|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  27  / 8 / 2015                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

جهاز كشف المتفجرات يبتسم ساخراً في شوارعنا

فخري كريم

واخيراً، نفض القضاء الغبار عن احد أكثر ملفات الفساد اثارة للحزن والسخرية، ملف جهاز السونار "كاشف المتفجرات" الساخرمن عقولنا، بالحكم على مدانٍ من قيادات وزارة الداخلية "أيام زمان"، حيث اصبح الفساد وجهة نظر وثقافة تتسيد وتغدو مركز قرارٍ نافذ في الامانة العامة لمجلس الوزراء والدولة المتصدعة، في ظل قيادتها الرشيدة الواعدة بتحويل العراق الى "دولة عظمى"، لولا "شغب بعض الحلفاء ".!

وليس علينا ان نعاتب القضاء، او نتذمر من بطء تصديه للفساد الذي لم يعد منذ ان اصبح جزءاً من نسيج الدولة والسلطة الحاكمة وخاتماً يتزين به من له حظوة فيهما، يمرر صفقاته بيسردون رادعٍ أو رقيبٍ أمين. وليس لنا الا أن نستبشر بالحكم، كما نهلل لكل حكمٍ على فاسد ناهبٍ او لصٍ كبير أو مُتَعدٍ على حريات المواطنين ومنتهكٍ لكراماتهم. لكن من حقنا أن نتساءل بمرارة، كيف لنا أن نفرح او أن نهلل لادانة متسببٍ واحدٍ بإمرار صفقة السونار، دون غيره، بعد مرور سبعة اعوام على وضع الوجبة الاولى منه قيد العمل، وبعد خمسة اعوام على انتشار فضيحة صفقتها في المحاكم البريطانية والحكم على مصدّرها الينا بخمس عشرة سنة سجن وتغريمه مبالغ طائلة بتهمة الغش والاساءة الى سمعة بريطانيا عن تصديره سلعة مغشوشة؟! كيف لنا أن نهلل للقضاء وقراره، ومستورد الصفقة حرٌ طليق، يتمتع بامتياز التعامل الميسور مع اغلب الوزارات العراقية التي يقال ان له عيوناً وآذاناً فيها، "وأيادٍ بيضاء" تحمل عنه ملفات الصفقات وتمررها، وهي تتسلل بلا أي عقباتٍ أو اعتراضات، جانياً ملايين متتالية من الدولارات تحصدها شركاته التي لا تُعَد ولا تحصى "مسجلة باسماء اخوته واقاربه في بلدانٍ لا تطالها عين الرقيب" كما يتوهم، تتخصص في كل فرع ومورد، يجري التفاهم عليها مع مقررين في الدوائر الغنية بالموارد؟! لا عليه، فهو رجلٌ متدينٌ، كما ينقلُ عنه، تاجرٌ يلتزم القواعد السائدة في دولة لا راعي لها، بعد أن تصدعت اركانها وباتت "لا دولة" ينخر في جنباتها عث الفساد والرشى المغرية، ما دام الاصلاح الذي اطلق حزمتين منه السيد حيدر العبادي طاولتا نواب الرئيس ورئيس مجلس الوزراء، ونالتا من الوزارات المتضخمة بالترشيق، لم يتوقف عند الطرف الحامل لهذا العث المعدي، ونشره وباء اينما حل، مستمراً في نهبه وافساده، دون رادعٍ أو واعزٍ، بالتحالف مع رجالات دولة وقيادات متنفذة فيها. إن آلاف الشركات ومن تحولوا الى رجال اعمال بالصفقات الفاسدة، والرشى، صار لها بضعة رموز ممن تراكمت اموال سرقاتهم ونهبهم عبر الصفقات المشبوهة، يستحوذون على مليارات الدولارات، من تعاملاتهم غير النظيفة مع الدولة، وغسيل الاموال وتهريبها والدخول المُغَفَّل الى مزادات البنك المركزي، والاستحواذ على البنوك الاهلية والتلاعب بارصدة المودعين، والتسلل الى كل الشركات والقطاعات والسيطرة عليها .

ومن بحثٍ بالعين المجردة، يمكن اكتشاف فضيحة، تتحول فيها فضيحة "كوبونات النفط" التي نشرتها "المدى" متفاخرة بانها ستكون نهاية احزان العراقيين على صعيد نهب ثرواتهم، الى مجرد غواية اللحظة الخادعة بتجاوز الاستبداد والانتقال الى الحرية والنظام الديمقراطي المزدهر..! ليس هذا فحسب، بل ان الفضيحة تسلط الضوء على فضيحة اكثر اثارة للاحزان والمرارة، فقد عاد بارونات كوبونات النفط، الى البلاد هذه المرة، دون تسلل، بل متصاهرين مع عتاوي الحكم والابناء والانسباء وذوى القربى، تُفتح لهم الصالات الفاخرة وتنتظرهم السيارات المدرعة، مع المرافقين من ذوى النجوم الخمسة..! وفي غفلة من القانون والقضاء او السلطة التشريعية والتنفيذية، بل وبرعاية من بعضها، استطاع البعض منهم حتى الحصول على جنسية عراقية الى جانب عدة جنسياتٍ أخرى..! والسؤال المُمِض، أي اصلاحٍ وتغييرٍ يستقيم، دون مطاولة هذه الديدان الحاملة لداء العث السرطاني؟ والغريب أن المتظاهرين انشغلوا برفع شعارات الادانة "لحرامية الدولة" ناسين شركاءهم الذين يصولون ويجولون في مرافق الدولة ويعيثون فساداً في اركانها ويشيعون قيمها ثقافة عابرة للاديان والطوائف، مع ان رموزهم باتت معروفة في الشارع والشركاء من الابناء والاقارب والقادة يسخرون من سذاجتنا ونحن نهتف في المظاهرات "باكونا الحرامية"..! علينا ان نرد سخريتهم بالمطالبة، باشهار علني لاسماء الشركات ورجال الاعمال المتعاملين مع وزارات التجارة والصناعة والموارد المائية وكل الوزارات المعنية بالصفقات المليارية، ونشر صفقاتهم على مواقع الوزارات والمؤسسات المتعاملة، ومطالبة جهاز تسجيل الشركات باشهار الشركات المسجلة واصحابها على موقعه الالكتروني، واحداث موقع عاجلٍ لها ان لم يكن لها موقع..! اما احدى اخطر بؤر الصفقات المشبوهة، فعنوانها امانة بغداد التي حكم على امينها الاسبق بالسجن عاماً واحداً بتهمة "تضيع" في خرائب الصفقات التي أُبرمت على مدى سنوات توالى على مقاليد امبراطوريتها أمناء ذاع صيتهم الآفاق... لا بأس من عودة الوعي للقضاء، لكن المطلوب نفض الغبار عن ملفاتٍ باتت معروفة، ومسجلة ضد مجهول ..

 

المدى
العدد (3441) 27/8/2015
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter