|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  22  / 9 / 2017                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

ليلة سحب سعدي الأقسام!

ماجد الخطيب
(موقع الناس)

بعد شهرين من العيش في بيت الشهيد "فهد" انتقلت للعيش في شقة جمعتني مع الشاعر الغنائي الشهيد "أبو سرحان" والعزيز الراحل سعدي عبد اللطيف وزوجته نجاة. كنت اشاطر "أبو سرحان" غرفة، ويحتل سعدي ونجاة الغرفة الثانية، وأبقينا الصالة للقاءات والأكل والعربدة.

انتقالة من عمارة "كاراكاس" على الروشة، حيث شقة فهد، إلى شقة متواضعة في مخيم شاتيلا. لا جامع بين الشقتين سوى تعدد أنواع الأسلحة فيهما. لا يغادر ابو سرحان فراشه إلا لقضاء حاجة أو طلباً لمزيد من الشرب. أصبح ضعيفاً، يستسلم للكحول بمتعة، تكفي بطحة واحدة من عرق توما لإرساله في نوم عميق لا يفيق منه إلا بحثاً تحت الفراش، بين بطحات العرق الفارغة، عن جرعة من السائل الأبيض يكسر بها خماريته.

دعونا الصديق الراحل مؤيد الراوي وزوجته للعشاء، وتكفلت بطبخ البامية بحسب مزاج "أبو سريحة". يطلب كل مرة أن اضع في المرقة حبات طماطم صغيرة جداً (الواحدة بحجم الدعبلة) بعد أن يثقبها عدة ثقوب بالسكين، ويأكلها لاحقاً بمتعة لا تصدق.

غادرت جثة أبو سرحان المتحركة الصالة إلى غرفة النوم حال انتهاء "المقسوم" (البطحة)، وبعد فترة قصيرة غادر الراوي وزوجته. ذهبت نجاة إلى غرفة النوم وواصنا أنا وسعدي دلق كؤوس العرق في جوفينا.

انتهى "ماراثون توما" بعد ان فرغت القنينة، وليس لسبب آخر. دلف سعدي إلى غرفة النوم المضاءة، وغادرت بدوري إلى حيث يشخر أبو سرحان.

تذكرني نجاة بأختي الكبيرة زهرة التي لا يحلو لها فتح المواضيع الخلافية مع زوجها إلإ عند عودته سكران من البار، وبعد أن يكون قد خسر كامل مرتبه الشهري بالقمار. وغالباً ما ينتهي النقاش بمعركة بالطبع.
لم أكن قد نمت بعد حينما بلغ سمعي نداء استغاثة نجاة : ماجد الحقني! يريد يقتلني!

قفزت مذعوراً من الفراش رغم معرفتي بأن "سعودي" غير قادر على قتل نملة. أبو سرحان نائم "من صيد أمس" ولا يوقظه غير حصان بائع النفط والزيت. إذ اعتاد بائع النفط على ايقاف حصان عربته صباحاً قرب شباك غرفتنا بالضبط.

مع دخولي الغرف دخلت الغرفة لأشاهد نجاة في ركن منها مذعورة وسعدي يحمل "الكلشن" ويصوبها نحوها. سحب الأقسام حال دخولي الغرفة وأنا استفسر عما يحدث. نجاة تصرخ انه يريد قتلها. وقفت بينهما في الوسط، واتخذت نجاة مني ساتراً، واصبع سعدي المرتجف على الزناد.
"لازم أقتلهه ماجد، بشرفي لازم اقتلهه...وخرّ!"
صار صدري حاجزاً بين بندقية سعدي المشرعة وزوجته الراجفة.
قلت :"حبيبي سعودي، شنو القضية!! وخر البندقية رجاء"!
"لا ماجد لازم اقتلهه... وخر"!
لم اتزحزح من مكاني مظهراً شجاعة لا يوفرها إلا عرق توما.
كرر سعدي نداء "وخر"! ولم اتزحزح، مددت يدي بتردد إلى البندقية بعد أن لاحظت استسلامه.

مل سعودي بعد قليل، القى البندقية على كرسي قريب ودخل تحت اللحاف. أخذت البندقية، أمنتها، وخرجت بها إلى غرفتي، ووضعتها تحت وسادتي زيادة في الاحتياط، وتسللت إلى فراشي. ترى هل كانت الرصاصات ستوقظ ابو سرحان؟

بعد فترة من هذه الواقعة، وربما بعد يوم من أغتيال الصديق خالد العراقي على يد عملاء البعث ببيروت، واصلنا، أنا وسعدي سباق الماراثون الكحولي في البيت، بعد أن خرج أبو سرحان من المسابقة كالمعتاد.
في وقت متأخر تماماً، طرقت رأس سعدي فكرة جديدة. قال "ليش ما ننتحر سوية".
قلت: كيف؟
قال: انا بالبندقية وأنت بالمسدس، ونطلق الرصاص على بعضنا في ثانية واحدة.
قلت: لا مانع!
أحضر سعدي البندقية وناولني "التوغاريف" الذي أهدانياه فهد. سحبنا الأقسام ووضع كل منا فوهة سلاحه في صدر الآخر.
"نحسب إلى الثلاثة، ونطلق سوية"، قال سعدي.
حسب سعدي إلى الثلاثة. لم نطلق النار.
بعد قليل سألني سعدي :"ليش ما رميت؟"
قلت: كنت أريدك ان تقتلني كي تروح بعدها اعدام!
ضحك سعدي من كل قلبه. قال: ليش حبيّب ليش، مو آني صديقك!
ثم نهض من على الكرسي متجهاً إلى غرفة النوم :" كافي أروح أنام".

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter