|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  14  / 1 / 2020                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

مذكرات مهاجر ...
نحنُ... والبحر (*)

حسين السكّاف
(موقع الناس)

تأليف - سعيد غازي الأميري
الناشر - دار ميزر 2019

لا يمكننا أن نقتص من الفجيعة وننهيها من عميق أذهاننا وأرواحنا إلاّ بالتوثيق، لا يمكن للوجع أن يصبح أقل وجعاً إلا حين يصبح وثيقة تاريخية تقف بصرامة كوصمة عار وإدانة بوجه من تسبب بها... يُخطيء من يؤمن بمقولة "التاريخ يكتبه الأقوياء" فقد أظهرت الحقيقة وعلى أرض الواقع، أن البسطاء أهم الأجدر في مهمة كتابة التاريخ، المثقفون البسطاء، الممتلؤون البسطاء، الرموز البسطاء، هم الأولى بكتابة التاريخ لأننا سنكون عند ذاك على يقين بأن حقيقة الوجع قد تم أرشفتها بقلم الضحية الذي لا بد وأن يكون صادقاً... كونه يمتلك عمقاً إنسانياً بعمق جراحاته ومكابداته...

بكل تأكيد سيخرج علينا من يتشدق متحججاً بأن الكتاب لم يأتِ بجديد فكل ما فيه معروفٌ لدينا، وقد عشنا جزءاً منه... وهنا قد نمنح صاحب الرأي الحق، ولكن وفي الوقت نفسه علينا أن نطرح عليه الفكرة التالية: تصور بعد خمسين عاماً حين يسأل حفيد ياسمين أو أسمر عن أصوله، ولماذا لون شعره يختلف عن لون شعر أقرانه من السويديين، حين ذاك ستقرأ ياسمين لحفيدها قبل النوم صفحات من كتاب وجع والدها الأرشيفي "نحنُ... والبحر" ترى هل يمكننا تصور تلك اللحظة... أقصد أهمية اللحظة؟

الكتاب الذي يبدأ حكاياته بعد ثمانِية أيام من احتلال صدام للكويت، اليوم الذي تزوج فيه مزهر، في مراسيم يخيم عليها الوجوم على حد تعبير الكاتب... لكنه في الحقيقة يبدأ منذ بداية المأساة العراقية حين شن النظام حربه على مثقفي العراق نهاية السبعينيات.

لكن الكتاب لا يقتصر على الحكاية فقط، بل يكتشف القارئ بقليل من الصبر وهو يتوغل في تلافيفه، أن الكتاب الذي بين يديه، كتاب مهم جداً لمن يريد معرفة الديانة المندائية، خصوصاً الدارسين الباحثين والمهتمين في علم الأديان والطقوس الدينية وعلم الأنثروبولوجي وحتى الميثولوجيا العراقية.

الطبيعة السردية في هذا الكتاب مكتوبة بالروح والذهنية المندائية الطيبة المسالمة، فما من حادث مؤلم يمر به بطل الرواية، وبعد أن يعلن تذمره من الشخص المتسبب، نجده سرعان ما يكشف لنا عن المزايا والكوامن الإنسانية في روح ذلك الشخص، وهذا ما منح صفة الحيادية على الطبيعة السردية التي جاءت مسالمة ولا تقف ضد أحد، بإستثناء نظام الديكتاتور.

اللغة السليمة وتماسك المشاهد ودقة الوصف للشخوص والأماكن... جاء بشكل مدروس، لا تنقصه المتعة مما يشير إلى الملكة الروائية التي يتمتع بها الكاتب... ويمكننا أن نذكر العديد من الأمثلة التي تشير إلى ذلك، ولكن لا بأس أن نذكر بعضها:ـ

شخصية الأم في هذا الكتاب شخصية روائية مهمة جداً، فقد ظهرت كالوطن الذي لا يريد التفريط بأبنائه ...
-----
"ببسطاله يخسف الجندي الأرض ليطلب من حامل الطعام سكبه في الحفرة ليأكل، ثم يأكل مثل حيوان شارف على الموت جوعاً..." ص28
-----
تسليط الضوء على ظاهرة الشحاذين والإستجداء نتيجة الحصار والفاقة، بصورة روائية متقنة، خصوصاً المشهد الكابوسي لبائع "التوثية" ذلك المشهد أقنع مزهر بالسفر كونه يمتلك بصيرة يمكنها قراءة المستقبل...
-----------
فكرة الصورة الجماعية داخل المجمع أو السجن، فكرة مشهد روائي مهم ومؤثر خصوصاً حين يدخل (نانو) المشهد ص 169

على الرغم من أننا ننتظر منه المزيد من المؤلفات الابداعية، لكن، إن اكتفى الكاتب سعيد الأميري بكتابه هذا، فعلينا منحه الحق بذلك الاكتفاء، فقد أهدانا وثيقة تاريخية مهمة يمكن الاعتماد عليها... ويجدر بنا الاشارة إلى أن واحدة من أهم مئة رواية في التاريخ كتبتها امرأة اسمها "مارغريت ميتشل" مؤلفة الكتاب الوحيد لها، أقصد رواية "ذهب مع الريح" التي خلدت تلك المرأة إلى الأبد... وهنا تكمن أهمية الكتاب، أي أهمية أرشفة الحس والوجع الإنساني.



السويد... 14/01/2020


(*)
أمسية ثقافية احتضنتها قاعة المؤسسة المندائية في مالمو /السويد بتاريخ 11/01/2020 جرى حفل توقيع الكتاب الاول للكاتب سعيد الأميري  (نحنُ...والبحر.)




 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter