|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  22  / 9 / 2017                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

العلمانية منهج حكم أم إلحاد

باسم يحيى التكريتي
(موقع الناس)

لم يشكل أي مصطلح سياسي بالعراق على مرّ تأريخه إشكالية كما هو مصطلح العلمانية اليوم. ولم تتبلور هذه الإشكالية لتأخذ شكلا علنيا في الصراع السياسي بالعراق، الا بعد فشل القوى الإسلامية في بناء دولة مؤسسات والتي تُرجمت الى فشل على مختلف الصعد ما هدد ويهدد السلم المجتمعي.

وإذا ما عدنا قليلا الى الوراء وتحديدا الى السنوات الاولى لما بعد الإحتلال وحينما كانت القوى الإسلامية منتشية بإمتلاكها للشارع، نرى أن مصطلح العلمانية وإنشغال هذه القوى بها لم يكن له أي ذكر تقريبا في إعلامها وبرامجها السياسية. لكن الفشل المدوّي لجميع البرامج الحكومية نتيجة الفساد الذي طال جميع مناحي الحياة، وبداية إنحسار القاعدة الإجتماعية لهذه الأحزاب وإستمرار التظاهرات المطلبية المنادية بتوفير حياة أفضل لشعبنا وإنهاء الفساد وإصلاح المنظومة السياسية، والتي قادتها القوى المدنية والعلمانية الديموقراطية بنجاح رغم محدودية المشاركين في التظاهرات الأسبوعية التي تنظمها ولقرب تنظيم الإنتخابات التشريعية في الثلث الأول من العام القادم ، دفعت القوى الدينية ومؤسساتها للعودة الى بضاعتها القديمة في محاربة القوى الوطنية والديموقراطية أي "الإلحاد" لتتهم به القوى العاملة على التغيير والإصلاح. فهل العلمانية كنهج للحكم تعني الإلحاد!؟

هناك ضبابية في مفهوم العلمانية عند الكثير ومنهم عدد لا بأس به من المثقفين، إذ أنّهم يفسرّون العلمانية على أنها مبدأ فصل الدين عن الدولة فقط، وهذا الفصل بين الأثنين تتخذه القوى الدينية تحديدا كسلاح في محاربة العلمانيين، على الرغم من أنّ العلمانية كمنظومة لا علاقة لها بالحجر على الدين وإضطهاده أو على الأقل تهميشه مثلما يروّج الإسلاميون لذلك. وليست هي هدفا للقضاء على الدين على المدى البعيد مثلما يحلم البعض، فالدين حاجة إجتماعية كانت ولازالت وستظل تؤثر بالناس الى مديات غير معروفة.

نعم، أنّ مبدأ فصل الدين عن الدولة هو أحد أهداف النظام العلماني والذي تبلور أساسا للحد من سلطة الكنيسة في أوربا، والذي ترجمه الساسة والفلاسفة الفرنسيون الى نظام سياسي إجتماعي إقتصادي إعتمد على القوانين الوضعية " الدنيوية" في مواجهة القوانين الكنسية "الإلهية" التي أذاقت شعوب أوربا الويلات لقرون. ولكن للعلمانية أهداف وآفاق أبعد بكثير من مبدأ فصل الدين عن الدولة، وهي إحترام الحريات. وعندما نتحدث عن إحترام الحريات فعلينا أن لا نجزء الحريّات ومنها الحريّة الدينية التي من خلال إيهام الناس بقمعها، ينطلق الإسلاميون اليوم بالعراق وغيره من البلدان في تشويه ومحاربة العلمانية كمفهوم ونظام ومنظومة قيمية. ولو قارنّا بين الحرّيات الدينية في الغرب تحت ظل أنظمة علمانية مع تلك الموجودة في بلدان ذات دساتير إسلامية، فإننا سنرى بونا شاسعا بين الحالتين. فالحريات الدينية وإعتناق المذاهب ليست مشكلة في الأولى كونها مصانة بمواد دستورية مدنية وضعية "دنيوية"، لا تجد فيها فقرة تقول أنّ دين الدولة الرسمي هو المسيحية أو غيرها على سبيل المثال. وعدم وجود هذه المادة لوحدها كفيل في عدم إصطدام أتباع المذاهب والأديان والمعتقدات الدينية الأخرى ببعضها، كما وأن الدولة هناك تمنح المساعدات لأتباع هذه الأديان لبناء دور العبادة الخاصّة بهم. وهذا يعني أنّ النظام العلماني ومن خلال توفيره الحريات لجميع مواطنيه أو من الذين يعيشون على أراضي دولته، هو نظام يؤمن بالمواطنة بغضّ النظر عن القومية والدين والمعتقد. وهذا بالضبط هو عكس ما نراه في العراق وغيره من البلدان التي تبدأ قمعها لمواطنيها أو التمييز بينهم حينما تنص دساتيرها على أنّ "الإسلام هو دين الدولة الرسمي". فبوجود هذه الفقرة تحديدا يتم نسف مبدأ المواطنة، ففي العراق مثلا هناك المسيحيين والإيزيديين والصابئة المندائيين وغيرهم.

الصراع الدائر اليوم بالعراق بين الإسلاميين والعلمانيين هو صراع غير متكافيء، ولكنه يسير ببطء الى أن يفقد الإسلاميون العديد من أسلحتهم التي إستخدموها في مواجهتهم للعلمانيين. وأحد أهم أسباب فقدانهم لمواقعهم على المدى المتوسط والبعيد، هو فشلهم في جميع المجالات نتيجة فسادهم الذي أدى الى تدمير الدولة وتهميش دور السلطة لصالح دور الميليشيا. كما وأنّ إنخفاض أسعار النفط وقلّة المداخيل في ظل إقتصاد ريعي بدأ يهدد القاعدة الإجتماعية لهذه الأحزاب والتي بدأت تتطرح أسئلة عديدة في الشارع وتتعاطف وإن بشكل غير واضح المعالم مع شعارات المدنيين والعلمانيين. كل هذه الأمور دفعت قوى الإسلام السياسي ومؤسساته الدينية الى شن هجوم عنيف على القوى العلمانية الديموقراطية والمدنية، وهو ليس الأول ولن يكون الأخير وهي تدافع عن مصالحها التي باتت مهددة وفق قرائتها للشارع العراقي. لكنها وهي تحارب العلمانيين والمدنيين بكل قواها ولفشلها كما أسلفنا، نراها بدأت تتبنى أسماء مدنية وهي تريد خوض الإنتخابات القادمة، وهذا تحديدا سيضعها من جديد أمام تساؤلات أكبر من الشارع العراقي.

من خلال تجارب الشعوب التي سبقتنا في تطبيق النظم العلمانية والمستويات التي وصلت إليها، ومقارنتها بما آلت إليه أوضاعنا في ظل تجارب الإسلاميين بالسلطة أو حتى خارجها وهم يؤثرون بشكل أو بآخر على صانعي القرار في دولهم. سنرى أنّ الحل الأمثل إن لم يكن الوحيد لإنقاذ بلدنا وإعادة بناءه هو إعتماد النظام العلماني الديموقراطي الضامن للحريات ومنها الحريات الدينية.






 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter