان جديد في أي جزء من العراق سيكون الحلقة المفقودة لكل مسار، يكون ذات أثر سلبي مانعا لتنفيذ استراتيجية كل من الطرفين المتصارعين بشكل مستقل دون مراعاة مصالح الطرف الآخر .

من هذا الواقع السياسي ستنشأ حالة من التوافق الضمني للأطراف الدولية المتصارعة ، ينتج عنها محصلة تحقق توازن المصالح المشتركة واعتماد سياسة (لا غالب ولا مغلوب) لجميع الاطراف ذات الفعل المقرر للوضع السياسي العراقي. وبهذا الاتجاه يتم التوافق (غير المعلن) على شكل ومضمون هيئة الدولة ووحدتها الجغرافية ونظامها السياسي دون التعرض بالضرر الى ما جاء في مضمون نصوص الدستور العراقي لعام 2005 الذي قرر شكل الدولة العراقية .

ان هذا الهدف المشترك لروسيا وامريكا ، ومن يقف معهم متضامنا في التنفيذ ، هو الذي يفسر مدى الدعم العسكري اللوجستي  المتسارع بتجهيز معدات متطورة تكنولوجيا بمستوى (التسليح النوعي) كالصواريخ المضادة للدروع او المروحيات الروسية، بهدف داعش في كافة جبهات القتال.

بعد ما تقدم ، كيف تتعامل الدولة العراقية بمؤسساتها الاساسية مع هذه الاطراف ضمن هذه الفرضية ومعطياتها القادمة ؟ الجواب هو ضرورة ان تجعل من هذا الواقع سببا في انجاز مشروعها الوطني في الامن والتنمية الاقتصادية من خلال تحقيق التوازن المطلوب في علاقاتها الدولية مع هذه الاطراف المعنية. عليها تفعيل استراتيجية التحالف والتعاون مع كافة الاطراف بالشكل الذي يؤمن سيادتها وقوة قراراتها ، و يوفر لها قدرا كبيرا من مصادر الحماية العسكرية المطلوبة.

ان هذه السياسة يجب ان تتمتع بقدر كبير من الشفافية والصراحة التامة المباشرة في نوع ومضمون التعامل في العلاقات الدولية مع الاطراف المعنية. وقد يتطلب ذلك الى ابرام الاتفاقيات الثنائية اللازمة لهذا الغرض .

ومن المخاطر الانحياز لجانب معين دون الاخذ بالاعتبار مصالح الاطراف الاخرى في ممارسة سياساتها الخارجية او تشريعاتها ذات العلاقة في تأمين توازن المصالح.  

ولاشك ان للمواطن العراقي السياسي وغير السياسي كلمة الفصل في دعم مؤسسات الدولة العراقية ضمن هذا المسار. انه بحاجة لمراجعة الذات لتفضيل وحدة الوطن على مصالحه النفعية الضيقة، ويعمل بصدق بان يكون من ابناء بلد له هويته  اللائقة في التعامل مع العالم الآخر بكل مؤسساته السياسية أو الاقتصادية او غيرها. ولكن لا يتم ذلك بمعزل عن السياسة الحكيمة للسلطتين التنفيذية والتشريعية التي عليها ان تدفع باتجاه تعزيز مضمون المواطنة لدى الفرد العراقي بكافة جوانب حياته شكلا ومضمونا وواقعا وتمهد في تقنين ما هو اساسي لتعزيز بناء وحدة الدولة وتضامن ابناؤها.هل لهذا الافتراض آذان صاغية؟؟؟

 

* دكتوراه في القانون - فرنسا 
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter