|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  1  / 2 / 2020                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

حكمت كيكا: أجمل ابتسامة في شمال الوطن
ورقة من الذاكرة

د. أمير يوسف
(موقع الناس)

ما بين لحظة دخول دجلة العراق واستنهاره عند فيشخابور ليجري متجهاً إلى البصرة، وما بين أصوات مناجل الفلاحين في الموصل وبساتين الشمام في القوش الجميلة وابتهاج البصرة بالمياه وأشجار النخيل، فرحت القوش وولدت حكمت كيكا في نهاية سنة 1953.

ها قد استبان الطريق،
حان وقت المسيرة،
أنا منكم وأنتم فيّ،
جئت لأسعدكم،
انتبهوا إلى سكوتي.

يا صديقي! يا صاحب أجمل ابتسامة في شمال الوطن! أنت تبتسم لكي تلتصق بالناس وهم بك، ابتسامتك تلازمك مثلما تلازم الرائحة العطرة شمام القوش. كان نهارك يبدأ بابتسامة وينتهي بها، بابتسامتك كنت تجلب الأمان لنفسك والراحة والاطمئنان للذين كنت تتحدث معهم. تعتبر الابتسامة عندك بمثابة حاجة، وذلك لأن العالم لن يكون على هذه الشاكلة إن لم تكن الابتسامة مرسومة على وجه الإنسان، وهذا أدى إلى خلق العديد من عُمُد بناء شخصيتك المتزنة وعلى نحو مميز؛ ففي فكرك ونفسك كل ما يدل على الشهامة والنفاد والجد، صاحب ضمير يقظ، عاقد العزم، لين العريكة، شجاع واثق بشجاعته، أنت الحاذق والمبسام، بهي الطلعة جميل المحيا، والثابت الذي لا يتزعزع، تمشي بشموخ كريح لينة الهبوب.

أتذكّر جيداً أيام منتصف السبعينيات من القرن الماضي، عندما كنا نتجاذب أطراف الحديث ومعنا المرحوم باسل الصفار في غرفتي الصغيرة في الموصل عن الوطن وما فيه وحاجته إلى التطور في مختلف ميادين الحياة، وعن أحوال المهمشين وأولئك الذين بحاجة إلى لقمة العيش وما يحميهم من قر الشتاء، وعن تلك الظروف الاستثنائية المقيتة التي فرضتها الدولة؛ وتوصلنا إلى أنه رغم كل الذي حولنا من شقاء وألم، علينا أن نبتسم ونعمل بكل ما فينا من طاقة وقوة، وهذا يذكِّرني، رغم اختلاف الزمان والمكان والشعب، بما قاله الجنرال الفيتنامي جي آب في سنوات العدوان الأمريكي على فيتنام: "إلى جانب القتال يجب أن نتعلم كيف نغني"؛ إن ذلك يفضي إلى الحقيقة التي تفيد: لا يمكن أن يموت الأمل طالما أن هناك من يلتصق بالوطن ويركب الأخطار ولا يأبه بالعراقيل والمسافات.

وذكرتَ في أحد اللقاءات أن لديك حلماً وستعمل بكل جهدك من أجل تحقيقه. ما أروع الحال عندما يكون لدى الإنسان حلم يأخذه معه أينما حلّ! أجل، كان حلمك دراسة فيزياء البلازما (أو الهيولي) في الخارج، لأنك كنت مولعاً بهذا الحقل من علم الفيزياء، وكان يشغل حيزاً كبيراً من تفكيرك. عرِفتَ أن طعم الحياة لا يطيب إلا عندما يكون لدى الإنسان حلم يؤنسه، ويعقد العزم على تحقيقه.

الحلم أمل في خط مستقيم،
لا هو مثلث ولا هو دائرة،
الأمل حجر عظيم،
الآن وفي العراق القديم،
أيها الق...ون لا تضربوا الحلم في الصميم.

حينما كانت القوش هادئة منزوية ما بين المرج الذي أمامها والدير الذي يطل عليها، تمايلت الريح يميناً وشمالاً، وسَمِعت فراشة بيضاء الوئيد من جهة الموصل في عام 1984، فأصابها الذعر وطارت صوب بيوت القوش ورفرفت بجناحيها أمام أبوابها ومن ثم أمام باب الدير.

آه من أنين القوش!
لقد بطشوا بحكمت كيكا!!
يضطرب السديم في الكرة السماوية،
تضطرب مياه القوش،
وتتألم الورود ما بين المرج والدير،
تطير الفراشات فزعاً في اتجاهات مختلفة،
ترى هل هي بداية حرب درور؟
أيها الجلادون!
تباً لكم،
لا تسرقوا دفء الأرض ونورها،
أجل، ما بين الدير والمرج،
لم تخف القوش أبداً،
ولن تخاف حتى إذا سمعت صوتاً مزعجاً في النهاية.

يا حكمت! كنت سميراً من الطراز الرائع لأنك كنت مستمعاً جيداً، وحريصاً على أن تفهم كل ما يقوله من يشاركك الحديث، وكنت ترد بما يكفي لكل حالة. كنا نتفق دائماً على أن هذه الحياة لابد وأن تتغير لا محالة، وعند تغيير الأمور الحياتية يتطور الإنسان، وفي تطور الإنسان تتقدم الحياة إلى أمام بانسيابية منتظمة.

كنت تؤمن وبعمق بكل ما يتعلق بعناصر الصداقة وما تتطلبه من التزام متبادل عند الأطراف المتآخية، وإذا كان من الحِمام ما يؤلم ويترك في نفس الصديق أثراً عميقاً لا يزول وخزه، فإن أواصر الصداقة الحقة تبعث على الأمل، وتبقى خالدة وتعطي الحياة طعمها الطبيعي.

يا حكمت! أنت في فكري منذ أن افترقنا، ورغم أنك معي دائماً، فأنا صديان إلى حديثك كل يوم. بحكمتك تركت فيّ وفي أفكار الذين عرفوك وأحبوك حكمة تقول: الناس الأعزاء هم أولئك المتميزون الذين يشغلون حيزاً في عقولنا. أنت حي في عقول الناس ونفوسها لأن ابتسامتك لن تنطفئ أبداً.

سلام لك وعليك،
حبنا وابتساماتنا لك،
أختشع لذكراك،
تحضرني ابتسامتك.



كانون الثاني/
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter