|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  18  / 2 / 2018                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

 العلمانية

عمران عباس كاظم
(موقع الناس)

مفهوم العلمانية :
بالرغم من الحديث المنتشر عنى العلمانية رفضا او تأييداَ الا انه لازال هناك عدم اتفاق على تحديد المفهوم والاتفاق على تعريف محدد لها فمنهم من يلفظها بفتح العين ومنهم من يقول انها بكسرها .
فالعلمانية (بكسر العين ): تعني اتخاذ المعرفة المتأتية من العلوم مرجعاَ لتفسير كل ماموجود في الحياة .
اما العلمانية (بالفتح ) : فتعني الاهتمام بدراسة العالم الدنيوي دون ان نفرض انشغالاتنا بالعالم الآخر على ادارة الحياة .

لكن هناك من يقول ان العلمانية جاءت من كلمة (علما) السريانية والتي تعني الشعب كما يقول (يونادم كنا) في احدى المقابلات معه حيث يقول انها ليست مربوطة بالعلم وانما بالعلما التي تعني الشعب بالسريانية مايعني ان العلمانية تعني حكم الشعب - كما يقول -

ومثلما هناك توزع وتشتت في المفهوم فان هناك ايضاَ تنوع في العلمانية وتطبيقاتها بين بلد وآخر او مجتمع وآخر فالعلمانية هي فصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية او الشخصيات الدينية وتختلف مبادئ العلمانية باختلاف انواعها فقد تعني عدم قيام الحكومة او الدولة باجبار اي احد على اعتناق وتبني معتقد او دين كذلك فانها تكفل الحق في عدم اعتناق دين معين وعدم تبني دين معين كدين رسمي للدولة وهذا لايعني بالضرورة الالحاد او جزءاَ من التيار الالحادي كما جاء في (الموسوعة العربية العالمية) الصادرة في السعودية بل بالعكس فان العلمانية ذاتها ليست ضد الدين بل تقف على الحياد منه ففي الولايات المتحدة الامريكية وجد ان العلمانية حمت الدين من تدخل الدولة والحكومة وليس العكس وهنا لابد ان نورد مايقوله المفكر الايراني عبد الكريم سروش في كتابه (العقل والحرية) حيث يقول انه لا ينبغي ان نتصور في شأن النزاع بين معطيات الحضارة الجديدة ومعطيات الاديان وجود مؤامرة ضد الدين وضد الله وان جماعة من المتآمرين قد اجتمعوا في نقطة معينة من العالم واخذوا يرسمون مؤامراتهم ضد الخطاب الديني وتعاليم الانبياء , فالامر ليس كذلك –كما يقول – وعلى فرض وجود متآمرين فانهم لا يمثلون الا قلة ضئيلة وليس لهم دور الا في هامش التاريخ , وما يجري في التاريخ البشري بصورة طبيعية وبمقتضى التكامل التاريخي عبارة عن ان البشرية قد انجزت قفزة حضارية وتوصلت الى كشوفات وابداعات ومعارف مهمة , وهذه الكشوفات والمعارف الجديدة قد تتعارض في بعض الموارد مع الافكار الدينية . كذلك يقول في مجال النسبة بين الفكر العلمي والعلمانية ان منجزات العلوم استطاعت ان تفرض بكل احترام نوعاَ من التواضع على الدين والمتدينين واثبتت ان تعاليم الدين تختص بدائرة معينة ,وعموما فهناك كما يقول الباحثون على الاقل نوعان من العلمانية هما :

1- العلمانية الجزئية : وهي رؤية جزئية للواقع بمعنى انها نظرة لاتتعامل مع كل الظواهر , وتدخل في هذا المعنى او المفهوم مايطلق عليه بعض التنويريين الدينيين بـ (العلمانية المؤمنة).

2- العلمانية الشاملة : وهي مقاربة للواقع بكل ابعاده , ومايميزها عن الاولى ,اي العلمانية الجزئية ,هو انها تعمل نوع من التحييد بين الدين ومجالات الحياة الاخرى . وقد يسمى هذا النوع من العلمانية باللائكية , واشد انواع العلمانية تطبيقاَ هو مامطبق في فرنسا .

وربما يرجع بعض الباحثين جذور العلمانية الى الفلسفة اليونانية القديمة لفلاسفة يونانيين من امثال ابيقور , غيران الثابت انها خرجت بمفهومها الحديث خلال عصر التنوير الاوربي على يد عدد من المفكرين امثال حيفرسون وفولتير وسواهما مايعني ان العلمانية هي بنت التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الفكرية لعصر الانوار ,ان التشخيص التاريخي الصحيح للعلمانية هي انها ظهرت بظهور الرأسمالية والسبب في ذلك كما يرى الباحثون هو :

1- انه في ظل التشكيلات السابقة للرأسمالية كان الناس مجرد رعايا أي أن الخاصية التي يتمتعون بها هي خاصية منقوصة في حين في ظل الرأسمالية اصبح العامل يتمتع بخاصتين , الاولى هي الحرية الاقتصادية , اي انه لم يعد عبداَ يرتبط بوسائل الانتاج (الارض مثلا) .

2- الخاصية الثانية هي انه اصبح متحررا في بيع قوة عمله مثلما يريد (ولو ان احد الكتاب يسمي هذا النوع من الحرية : حرية النوم تحت الجسور).

وقد ارتبط مفهوم الديمقراطية بالعلمانية , ولو انه ليس هناك ترابط تاريخي بينهما لان الديمقراطية تمتد جذورها الى الاغريق في حين ان العلمانية مفهوم حديث ظهر ضمن المرحلة الرأسمالية , وسبب هذا الترابط بين الديمقراطية والعلمانية هي ان كليهما يستند الى فكرة الحرية وكذلك المواطنة , فالدولة الديمقراطية هي دولة مواطنين احرار يتمتعون بكافة الحقوق والواجبات ولو انه في عهد دولة اثينا كان يتمتع بهذه الحرية جزء من المواطنين وليس جميعهم .

كذلك في ظل الدولة الديمقراطية فان الهوية الرئيسية هي الهوية الوطنية (او هوية المواطنة) وليس الهويات الفرعية الاخرى,اي بمعنى آخر ان الدولة الديمقراطية هي دولة مواطنين احرار وليست دولة رعايا .

وحسب النظرة الماركسية للدولة فان الدولة الديمقراطية تمارس دوراَ مخادعاَ او دوراَ مموهاَ , اذ أن فكرة حياد الدولة هي فكرة وهمية وواحدة من ادوات التمويه الايديولوجي , اذ أن الدولة يجب بالضرورة أن تكون دولة لصالح طبقة أو مجموعة طبقات أي دولة طبقية وليست دولة حيادية أو محايدة بين الطبقات .

ولا تعتبر العلمانية شيئا جامداَ , بل هي قابلة للتحديث والتكييف حسب ظروف الدول التي تتبناها وتختلف حدة تطبيقها ودعمها من قبل الاحزاب او الجمعيات الداعمة لها بين مختلف مناطق العالم .

ما هي الاسس التي تستند اليها العلمانية ؟
1- عدم تسليط الدين على الدولة ومؤسسات المجتمع والامة , أي فك الاشتباك بين الوظيفة الدينية والوظيفة الدنيوية .
ان العلمانية هي ليست ايديولوجيا وانما هي طريقة للممارسة او هي اداة وبالتالي لا يمكن المطابقة بينها وبين الالحاد لأن الالحاد هو فكرة فلسفية أي أيديولوجيا , وبالتالي لا توجد رابطة مباشرة بين العلمانية والالحاد لاختلاف السياق المعرفي بين الاثنين لأنها ، (أي العلمانية) هي طريقة تفكير كما قلنا وليست فلسفة .عموما فان العلمانية لا ترتبط بالدين نفسه وانما بفكرة المصالح.

2- فكرة الحريات : اذ أن ضمان هذه الحريات هي الأساس الذي تستند عليه العلمانية , لأن المجتمعات البشرية ما قبل هذه المرحلة التاريخية كانت لا تستند الى فكرة الحريات وانما الى فكرة الرعاية .

3- العلمانية تتضمن المساواة في الحقوق والواجبات . ففي ظل أنظمة أخرى لا يمكن ضمان حقوق جميع المواطنين سواءاَ كانت دولة طائفية أو دينية أو قومية .

4- العدالة الاجتماعية اذ أن أي نظام لا يضمن التوزيع العادل للثروات سيخلق فوارق بين المواطنين في المعيشة وفرص الحصول على الخدمات أو التعليم أو الحصول على الوظائف وبالتالي سوف لا يحقق مبدأ المساواة بين المواطنين مما يخرجه من خانة العلمانية ويدفعه الى ممارسة الاستبداد والقمع لأسكات المواطنين والحصول على موافقتهم الشكلية وهذا ما حصل في الكثير من الأنظمة التي استلمت السلطة في منطقتنا وأطلقت عليها تسمية العلمانية أعتباطاَ كما في العراق ومصر وغيرها من البلدان .

الدولة الدينية والدولة العلمانية :
الدولة الدينية : هي تلك الدولة التي تخضع لسيطرة رجال الدين وبمعنى أوسع هي نظام سياسي يدّعي تمثيل الارادة الالهية على الأرض وهذه الارادة يتم حصرها في رجال معينين . وفي اجابته على سؤال يطرحه هو : لماذا نطالب بعلمنة الدولة ؟ يقول المفكر المغربي أحمد العصيد لأننا أنتقلنا الى الدولة الحديثة ولا يمكن أن تنتقل الى الدولة الحديثة بأجهزتها المتعارف عليها وأن تبقي الدين في الدولة وتستعمله في السياسة , فأذا اردنا أن نبقي الدين في الدولة علينا أن نتراجع عن الدولة الحديثة ونعود الى الدولة التي كانت سابقاَ أما اذا أصر أحدهم على أن يبقي الدين في الدولة كما كان سابقاَ فهذا غير ممكن والدليل على ذلك أن الدولة التي تستخدم اجهزة الدولة الحديثة وفي نفس الوقت تفرض الدين رسمياَ وتقهر الناس به كالسودان وايران هي دول كاريكاتورية غير منسجمة ويحصل فيها قمع وتجد ان مبدعيها خارج بلدانهم وهناك دليل آخر تاريخي وهو ما سمي بالفتنة الكبرى في التاريخ الاسلامي حيث استخدم الاطراف الثلاثة القرآن في صراعاتهم , اضافة الى دليل آخر معاصر وهو الصراع الحاصل بين البلدان من اجل فرض مذاهبها ودياناتها على الآخرين مثل السعودية وايران وتركيا وغيرها .

الدولة العلمانية : هي الدولة التي تهتم بالشأن السياسي ورجال الدين فيها لا يكون لهم علاقة بها , اذ أنه في الدولة العلمانية يجري الأعتماد في تفسير الظواهر على نظريات من انتاج العقل البشري .

هناك دول تنص دساتيرها صراحة على هويتها العلمانية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وكوريا الجنوبية والهند وكندا . في حين أن بعض الدول لم تذكر العلمانية في دساتيرها ولكنها لم تحدد ديناَ معيناَ للدولة , وتنص قوانينها على المساواة بين جميع المواطنين وعدم تفضيل أحد الأديان والسماح بحرية ممارسة المعتقد والشرائع الدينية واجراء تغيير في الدين بما فيه الالحاد أو أستحداث أديان جديدة بما يشكل صوناَ لحقوق الأنسان وحقوق الأقليات الدينية . وهي بالتالي تعتبر دولا علمانية .

ان الدولة الدكتاتورية التي قامت في المنطقة بأنظمة بوليسية وسميت بالعلمانية مثل نظام صدام حسين والقذافي وغيرهما هي أيضاَ أنظمة غير علمانية لأنها أستخدمت الدين في محاربة معارضيها فصدام حسين مثلاَ حال ما حصل صِدام بينه وبين المعارضة لنظامه سارع الى اضافة عبارة (الله اكبر) للعلم العراقي وشن ما سماها الحملة الأيمانية في محاولة منه لكسب الشارع العراقي ذا الميول الأسلامية, كذلك فعل معمر القذافي في ليبيا وزين العبادين بن علي في تونس حين أستخدم الدين ضد معارضيه اليساريين ومثلهم فعل الملك الحسن الثاني في المغرب حين أستخدم الدين ايضاَ ضد معارضيه اليساريين , اذن لا يمكن أعتبار هذه الأنظمة أنظمة علمانية لأن الخروج من الأستبداد لا ينبغي أن ينقل الى استبداد آخر .

هنالك شريحة ثالثة من الدول تنص دساتيرها على دين معين كمصر وموناكو واليونان غير أن دساتيرها تحوي مبادئ العلمانية العامة , كالمساواة بين جميع مواطنيها وكفالة الحريات العامة , مع تقييد لهذه الحريات يختلف حسب الدول ذاتها .

في مالطا وهي دولة تتخذ المسيحية الكاثوليكية ديناَ لها يعتبر الاجهاض محرماَ بقوة القانون وذلك مراعاة للعقائد الكثوليكية ومع ذلك فأن نسب تقييد الحريات العامة في مالطا هو أقل بكثير مما هو عليه في دول أخرى كمصر حيث تعتبر الشريعة الأسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ما أدى الى قيود حول تغيير الدين أو بناء دور عبادة غير أسلامية الى جانب تشريع تعدد الزوجات وغيرها من القضايا المرتبطة بقانون الأحوال الشخصية , وهذا الشكل من الدول ينطبق على عدد من الدول الأخرى ما دفع الباحثين لأجراء تعديلات أصطلاحية فأحلت (الدولة المدنية) بدلاَ من (الدولة العلمانية) وأقترح البعض مفهوم (دولة مدنية بمرجعية دينية) غير أن ذلك بحسب بعض الباحثين يفرغ مبادئ المساواة والحريات العامة من مضمونها ويحصرها في قالب معين ما يعني دولة دينية وان بأطار مدني .

هل العلمانية ضرورية بالمعنى المطلق أم في مجتمعات معينة ؟
أن الدولة العلمانية هي ضرورية لكل المجتمعات وبالأخص للمجتمعات (العربية) فهي ضرورية جداَ لها ذلك لأن هذه المجتمعات تتشكل من طيف واسع من الأديان والطوائف والقوميات و لأن أي شكل من أشكال الدولة غير العلمانية سيشعر الآخرون بعدم المساواة والتهميش والأحباط , وبالتالي فالمخرج لذلك هو علمانية الدولة لان الرابط بين المواطنين جميعا هو العقد الأجتماعي أو فكرة المواطنة وليس قومية أو دين أو طائفة معينة , وبالتالي فأن الدولة العلمانية هي حافظة جميع الأديان والطوائف بالعكس مما يشاع ,كما أن العلمانية بخطابها الجامع تستطيع ان تقدم معنى ضامناَ للوحدة الوطنية لا يستطيع الآخرون تقديمه بما يرافقه من خطاب ديني أو طائفي أو أثني .


المصادر :
1- كتاب الاسس الفلسفية للعلمانية –عادل طاهر
2- كتاب العقل والحرية- عبد الكريم سروش-تعريب احمد القبانجي
3- مقالات عن العلمانية في موقع الحوار المتمدن
4- منظروا العلمانية- مقالات عن العلمانية على الانترنيت
5- مقالات منشورة ومقابلات مسجلة مع المغربي احمد العصيد
6- مقابلة تلفزيونية مع النائب العراقي يونادم كنا


 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter