|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  2  / 8 / 2015                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

الحقيقة ... والحجي والعلوية والعمَّاية (*)

عباس الجوراني

لم يعتد الشيوعيون العراقيون طوال عمرهم التخلي عن نبل الاهداف التي نذروا انفسهم للوفاء بها طواعية ، ورغم ان الحياة لم تمنحهم تلك الفسحة ما بين تقديم الفكرة وتخيل تنفيذها الملموس ، الا ان ذلك لم يكن ليمنعهم من التأقلم مع المكان بكل تضاعيفه فكانت صحافتهم نبعا دافقا يلامس قلوب المهمشين ليدخلها مرحبا به وبدون استئذان.

لهذا ولكثير غيره لم تتخل صحافتهم عن واجبها فكانت بوصلتها التي لا تتيه ، هي هي سواء عملت تحت ترصد وانياب بهجت العطية او جلاوزة شمس الدين او همج فاضل البراك.

و لأن الاحكام تتشابه سواء صدرت من المحاكم العرفية او محاكم الثورة والامن وحاكمية المخابرات فإن ما يوحدها هو العداء لكل ما يصدر من الشيوعيين ، وما يقف بوجهها تلك القلوب التي احتضنت الشيوعيين بين حناياها فتوزعوا كالرياحين في بيوتات عراقية هي الطيبة بعينها فأحتضنتهم اوكارا تشع الامل في ظلام اشاعته انظمة هي خليط من العملاء والطغاة ، جعلت من العسف شعارا لها.

ولهذا لم يكن الشيوعيين ليعبأوا بالمكان ، فنقرة السلمان لم تمنعهم من اصدار منشوراتهم السرية المنتظمة وقساوة الدكتاتورية لم تمنع الانصار من صناعة تطلعاتهم ورؤاهم صحفا ومنشورات تجد طريقها لأبناء شعبنا رغم القمع والكيمياوي.

ومن هذا المخاض ولدت (( الحقيقة )) منشورا سريا يفيض عبقا من بين ركام الموت والخنق الذي مارسته اجهزة صدام القمعية وخاصة بعد انتفاضة اذار الشعبية اعوام التسعينات بعد ان ادرك النظام مدى الكراهية التي يكنها الشعب له .. هذا المنشور الذي اقض مضاجع النظام على مدى اكثر من سنتين وظل يشع املا في ظلام اراده الطاغية حالكا . فكان هذا الشبح الذي ظهر متجولا في معظم محافظاتنا لاعنا الطغاة وكاشفا عن سفالاتهم تجاه شعبنا فأحتضنته ازقة واسواق بغداد والحلة والناصرية والديوانية والبصرة وغيرها من المحافظات ...

حصل ذلك بالتزامن مع التشرد الذي واجهه الرفيق ابو ظافر وعائلته تاركا بيته ( وكل تحويشة العمر ) هربا من بطش النظام بعد ان كان رأسه مطلوبا حين شارك بأنتفاضة الشعب ، حيث صادر النظام كل ممتلكات العائلة . فكانت ( ام الخيل ) احد احياء الديوانية التي شكلت محطة اولى لأختفاء هذه العائلة التي شكلت فصيلا شيوعيا متقدما ومتكاملا ، اعني عائلة الرفيق ابو ظافر ، يشد من ازرها تواصلا لم ينقطع من الرفيق ابو حيدر ( عطا عباس ) وهناك كانت المحطة الاهم لأنبثاق صحيفة الحقيقة السرية ... صوتا مدويا من اصوات الشيوعيين الجسوره في معقل النظام الذي ظن واهما انه افرغ العراق من الشيوعيين .. وسرعان ما شكلت هذه الفصيلة المقدامة نواة تجمّع حولها شيوعيي محافظات اخرى كبغداد والبصرة وكربلاء والحلة والناصرية . عملوا كخلية نحل مواصلين الليل بالنهار من اجل استمرار صدور صحيفتهم متواصلين - ما امكن - مع الرفاق في شقلاوة ، وبطرق متنوعة غاية في الخطورة والمجازفة فتناست هذه العائلة في غمرة نضالها كل الحرمانات والمآسي من اجل ان تحيا حياة تليق بها في مقارعة الطغاة .. ولم يدم البقاء طويلا في (ام الخيل) فلأسباب امنية وصيانية تم الانتقال الى ريف ( ال خليفة ) في الديوانية نفسها .. واستمرت الحقيقة تنشر اريجها بالتوازي مع جهود الامن الفاشي في البحث عن اية شارة تدلها على الوكر ، متخطية عشرات السيطرات بين الديوانية - بغداد وما بين الديوانية والبصرة مرورا بالناصرية ، والحق يقال فأن كل عدد يصدر منها يتسبب وقتذاك بعقوبات نقل وقطع رواتب للعشرات من منتسبي الامن ومصوريهم وفي اغلب المحافظات عندما تتواجد نسخة واحدة من ( الحقيقة ) في احدى اسواقها او شوارعها .

فسلام لك رفيق ابا ظافر ( الحجي ) وانت تتسقط اخبار اذاعة صوت الشعب العراقي لتدبجها اخبارا للحقيقة ، وطوبى لجهودك وانت تتدبر لقمة عيش رفاقك حين زرعت محيط البيت الخارجي بالخضروات ، وهل ننسى في زمن الجدب ذاك وجبتنا الشهية نحن ( المفلسين ) ببضعة بيضات تتكرم علينا بها دجاجاتكم التي اودعتها في ذلك ( القن الرحيم ) .

لازالت صورتك وام ظافر ( العلوية ) والعماية وكل العائلة مرتسمة في اذهان رفاقك .. اولئك الشامخين الذين لم يهتز لهم جفن وهم يفقدون ابنهم الاكبر الشهيد ظافر ( ابو هند ) كان درسا في رباطة الجأش وقوة المبدأ حين لفق له النظام ولرفاقه تهمة جنائية ..

 ولازال الرفاق يذكرون روح المثابرة لدى العماية ( اخت ابو ظافر ) في تلك الليلة الشتوية يوم انعقد الكونفرنس عام 1994 حيث اخرجت سلام ومؤتمر ورسول ليناموا في العراء ( محيط البيت الخارجي ) لتوفر الأغطية للرفاق الاخرين .

ولرفيقاتي جنان التي انجبت حيدر في زنزانات الامن ، وابتسام التي حملت معها فيروز لزنزاناتهم ... رضيعة تجاوز عمرها السنة فلم تسلم من صعقات كهربائية لازمتها اثارها حتى اليوم وايمان التي جاورت الافاعي في الصحراء شهورا طوال هربا من الفاشست لكنّ المحبة كلها .

ومرحى لكم رفاقي يا من ساموكم العذاب في مديريات امنهم الرفيق صفاء ( ابو فيروز ) والرفيق مزاحم ( ابو سنا ) والرفيقان الجسوران ابو كفاح ( ديوانية ) و رسول اللذين نجيا بأعجوبة والاصدقاء ورفاق الحقيقة في البصرة ممن شكلوا رافدا نبيلا لم يبخل على الصحيفة بالخبر والقصة والقصيدة فلم يسلموا من الاعتقال ، لكم كل الاحترام فيا غالب المالكي ( ابو ليث ) .. خالد السلطان .. مخير العلوان .. داود الربيعي .. محمد البطاط .. قصي الخفاجي .. حاتم العقيلي .. والاستاذ جابر خليفة .. لكم باقات ورد عطرة.

وأنتم يا جميع نساء ورجال الحقيقة بوركت جهودكم، فقد رحل الطغاة وبقيتم انتم - يا من وثقتم ضيم التسعينات- نجوما ساطعة في سماء الحقيقة .

 

(*) الحجي هو كل ما نعرفه وقتها عن الرفيق زهير ناهي الحسناوي ( أبو ظافر) والعلوية هي الرفيقة زوجته و شقيقته العمَّاية .

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter