|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  5  / 2 / 2015                                                                                                                         أرشيف المقالات

 
 

 

فكتوريا وبناتها....!
زيارتي الأولى الى دهوك

ماجدة الجبوري

دهوك مدينة جميلة تحيطها الجبال من كل الجوانب والخضرة، وجوّها النقي كأهلها، أل "عشٓرِيّون" التجأ اليها أكثر من مليون نازح أغلبهم من الإيزيديين، ممن هجروا قسراً، وأبيحت أعراضهم وهدرت دمائهم، وصودرت ممتلكاتهم.

كان لقائي اولا بالعزيزة "فكتويا" ام عادل وعائلتها الطيبة، التي جنّدت نفسها في خدمة النازحين، وخاصةً الإيزيديين.

فكتوريا مناضلة من الطراز الأول، شيوعية، عملت في مقر اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في فترة السبعينات، في بداية شبابها.

لا زالت تحمل ذات الأفكار والقيم وتعمل بهمّة ونشاط ، مع رفيقة نضالها المهجّرة قسراً العزيزة نازك شمس الدين وعائلتها، تساعدهم ابنة فكتوريا الشابة الرائعة لانه تعمل موظفة، لكنها ترافق امها بعد الدوام وأيام العطل.

قالت لي فكتوريا ضاحكة ، اليوم راح انزور بناتي الحلوات ايعجبچ تروحين وياي؟ اجبتها بكل سرور.

حياة وعائلتها....
حياة ابنة الثانية عشرة "كتبت عنها قبل فترة" لا تعرف سوى ثلاث كلمات باللغة العربية "الدولة الإسلامية باقية" تنطقها بشكلٍ مضحك، وتشدّد على مفردة "باقية" هذا ما استطاعت زمر داعش تدريسه لحياة في مدارسها الإرهابية!!

حياة، كانت لها حياة عادية، تعيش وسط عائلتها، سعيدة بمدرستها، وألعابها تتقاسمها مع اخواتها، ولها رفيقات الطفولة، لها جيران، وأقارب، لها بيت و وطن.

تسرد حياة قصتها واسرتها، تقول:
عائلتي تتكوّن من ثمانية أفراد اربع بنات وصبيّين،، نعيش في منطقة "يرموك" القريبة من جبل سنجار، يسكن قربنا عشائر عربية.

غزتنا قوّات تحمل اسلحة كثيرة، يركبون سيارات ، كان الوقت فجراً، يرتدون ملابس غريبة، لهم شعر و لحى طويلة، اشكالهم مخيفة، أثاروا في نفوسنا الخوف والرعب، كانوا يضربوننا، نبكي، نلوذ و نحتمي بوالدينا، لكنهم يصرخوا أكثر فينا.

بدايةً جمّعوا كل العوائل، الاطفال، الامهات والرجال، اقتادونا في سيارات، كما صادروا سياراتنا أيضا.

سألتها لماذا تلبسين خيوط قطن بإذنك؟ أجابت بحزن، كنت البس" تراچي" وأخواتي في إذاننا لكنهم اخذوها منّا بالقوة وأدموا آذاننا، واخذوا خاتم امي من يدها أيضاً.

وتضيف حياة، كنّا عوائل كثيرة، يأخذون الفتيات الصغيرات والشابات، لا اعرف الى أين، والدي كان خائفاً جداً على مصيرنا، قال لوالدتي سنهرب حتى لو قتلونا!!!.

في احد الّليالي كان الحرّاس الداعشيّين قليلين، وأحياناً ينامون، استغلّ والدي الفرصة، وهرب مع اثنين من شقيقاتي الأكبر مني، لأنه كان خائفاً ان يكتشفوا أمرنا ويقتلوننا جميعاً، إمي كانت خائفة على مصير والدي وشقيقاتي، لم تهدأ ابداً، ولم تفتح فمها فقط دموعها تجري!

بعدها بيوم، هربنا نحن، قالت لنا أمي لا تخرجوا نفساً، كي لا يسمع صوتكم، كادت قلوبنا ان تتوقف، نركض بهدوء وراء امي.

هنا التمعت عيون حياة الخضراوتين واحتقنت الدماء في وجنتيها، ومن خلال دموعها، قالت وجدنا جثّتي شقيقاتي مع والدي لكنه كان حياً و يتنفس رغم إصابته الكبيرة بإطلاقات نارية، وضعته أمي في حضنها وهي تحبس انفاسها وتبكي، لكن شقيقي وضع يده على فمها وهمس في اذنها قائلاً : أمي يجب أن نواصل الطريق! أجابته أمي بحزن لكن والدك لازالت فيه روح، رد اخي عليها، سيقتلوننا جميعاً يا أمي، يجب أن احميكم!!

لا زالت حياة تواصل قصة عائلتها : تمسّكنا بأخي بقوة اكبر، أمي تعبت كثيراً وفقدت قوّتها، فقد تركت ثلاثة أحبّة بنتين، جميلتين، الاولى تحمل خمسةَ عشر ربيعاً، والثانية في الرابعة عشر، لكن قوة أمي تكمن في تخليص البقية، وأخي كان شجاعا، رغم انه لازال صبياً، فهو ابن السابعة عشر، لكنه تصرف معنا كرجل مسؤول عن حمايتنا.

همنا في دروب، وطرق شائكة، ماءنا قليل، وزادنا أقل، أخي كان مسؤولا عن أعطائنا الماء بقدر قليل مع كسرة خبز، تسأله أمي بحزن، ماما ليش ما تشرب مٓي ولا تاكل ؟ يجيبها بحزم، اهم شيء اخواتي الصغيرات، مشينا ليالي طويلة جداً، في النهار كان الجو شديد الحرارة، انه شهر آب اللهّاب، في اليوم السادس خرّ أخي صريعاً بسبب العطش والجوع، جزعت أمي ولطمت، بكينا كثيراً، لكننا ايضاً واصلنا المسير، نحمل آلاماً تهد جبالاً، تركنا جثث عائلتنا في العراء، دموع أمي روت الأرض، وهي تصرخ قتلوا رجالي قتلوا بناتي، كيف سأعيش بدونهم يا ربي.

في اليوم السابع وصلنا مع عوائل الى مناطق أمنة، ومنها نقلنا الى منطقة شاريا.

حياة وأختها نديمة وكل العائلة تعلّقتا بفكتوريا بشكلٍ عجيب، ينادونها ب ماما، تأخذهم الى بيتها تغسل لهم، تضفر شعرهم، تشتري لهم الملابس، ترعاهم بحنان هي وعائلتها، اصبحت علاقة حميمية بينهم، فكتوريا تفكر ان تخرجهم من الهياكل الرطبة التي يعيشون ويتاقسمونها مع عوائل أخرى، لكن الإيجارات مرتفعة في المدينة، فهناك ناس اصبحت غنيّة جراء استغلالها لوضع النازحين ومآسيهم للاسف!!

حياة تكبر يومياً، وتبقى ذاكرتها ممتلئة بوحوش الأحلام المفترسة، وتتذكر أرضا ارتوت بدماء عائلتها، وجلدتها، وقتلت فيها الطفولة.

لحياة أقول ودموعي مدرارة، اتمنى ان تكوني وتكونون ايها الأيزيديون أكثر تماسكاً، اكثر قوّة ووحدة، والحياة ستعلم حياة وتمنحها القوة والعزم على مواصلة الطريق.

‏‫



 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter