| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 2/2/ 2010



أمـن بعـقـوبـة والألتحـاق بكردستــان
(2)

عبد العظيم كرّادي

في السليمانية، وكما كان قد اتفق ضامر خليل مع الجماعة الذين تعرف بهم من خلال جمال حمدان وهو شيوعي وابن محلته آنذاك، وآخرين أذكر منهم شخص اسمه كوردو. (وكما أخبر جمال ضامرا):ان كوردو زميل جمال في المعهد او الكلية. ولكن كوردو والآخرين عّرفوا ضامر بشخصٍ آخر، رأيته يوم التنفيذ وكان أسمه ازاد, شاب وسيم يلبس الزي الشعبي الكردي .

طلب منا هذا المناضل المزعوم (ازاد) ان نجلس في مقهى صغير جدا مقابل مبنى المحافظة وذهب هو الى داخل المبنى، زاعما انه يبحث عن صديق له سيوفر له سيارة. بعد ذلك ظللت انا جالسا في المقهى مع رعد عز الدين وإبراهيم الخياط كنا فرحين جدا بذلك، وحسبما أفهمونا وناقشنا ضامرا، الذي كان صلة الوصل والاطلاع على التفاصيل، ما هي سوى ساعة او أقل ونصل البيشمركة وبالتحديد الى جماعة اسمها الباسوك؛ كان هذا الاسم غريبا ومدويا في أسماعنا نحن الذين نريد ان نلتحق بالأنصار ونكون جزء من مشروع النقد بالسلاح بعد ان عجز سلاح النقد بالوسائل السلمية الأخرى ان يوقف البعثيين عن مخططهم الخبيث في كم الأفواه وكبت الحريات الديمقراطية، بل وإنهاء الحزب الشيوعي، الذي كان العقبة الرئيسية أمام سلطة البعث في تنفيذ مخططاتها المتهورة، سيما ان المعارضة كانت في طريقها الى تبديل أساليب عملها والانتقال الى الكفاح المسلح، بعد ان سُدّتْ أمامها كل طرق العمل او هوامش الانفتاح البسيطة التي كان من الممكن التعبير من خلالها، عما تريد الناس بكل تلاوينهم. كانت المواجهة شرسة وكنا نحن الشباب قد ضقنا ذرعا بسوء الأوضاع ونشعر بانسداد الآفاق كل الآفاق أمامنا.

إذن ليس المطلوب غير الانتظار لبرهة من الزمن وسيأتي الفرج. كنا قد اتفقنا ان نقوم بتدبير(ختم) لنموذج إجازة وعلى ما أذكر الآن اشترى إبراهيم ورعد (ممحاة) لعمل الختم بينما نحن جالسين في المقهى الذي كان فيه بعض الجالسين وأحدهم كان يلبس الزي الفلاحي العربي (العقال والصاية).

في ذروة الحماسة لم تستوقفنا الكثير من المؤشرات التي كانت تدل على ان هناك امرا دُبر بليل سوّى هذا المناضل الكردي المزعوم. انطلقتْ السيارة من نوع لادا تكسي عبر شوارع مدينة السليمانية. التي كنا نجهل كل شئ عنها، بدءا ً من لغتها ،وانتهاءً بأسماء الشوارع، ومعرفة الجهات. كنا قد اتفقنا، بل قل أكد علينا ذلك (المناضل) ذو المواهب المتعددة والذي كان يتحدث اللغة العربية بطريقة غير متقنة ولكنها محببة أو هكذا بدت لي أنا المغرم ببطولات العـُصاة الأكراد أوالعاصين على الباطل كما كان إبراهيم الخياط يخرّج او ينحت وقت ذاك كبديل، لكلمة العـُصاة، التي كانت ماكنة الدعاية البعثية السلطوية، تطلقها على البيشمركة.؛ أكد علينا (المناضل السائق) كذلك على ان نتوقف على قارعة الطريق من اجل إتمام الختم .

وحتى يتمموا تمثيلهم المتقن طلب هذا (الفنان) آزاد من ضامر الذي كان يجلس معه في مقدمة السيارة أن ينزل معه عندما يتم ايقاف السيارة منوها حتى يبدو الأمر طبيعيا. وكانت مثل هذه التنويهات مقبولة جدا من جانبنا, ذلك ان ما يتناهى الى سمعنا وما عرفه أكثرنا بصيغة أو أخرى عن البيشمركة وبطولاتهم وبدء مفارز الحزب الشيوعي العراقي, بالنشاط في كل كردستان تجعل الأمر مسوغا. كان هذا الوضع العام في السليمانية، التي سأعرف في السنوات التي تلي ذاك الصيف السليماني انه ليس من العبث ان يطلق عليها المناضلون الأكراد مدينة التضحية والفداء (شهر هلمت وقرباني).

توقفت السيارة وبينما نحن، منشغلين بعمل الختم في المقعد الخلفي إبراهيم ورعد وأنا، وكان ضامر قد نزل مع السائق وفتحوا غطاء ماكنة السيارة، من اجل التظاهر المزعوم، فإذا بسيارة زرقاء من نوع تويوتا كان يجلس بها ذلك الشخص الذي كان يجلس في المقهى بزيه العربي مع فارق كبير هذه المرة فقد كان يحمل بندقية كلاشنكوف بدت فوهتها لي من خلال زجاج السيارة وكان يضعها بين ساقيه. وما هي إلا ثوان ٍ خاطفة للبصر، حتى انقضوا علينا كالكلاب المفترسة وهم يصيحون: سيدي انهم يريدون الهروب الى البيشمركة. ثم جاءت قوة أخرى بسرعة فائقة من الأمام وقد بدا على احدهم مظاهر العافية وقوة البنية الجسدية، كانوا يستقلون سيارة لاندكروز اي من سيارات الأجهزة القمعية آنذاك. كان هذا هو المسؤول، كما يبدو وبضربة رياضية واحدة منه قد طرحني أرضا وقبلها مع الصفعات من أزلامه الآخرين دار رأسي ونظري ولم أجد غير زملائي بجواري على الأرض لم نكن نسمع غير هرجهم وزعيقهم الذي ملأ الفضاء.

اما نحن فقد أخذتنا الدهشة، التي يصرخ بها صمتنا المغلف بأصوات التلوي من ألم الضربات. كانت لحظات ملؤها القلق المشفوع بالخوف, الرعب, الريبة، والغموض الذي بدأت تتكشف بعض خباياه, التي كان يسكتها ويطمئنها الحماس والاندفاع الشبابي. كان هناك إرهاص وشعور يعتمل بداخلي بأن هناك من وشى بنا. بعجالة وضعونا بسياراتهم ونقلونا الى معتقل ما. أنزلونا مباشرة ووضعونا في غرفة خالية من كل شئ ، ضرب أحدهم الحائط قائلا (هذا الحائط به جهاز للتنصت فلا يكلم بعضكم بعضا) ضحكت منه! وإذا به يلاحظني فقال: وتضحك كذلك؟ في الحقيقة ضحكت لأني اعرف كذبه.

من بين الوجوم والحيرة التي سيطرت علينا قدح شئ في رأسي, إذ بعد كل هذا الجهد والعناء والتعرف على هذا وذاك ينتهي الأمر بنا في المعتقل. وبعد تبادل أطراف الحديث ذو الجمل القصيرة المشحونة بالخوف قلت للأعزة إبراهيم الخياط ورعد وضامر. بينما آزاد يقول لضامر عليك ان تبلع الورقة التي بها بعض أسماء الذين يأتون بعدنا ويجب مساعدتهم. تلك الورقة التي أعطاها له ضامر الذي وضع كل شكوكه جانبا آملا ان يساعد الكثرة من رفاقنا الذين بلغ بهم الاستياء حد المغامرة.

تلك الورقة المشؤومة ستجلب الوبال على طالب عبود وحسين هادي وكريم كربلائي وآخرين. فما كان مني إلا ان قلت له ابلعها أنت, وخشية مني. ان يلحق برفاقي أذى كبير خاصة ان فيهم من لم يدخل التوقيف والمعتقل. قلت لهم تحدثوا بالحقيقة ولا تحاولوا الإنكار لأن الأمر واضح انهم يعرفون كل شئ. وإلا كيف يصرخون بأننا نريد أن نلتحق بالبيشمركة. بدأوا يأخذوننا الى التحقيق .استدعوا أولا آزاد ولم يعد بعدها ولم نره بعد ذلك التاريخ. بدأ الليل السليماني الصيفي عذب الهواء يليل.. حل هدوء يسبق عاصفة التحقيق التي كنت أخشى لحظاتها وظلت تلح عليّ هواجس التحقيقات في المرات السابقة وأنا في خضم هذه الهواجس وما يجول في خاطري خلال لحظات الترقب هذه.

اذا بهم يصرخون مناديين باسمي سمعت النداء رغم نباح كلب حراسة، كان مربوطا قرب باب الغرفة وكان يصم الأذان. خرجت معهم اجر أذيال الخيبة مما حصل في ذاك النهار الطويل. أدخلوني في غرفة تبدو أنها لضابط كبير فهي مجهزة بعناية فائقة في الإنارة, التبريد والأثاث وكان يجلس على الأرائك اخرون. بدأ هذا الضابط الجالس خلف المنضدة الكبيرة يسألني عن اسمي وعما حدث. لكنه بدأ يضحك مني عندما أشار اليّ ان انظر للشخص الجالس جانبا، وسألني هل تعرفه وكان هذا الشخص يلبس هذه المرة شروالا كرديا ولكني عرفته انه نفس الشخص ذو الزي العربي. واخذوا يضحكون ملء أشداقهم. أثناء رواية ما حدث كنت ألاحظ عليه تأكيده ان ضامر قام بكذا وان ضامر فعل كيت فصار يقيني اكبر بمعرفتهم بكل مرحلة الإعداد والتي فعلا تطوع ضامر للقيام بها في كل الفترة السابقة لأنه كان طالبا في الجامعة ويمتلك حرية أكبر في الحركة، وكان إبراهيم الخياط لا يستطيع التحرك بسهولة لأنه ملاحق ولكن ضامر كان يتشاور مع إبراهيم أولا بأول، شعرت بحجم الخطر. لن يكن ضامر داخلا لمعتقل قبل هذا التاريخ ... في معرض ردي على أسئلة الضابط المحقق. قلت له: ان ضامر لم يكن قبل ضرب تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي إلا صديقا للحزب على ما أعتقد, في محاولة مني للتخفيف عما سيتحمله ضامر. الأمر الذي حدا بهذا الضابط الخبيث ان يوظف قولي هذا بطريقة ماكرة هي من ديدن أجهزة القمع البعثية. سائلا إبراهيم الخياط (ان عبد العظيم يقول انه أقوى وأكثر شيوعية من ضامر، فماذا تقول أنت هل أن شيوعيتك أقوى وأكبر من الاثنين معا) هذا ما رواه لي إبراهيم الخياط فيما بعد. لم يقم هؤلاء بالتحقيق معنا تحقيقا جديا كما هو معهود في تلك الأيام بل كان مجرد استفسارات، وبعد تلك الجولة من التحقيق ،وضعوني في غرفة أخرى لوحدي... قضيت ذاك الليل الطويل ملتحفا ً همومي المغلفة بالمجهول الذي ينتظرني... وظل كلب الحراسة ينبح طوال الليل!!!


27/1/2010



¤  أمـن بعـقـوبـة والألتحـاق بكردستــان (1)

 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات