|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  4  / 1 / 2016                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 


 

"حفرة السيد"
مسرحية عن الحاكم والمحكوم في بلاد بلا حكم

ثامر الزيدي - بودابست
(موقع الناس)

هناك مسرحيات ينتظرها العاملون في مجال الفن المسرحي لأجل دراستها واستنباط القيم الفنية والدرامية فيها بغية تقديمها على خشبة المسرح. وهنا تقع على عاتق المخرج والممثل أعباء كبيرة أهمها استنباط الجو العام للمسرحية، ودراسة الشخصيات والصراعات والتقنيات الفنية التي تنطوي عليها، ومن ثم معرفة ما اذا كانت أحداثها الدرامية تتطابق والظرف الراهن في البلد، بل ومع العالم لتكون شمولية.

يمس عنوان المسرحية السلس هواجس المخرج فتتماشى مع الجو العام للأحداث السياسية والاجتماعية، وهذا ما يحصل عندما تقع بين أيدي المسرحي المتخصص مسرحية (حفرة السيد)، للكاتب ماجد الخطيب، التي تتميز بأبعاد ثلاثية في تناولها للأحداث في وطننا العراق، وما آل إليه الواقع السياسي، وكيف تتوالى الحفر في الذاكرة العراقية، هذه الحفر الممتلئة بالأجناس والقيم الفكرية والسياسية والانتماءات العرقية. بل يصاب القاريء بالتوهان، وأحياناً بالتشرذم وهو يقارن حفرة الواقع الحالي للسيد، بحفرة القائد الضرورة التي تتعدد الحفر فيها، بين حفر الضحايا وحفر الجلادين، فنرى المؤلف وشخصياته، التي في الحفرة، وهي تنهض من مواقع شديدة الغربة، تتحرك في عالم بعيد وقريب في آن واحد، فتتداخل الأحداث السابقة والراهنة. نلاحظ ان أبطال المسرحية، الذين يمثلون شرائح مختلفة ومتعارضة في عوالم جديدة، وفي عالم يومنا هذا، تتصارع لأحتلال مواقع جديدة رغم انها خرجت من حفر المقابر الجماعية، وتلك هي الطامة الكبرى. ينهضون من عالم الأموات في فترة ماقبل الحساب (البرزخ) كي يسنوا نظماً لمجتمع جديد بأنماط لا تتماشى مع العصر الحاضر، ويكشفون عن تطلعات صراعتهم الداخلية الحبيسة لأعوام كثيرة من القهر والعنف والمعاناة داخلهم.

ولهذا يستأسدون على بعظهم البعض، واجدين المحاصصة خير سبيل ليتسيد فيها على الموقف شخصيات عاشت وتعيش في التراب وفي أعماق الظلام، تنبعث من الحفرة مؤقتاً، وتعلم، وهنا المأساة، أنه نهوض مؤقت. ونراهم حينما يفيقون، يعودون إلى اصولهم وثقافتهم وجذورهم الأصلية، فنرى هذه الشخوص بملابس نصفها اسود ونصفها الآخر أبيض، وكذلك الأمر في ألوان وجوههم، ونشاهدهم في صراع داخلي بين الملا صاحب العمامة، الذي يحاور نفسه وشخصيات المسرحية، ويمنع الماء عن طفلة المرأة احتجاجاً على عدم ارتدائها الحجاب، وكأن السفور جريمة تستحق عليها طفلتها الموت. يؤدون هنا مشهداً مأساوياً ضاحكاً متخذين من الطفلة الرضيعة باباً للتسامي على الآخرين بترديدهم اللطميات سوية، وهم في الواقع على خلاف في كل شيء. ويؤزم الملا الموقف مع السكير، الذي لا يعرف مصيره ويحاول أن ينفيه من الحفرة التي هي ليست أكثر من مقبرة جماعية.

وتزداد الامور تعقيداً عندما تظهر شخصية الكردي، أيضاً بلونين، الذي لقن قوانين وأنظمة وأفكاراً يتبناها دون أية قناعة مدعياً الديمقراطية، حتى مع شخصية العسكري الخارج من القبر أخيراً، وهو مشتت الأفكار، ويصبون جام غضبهم عليه. وهو أيضاً في الحفرة مقتول برصاصات طائشة اصابته، من فرقة الاعدام التي هو من ضمنها، وحولته إلى قاتل ومقتول وضحية وجلاد في آن واحد.

وعندما تحاول هذه الشخصيات الاستفاقة من قبورها وحفرها السابقة، وهي في ذات الوقت قبورها الاخلاقية والاجتماعية البالية، يعجز واحدهم عن تسمية نفسه ومعرفة من منهم الشهيد والضحية، ومن منهم الجلاد. وحتى الشهداء من الأنصار الشيوعيين، الذين يقر الجميع بانهم ضحوا من أجل الوطن والشعب، يرفض الملا، المتلون حسب منافعه الشخصية ويحاول بطرق ملتوية ان يكون المنتصر والشهيد والمثل الأعلى، الاعتراف بهم كشهداء، رغم ان الجميع لا يقبل بادعائه. وهكذا نرى المشاهد الدرامية للمسرحية الساخرة المضحكة التي تعرض ما وصل اليه الشعب العراقي من تفكك وتحلل نتيجة القهر والحروب التي ابتلى بها لعقود طوال.

ثم نرى المشاهد الدرامية للمسرحية تتقد وتصل الى الانفجار، فيترك المؤلف الأمر إلى جمهور المسرحية ليقرر ما سيكون عليه مجتمعهم القادم إذا ما بقوا مقبورين داخل حفرهم.

وهنا يستفز الجميع الصمت والهدوء (الذي يسبق العاصفة) الذي يسود المسرح والحفرة، ويترقب المشاهد ما الذي سيحل بهم وسط الأضواء الحمراء وصوت العواصف، وهذا كله نذير حرب جديدة، فتنسحب هذه الشخصيات بصمت مفضلة الهرب وتدس نفسها في قبورها مجدداً. ولا تبقى على المسرح سوى الفزاعة الأولى، التي تنظم إليها فزاعات أخرى تملأ المسرح مع أشباح الرامبو الامريكي وأصوات الرصاص. وهنا تنبعث من هذه الارهاصات الحاقدة حتى على سكان الحفر، التي سادها يوماً مجنون بالعظمة أحب الحروب وعشقها، اغنية "الحرب" للمغني ادوين ستار وتطلق حكمها على عالم مسرحية (حفرة السيد) لتسود المسرح بكلماتها الرائعة التي سنذكرها دوماً في مأساة وسخرية حياتنا التي عشناها عبثاً .

ما نفع الحرب بربكم؟
لا شئ اطلاقاً!
لا نفع فيها سوى لتجار الحروب والدفانين
تخطف أرواح الشباب
وتخلف الدمار
ما نفعها اذن بربكم ؟؟؟؟



 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter