|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  15  / 11 / 2014                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

ماذا نريد من الوزارة.. ماذا نريد من المربد؟

ياسين طه حافظ

تجاربنا المرة، عذاباتنا الاجتماعية، كراهيتنا للأخطاء وللدولة في الماضي والحاضر ... هذه كلها ترسم كلامنا دائما بعدم الرضا واتهام الآخرين باللاعلم أو باللافهم.

طبعاً هذا اتهام غير سليم وتنقصه الأخلاقية العامة في النقد او في التصويب. كتبت يوماً ان وزارة الثقافة هي، في كل حال، وزارتنا وهي محكومة بضوابط وشروط عمل وحدود صرف. وهي بالتأكيد راغبة في النتائج الجيدة. ومن الخطأ أو اللاانصاف الظن بان رغبتنا نحن في إنجاح المربد او سواه هي أكثـر من رغبة الوزارة او رغبة إدارة اتحاد أدباء البصرة في ذلك.

لكن الراصد المتفرج، غير العملي المسؤول. وما دمنا مشتركين في طلب الأحسن والأكثر جدوى، اذن لنقدم مقترحاتنا للوزارة، لاتحاد الأدباء المركز أو لاتحاد أدباء البصرة وبنقاط واضحة ممكنة التنفيذ وبرؤية مثقفين على بيّنة من مجريات الثقافة العملية ومن نظم المهرجانات، مُتَطلّباتٍ وإمكانات إدارية. ولنؤشر بأدب واحترام على ما نراه من خطأ، لا بهياجات عصبية وقذف الأوصاف على غير من يتصفون بها.

وتطبيقاً بسيطاً وموجزاً لما أردت، اقترحُ جملة أفكار يمكن الإفادة من بعضها ان لم تكن ممكنة التنفيذ كلها، لجعل المربد بتوالي دوراته، يؤدي دوراً في تطوير الشعر مثلما يجعل ملتقيات الرواية تؤدي دوراً في تطوير الفن الروائي ويوسع الثقافة فيها. وقل مثل ذلك بالاحتفاءات بالكتاب او الشعراء او الفنانين .

****

هذا الكم الهائل من البشر في المربد كان من قبل يؤدي مهمة إعلامية. المسألة لم تعد مريحة ولا ذات جدوى حقيقية، إعلام الدولة دائماً غير مريح والتجمعات البشرية والخطابات استبدلت بإعلام مقنع حديث يحترم ثقافات الناس.

لهذا فمن تجب دعوتهم لمهرجان الشعر هم شعراء محترمون ونقاد ودارسون مشهود لهم بالعلمية العالية والتمكّن، بعيداً عن كتاب المجاملات وعن الصداقات الجانبية البريئة منها وغير البريئة.

والمطلوب في حال كهذه ان يقدم الشاعر آخر منجزاته الفنية، آخر ما توصل اليه في تطوير شعره فنياً: اسلوباً ، تقنيةً أو موضوعاً لم يلفت الانتباه من قبل. وبهذا سنطّلع على الجديد المنجز لا على المثير الاعتيادي وسيسهم توالي المرابد في تطوير الشعر بدلا من ان يهبط او ينصاع لما يرضي القاعة وهي خليط ثقافات وخليط مستويات واحتياجاتهم الاجتماعية اكثر من الفنية.

ولا يمنع ان تكون هناك، بعد مراسم الافتتاح، قاعة أُخرى لفن آخر من فنون الأدب وبهذا يبقى المعنيون ويكتسب العمل علميةً وتخصصاً أكثر.

إن قاعة محترمة وجادة ومتخصصة لا يمكن ان تزيد على مائة مستمع بين شاعر ودارس أو طالب دراسات عليا مهتم بالموضوع.
أتمنى ان ننتبه، ان نبدأ بالتخلص من المنصة والنزول الى الصالة. فالمنصة دائماً يسقط فيها الشعر من أعلى الى أدنى! ان مقعداً ومنضدة بسيطة وجلسة قريبة من الحضور بميكرفون بسيط ايضاً، تلك كلها تكسب الجلسة حميميةً وتتطلب عند ذاك من الشاعر ان يبوح بما استجد له وما وصل اليه إبداعه. فهو أمام متخصصين ومعنيين وناس يقدرون الفن الشعري. حين ذاك سيفكر الشاعر في الفن لا في القاعة ويفكر في اختيار ما يرضي وما تتطلبه الدراسات الحديثة في الشعر والتجديد.

لكننا الآن عملياً محكومون بإرضاء معنيين قلّة وغير معنيين بكثرة كاثرة وهذه وان كانت مهمة جليلة أيضاً لكنها ليست مهمة إبداعية.
لكن ماذا تفعل الوزارة وقد ورثت التقليد الخطابي؟

أقول: تعمل جديداً ! تُغيّر! تنتقل من عصر المهرجانات الإعلامية واستعراض المنجزات الإدارية الرسمية (منجزات الدولة) الى الملتقيات الإبداعية والفنية. جلسة الافتتاح يمكن ان تسد حاجة الوزارة والدولة اعلامياً، ثم يتحرر المربد! في هذا يكون مكسب الدولة والثقافة اكبر واعمق معنى.

إشارة اخرى لأصدقائنا في الوزارة او لجان الدعوات. أقول الدعوة لأستاذ كبير مثل د. صلاح فضل تكلّف مالياً المبلغ نفسه لآخر، اعتيادي وعندنا من هو أفضل منه أدباً وكتابةً وسلوكاً! لتكن الدعوات الخارجية لأسماء مهمة. كنتم موفقين بدعوة الأستاذ صلاح فضل والشعراء الإيرانيين. نتمنى التوسع في هذا ومضاعفة العدد بشعراء معروفين او دارسين كبار من تركيا او سواها. نريد ناساً ينفعوننا بعلم، بثقافة وسلوك محترم أيضاً.

ملاحظة اخرى ، ليست كل امرأة جميلة شاعرة توجه لها الدعوة. هناك أستاذات محترمات في الأدب يمكن ان ينفعننا بحضور علمي. الشاعرات العراقيات افضل مستوى وارقى من بعض من دعوتهن!

ليس هذا موضوعنا الأساس، فنحن نعرف ما تدسه العلاقات الخاصة في النسيج العام. ولكن ما يجب التأكيد عليه هو التوسع في الاختيار الجيد من الشخصيات الأدبية والثقافية. اننا نحتاج الى من يضيف علماً وخبرةً أو ثقافة عامة وهذا سيكون ايضاً افضل لنا اعلامياً واجدى.

قد يقول الأصدقاء في الوزارة ان لنا لجنة او دائرة علاقات. هذا صحيح وانا احترمهم. لكن أولاء بشر قد يحتاجون الى من يذكرهم بأهمية هذه الشخصية الثقافية او تلك ويعوضهم باسم آخر في حال الاعتذار. كما انهم بحاجة الى مراجعة سنوية لقائمة مدعويهم وتغيير بعض الأسماء بأسماء افضل واعلى مستوى ابداعياً وثقافياً والاّ يفوتهم ما يستجد من أسماء النظريين والباحثين العرب.

كثرة الجلسات الشعرية سببها استيعاب الأسماء الكثيرة. حسناً نحن نعرف هذا فليُقلَل عدد الشعراء الذين يلقون ونعوض الآخرين بجلسات خارج الأوقات المقررة، ليلية مثلاً، كما حصل بنجاح في ساحة سعد. او، وهذا في رأيي أفضل، بطبع مختارات شعرية تتضمن اسماءهم ولاسيما شعراء البصرة الشباب وتوزع في القاعة. هذا افضل لهم لانها ستقرأ بعناية بدلا من أن لا يُستمَع لها جيداً في ضجيج القاعة. وهو يوفر وقتاً للمربد يمكن استثماره في محاضرة او ندوة نقاشية نغني بها الثقافة الأدبية وتكون مصدر خصب ثقافي ننتفع به جميعاً.

ان اتحاد أدباء البصرة في إصداره "كتاب نسوي" و "الجنوب يبتكر المطر" قدم جهداً محموداً ومفرحاً، أحييهم عليه. لقد كانت اصداراتهم تلك اعمالاً متقنةً ومفيدة.

لكن لي ملاحظة على البحوث النقدية "البصرية" عن بعض من شعراء البصرة. لقد كانت للأسف سريعة أولاً وغير منصفة ثانياً. ان أسماء مهمة أهملت وكان واضحاً اقتصار بعضها على أعضاء الهيئة الإدارية والمقربين منهم. هي بحوث "ترضوية" على العموم. يا سادتي أدباء البصرة كلهم أدباؤكم والعلمية في الأحكام واطلاق الصفات مطلوبة والتأكيد يكون على الامتياز. الكلام في المحاضرة النقدية غير كلام الجلسة في مقهى!

أعود لتأكيد ملاحظة سابقة أو لايضاحها : أقول لا طاقة لاحد على ان يسمع كمّاً من القصائد متباينة المستويات، متباينة الموضوعات، متباينة الأصوات ومتباينة حتى في صلاحية الميكروفون ولساعات . هي تصنع هلوسةً يخرج المستمع منها "مسطوراً"!

حين دعيَ الشاعر الأميركي "روبرت فروست" يوماً لإلقاء قصيدة في يوم الاستقلال الأميركي، خصصت لهُ عشر دقائق. عشر دقائق لشاعر كبير. لكن في النشرة الرسمية ظهرت له ثلاث قصائد، قصيدتان أخريان مع القصيدة الملقاة .. هكذا يُوفَّر الوقت ويُحتَرم الشاعر وتنظَّم المهرجانات.

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter