|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  23  / 8 / 2017                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

"إيران من الداخل"
كتاب للمؤلف الدكتور نبيل الحيدري

عرض ونقد : ابراهيم معروف (*)
(موقع الناس)

ليس سهلاً أن تقرأ وتتخيل ماذا ستعرف من مثل هذا العنوان لكاتب يتصدى لإيران من الداخل (صدر في مارس 2017) ويبحث في تركيبتها القيمية والفقهية المتنوعة وتوجهاتها التي سيطرت على المشهد الجيوسياسي والعقائدي للمنطقة منذ نجاح الثورة الايرانية عام 1979 في اقتلاع نظام الشاه وتأسيس نظام جمهوري اسلامي وفق معايير ومعتقدات تتميز عن انظمة المنطقة المختلفة فكريا وسياسيا وعقائديا جعلها متميزة حتى عن أنظمة تقوم على اساس نفس المعتقد او الطائفة .

تنبع الصعوبة في موضوع الكتاب من صعوبة تخيل جهد يبحث في نهج ايران ضمن اسلوبها في محاصرة الفكر الاخر وكيف تدير هذه الجمهورية دفة سفينتها في الخارج مستندة الى منظومة فقهية وسياسية وأمنية وعسكرية لتحقيق اهداف لم تنجح انظمة شمولية كبرى في تحقيقها خلال القرن الماضي الذي شهد صعود وسقوط امبراطوريات شمولية وضعت العالم نصب اهدافها وإيديولوجياتها وحروبها التوسعية.

والكاتب وهو يسجل موقفا جريئا في تناوله الموضوع وتسمية شخوصه هو ليس غريبا على المشهد الايراني والفقهي، فهو سليل عائلة فقهية ومرجعية تنتمي الى السيد مهدي الحيدري رجل الدين والسياسي الوطني البارز في فترة التحرر الوطني العراقي ، كما انه طالب علم وفكر درس في امهات المدارس الفكرية والفقهية الشيعية سواء في حاضرة الكاظمية وغيرها كالنجف وقم، فتميز في رؤيته بانتمائه إلى فكر عائلته وشيعيته العروبية، فتمرد في رؤيته مختارا مدرسته الاولى وبيته العراقي الأول، ومن هنا يتحفنا بكم هائل من المعلومات والاسرار والاسماء والحوادث والوقائع عن مادة الكتاب بحيث يضع امام كل قارئ زاداً طالما حلم أو فكر باستزادة علم او فكرة عنه في ظل نظام لا يسمح بخروج اسراره ومعلوماته ومنظوماته القيمية إلا حسب ما يراه.

والكتاب ليس الاول للمؤلف في هذا الصدد فقد اصدر كتابا اوسع منه اختص بالمقارنة الفقهية والسلوكية والمرجعية للتشيع في العراق مقارنة بالتشيع في ايران بالاضافة إلى كتب اخرى وبحوث.

والكتاب الحالي اشترك في طباعته داران للنشر الاولى هي دار العرب للنشر والتوزيع والثانية الدار العربية للعلوم ناشرون، في وقت شكل مجرد طباعة الكتاب بحد ذاته تحدياً للسوق التجارية والمطبوعات الايرانية قد يحرم الدارين من سوقها. والكتاب من القطع المتوسط يقع في حوالي 376 صفحة وقد بمراجع ومصادر ودوائر معارف ودوريات فاقت الخمسمائة مرجع.

ان كثرة المراجع تفرض الغزارة لدى الكاتب في كم المعلومات وتضعه في مهمة شائكة في تنظيم الاختيار والاقتباس والاستنتاج والمقارنة وبالتالي وضع فكرة المؤلف. ولذلك تميزت موضوعاته الرئيسية باثارتها من خلال عناوينها، لم يبوبها في كتابه بل ترك المواضيع تفرض قوتها بذاتها وتجتذ ب القاريء حسب اهتمامه،لا بل اضطرته المعلومة ان تنتقل وتتكرر في هذا الفصل وذاك خدمة للنص، وبالطبع لم يكن المقصود هو التكرار بقدر الحاجة إلى تأكيد الفكرة مترافقة مع تدفق معلومات اخرى مترابطة مع ايراد المواضيع.

ولذا كان لابد من القول بأن الفكرة التبويبية كانت عامل نجاح اكبر للكتاب لو انها اتبعت بتفصيل وتبويب يخدم المواضيع الرئيسية والكبرى بمراعاة منهجية تاريخية متسلسلة تتدرج في ايصال الفكرة الرئيسية للكتاب، فيما لو تم تبويب الكتاب بعناوين تخدم كلما طرح في الكتاب من معلومات وهي موجودة ومتوزعة في فصول وعناوين الكتاب ولكن دون خدمة باب محدد، وشخصيا كنت اتمنى ان ارى تبويبا مثل (قراءة تاريخية منذ تأسيسي الدولة الفارسية، وبابا للتوجهات التوسعية والحروب والسياسات الفارسية، وبابا للايديولوجيا وتوظيف العنصر الفارسي فيها سواء تاريخيا او حتى بظهور الجمهورية الاسلامية التي يفصل الكاتب فيها توجهاتها العنصرية، وابوابا اخرى للفقه الاسلامي في ايران وللحركات والشخصيات الاسلامية وهي وان كانت موجودة في الكتاب بغزارة ولكن وضعها في تبويب تتدرج فيه ادوارها وتأثيراتها على الساحة كان يخدم اكثر منهج الكتاب، سيما اذا ما فكر المؤلف في طبعة اخرى منقحة ومزيدة ان ينتبه لهذه المسألة مع مراعاة تفادي بعض الاخطاء المطبعية والصياغية التي وقع فيها الكتاب أو الناشر.

والكتاب يستعرض في شخصيات مرجعية وفقهية بالغة التأثير في المشهد الايراني الاسلامي قبل الجمهورية وبعدها وهي مادة ضرورية للباحث لمعرفة طبيعة ونهج السلطة الذي يغيب شخصيات وقامات فقهية لصالح شخصيات اقل مرتبة في المرجعية والفكر، وبذلك يضع المؤلف يده على طبيعة النظام وهو يطوع الفكرة الدينية لحساب السياسي. مستعرضا هرمية النظام ومؤسساته والشخصيات المرتبطة بولاية الفقيه خدمة له. كما يوضح بالمقابل تراجع شخصيات مؤثرة في الثورة الايرانية هي بمقام الخميني وقد تتفوق عليه في الاقدمية والارجحية الفكرية مثل شريعتمداري وكروبي ومنتظري ولكنها في حصاد الثورات تحتجز وتغيب وتنتهي بصمت رهيب.

معاناة الشعوب المتواجدة في ايران اخذت لها نصيبا في الكتاب وهذا لا يعني فقط الشعب العربي مثلا في ايران بل هناك شعوبا اخرى لها معاناتها وظروفها، ما ادى إلى نشوء حركات ومظاهرات وتنظيمات سواء في ايران او في العراق حاول المؤلف ان يرصدها باحثا عن العلاقة الايديولوجية والستراتيجية لفكرة انتشار ولاية الفقيه ومدى توسعها على حساب الارض والجغرافية والفقه، ورغم كل ماكتبه المؤلف كنت اتمنى ان اقرا اكثر من التفصيلات لطبيعة القوى المناهضة سيما وبعضها جزء من الفكر والثورة الايرانية والتشيع ذاته.

وبخلاف الكثافة المعلوماتية والتدفق في السرد في الفصول الاولى للربع الاول من الكتاب جاءت الفصول التالية اكثر هدوءا واقناعا وحججا ومصادرا لايصال الفكرة الجوهرية في الكتاب موثقة بالكم الهائل من المراجع والمصادر مناقشة على نحو هادئ مدى اختلاف فكرة ولاية الفقيه عن الفكر الشيعي في العراق وفي مصادر الشيعة الاوائل والائمة، حتى الصياغات والتشكيل كان متأنيا ومصيبا بخلاف الفصول الاولى التي كتبت على عجالة وبتدفق اوقعها في اخطاء مطبعية واملائية كثيرة.

في حين تظهر الفصول الاخيرة قوة الكاتب ومستوى مناقشاته وايراده لحججه الفقهية والفلسفية والتاريخية الداعمة لفكرته مستندا لمدارس شيعية عراقية وعربية عريقة مثل محمد باقر الصدر وحسين فضل الله، جعلته يناقش بشكل مريح الكثير من العناوين اللافتة في المشهد الشيعي مثل (فكرة التقليد، والتقية ، والجنس، والمظلومية، والمخدرات وسراديب قم، وولاية الفقيه والطائفية ... الخ) تبرز اهميتها في أنها تصدر من كاتب هو ابن بيت شيعي عروبي وطني عريق ينتمي إلى المرجع المرحوم مهدي الحيدري الذي كان احد ابرز قادة ومفجري مقاومة الاحتلال ضمن حركة المجتمع العراقي، ما يعطي للمؤلف مصداقية وعمق تاريخي عراقية فقهي متميز.

ولعل ما يرده المؤلف في نهاية كتابه من توقعاته للمشهد السياسي في ايران لمرحلة ما بعد ولاية خامنئي ومن هم المرشحون خلفه يعطي فكرة مفيدة للباحث والسياسي والمتابع وبالاخص في العراق وسوريا ولبنان وكل الدول التي هي محط التوسع الايراني وفق رؤية ولاية الفقيه لمعرفة خيوط كل شخصية وارتباطاتها في العراق من شيعة العراق السائرين على نهج ولاية الفقيه. هو بذلك طبعا يقدم بداية ملفتة لموضوع لعله يستحث غيره من الكتاب والباحثين لتسليط ضوء اكبر واوسع على ما يجري في ايران من الداخل خدمة لاثراء العقل والمكتبة على وجه سواء.



(*) كاتب عراقي مقيم في بريطانيا
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter