|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  6  / 4 / 2015                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 


 

الوضع في العراق منذ تغيير النظام

جمال منصور

بعد سقوط نظام البعث في نيسان 2003 تكونت حكومة محاصصة ما بين القوى المتنفذة والتي تشكلت بوادرها منذ آخر مؤتمر للمعارضة بحضور امريكا. لم تحضر ذلك المؤتمر قوى مهمة من المعارضة لأن هدف المؤتمر كان تغيير النظام عن طريق الحرب. وانتخب المؤتمرهيئة قيادية تكونت من ثلاثة أعضاء هم ممثلي أقطاب القوى التي حضرت المؤتمر: السيد حسن النقيب عن المكون السني والسيد محمد بحر العلوم عن المكون الشيعي والاخ مسعود البرزاني عن الاكراد على أساس كونهم يمثلون المكونات الرئيسية، واُستبعدت بقية مكونات الشعب والقوى السياسية التي كانت ضمن قوى الجبهات الوطنية التي ناضلت لإسقاط نظام صدام الدكتاتوري. تم إسقاط نظام صدام من قبل قوات التحالف بقيادة أمريكا، وحكم البلد بول بريمرالامريكي المطلق الصلاحية لمدة سنة، أصدر خلالها العديد من القرارات المجحفة. وتم حل كل مؤسسات الدولة وحماية وزارة النفط فقط، حل الجيش، الغاء حكم الأعدام، ونشر صورالمطلوبين من قادة البعث بعدد ورق لعبة القمار، إجتثاث حزب البعث، فقدان ملايين الدولارات، السماح بنهب المعسكرات والمتاحف وموجودات القصور و كافة مؤسسات الدولة، خاصة الأرشيف الوطني. وفي اواخر السنة جرى تشكيل مجلس الحكم على أساس محاصصة طائفية وقومية، وتألف من 25 عضواً غالبيتهم من القوى المتنفذة برئاسة دورية شهرية لتسعة أعضاء منهم.

قبل رحيل بريمر من العراق شكّل أول حكومة برئاسة السيد أياد علاوي مهمتها سن قانون لإدارة الدولة في المرحلة الانتقالية. وفي ظلها تم تشكيل المجلس الوطني من خلال ممثلين منتخبين من كافة المحافظات وممثلين عن الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني وأعضاء مجلس الحكم الذين لم توكل لهم مهام في الوزارة وعددهم 25 عضو غالبيتهم من الأسلاميين. وعُقد مؤتمر لهم بحضور المئات من الجنسين لتشكيل المجلس الوطني المتكون من 100 عضو. وكُلّف المجلس بصياغة قانون لادارة الدولة للمرحلة الانتقالية، وأنجز القانون بطابع مدني وديمقراطي أفضل من الدستور الدائم. وأجرت الحكومة انتخابات لتشكيل الحكومة المؤقتة التي تشكلت برئاسة السيد ابراهيم الجعفري، وكانت مهمتها سن الدستورالدائم الذي صوت عليه الشعب بدون أن يعرف الغالبيته العظمى من الناخبين محتويات فقرات الدستور. ولم تعكس مقدمة الدستور واقع عموم الشعب العراقي، وكانت العديد من مواده متناقضة وقابلة لأكثرمن تفسير، ويتطلب اصدار أكثر من خمسين قانون من قبل البرلمان، وسببت العديد من المشاكل بين القوى المتنفذة في الحكومة والبرلمان، وتحمل نتائجها عموم الشعب العراقي. وليلة التصويت على الدستور أضيفت نصوص أخرى، خصوصاً ان يتم إدخال تعديلات عليه خلال ستة أشهر. لكنه لم يعدل رغم مرورعشرة سنوات. ان الدستور لا يُكتب من قبل الفائزين بالانتخابات كما جرى في العراق، ولا من قبل الأغلبية الدينية أو القومية مهما كانت نسبتها في المجتمع، لأن الدستورهو عهد ما بين كل مكونات الشعب بشكل متساوي بين كبيرها وصغيرها، ويُكتب من قبل قانونين متخصصين بعموم القوانين ولديهم معرفة جيدة بكل مكونات الشعب والمعاهدات والمواثيق الدولية وبمساهمة السياسيين.

في أواسط عام 2006 تشكلت الحكومة برئاسة السيد نوري المالكي وأستمرت دورتين انتخابيتين. ومنذ تغيير النظام في 2003 توجد في البلد حكومة محاصصة أو مشاركة تتبدل بعد كل انتخابات ولحدهذه الفترة، ولم تتشكل دولة مؤسسات لكل أبناء العراق بشكل متساوي سواء من خلال سن الدستور أو قانون الانتخابات والهيئة المستقلة للانتخابات. وحسب تفسيرهم لمفهوم التوزان فإن كل طرف من المتنفذين يعتبر نفسه يمثل كل المكون الذي ينتمي اليه. وهذا الفهم هو بخلاف الواقع ومخالف لإستقلالية الهيئات التي تسمى مستقلة ويتعارض مع الديمقراطية ونص المادة 14 من الدستورعلى المساواة بين كل العراقيين، وكذلك المادة 16 التي نصت على ان تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين. والمادة 9 تفسر التوازن هو ان تشكيل الجيش وكافة الاجهزة الامنية يجب أن تكون من قبل كل ابناء الشعب بدون إقصاء أي طرف منهم. ان ما جرى في الفترة المنصرمة كان خرقاً لنصوص الدستور. وكل ما تم كان بإتفاق بين القوى المتنفذة في ظل الحكومات والبرلمانات السابقة. وجرى تأخير سن قانون مجلس الخدمة المدنية لتسهيل تعيين الأبناء والأقارب والموالين لهم، وتم تجاهل تقديم تعيينات الدرجات الخاصة وقادة الفرق العسكرية ومسؤولي الاجهزة الامنية وعدم عرضها على مجلس النواب للمصادقة عليها، من خلال تعيينهم بالوكالة لفترات بخلاف ما ينص عليه الدستور، وغالبيتهم من أتباع المتنفذين، على أساس المحاصصة فيما بينهم. والبعض منهم يحمل شهادات موزورة أو مشمول بقانون المساءلة والعدالة، خاصة خلال حكم السيد نوري المالكي في الدورة الأنتخابية الثاني. كما حصلت في نفس الدورة العديد من التجاوزات على الحريات العامة وقمع التظاهرات السلمية، وتوقيف الناس وفق المادة 4 أرهاب لفترات طويلة بدون تحقيق اومحاكمة، وكذلك التدخل في قرارات المحاكم، واستخدام الجيش في منع النشاطات الجماهيرية وإعتقال البعض منهم بتهم باطلة في بغداد ومحافظات عديدة... و كذلك الموقف من الاعتصامات التي جرت في المحافظات الغربية والتي كانت أغلب مطاليبها مشروعة والبعض منها مخالفة للدستور ومدعومة من قوى ودول خارجية تعارض العملية السياسية. وأستمرت تلك الاعتصامات لمدة تزيد على عام ولم يتم التعامل مع المطاليب من خلال تنفيذ ما هو مشروع منها، وجرى استخدام العنف المفرط ضد المعتصمين باستخدام الجيش والشرطة الاتحادية مما سهل زيادة اعداد المعادين من بقايا القاعدة وازلام البعث والمعادين للنظام وتدخل بعض دول الجوار في الاعتصامات. وحسب المعلومات المسربة من خلال لجنة التحقيق المشكلة في البرلمان حول الموصل وما نشر في الاعلام، كلها تشير الى ابلاغ القائد العام للقوات المسلحة بوجود تحشدات لما يسمى بداعش لمهاجمة الموصل. لكنه لم يتخذ اجراءات للحيلولة لمنع سقوط الموصل. مع العلم معروف أن القاعدة والدواعش كانوا موجودين داخل مدينة الموصل منذ فترة طويلة يأخذون الجزية أو الضرائب من اصحاب المحلات والتجار ويتنقلون بكل حرية بين الموصل وسوريا. وأكثر التخمينات عن عدد الدواعش الذين هاجموا الموصل ان عددهم لا يزيد عن 500 الى 1000 شخص وبأسلحة خفيفة ومتوسطة استطاعوا احتلال الموصل بساعات دون مقاومتهم ثم واصلوا زحفهم الى مدن أخرى. كيف يمكن تفسيرذلك بدون وجود إهمال، او خيانة، أو صدورأوامر بعدم المقاومة. ما هو تفسير الانسحاب المشين للقيادة العسكرية؟ فحسب كل التقديرات كان يتواجد في الموصل بين 25000 الى 30000 عسكري وشرطي اتحادي ومحلي، وربما العدد أكبر، لم يقاوم أحدهم هجوم داعش على الموصل.
تعرض أبناء المكونات الدينية، مسيحيين، أيزيدية، تركمان، مندائين ، شبك ، كاكائين، الى السبي على يد داعش وتم نهب دورهم وممتلكات غالبيتهم من قبل داعش في الموصل بعد انسحاب المسؤولين عن حماية سهل نينوى وسنجار، وكانت نتيجتها الدمار الذي حلّ بأبناء البلدات التي تم سبيها وعدم حمايتها. وللأسف ساهم في سرقة دورهم ابناء البلدات المحيطة بها. ونفس الشىء جرى بعد عودة الحماية، خاصة في سهل نينوى وسنجار. ولذلك صرح رئيس الاقليم بضرورة محاسبة من تركوا مواقعهم الأمنية. ولازال الآلاف منهم يعيشون في المخيمات ومرت عليهم ظروف صعبة في الشتاء البارد، وأعداد منهم هاجرت الى الخارج. ويوجد مشروع لإفراغ الشرق الأوسط من المسيحيين خاصة من العراق وسوريا ولبنان ومصر وهم بناة هذه الأوطان منذ ألاف السنين.

داعش هاجم تلكيف وبطنايا وتلسقف وشرفية ولم يهاجم القوش لأنها تقع على الطريق الدولي، ومهاجمة القوش يعني على الأكثر قطع طريق تجارة تركيا مع العراق وهي بمئات ألاف الدولارات يوميا. ولا ننسى علاقة تركيا مع داعش وبقية القوى الأرهابية في الاحداث التي جرت في عموم المنطقة. والعديد من مقاتلي داعش هم ضباط وبعثيي نظام صدام، يعرفون موقف أبناء القوش وانه عندما تُهاجم مدينتهم يدافعون عنها، ولأنها محمية بجبل بيرموس ذو التاريخ الأنصاري.

من يتحمل مسؤولية كل ما جرى في العراق؟ ومتى يتم محاسبة كل المقصرين في عموم العراق وإنجاز هذه المهمة لكي لا تتكرر جرائم أخرى في المستقبل في حال عدم محاسبة مسببيها، كما جرى لمئات اللجان التحقيقية التي شكلت من قبل الحكومات والبرلمان سابقا بدون أن يعرف الشعب نتائجها. نأمل من رئيس الوزراء حيدر العبادي تسريع إنجاز هذه المهمة لإحالة مسببيها الى القضاء العادل لمعاقبتهم قبل طرد الدواعش من أرض العراق، وذلك من خلال تشكيل لجان تحقيق عسكرية وقانونية بإشراف القضاء المدني والعسكري تُتابع من قبل الحكومة والبرلمان، وليس تشكيل لجان كبيرة تحقيقية من أعضاء الكتل النيابية المتنفذة في البرلمان لكونها مسؤولة عن كل مآسي مكونات الشعب العراقي منذ التغيير ولحد الآن.

منذ تشكيل الحكومة برئاسة السيد حيدر العبادي توجد بوادر تحسن نسبي في الأمور الأمنية خاصة في بغداد وبعض المحافظات خلال شهري شباط وآذار. وهناك الموقف الواضح والصريح من محاربة الفساد المالي والاداري، والتأكيد على حصر السلاح بيد الحكومة، وجرى تحسن بخصوص حرية الرأي والتظاهر في اغلب المحافظات، والغاء منع التجوال ورفع العوارض الكونكريتية وفتح الشوارع أمام المرور... والسعي لعقد مؤتمر وطني للمصالحة ما بين كل القوى التي ناضلت لاسقاط نظام البعث والمؤمنة بالنظام الديمقراطي وبمبدأ المواطنة لكل العراقيين من دون تمييز بين العراقيين بسبب الدين، العرق، الأنتماء السياسي والفكري. المهم هو إصلاح العملية السياسية من خلال الغاء المحاصصة التي هي أس البلاء في العراق و بناء دولة المؤسسات والمواطنة لكل العراقيين بالتساوي وتحريم كافة تشكيلات الميليشات وبمختلف أنتماءاتها، وتحسين العلاقة مع الأقليم والتشاور فيما بينهم بما فيها مكافحة داعش والأرهاب وتصدير النفط والميزانية ورواتب البشمركة، والسعي لتنفيذ بنود الأتفاقيات التي تم بموجبها تشكيل الوزارة الحالية. كذلك تحسن العلاقة مع دول الجوار، وتحريرالعديد من المواقع التي كانت خارج سيطرة الحكومة ومواصلة العمل بشكل جدي لتحرير بقية الاراضي التي احتلتها داعش منذ 10 حزيران من العام الماضي، من قبل قوات الجيش والشرطة والتنسيق مع التحالف الدولي والحشد الشعبي والعشائر وقوات البيشمركة في المناطق التي يتواجد فيها داعش. وتحققت منذ بداية عام 2015 انتصارات جيدة في جرف الصخر وأطراف محافظات الموصل وكركوك وديالى وتم طرد الدواعش من أغلب مناطق محافظة صلاح الدين والنصر قريب، وكذلك من بعض مناطق الأنبار، لفتح الطريق لتحرير الموصل الحدباء بأقرب وقت ممكن ولإعادة الفرحة لكل العراقيين وعودة النازحين الى بيوتهم وتعويضهم عن خسائرهم خلال هيمنة داعش على دورهم وممتلكاتهم الخاصة.


أواخر أذار 2015


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter