|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  26  / 4 / 2016                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

قصة قصيرة

القرش الأسود

زياد شبلي
(موقع الناس)

ما زلت اجلس خلف تلك الفازة الفاخرة الواقعة بجانب باب الغرفة حيث تعلو من ضعف طولي ارتفاعا، مزخرفة بألوان الشجر، وكان أبي يأتي بين اليوم والآخر مرة واحدة لزيارة تلك الغرفة ويتسلل نحو بابها كلص محترف لا يصدر صوتا ولا يكلم أحدا، يمد يده اليمنى باتجاه جيب بنطاله الأيمن وينتزع منه ميدالية تضم مجموعة من المفاتيح، يتلفت يمينا وشمالا فاندس أكثر خلف الفازة الفاخرة كي لا يراني، يدخل المفتاح بالباب ويده الشمال تحمل حقيبة دبلوماسية سوداء ذات قفل مُرَمّز، يُدير مزلاج الباب ويندس داخل الغرفة يقفل الباب وراءه بمنتهى السرعة. تحركت بحذر شديد من خلف الفازة ببطء متسللا كما يفعل أبي، إلى أن وصلت إلى الباب فمددت بصري من فتحة القفل لأعرف ما سر هذه الغرفة التي لا يسمح أبي لأحد أن يقترب منها، فمرة رأيته يقذف بقط من شباك الطابق العلوي للبيت لأنه تسلل إلى هذه الغرفة.

أمعنت النظر لأرى ظهر أبي يتحرك بتقوس وامتشاق، يرفع من الحقيبة بضع رزم ويضعها في خزنة على شكل صندوق موضوعة على جانب مكتبه الأيسر.

كان نور الغرفة خافتا لا أرى من أبي إلا شبحه المتحرك فجأة ألتف ماشيا نحو الباب فركضت وعدت خلف الفازة منتظرا خروج أبي، لكنه لم يخرج فعدت أتسلل مرة أخرى لأنظر من ثقب مفتاح الباب، فهالني ما رأيت.

كانت الغرفة كما اذكرها قبل فترة طويلة مدهونة باللون الأبيض حيث كانت حجة أبي أن اللون الأبيض يبعث على الصفاء والراحة ، وكان ينصح كل أصدقائه باستخدامه للدهان فهو لون مريح وجميل يتلاءم مع كل أنواع وألوان الأثاث، وان اضطررت إلى تغيير الأثاث في المستقبل فلا حاجة للدهان من جديد.
ما كانت حركة أبي نحو الباب إلا لإنارة الغرفة ، لا بدّ أن الظلام ظلله قليلا.

يبدو انه قد أنهى عمله مع الخزنة، فها هو يجلس على المكتب حانيا رأسه على مفكرته يكتب كثيرا ويستخدم آلة حاسبة كانت على يمينه، شعره قد امتزج بين سواد الفحم وبياض الرماد مرتديا بذلة رمادية فاخرة كثيرا ما لفت انتباهي كلمة GUCCI على طرف الكم الداخلي للسترة.

رفعت بصري إلى جدار الغرفة الواقع خلف أبي حيث كان هذا الجدار من العرض ما جعلني أتساءل كثيرا أهو الأكبر في الغرفة أم انه الوهم فقط حيث تستند عليه مكتبة ضخمة لشتى أنواع الكتب وعلى جانبه الأسفل الأيسر خزنة أبي وعلى جانبه الأيمن الأسفل تقع شتلة اصطناعية صغيرة لشجرة الميلاد تحمل نجمة بيضاء تكاد تفقد لونها لنصوع بياض الجدار خلفها، فرغم هذه الأشياء المستندة على الجدار ما زال الجدار كبيرا ناصع البياض، غير أن هنالك بقعة سوداء برزت من خلف خزنة أبي وأخذت تكبر وتأكل بياض الجدار فكل قضمة يتحول مكانها إلى سواد كثيف الظلام.

لم أتمالك نفسي أدرت مزلاج الباب ودخلت الغرفة فتفاجأ أبي لدخولي صرخ بي ولكني لم انتبه حيث كان بصري معلقا بهذه البقعة السوداء النهمة،فقد غطت جدار الغرفة الأبيض حتى برز بياض نجمة شجرة الميلاد لأول مرة بهذا ناصعا.

نظرتي المعلقة على جدار الغرفة الأبيض دعت أبي للنظر نحو الجدار دون أن يسألني شيئا، فكانت دهشة أبي شديدة وهو يجول أطراف الجدار بعينيه لا يعرف ماذا يفعل أحرف متقطعة خرجت من فمه كمن نسي الكلام واخذ يلوح بيديه يمينا وشمالا والظلام يتمدد شيئا فشيئا حتى امتد إلى أرضية الغرفة متمددا بالسواد إلى أن وصل إلى طرف حذاء أبي فنفث لونه عليه ودونما وعي أدار أبي جانبه الأيمن نحوي ومد يديه حاميا وجهه فتناثر السواد على طرف أبي الأيسر فتأثرت ملابسه وبعض اللطخات على جانب وجهه الأيسر. توقف اللون الأسود عن التقدم لكن مكتب أبي الذي كان جالسا عليه لم يسلم من الأذى حيث تناثرت قطرات من السواد على سطح المكتب فحولته اسودا ولقد كانت هنالك صورة تجمعني بأبي وأمي موضوعة عليه، سقطت الصورة، فهالني أن أرى وجهي ووجه أمي في الصورة قد تحولا من ابيض إلى اسود، فصرخت مذعورا دون وعي فالتفت نحوي ابي وعندما تلاقت عينانا صرخنا سوية بصوت واحد هز أرجاء البيت :

مااا هذااا؟!!!

كان وجه أبي مقسوما إلى نصفين نصفه الأيمن يحمل ملامحه القديمة الجميلة عين جميلة وفم دونما شفاه بارزة وانف مستقيم أما نصفه الأخر فكان يشبه خنزيرا اسودا كث الشعر له ناب معقوف على شكل قرن ثور من جانب فمه الأيسر وزبد فمه ما زال يتساقط من تحت الناب.

أما أنا فركضت مذعورا من هذا المنظر نحو غرفة أبي وأمي لأوقظ أمي فرأيتها كما رأتني نصفي الأيمن من رأسي حتى قدمي ابيض ونصفي الأيسر من رأسي حتى قدمي اسود....

 

16/3/2016
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter