|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  27  / 6 / 2015                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 


رسالة بطعم "النهر خوز" *
لقيصر الأغنية العربية كاظم الساهر

د. عباس الجميلي
البصرة/ كلية الفنون الجميلة
ak_jawad@hotmail.com

أخــــــــي أبو وسام

تحية طيبة . .

ماسكاً عودي اغني لبلادي العربية
واستفزتني وقالت
أين هو عصر الأغاني الوطنية
كيف يا سيدتى
كيف اثبت أنني رجل أمامك
دون أن اعشق أرضي
مثلما أعشقك حتى الشهادة
نحن قوم يقف المجروح منا جبلا حين تناديه بلاده
وطن أنجب عينيك فدى عينيه اطوي قامتي مثل القلادة
نحن قوم أرضنا أم نلبى ما تشاء


وقفت إذ يقف العراقي وهو يسمع صوته الطروب الذي شدا العالم بأسره من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه ذاك هو صوت الكبير الساهر كاظم الساهر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بصوته ، بالحانه ، بكلماته ، بوطنيته التي دخلت قلوب مستمعيه من أقصى الأرض إلى أقصاها لما تحمله من صدق، لست أبالغ أن قلت انه صوت يعبر بنا مسافات الزمن وفواصل المكان هو صوت يضعنا أمام التاريخ نستجلي أيامه نتفحص أحداثه وهو صوت يرسم لنا خارطة الحاضر ويحدد لنا ملامح المستقبل صوت ورث زرياب وجماله والموصلي وغنائه الذي يعالج الروح ويدفع عنها السقام ..

لست أبالغ فأن صوت الساهر ربيع عراقي أو هو نخلة باسقة الطول هو "بيادر الخير" بلحن وصوت وكلمات جديدة هو ضربات "المطرقة" بعد عهد وعهد تعود من جديد تضرب الوتر وتهز الوجع لتقلعه من جذوره ، نعم فهذا النوع من الغناء والموسيقى هو العلاج الشافي ، هو ترياق النفوس النقية التي تلوي عنان الحس الدافئ، صوت الساهر هو جزء حب الوطن جزء العلاقة الحميمة مع هذه الأرض التي غنى لها الساهر وهو "ماسكا عوده" فقال لحنا عذبا:

كيف اثبت أنني رجل أمامك
دون أن اعشق أرضي

ما كان لك "أبو وسام" أن تثبت أنك رجل دون أن تكون عاشقا لأرضك ، وأيه والله انك لصادق صدق كل كلماتك والحانك ومشاعرك التي نشعرها بموجات صوتك الذي يشدك ويشدنا نحو ربوع الوطن العزيزة ..

أين هو عصر الأغاني الوطنية؟

نحن نسأل معك أيها الساهر المهاجر ، أين هو عصر الأغاني الوطنية؟ هل رحل وانتهى وما عدنا نسمع ونطرب لها؟ هل إن قدرنا هو مغادرة هذا العالم الذي زاد من علقتنا بالأرض والناس والقضية؟ لماذا لم نعد نسمع منك من فنك ما يتوق العراق كل العراق لسماعه؟

أعود فأقول: بأني لست مبالغا بالقول إن النخلة وسعفها عطش لسماع صوتك وأغانيك الوطنية، إن الماء في دجلة والفرات وشط العرب وخريره المنساب بعذوبة هو الآخر عطش لسماع صوتك وأغانيك الوطنية، صوتك حلاوة نهر خوز بصرية يعشقه العراق ..

تعال أحدثك عن حلاوة "نهر خوز" فهي لحمة وطنية .. صدقني هي تمر البصرة وسمسم الموصل الحدباء يمتزج على ضفاف شط العرب ليخرج بطعم جديد حلو المذاق أحلى من التمر نفسه ، أنظر ما فعل هذا التمازج وكيف أثمر طعما أجمل هو في البصرة كما هو في الموصل تلك أغانيك كاظم . .

كم من عريس وكم من فنان جعل البصرة محجه ليتذوق طعم حلاوة "نهر خوز" يتذوق بطعمها طعم الموصل وطعم البصرة ويمد جسر محبة تحمله أمواج الماء القادمة لتضعه حلما في شط العرب تلك أغانيك كاظم . .

مركب هوانه من البصرة جانه
جايب حبيب الروح عدنه أمانة
من البصرة والعشار
جانه الحلو خطار

هكذا غنت الرائدة الرائعة مائدة نزهت للعراق ، للبصرة ، لنهر خوز ، للعشار ، لكل شيء جميل، اكتب إليك بروح عراقية احبت العراق وأعطته الكثير ولازالت على نفس السجية دون تردد لكنها ليست أكثر من الاخرين وطنية وهذه مسألة ، التاريخ فيها حكمنا الأول والاخير، لم تلتق بي وأنا كذلك ولكن معرفتي بك كبيرة جدا عبر صوتك والحانك وحبك للعراق ، فنحن أيضا لم نلتق بآلاف الادباء والفنانين والمفكرين اجمعهم من داخل العراق أو خارجه ، ولكنا ندرس اثارهم ونقرأ مسرحياتهم ولوحاتهم فكيف بك وانت الاقرب لنفسي ووجداني فقد ملأت مساحة واسعة في روحي وارواح العراقيين والعرب وبالتالي هذا القرب الذي يصل حد التعلق بك ومتابعة اخبارك وسفرك وحفلاتك يمنحني قدرة مبدئية أعاتبك من خلالها كعراقي إذ دافعت انت كثيرا عن وطنك .

أخي العزيز ببساطة منذ احتلال الموصل وتبعتها الأنبار العراقية حيث ولدت انت فيها لم اسمع منك لحنا أو مقابلة أو مقالا وبقي صمتك المعتاد حيث هو ..

لماذا يا أبا وسام؟
هل عجزت أو شخت أو أخذتك حياة الغربة وهمومها وانت القيصر؟

أنا متأكد انك تتابع كأي عراقي يعشق وطنه و ثلث وطنه محتل فكيف لك أن تصمت؟
الم تغني لاطفال العراق؟
الم تغني لحب العراق لعشاق العراق فما الذي أخرسك الآن؟

أيها الكبير ، العراق ورغم فاحش و"داعش" ومن لف لفهم من قتلة شعبنا وأطفالنا ونسائنا وشيوخنا ومراقدنا وجوامعنا وحسينياتنا سيبقى سادن الأبدية ، صدقني، يا كاظم لازالت رائحة المسكوف تملأ شواطئ أبو نؤاس وشارع المتنبي شامخا متحديا الارهاب وزوراء ملتقى العشاق ومؤسسة السينما والمسرح تقدم مهرجانها المسرحي الأول ضد الإرهاب ، ولازال شهريار يسمع قصص شهرزاد ، ولازالت بغداد تسهر حتى الصبح ، ولازالت أوتار العراقيين تصدح بحب الوطن وتمجد بغداد العصية على الإرهاب ولازال ألآلاف يتطوعون دفاعا عنها.

فأين دفاعك انت ؟ أين الحانك موسيقاك السماوية، فكرك ،فنك ، جمالك وانت تعتلي المسرح؟

تعرف أخي كاظم أتذكرك في كل المناسبات المفرحة والمؤلمة ، تمنيتك مثلا عند خروج الأمريكان أن اجدك تغني على خشبة المسرح الوطني ، تمنيت أن اسمع صوتك ليلة سرقة الموصل الحدباء ، فهل تحتاج إلى استئذان ، هذا وطنك، هل سمعت الاغاني الجميلة التي قدمتها الفضائية العراقية ، هل شاهدت الاغاني التي سجلت على نفقة فنانيها ومنتجيها فأين انت يا كاظم؟

لقد جاءنا أشقائنا المصريين الأفذاذ مرتين ، تمنيتك في مقدمتهم ، فلماذا حرمتنا من هذه الفرصة أبا وسام؟ الم يكن المبدع كريم العراقي هو الذي كتب أشهر الاغاني عندما فاز العراق ببطولة آسيا  ..

" شفتوا لاعب بالملاعب يلعب وايده على جرحه .... هذا لاعبنا العراقي من المآسي جاب فرحه "

فلماذا لا تمنحنا الفرح يا قيصر، دعك من الأخبار والدعايات والفساد والطائفية فهذا كله ينتهي امام التحدي الكبير الذي يهدد وطننا انه تحد لوجودنا، لا تشغل بالك ببعض نماذج السياسيين المخيبين للآمال ، لن يبقى هؤلاء في الصورة ، زائلون والعراق باق . .

محدثك يا سيدي يدنو من السبعين ، وكابد الكثير في السابق والحاضر ، ولكن للعراق دين نسدده رغم الخوف والعذاب اليومي ، انت تعرف أكثر مني قيمة الفن والموسيقى والغناء في حياة العراقيين ، فغن لنا يا قيصر ، عد لحنان الصدر الذي أرضعك الوطنية وحب الناس والتي ترجمتها بأناملك الذهبية ألحانا تطرب قلوب العرب والعراقيين بلا استئذان، تعال أيها المبدع فلازال الــ "الكيمر" العراقي بطعمه ، وبرتقال بعقوبة بعطره الفريد ، ورائحة الحناء في البصرة عطرة ، ولازال السياب شامخا فيها .....


*
"النهر خوز" هو أحد أنهار شط العرب الذي يتفرع عنه في منطقة أبو الخصيب وهناك اشتهرت حلاوة حلوة المذاق تصنع من عصير التمر (الدبس) وعصير التمر (الراشي) وقد اشتهرت هذه القرية شهرة هذه الحلاوة التي تعد اليوم علامة بصرية مهمة جدا، ولا يكاد زائر يأتي البصرة إلا وذاق طعم هذه الحلاوة الجميلة والفريدة من نوعها ...


 



 




 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter