|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  17  / 12 / 2014                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

مرةً أخرى مع خط آب 1964
وآثاره المدمرة

همام عبد الغني المراني

من جديد , يعود بنا بعض المناضلين , ممن عايشوا فترة انقلاب وجريمة 8 شباط 1963 الأسود , والسنوات التي اعقبته , والنتائج الكارثية التي سببها خط آب 1964 اليميني المنحرف . يعودون بنا لتلك الأيام والنضال المرير والدامي , ضد انقلابيي شباط المجرمين وحلفائهم ومخلفاتهم السوداء , وضد الفكر والمنهج اليميني الذي فرضه بعض قادة الحزب من خلال خط آب الذي رسموه بعيداً عن واقع العراق ونبض الشارع العراقي وإرادة كوادر وقواعد الحزب الذين كانوا يواجهون الموت ويخوضون بالدم , لإعادة بناء قلعة الحزب وتنظيماته بعد كارثة شباط . فقد تناول المناضلان كريم الزكي , وجاسم الحلوائي , هذا الموضوع , على صفحات موقع الحوار المتمدن وموقع الناس الرصينين , حيث سجل الكاتبان جملة من الآراء والتبريرات غير الدقيقة , حسب تقديري المتواضع ... فتسمية خط آب " النهج الخياني " , اظنها غير مناسبة , بل خاطئة . فكلمة الخيانة , لا يمكن اطلاقها بهذه السهولة , واعتقد ان الأسترسال والحماس في الكتابة هو الذي فرضها ....

كما ان عبارة "كانت قيادة الحزب الشيوعي العراقي تعمل جاهدةً لحل الحزب وتذويبه في حزب السلطة" هي الأخرى غير دقيقة , فانتهاج سياسة خاطئة شيئ و "تعمل جاهدةً لحل الحزب وتذويبه في حزب السلطة" شيئ آخرمغاير تماماً , رغم انني اوافق رأي الكاتب , بأن خط آب لو قُدر له ان يستمر لفترة طويلة , ولم يواجه ذلك الرفض القاطع من كوادر وقواعد وجماهير الحزب لوصل الى تلك النتيجة , رغم انها مستبعدة تماماً في العراق , استناداً لمكانة وجماهيرية الحزب ونفوذه الأدبي والسياسي وجذوره العميقة في المجتمع العراقي .

ان هذه الأحداث مضى عليها نصف قرنٍ من الزمن , واصبحت تاريخاً يفترض بمن يتعرض لها او يتناولها , ان يكون دقيقاً وأميناً في تسجيلها , اذا كنا نريد فعلاً ان نصون تاريخ الحزب ونحافظ عليه من التشويه والأجتهادات الشخصية .

أعود الآن للرد القصير الذي نشره المناضل جاسم الحلوائي, في موقع الناس , لأجد فيه ملاحظتين , تستوجبان التعليق ,,,

الأولى : قول الأستاذ الحلوائي "ان الحزب كان قد تخلى عن خط آب في اجتماع اللجنة المركزية في نيسان 1965" , وأقول صراحة انني اسمع بهذا "التخلي" لأول مرة , بعد مضي خمسين عاماً على الحدث . فقد كنت آنذاك " من الكادر المتقدم " , وفي تنظيم مهم , وكنت قريباً من اللجنة المركزية , فلم أبلغ بقرار كهذا مطلقاً , بل انني لم اسمع به إلا من خلال مقال الأستاذ جاسم الحلوائي , رغم اننا كنا " نأكل ونشرب " نقاشات وصراعات حول هذا الموضوع ...

ولنفترض جدلاً , ان مسؤولي وهو عضو ل . م . , نسي أو اغفل أو اهمل تبليغي بقرار مهم كهذا , فلماذا لم يذكره قادة خط آب 1964 أنفسهم , حين تحول الأجتماع الموسع للجنة المركزية في تشرين الأول 1965 , تحول الى محاكمة قاسية لنهج خط آب "المشؤوم" كما سماه المناضل كريم الزكي , وللقادة الذين فرضوه على الحزب ؟؟ و لماذا لم ينبس أيٌ منهم " أنور مصطفى وبهاء الدين نوري وعامر عبد الله " ببنت شفة أو حتى اشارة الى ان الحزب " قد تخلى عن هذا النهج في نيسان 1965 " !! دفاعاً عن انفسهم على أقل تقدير ؟؟ ....

أما الملاحظة الأخرى : التي لفتت نظري في مقال المناضل الحلوائي , وهي من نفس المنطلق والتبرير , قوله " ان المناضلين الذين رسموا خط آب , ما أن وطأت أقدامهم ارض العراق حتى احسوا بخطأهم وتراجعوا عمه " , وهذا الكلام يغاير الحقيقة تماماً , ففرسان خط آب 1964 , بقوا مصرين على ذلك النهج حتى بعد ادانته بشدة في اجتماع تشرين الأول 1965 , وراحوا يتعكزون على تأثير الخط الأممي عليهم ! كما قال أنور مصطفى , ودخل في مشادة كلامية مع المناضل آرا خاجادور , الذي كان له , على ما يبدو , موقف مغاير لذلك النهج , متهماً اياه " بالتأثر " بآراء غيره . أما الفقيد عامر عبد الله فقال نصاً " اننا جميعاً لا نصلح للقيادة , انتخبوا لجنة مركزية غيرنا " ....

وفي نهاية الجلسة الأولى للإجتماع , حيث تقرر ادانة خط آب ورفع شعار اسقاط السلطة , وبدلاً من ان يخضع " الفرسان الثلاثة " لقرار الأجتماع , عملاً بمبدأ خضوع الأقلية للأكثرية ’ فقد لجأوا لتقديم استقالاتهم , احتجاجاً على موقف الأجتماع , فمن أين جاء " تراجعهم عن خط آب , ما ان وطأت اقدامهم ارض العراق " ؟ .

والآن أقول , ان من حقهم ان يطرحوا آراءهم وان يدافعوا عنها وأن يحتفظوا بها , على وفق قناعاتهم , ولكن هل من حقهم عرقلة سياسة الحزب التي اقرها الأجتماع وهلل لها الشارع العراقي ؟ , والإلتفاف عليها , كما سأشير الى ذلك بإيجاز .

لقد أثار الأجتماع ونتائجه , حماس منظمات الحزب وتعززت القاعدة الحزبية في جميع المجالات , واستقر التنظيم , واختفت مظاهر التمرد والأحباط التي كانت تعاني منها أغلب المنظمات . كما ان حملة التبرعات التي نُفذت كإحدى مقررات الأجتماع , كانت ناجحة جداً , وجادت الناس بسخاء كبير لدعم امكانات الحزب ...وتشكل خط حسين المسلح ونفذ بعض العمليات , كما نفذ تنظيم " هاشم " بعض الفعاليات والتمارين التي تدعو للتفاؤل ...

وسط هذا الحماس والعمل الجاد , كان هناك عمل مضاد ومحبط , منذ اليوم الأول , تمثل في بعض اوجهه ب :
1- لم يصدر بيان عن الأجتماع ومقرراته , كما جرت العادة لإجتماعات قيادة الحزب , بل ان قيادة الحزب , حتى اليوم , لا تشير اليه , بل ان بعضهم يذكره بإسم " اجتماع الخمسة وعشرين " بلهجة السخرية !!
2- محاولة الإغراء بالسفر الى الخارج للدراسة الحزبية أو الأكاديمية , وكانت تستهدف الرفاق الذين كان لهم موقف متشدد من خط آب . فقد عُرضت عليَ فكرة السفر ثلاث مرات خلال شهر واحد , مما أشعرني , بأنها محاولة إبعاد وليست رعاية , وقد اضطررت للقول وبانفعال " ألسنا مقدمين على عمل حاسم ؟؟ وأنا في موقع تنظيمي حساس , لماذا تحاولون ابعادي ؟؟! " ... طبعاً وافق بعض المناضلين , وغادروا , وعادوا مغسولي الأدمغة .
3- تصرف بعضهم بمبالغ التبرعات لتبديل سياراتهم , بحجة انها " ربما انكشفت للعدو " , في حين كان بعض المناضلين يعيشون عالة على عوائلهم المتعبة أصلاً , وقد صدرت بحقهم احكاماً غيابية .
4- عرقلة نشاطات خط حسين , وتقليص عمله ومنعه من ممارسة بعض الفعاليات , وسحب الوسائل المادية البسيطة التي بحوزتهم .
لقد واكبت هذه الأحداث , حتى يوم 6-6-1966 , حيث القي القبض علينا , أنا والمناضل إ . إ . عضو ل . م . , ورغم بعض الضعف في موقف إ . إ . , إلا انه تماسك وتجاوزنا التحقيق , وسلمت منظماتنا تماماً , ولم أواكب مجريات الأمور بعد ذلك فقد كنت نزيل سجن السلمان , الى ما بعد انقلاب 1968 ..... لكنني أقول مقتنعاً , ان سلوك قادة اليمين , وعدم التزامهم بقرارات الحزب وعدم الأستماع لصوت القاعدة الحزبية , كان من الأسباب والعوامل المساعدة لعملية الأنقسام المرفوضة التي حصلت في ايلول 1967 .



 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter