| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 19/1/ 2010



أمـن بعـقـوبـة والألتحـاق بكردستــان
(1)

عبد العظيم كرّادي

كتب العزيز أحمد صفر في شهر نوفمبر الماضي موضوع توثيقي بطابع (ذكرياتي) ، تحدث فيه عن ايام عسيرة وشاقة لكنها مملوءة بالمغامرة الشبابية ذات العنفوان الكبير، تلك التي كانت انذاك تملأ قلوب الشباب ممن على شاكلتنا . بل أن شئنا، فهي الثورية في رفض القهر والعسف ومحاولة تحطيم روح التقدم والتجديد، وهي عملية كانت تجري بشكل منظم من قبل حزب البعث وأجهزته القمعية، وخاصة بعد تسلم الطاغية صدام الموقع الأول في عملية تخريب العراق.

أثار الحبيب احمد صفر (أبو روزا) لهيب الذكريات وشجونها ووضع النقاط على الحروف الصحيحة التي طالما تحدثنا بها خلال (28) عاما ، من هذا العمر الذي أمتد بنا بمحض الصدفة ، لنكون شهود حق لأثبات : أن النفوس الدنيئة عندما تستمر ترسف في ذلها وتتوطنها الخسة, ان لا سبيل لتخليصها من الأدران، وأن كنا نحن ابناء الحزب الشيوعي العراقي قد جُبلّنا وتربينا على فكر التسامح وأحترام الأنسان في حالات ضعفه. ففي مدرسة اليسار العراقي لم نسمع بقصص للأنتقام أو محاولة النيل حتى من الخصوم بطرق غير شريفة فنحن أبناء الضمير الشيوعي الذي نعتز به ايما أعتزاز ، وهذا الضمير الشيوعي هو الذي يحتم علينا قول الحق وأحقاقه ولو على (أسنة الحراب) كما يقال.

بات في هذا الزمن الغريب كما لو أن (حرامي يحلّف المبيوكَ والمبيوكَ يتوسل الباكَه) بات علينا نحن أن نقدم القرائن والأدلة وليس ألأذلاّء من خادمي الجزار ، رغم ان الحقائق ساطعة ولا يحجبها غربال سوى أن كانت بالوثائق او بما أختبرناه بأجسادنا وأرواحنا قبل (28) عاماً مضى، وما أجمعنا عليه كل تلك السنين وما لحقها من عذابات وحرمانات ستبقى شاهدة بالصدق كله...

بعد هذه المقدمة أجد لزاما عليّ القول أن ما جاء بذكريات احمد في جزئيها هو صحيح في مجمله وان ذاكرتي تحتفظ مثل العزيز احمد ابو روزا وبقية الرفاق الأعزاء كلهم ، اذ أننا نرتبط ببعضنا منذ سنوات وبذات المصير، وفي ما يخصني فانا على علآقة حميمية مع كل من كان معنا في المعتقل وهم الأحبة الأعزة على قلبي وسيبقون هكذا فهو تاريخنا المشترك الذي لم نغادر قيمه الرائعة، أولئك الأصدقاء والرفاق ومنهم ضامر خليل موسى, علي خزعل كرادي, أحمد صفر علي, أبراهيم الخياط , كريم ناصر, عبدالله عبدالرضا, كريم كربلائي, طالب عبود وحسين هادي ، محبتي الواسعة لهم جميعا.والمغفورله العزيز رعد عزالدين .

الحدث والذكرى
القي القبض عليّ مع كل من أحمد صفر علي ومحمود طالب في منطقة الجهراء الكويتية ، وبعد اسابيع في المعتقل اعادتنا الحكومة الكويتية الى العراق ، فأودعنا التوقيف واحالوني الى محكمة جنح الزبير فاصدرت المحكمة المذكورة الحكم عليّ بالحبس (6) أشهر حسب المادة 8 ـ جوازات ـ في 1/10/ 1980. اي بعد أندلاع الحرب العراقية الأيرانيه بأيام معدودات ، وبعد انهاء مدة الحبس، احالوني الى مديرية الأمن وأجري تحقيق ثاني معي مصحوبا بجولات خفيفة من اساليبهم الدنيئة ثم حولوني الى الجيش وصرت بذلك جندياً في مركز تدريب المشاة في المنصورية التي تبعد عن بعقوبة حوالي 50 كم فتوفرت لي الفرصة في النزول الى البيت في بعقوبة وبهذا استمرت علاقتي مع (سعد عبد عيسى) ،وفي أيام الجمعة كنت اذهب لألتقي أبراهيم الخياط في بغداد والذي كان متخفيا لأن اجهزة النظام الفاشي تلاحقه بقوة، وقد فتشوا الكثير من المحافظات بحثا عنه . لقد كانت تلك الفترة من اصعب الفترات عليّ ، على الصعيد الشخصي والنفسي وذلك لأن اغلب الشيوعيين كانوا قد انقطعوا عن التنظيم او جرى اعتقالهم وتعرضوا لضغوط هائلة . ولكن في نفس الوقت وهذا ما عرفناه لاحقا ، جرى أعادة التنظيم والأتصال بالكثيرين ولكن سرعان ما تم اكتشاف التنظيم الجديد ووجهت له ضربة قوية معروفة في الوسط الشيوعي (بضربة 1981). وللقارئ الحصيف ان يعرف عن أي مرحلة نتحدث احمد صفر وانا . كان سعد عبد عيسى هذا قد عمل معنا ولسنوات طوال في نفس الخلية الحزبية وقبلها في أتحاد الطلبة العام وكذلك في أتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي ، الأمر الذي لم يكن غريبا انذاك ، وبالتالي فنحن نعرف بعضنا البعض على الصعيد الأجتماعي .لقد بدأت الامور تأخذ طابع السرية والخوف من بطش دوائر الأمن وزبانيتها اكثر فأكثر ، ولكننا لم نفقد الثقة ببعضنا, ولكن ، ويا للأسف لم نتحل ّ باليقظة الثورية .

كلنا، كنا من الشباب قليلي الخبرة فأكبرنا لا يتجاوز (20) عاماً . بدأ سعد عبد عيسى يتحدث معي بلغة الحث والتشجيع على القيام بنشاط ما قائلا بصيغة السؤال ( هل نسيت الحزب ) نحن يجب ان نفكر بعمل شئ ما وان للحزب دين في رقابنا ... وما الى ذلك من مفردات تصب بهذا المعنى ولم اكن أنا بعيد الرغبة عن سماع مثل هذا الحديث ناهيك عن شوقي العارم له وللوصول الى الحزب الذي كنت افتقد عالمه المحبوب عالم القراءات والنقاش في الفكر والسياسة والعمل..

الحزب الذي علمنا كيف نناقش المسألة الزراعية رغم اننا ابناء مدينة ولم نكن سوى طلبة انهينا للتو المرحلة المتوسط ... كنا ندخل عالم الكبار الذي يعلمك تذوق الشعر ومعرفة الأدب والفلسفة فَمن من جيلنا في بعقوبة لا يتذكر (مسعود فلسفه)!، العامل البسيط وهو يناقش في الديالكتيك ونقض النقيض والقوانين الأخرى ويتحدث لنا عن سبينوزا وهيغل ؟ كان عالم شفيف من الصدق والأمنيات والأحلام السعيدة، ولم يشأ البعثيون ان يدم طويلا ، فاجهزوا على احلامنا ببناء عراق ذو حياة حرة لشبابه لينعم بالحب والبهجه، لم يكن يروق لمن تعوّد على سفك الدماء، من البعثيين، وأجهزة القتل التي هيأوها لمواجهتنا مستخدمين اكثر الأساليب دونية وخسة ,ممزقين النسيج الأجتماعي وتلك العلاقات الحميمية. بعد فترة من هذه الأحاديث بيني وبينه حيث كنت التقيه كلما حانت فرصه للزوغ من الجيش، هذا الأمر الذي كان يجبرني على ان انجز الأشياء بدون تدقيق ومن خلال علاقتي بأبراهيم الخياط عرفت أنه عازما على الألتحاق بكردستان واطلعت سعد على ذلك وبعد اخذ ورد اذ ان سعد كان قد وعدني بأيجاد علاقة مع الحزب والذهاب الى كردستان. رغم اني كنت على علاقة مع احد الأخوة الأكراد وهو الأخ نوزاد محمد وهاب الذي تعرفت عليه انا واحمد في سجن المطلاع في الجهراء الكويتية وقد وعدني انه سيوصلني فيما بعد الى مقرات الأنصار وقبلي فعل ذلك مع ابو روزا وقبلها اوصل اخي عبد العزيز صادق كرادي الذي انتمى لمنظمة العمل الأسلامي ورجع الى العراق والقي القبض عليه واعدم مع ابن عمتي الشهيد كريم خزعل كَرّادي. ولشدة اندفاعي وقلة خبرتي والرغبة في الوصول للحزب بقيت انتظر ما ستسفر عنه جهود سعد عبد عيسى . كان علينا ان نسلك طريق صديقنا نوزاد ولكن لجهلنا بالأمر ولسوء حظنا العاثر سلكنا طريق اخر . عرف سعد مني ان ضامر ورعد عزالدين وابراهيم الخياط  ينسقون مع جمال حمدان الذي كان طالبا في المعهد في السليمانية وقد عرّف ضامر على بعض الأشخاص الأكراد وهؤلاء سيوصلون المجموعة الى البيشمركة وعندما سألته مرة أخرى عن جهوده قال لي ان الطريق الذي ستذهب به الجماعة هو نفس الطريق ، بما عناه ان صلته بكردستان هي نفس ما قاله حمدان !. بدأ سعد يخفف من حديثه بهذا الشأن وظللت انا على علاقة بابراهيم الخياط حتى تم الأتفاق مع الأكراد أصدقاء جمال حمدان في يوم التنفيذ . ذهبت الى بغداد بغية لقاء الجماعة وهم كما ذكرت ضامر وابراهيم ورعد وكان موعدنا في مقهى في الكسرة ولم اكن عازما على الذهاب معهم وكانت ايام اعياد وانا اتمتع بأجازة . الحّ عليّ ابراهيم والأخرون بالذهاب معهم فوافقت وانطلقنا في اليوم الثاني الى السليمانية...



يتبع




 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات