| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 1/1/ 2011

 

يوميات العراق والمنفى  (2)

- ميم - الداعر واللذة والحرب والتوبة وشياطين - دستويفسكي -

سلام إبراهيم

خلف النافذة الليل أبيض. خلف النافذة الأضواء وندف الثلج الهابطة من السماء البيضاء بروية وهدوء وكأنها تنسج مأساة وحدتي في الصالة بنوافذها الزجاجية العالية الثلاث المشرفة على امتداد الشوارع البيضاء ونفسي المنقبضة فرط هذا البياض، يقال أن الميت يرى قبل رحيله، في اللحظات الأخيرة شلالا من الضوء الأبيض الذي تعشي له العيون هكذا أفضى من مات للحظات وعاد بتدخل طبي.
خلف النافذة ما خلفها من شؤون. ليس لدي مزاج للكتابة، قلت مع نفسي، أذن لأكمل النص الذي قرأت أكثر من نصفه في بيتي - بالديوانية - قبل أقل من شهر، والنص هو رواية – الشياطين – وهي من الروايات التي شاءت الصدف والظروف عدم قراءتها، فأول ما اقتنيتها حدثت الحملة على الشيوعيين والديمقراطيين في مدخل عام 1978. فانشغلت بمحنة الخوف من مذلة الاعتقال، لكنني اعتقلت ومسحوا كرامتي بالأرض. فعادت الحياة ليس لها معنى ولا طعم، لكن بعد سنة استعدت حيويتي حينما بدأنا في مساعدة من كان مختفيا يقاوم من أولئك المناضلين اليساريين والذين قضوا معظمهم في زنزانات التعذيب. عزمت على قراءة – الشياطين – لاسيما صار لدي بيتاً بعد زواجي، ومع أول فصل ساقوني جنديا إلى جبهات الحرب مع إيران في ربيع 1982. بعدها هربت وتعقدت القصة والحياة، لكن – الشياطين – بقت حسرة بنفسي، فأنا مدله بمؤلفها وأشعر أن فهمي للحياة والوجود لا يكتمل دون الإطلاع على كل ما كتبه – دستويفسكي –.
لم تتوفر الرواية هنا في سنين الدنمارك أو بتعبير أدق نسيتها منشغلا في الكتابة والتأمل ومحاكمة الحياة والتجربة العنيفة التي خضتها، لكن دستويفسكي كان حاضراً في تأملاتي وأنا أعيش أجواء رواياته حينما حللت بموسكو عام 1990 – 1992 ضائعا أبحث عن مأوى فعشت تجربة فريدة سردت خلاصتها في روايتي – الحياة لحظة – التي صدرت هذا العام 2010 عن - الدار المصرية اللبنانية - في القاهرة. عدت إلى عراقيّ المحتل الممزق باحثا عن تفاصيل لا تهم أحدا. كانت – الشياطين – من شواغلي. لم أجدها في بقايا مكتبتي في بيت أهلي. لم أجدها بشارع المتنبي في عروض يوم الجمعة. لكنني وجدتها صدفة في بيت صديق طفولة وصبا وشباب ونضج اسمه – م.ج – زميلي في المرحلة الابتدائية وفي المتوسطة والجامعة، صديق أحلامي. لم أره منذ ضياعي بين الثوار في جبال العراق، ثم المنافي. لكن في زيارتي الثانية للعراق هب راكضا من الباب الرئيسي لبيت صديقنا – أحمد حسوني - صارخا نفس صراخه القديم حينما كان يراني، تعانقنا. أحسسته يريد صهري بأحشائه. أمتنع عن الشرب معنا، فتفرست فيه عميقا غير مصدق، لكنه أوجز لي القصة بكثافة بارعة قائلا:
- سلومي
هكذا يناديني منذ الطفولة.
- تركت الشرب منذ النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي وأصلي!.
لست أستغرب من هذه التحولات التي وجدتها قد ألمت في عدد كبير من معارفي وأصدقائي، لكن – ميم – الداعر يصلي هذا يحتاج إلى تحري كي أعرف كيف صار التحول هذا!
لكن – ميم - شاركنا الجلسة والحديث والضحك الصاخب والنكات وكأنه هو.. هو منذ تركته. أخبرني بأنه تزوج ويعيش في بغداد منذ عشرين سنة، ولديه بنت في الكلية وولد في السادس الإعدادي ويسكن حي – الصحة - في بغداد والبيت ملكه، ولا يزال موظفا في الزراعة. نفس القسمات الجميلة، نفس الضحكة، نفس البشرة الطرية، لكن الشيب غزا شعره وأضفى عليه مزيدا من وسامة شيخ جميل. كنت طوال تلك الجلسة أتأمله بعمق، وأسال نفسي:
- كيف تحول هذا التحول؟!.
إذ أن معرفتي به عميقة وشاءت الصدف أن أطلع على بعض من أسراره وتحديدا في علاقته بالجنس الآخر. ففي أول أيام علاقتي بامرأة ستصبح زوجتي، أفضت لي بأن زميله وصديقه لها تحبه، وأنها حائرة هل يحبها بصدق وينوي الزواج منها أم أنه يلعب معها. ولما كان يساريا ومن دعاة التحرر بالنسبة للعلاقة بين الجنسين فقد وثقت به وهي أيضا من عائلة يسارية. قلت لزوجتي:
- ما المطلوب مني الآن؟!.
ردت على الفور بعنفوان بنت في الخامس الثانوي وتنشط سياسيا:
- تكشف نواياه!.
- يعني أصير جاسوس!.
- لا.. لكن البنية صادقة في حبها، فلم يستمر في خداعها؟!.
كان السؤال واضحا ومفحما بالنسبة لي، فأنا أحبه جدا وفلسفته بالحياة والنظر إلى الأشياء تخص الفرد نفسه، لذا ليس لدي قالب أخلاقي أحاكم به تصرفات البشر لاسيما السرية التي تخضع لمعيار ضمير الفرد نفسه.
التقيت به على إنفراد. كان ذلك في أواخر عام 1978. كان الوقت غروبا، وفي الشارع الطويل الممتد من علوة السمك القديمة حتى نهر المدينة الصغير تمشينا. كان يبتسم وأنا أقدم كي ألطف من طبيعة مهمتي البوليسية إلى أن قلت له:
- شنو علاقتك بفلانة؟
توقف مذهولاً وحدق نحوي بعينين مفتوحتين وسألني:
- أش لون دريت؟
أقحمته على الفور قائلا:
- صديقة حبيبتي التي عازم على الزواج منها!.
كان صادقا معي لا يخفي علي شيئا طوال العلاقة. تلاشت الدهشة من ملامحه، وحل محلها انفعال من أنخذل بغتة وعرف أنه سيضّيع شيئا قبل أن يقول بصوت واهن:
- سلام هي بنية مال ظهرية. لمن أرجع من الكلية في بغداد (كان يدرس بكلية الزراعة)، تمنحني في عزّ الظهر لحظات لذة سوف تضيعها عليّ يا صديقي!.
كان يعرفني لذلك قال ما قال. أخبرت حبيبتي بنواياه فقطعت البنت علاقتها معها على الفور. سألت عن أخبار تلك البنت التي تمت لي بصلة قرابة بعيدة فعلمت أنها تزوجت من مدرس ولديها أطفال لكن من سوء حظها أن زوجها قتل من قبل رتل أمريكي اقتربت سيارتهم منه للحد غير المسموح فيه فترملت.
المجس الثاني أكثر تعقيدا له علاقة بما أسرده من صدفة ومحاولة عثوري على – شياطين – دستويفسكي -. وهذا ما اكتشفته حال فراغي من أخر صفحة من الرواية قبل أسبوع هنا. أقصد أن المجس تجسد من جديد قائما من غبار تلك السنين المضطربة، وألح علي كي أسجله في هذا المقام...
كنا نسكن – مشتمل – ملحق ببيت وثير في الوزيرية مقابل – معمل القطن الطبي – في الشارع المؤدي إلى الجامعة المستنصرية. شغلنا المكان طوال سبعينيات القرن الماضي، و – ميم – سكن معنا لفترة. ما جرى في ذلك المشتمل العجيب سردت طرفا منه بما سمح به موضوع روايتي – الحياة لحظة – أي بما يخدم بنيتها وغرضها. كان إلى جوارنا عائلة لديهم طفلة في الثانية عشرة أسمها – فاطمة – تتردد على الغرفة هي وأخ يصغرها. لا أعرف عن عائلتها شيء. ففي بغداد يختلف الأمر عن محلات مدن العراق الأخرى التي يكاد يعرف فيها المرء كل شيء عن الآخر. وخصوصا في منطقة - الوزيرية - التي تعج بالطلبة الجامعيين وبالأغراب. كانت أمها امرأة متوسطة العمر، بدينة، اجتماعية، تتحدث معنا بثقة، لكنني لم ألحظ وجود رجل في البيت. طبعا هي الأخرى مستأجرة. المهم كنا وسط بيئة مشبوهة. عاهرات لا يجدن مأوى يلجأن في غالبية الليالي إلى المشتمل فيوفرن لنا متنفس نفرغ فيه ضغط الغريزة بكل هول الحرمان الذي يعيشه العراقي منذ البلوغ، أجواء تشبه الروايات. في هذه البيئة لاحظت أو بأدق شككت بعلاقة ما تربط – م – بفاطمة البنت الموشكة على البلوغ. كنت أرصد بخبث النشوة التي تحل في قسمات – ميم – حال رؤيته لفاطمة فقد كان يصرخ حال رؤيتها:
- فطووووووووووووم!
مثل مجنون، بينما تتضرج قسماتها البريئة السمراء وترتبك وتضيع القدرة على الكلام. كان صراخ – ميم – عفويا وردود أفعال الطفلة أيضا. وكان لا يخفي على أنا المولع بالأسرار بأنه يستطيع الخلوة بها في الغرفة. بل بت على يقين من هذه الخلوة وهو الداعر.
انفردت به وسألته بشكل مباشر وصريح:
- ولك يا مجنون بس لا عندك جسدية بهذي الطفلة؟
قلتها وأنا أدرك مبلغ الفسق في ضمير صديقي الذي أحبه بجنون حتى اللحظة التي أكتب بها الآن. أبحر في وجهي وعينيّ قبل أن يقول كلاما مبهما جعلني أغور في شكي رغم نصاعة جوابه
- سلام أنت أش تريد مني؟!. طفله أحبها وبس.
جواب يحمل تسعين تفسير. صاحب امرأة الظهر، وملامح – فاطمة – التي كانت بريئة العينين فتشيطنتا بعد علاقتها به. قالها وأشعل هاجسي من كونه منزوع الضمير.
كان جوابه يطابق بالضبط حجب – ستافروجين – لمخطوطة اعترافاته الثانية عن الراهب – تيخون -. لكنني وجدته متعبدا، بنى أسره، ووضع معقول رغم كل الاضطراب الذي ألم بالعراق. سيحضر – ميم – أمامي قبل أسبوع وأنا أتم قراءة رواية – الشياطين – سيحضر بشدة مع قسم الرواية الأخير المعنون – اعترافات ستافروجين – حينما يذهب إلى الدير قبل انتحاره ويسلم – تيخون – الراهب أوراق كتبها عن حياته وقتما كان خارج روسيا حيث يسهب في تفاصيلها عن علاقته وهو الماجن بطفلة في نفس عمر – فاطمة – الكاتب جعل القسم الثاني من المخطوطة مبهما إذ لم يسلمه إلى – تيخون – الذي طالب بالملزمة الثانية حينما أقبلت تلك الطفلة على معانقة ستافروجين وأخذت بتقبيله في أخر سطر من ملزمة المخطوط الأولى، بل حجبه قائلا في الصفحة 487 من الجزء الثاني طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب:
- نعم هذه هي الثالثة أما الثانية فقد حذفتها الرقابة الآن!...
حجبها ليس على الراهب فحسب بل على القارئ رغم أن السرد يوحي بأن ثمة علاقة شاذة حيث يغوي الثري الماجن تلك الطفلة. ثم يدفعها نحو الانتحار، وهذه الحادثة أعطبت حياة الشخصية المحورية وجعلته أمام أمرين أما أن يؤمن بالله ويتصوف أو يظل على مفاهيمه التي ترتبط جدا بمفاهيم صاحبي – ميم – فبقى عليها فدفعته لاحقا إلى شنق نفسه. عاش – ميم - معي حيا في حوار الفصل الأخير من الرواية، رأيت به – ستافروجين – الآخر الذي أخذ بنصيحة الراهب – تيخون – فلم ينتحر بينما في الرواية يرفض ويفني نفسه هابطا نحو العدم دون السماء كما يأمل صديقي – ميم -.
لم يدخل – ميم – مخاض الحوار الفلسفي الوعر الذي تسلكه شخصيات دستويفسكي. فهو أصلا غير ميال لثقل الحوار العميق، إذا كان لا يفهم ما يدور من حوار يتعلق بالقيم والمجتمع وكيفية تفسير الحوادث ونظرتنا للحياة. كان يلف رأسه وينام.
بقيت مشغولا بالكيفية التي تحول بها إلى الورع والدين بعد كل ذلك الفسق وعبادة اللذة.
في نفس الجلسة سألني:
- سلام ما عنك روحه لبغداد تره بكرى مغبش!.
- أي وافقته على الفور!.
بكرنا معا في سيارته المارسدس القديمة. لم يسلك الطريق السريع الموحش، بل أخذني على الطريق القديم المار بكل النواحي والقصبات، ديوانية - حلة – بغداد، نفس الطريق الذي نسلكه في ذهابنا وإيابنا أيام دراستنا الجامعية إذ كان الطريق الوحيد، طريق أليف يصافح المدن والوجوه. دون مقدمات سألته:
- صديقي وحبيبي قل لي بالضبط لم تحولت هذا التحول الروحي ومتى؟!.
وكما قلت – ميم – كان صادقا معي في كل القصة:
- سلام.. صار التحول في لحظة، ما أگدر أشرحها لأحد لا لصديقنا الذي سهرنا عنده ولا لأخوتي الشيوعيين أصدقائك، فهم سيضحكون عليّ. لك فقط سأحكي ليش تحولت؟. كنا في جبهة الحرب مع إيران، وكما تعرف كنت سائق دبابة، وكان في وحدتنا شاب جميل يخبل.. مثل جمال النبي – يوسف - كما وصفه القرآن. كان مؤدب وموزون بطريقة عجيبة، عبالك ما تربى بالمجتمع العراقي الغاط بالرذيلة والفسق. كان الجميع يتآمر عليه. الضباط يريدونه مراسل، وكما تعرف المراسل يصير عبد أو فرخ للضابط في وحدات الجيش العراقي. كان يرفض بشدة وكنا نشجعه على هذا الرفض. كان حضوره خفيف مبهج للقلب والروح وسط رعب الجبهة والموت الداير ما دايرنه بكل لحظة. يعني صار شمعة وقبلة من نور وسط ظلمة الحرب.
كنت أتأمله وهو يدير مقود السيارة بمهارة ويرمقني بين الحين والحين وخلفه غابات النخيل الراكضة تضفي على قوله غلالة تشبه الحلم. رحت أتخيل مكان الجبهة بملابس الجنود الخاكية الحالكة والأتربة في أقصى الجنوب. هو يحكي عن معارك –الفاو - التي أحتلها الجيش الإيراني واستعادها الجيش العراقي بعد معارك طاحنة. كان ذلك في عام 1986 ووقتها كنت مع الثوار في الجبل. بقيتُ أنصت مأخوذا بالسلام العميق الواشم قسماته المسترخية والمندمجة ببهجة بلحظتها:
- سلام رجعت من إجازة، فوجدت الجميع في وجوم وحزن وكأن مصيبة وقعت بغيابي ، لزمني قلبي نزعت الحقيبة من كتفي وسألت عن - يوسف –. ساد صمت ثقيل للحظات قبل أن يقول زميل – الله يرحمه -. جمدت. صرت حجر، معقول، ليس هنالك هجوم ومعارك بل كانت الجبهة هادئة بعد أن استعاد جيشنا الفاو. أخبروني أن قذيفة واحدة فقط سقطت على جسده وكأنها مقدرة له. وأردفوا:
- لم نعثر على شيء من بقايا جسده فقد تفتت وانتثر على التراب!.
عندها قلت مع نفسي:
- الله يحب الجمال وأنتقى هذا النقاء ليخلصه من عذاب العيش في هذه الدنيا القذرة، فكرت بذنوبي وتبت لربي، إذ صليت منذ ذلك المساء وصار لي علاقة خاصة بالسماء رتبت حياتي التي ستراها بعد قليل!.
سألته:
- لم أفهم عايشت الموت كل سنوات الحرب، وما تغير وضعك!. ليش بهذي التجربة؟!.
في هذه النقطة من الحوار دخل دائرة التفلسف المشابه تماما لحوار – ستافروجين – الداعر مع – تيخون – الراهب. قال لي بجمله مصقولة ومرتبة وعميقة لكن دون عناء التفكير العميق الذي كان الذي يضفيه – دستويفسكي – على شخوص رواياته فيبدون مثل فلاسفة، نطق ببساطة:
- سلام الله يختار النقي كي يخلصه من العذاب الذي فيه، أما احنه الفاسقين فيتركنا كي نتعذب بعذاب الدنيا والذنوب. لذا أحاول التكفير عن ذنوبي التي لا تعرف أنت إلا القليل منها. أنا الآن في سلام يا سلام فاتركني فيه أرجوك!.
هذا بالضبط الوجه الآخر لحوار الراهب والداعر، فـ – ميم - أنصاع لنصيحة الرب المتمثلة بالقذيفة التي سقطت بالضبط على يوسف في جبهة الحرب ولاشت جسده. والتي لم يمتثل لها – ستافروجين – فلم يطق عمره فشنق نفسه عقب ذاك الحوار.
وصلنا بيته كان يسكن في – حي الصحة – قرب القناة. البيت وثير. حديقة صغيرة مرتبة وغرفة الضيوف مرتبة جدا. فأدركت بأن زوجته مرتبة، فسألته عن طريقة زواجه فأجاب:
- مثل كل الناس قريبتي دون علاقة حب!.
وهذا يتناسب إلى حد كبير مع تصوفه وقناعته بما ستؤول إليه الحياة.
قلت له بأنني متعب وأود النوم قليلا لأستعيد شيئا من حيويتي، غفوت القيلولة وحينما نهضت شدتني مكتبته القديمة. صرخ على طريقته القديمة التلقائية:
- سلام أني سرقت كتاب منك قبل أكثر من ثلاثين سنة!.
كان يتصور بأنني أتذكر ذلك الكتاب قلت:
- ميم أني أدور على كتاب منذ زمن إذا لقيته في مكتبك فهو لي!.
أجابني:
- دور!.
وفعلا وقع بصري على رواية – الشياطين – حملتها إلى الديوانية جلدّتها لدى مجلد كتب وشحنتها مع زوجتي إلى الدنمارك.
يعني سرقتها فقد اكتشفت أن الجزء الثاني لم يفتح صفحاته التي متلاصقة من الأعلى كل أربع على طريقة الكتب القديمة. في أمسية أقمتها قبل سفري في مقهى – الراية - وسط المدينة عن تفاصيل حياتية صغيرة لشهداء الحزب الشيوعي العراقي 2009 كان – ميم - حاضرا وأسرّ لي أن أبنته - غزاله - الطالبة الجامعية ثارت عليه تريد حضور الندوة:
- يا سلام وين أجيبها وسط الديوانية؟!.
وسألني عن الرواية التي كان يظن أنني استعرتها فقلت ضاحكا:
- وصلت الدنمارك!.
فصرخ عائدا لماضيه السافل:
- شگد أنت سافل؟!.
قلت له هامسا:
- ولك عيب أحنه وسط ناس وندوة لكنني أشرف منك في السفالة.. أليس كذلك؟!.
قلتها بخبث فتلاشى الغضب من ملامحه وأنا أعقب:
- شلك شغل بعد بدستويفسكي إذا راح تروح للحج!.
تبسم وترك لي – الشياطين - التي لم أتمكن من الحديث عنها كما وعدت صديقي الروائي – احمد السعداوي – إذ جرتني شخوص الحياة أكثر من شخوص الرواية التي سأعود إليها حتما في يوميتي القادمة.

 

يوميات العراق والمنفى  (1)

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات