|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  27  / 2 / 2018                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

 كارسيا لوركا في لقاء صحفي

جان جبسون
ترجمة : هلال حميد
(موقع الناس)

"جان جبسون" الباحث المختص في ادب لوركا ، عثر على هذه الصفحات المهمة والمنسية ، المنشورة في 15ـ نوفمبر من عام 1935 في صحيفة (ال ميركانتيل فالينسيانو) وذلك اثناء وجود الشاعر في مدينة فالينسيا لمشاهدة عرض مسرحية يرما .

جرى اللقاء في بيت الممثلة الكبيرة (مارغريت كسرغو) التى مثلت الادوار الرئيسية في مسرحيتى (يرما) و(عرس الدم) ، ولأول مرة قامت بتمثيل دور البطلة في مسرحية (الآنسة روسيتا) ، كان لوركا اثناء المحاورة منكبا في اختيار الرسومات الخاصة بمسرحية (عرس الدم) ، التى قدمها رسام صبى يدعى خوسيه كابالليرو .

(يرما) ـ 1934
دراما بثلاثة فصول وستة مشاهد، تقص مأساة فلاحة تدعى يرما ، زوجة رجل ضعيف الشخصية اسمه خوان ، يرما لا تحبه ، كان شاغلها الوحيد هو ان تصبح أم ، بيد ان رغبتها تلك لا تتحقق .. وعندما تكتشف بان خوان لا يقاسمها رغبتها بعمق ، تشعر بالخديعة فتقوم بخنقه .

نالت هذه المسرحية نجاحا كبيرا ، وفي هذا اللقاء يشعر لوركا بثقة عميقة في فن الكتابة المسرحية ، وفي الكشف عن تطلعاته نحو بناء المسرح الثورى . ولكن بعد مضي ثمانية أشهر على هذه المقابلة أعدم الفلانجيين لوركا .

بغية اعطاء صورة واضحة لفهم مسرحياتك ، هل ان مزايا شخوصك واقعية أم رمزية ؟
لوركا /
بطبيعة الحال ، واقعية ، غير ان كل (ميزة) واقعية تجسد الرمز في نفس الوقت ، اريد ان أصنع من شخوص مسرحياتي حدثا شعريا ، حتى لو اني أراهم في الواقع يحومون حولي ، انهم حقيقة جمالية . لهذا السبب تثير اعجاب سلفادور دالي والسرياليين.

تشكل البرجوازية والفئة المتوسطة غالبية الجمهور ، اما العمال فهم بمستوى اقل ، هل ان هذا يدفعك للاسراف في استخدام الخشونة في اللغة المسرحية ؟ .
لوركا /
لا مكان للخشونة . الا اذا اراد المرء ان يتغافل عن رؤية الواقع ، اني أصور الحياة كما هي . ان اولئك الذين يشمئزون من الواقع الذى اقدمه، منافقون ، لأنهم في الحقيقة يعيشون نفس خشونة الحياة بلا اشمئزاز .

بعض النقاد يتهمك بالتلذذ والرغبة في استخدام لغة تثير الفضائح ...
لوركا /
استخدم تلك التعابير لأنها تنبع من داخلي ، لا ابتدعها ، وبدون حسابات خبيثة ، كما وان من احدى الغايات التى اتوخاها هي بالضبط اثارة الفزع عند الجمهور ، اني موقن ومسرور باثارة الفضيحة . احاول ان اقدم كل ما هو مثير للقىء كي ارى كل شرور المسرح اليوم .

ماذا تحضر الآن ؟ .
لوركا /
ككاتب ، اني في اولى خطواتي ، اجد نفسي ازاء جبل من الاشياء التى يتوجب عليّ انجازها . ساقدم موضوعات شنيعة للمسرح . وسيكون الجمهور الذى تحدثت عنه مرعوبا اكثر ..
لي مشروع حول زنا المحارم . اسمه (الدم لا صوت له) . واذ ما قورنت لغة هذا المشروع من ناحية العنف والخشونة والعاطفة بلغة مسرحية يرما ، فان هذه الاخيرة تعتبر ملائكية .

حدثنا بعض الشىء عن (الآنسة روسيتا) ؟ .
لوركا / (الآنسة روسيتا) دراما بسيطة . في الظاهر تبدو كوميديا بريئة ، الا انها دراما عائلية مفجعة ، مرثية هادئة ، حزينة ، لامرأة عازب . وهناك في كل بيت واحدة او اثنان . لقد حز في نفسي دائما رؤية كيف في اسبانيا عندما تتزوج فتاة واحدة تبقى عشرون فتاتا في انتظار .

ماهي الأسس التى يرتكز عليها مسرح اليوم ؟ .
لوركا / ثمة مسألتين تثير الاهتمام اليوم .. الاجتماعية والعاطفية . ان العمل المسرحي الذى لا يتبع احدى هذين الاتجاهين محكوم عليه بالفشل ، حتى وان كان ذو قيم جمالية . اني اتبع المنحى العاطفي الذى يجذبني اكثر .

الى جانب نموذج المسرح اليوناني ، ماهي المنابع الاخرى لمسرحك ؟ .
لوركا / ان جذوري المسرحية كالديرونية (نسبة الى الكاتب المسرحي الاسباني الكبير كالديرون ديلا باركا) ، مسرح السحر . وفي مسرحية يرما أقفز من الواقع الى الواقع الرمزى ، بالمعنى الشعري للحصول على (الافكار المغلّفة)، لا يهمني الرمز المجرد ، وهناك من النقاد من لاحظ في مسرحياتي تأثيرات (لوبيه دى فيغا ـ كاتب مسرحي) ، غير انهم ينسون ملاحظة تأثير (كوفيدو) على مسرحياتي ، اني شاعر ، انسان ملتصق بالارض ، انتشل اى ابداع من منابغه الاصلية .

ماهو في اعتقادك أبرز جانب في نجاح يرما ؟ .
لوركا /
ثمة اكثر من جانب .في نظرى ، أفضل فصل هو ذلك الذي يعرض امرأتين في عزاء . على الرغم من ان الجزء الاكثر مشوقا في المسرحية هو حضور المرأة الوسواسة التى تتحدث بنفس الوتيرة دائما منذ ظهورها في المشهد وحتى اختفاءها ، ولذا اردت مرافقة ذلك المشهد بموسيقى مماثلة .

بما ان الحديث يدور حول يرما ، اذا تسمح لي ، اود ان ابدو بعض الاحتراز ، بعض الشك الذي يقلقني .. اني اشعر بالحاجة الى انسان اكثر ثباتا في اجوبته وفي تعبيره ، اكثر وعيا ، ذلك الشىء الذي كان ينقص (الزوج) في مسرحية يرمت .
لوركا / لو اني وضعت رجلا كامل الصفات ، لكنت قد خنقت المسرحية . ان الزوج (رجل ضعيف دون ارادة) . حيث اني لم اكن اريد تقديمه بشكل مغاير ، والا لكانت النتيجة مغايرة لما كنت اتصوره .

ألم تكن دراما المرأة التى ترغب في انجاب الطفل ، دراما صغيرة ، حيال الكآبة بسر الابن المجهول ، وان المسرحية ستكون افضل لو انها تركزت حول كآبة الابن الذى لا يأتي ..
لوركا / وردت لي بهذا الصدد رسائل من اطباء ومختصون في الامراض العصبية بحثوا في المسألة التى طرحتها . لقد حاولت ازالة اى بناء عقلي بتعمد . كان ينبغي تقديم عمل مسرحي يفرض النزاع والمحاججة ، ببساطة اريد عرض الامور بشكلها الطبيعي الغريزي .

الى جانب العناصر المؤثرة لموضوعاتك ، لماذا وضعت (البهرجة) ، الكثير من الاجواء البارزة ، واستخدام كورو المغنين ؟ .
لوركا / استخدم الكورو كمدخل في الحدث (الموضوع)، انى ابحث في ان يتجاوز الشاعر جبرية اذابة رؤيته للاشياء ، لا اريد كذلك التورط في البطء ..ارغب في ان يكون كل شىء يسير في ايقاع سريع ومؤثر .

ان مسرحياتك سياسيا ثائرة ، لكنها احيانا تبدو رجعية بحكم تناولها جوانب اجتماعية محافظة ، مثل الشرف .
لوركا / انى مسيحي . ان يرما تمتلك حرية محدودة ، لأنها مقيدة ، مثل النظرة الاسبانية عن الشرف ، تلك النظرة الذائبة في الدم .

وكيف تشرح اطراء غريزة الامومة التى سرعان ما تسقط امام اى حكم متحفظ للشرف ..
لوركا / (يرما) كائن ممزق ، شخصية تعني بغريزتها الطبيعية وبحماسها المعذب . في الواقع هناك طبيعتين .. الطبيعة التى تحمي الانسان ، الأم ، الأخت ، والطبيعة الصمّاء ، العدوة للانسان التي تدفع بالاف الكائنات للانتفاض على قوانينها .

ماهو موقفك ازاء مستقبل المسرح الثوري الشعبي ؟ .
لوركا / حول هذا لا اريد التحدث ، لأنه سابق لأوانه ، اريد ان يسمعني الشعب . أشعر بشوق عندما اكون محبوبا من الجمهور . لعلها فكرة نيتشية ، لذلك نيتشة يمس قلبي .

لكن ماهو البعد الشعبي ، اى تجديد ثوري تمنح لمسرحك ؟ .
لوركا /
من ناحية الاسلوب (الشكل) ، انتهيت توا من كتابة فصل ينطوي على ثورة حقيقية في التأليف المسرحي . انه لتطور كبير .

يقول النقاد ان مسرحياتك بعيدة عن جوهر المسرح الشعبي ، وانك لا تملك فكر مسرحي حقيقي ..
لوركا /
على العكس ، أحسب أن جوهر اعمالي هي لكاتب مسرح ، لاني اريد القاء الضوء على التراجيديا المطمورة .

يؤكد البعض ان جمالية وعذوبة صوتك الشعري لا يمس لبّ التراجيديا ؟ .
لوركا / لم ابلغ بعد النضج الكامل ، انه لمن المبالغة طلب أعمال بذات الكمال والنبوغ مني . ولهذه اللحظة اعتبر نفسي مبتدىء ، في طور تعلم كيف اتحرك في ميدان عملي . كانت يرما رابع مسرحياتي . ولا احد يعتلي السلم دفعة واحدة ، ولابد من صعوده عتبة فاخرى .

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter