|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  28  / 6  / 2024                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

القاتل البريء
قصة قصيرة

نهاية إسماعيل بادي
(موقع الناس)

وصلت سيارة الشرطة بعد تحركها من مركزها على عجل ما أن أبلغهم المتنبي منهاراً يطلب المساعدة بعد أن جمع كلماته المبعثرة وتبينهم منها أنه قد يكون تسبب باغتيال أحداً ما!

باشروا بعملهم، لم يتوانوا بفتح محضر بالواقعة بعد استقباله لهم وجسده الطويل الممتلئ ينتفض كسعفة نخله وسط رياح تشرين ودموعه تنحدر دون انقطاع من عيناه الواسعتان على خديه! لحظتها هم الضابط الذي بجانبه:
- منذ متى أقتحم المجني عليه حياتك ولم يكف عن مطاردتك وأقلق ايامك بملاحقتك؟
- أن لم أكن مخطئ منذ شهرين تقريباً أو أكثر بقليل.
- لماذا تركت الأمور تدهور إلى ما وصلت إليه، ولم تتخذ أجراء مناسب كيلا تتطور الحالة لهذا الحد؟

اهتز جسده مجدداً، لم تستطع قدماه على حمله ليبقى واقفاً، جلس مضطراً على أحد كراسي منضدة الطعام الفخمة التي استحلت معظم مكان الفسحة التي تؤدي لباقي غرف الشقة، انتحب وهو يفرك يدبه قلقاً وتوتراً:
- طيلة تلك الفترة وأنا اقاوم تحديات عذاب نفسي وارد عقلي لصوابه بفعل ما ارتأيته مناسباً لتجنب هذه النهاية المحزنة.. برهة صمت، مسح دموعه مسترداً بها أنفاسه اللاهثة، المنتحبة للسيطرة على تقطعها متابعاً:
أكيد لم انوٍ على ما أقدمت على فعله وأًصل لما وصلت إليه، ثم أردف بعد أن انفجر باكياً: أصبح قاتلاً!

سأل الضابط بعد أن خطف نظرة عابرة، حائرة لزميله وهما يواكبان تدهور حالة المتنبي وقد در عطفهما على صدق وفيض مشاعره:
- كيف يتسن لنا مساعدتك، وما هو الأجراء المناسب برأيك على هكذا حالة؟
أكمل زميل الضابط ما أن فهم مقصد رئيسه من تلك النظرة التي تبحث عن العون والمساندة:
- هل تود مرافقتك للمشفى، لعلهم يساعدوك بإعطائك عقار مهدئ؟
- عقارات الدنيا كلها لا تستطيع أزالت عذاب داخلي ومحو صورة معاناته من ذاكرتي أو التكفير عن ذنبي بقتل ذلك المخلوق البريء، لقد هويت وانهلت عليه ضرباً بلا رحمة، تجردت لحظتها من إنسانيتي، حركني البغض والكره حينها كمجنون انتابته أحد نوباته، لم أدرك ما فعلت حتى رأيته يسقط على الأرض امامي دون حراك، أني مجرم قاتل لا يزال هم كربي حتى الحكم عليّ بالسجن فهذا أرحم من تعذيب الضمير الذي سيرافقني على ما اقترفت من جرم! لحظة تفكير استرسل بعدها وكأنه يحدث لنفسه: ربما ما يغفر ويشفع لي عند نفسي هو أعادة نبض قلب ذلك الكائن!

طلب الضابط وزميله وقد قاسما المتنبي احساسه ذاك، شاركاه مشاعر ألم عذاب الضمير الذي لا يرحم:
- خذنا لمسرح الجريمة، لعلنا نهتدي لسبيل لحل هذه المشكلة..
قادهما مخترقاً غرفة الجلوس منكس الرأس لثقل ما يدور داخله من أفكار ومخاوف، ثقيل الخطوات مترنح بما يكابده من حزن كثمل لم يفوته الكرب بل حطت على رأسه الأحزان مرة واحدة! فهم بفتح باب شرفة شقته الصغيرة التي لها مشبك واقي من الطيور لنصفها ولم يكمل بعد!

تطلع الشرطيان لبعضهما مستغربين والحيرة تشاطرهما السؤال ودهشة الفضول تسبقهما:
- أين هو ذلك الطائر القتيل؟
تنطط المتنبي فرحاً مرفرفاً بهجة وسرور، تحول وزن جسده فجأة كالريشة مردداً دون انقطاع:
- مازال حي، أنه حي! تمكن من الطيران، وهو يقهقه:
أنه حي، طار لأعالي السماء، حي حر..
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter