|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  14  / 12 / 2014                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

الهيئة تواصل العمل..

زيارات لبعض اسر النازحين

ماجدة الجبوري - اربيل

اليوم و نحن في طريقنا لزيارة أسر من النازحين في مناطق مختلفة من اربيل , تساقط المطر بغزارة و كأن الطبيعة تقف , هي الاخرى , ضدهم، اطفال حفاة، نساء تقرأ في وجوههن الف سؤال وسؤال، ماهو مصير عوائلنا، وهل سنرجع يوما لديارنا الخاوية، بعدما كانت تزهو بلمّة العائلة وذكريات لا تنسى، وسوالف الاحبة ممن رحلوا عنا؟.

طاقم العمل هم : دكتور احمد وزوجته فرح، ايفان وزوجته رحيق، نجيب، و"نور نجدت، ماجدة الجبوري من هيئة الدفاع عن اتباع الديانات والمذاهب في العراق"، وشباب يافعون يعملون مع الطاقم على تطوير مهاراتهم، فكريا وخدميا واخلاقيا، من خلال برنامج "تقوية وتطوير الشباب الناشئين"، كانت بضاعتنا اربع سيارات محملة، بالملابس وبعض الاغطية، الى أسر النازحين.

دخلنا اولاً الى بيت تسكنه ثلاث عوائل، هنّ ثلاث زوجات لرجل واحد أو كما يطلق عليهنّ " ضراير" ، الزوج قتل في عام 2006 في الموصل، بسبب الاقتتال الطائفي، ترك وراءه ثلاث ارامل، وحشد من الايتام، عددهم عشرة، اكبرهم يبلغ السابعة عشرة .

قالت الزوجة الكبيرة واسمها "خولة" و هي ام لخمسة اولاد وبنات: كنا مرتاحين في حياتنا وكل زوجة تسكن وحدها في بيت، لكن زوجنا قتل وترك وراءه اطفالا صغارا!!.
قلت لها كيف تتدبرون اموركم؟
اجابت بحزن، يعمل اولادي في النجارة، عملهم مضني، يذهبون للنجف وسط خوف ومخاطر الطريق، من اربيل الى بغداد ومن ثم الى النجف، وهناك ناس تفعل الخير مثلكم يساعدوننا.
واضافت، اصيب ولدي " كرار" بالروماتيزم، في يديه، وفي هذه الحالة سأرسل ولدي احمد ليعمل مكانه.

سقطت دموعها وهي تقول احمد صغير، كل ساعة انظر اليه وابكي واسأل نفسي كيف ارسله ؟ انه ولد صغير. أخاف عليه كثيرا، لكن العيشة صعبة ولديه اخوة واخوات اصغر منه، لكن كيف سيعيشون؟ ان لم يكن لدينا دخل حتى ولو كان بسيطا، يبقينا على قيد الحياة.

الزوجة الثانية "خالدة" ام لثلاثة اطفال، تحدثت عن رحلة العائلة الشاقة من اطراف الموصل، وبالتحديد من "بعشيقه" الى دهوك، تقول بقينا هناك ثلاثة اشهر نسكن في معمل للألبان مع اكثر من مئة عائلة. الحياة كانت صعبة لا تطاق من كل النواحي، لكننا ارسلنا اثنين من اولادنا للعمل في نجارة الخشب في النجف، بعدها انتقلنا الى اربيل.

وتضيف خالدة بألم: اولادي "شطّار" بالمدرسة، كل سنة اعفاء، مليانين حياة ونشاط، والان انظر اليهم، بدون مدرسة، ولا كتب، ثم تعقّب قائلة: المهم بقو أولادي عايشين احمد الله واشكره!!

انتقلنا تحت زخات المطر الى اسرتين نازحتين، تحدثت المرأة الكبيرة اولا وكيف خرجوا في ليلة ظلمة كما وصفتها من الحمدانية، تقول في تلك الليلة وضعت "كنّتي" مولودها، بعدها بساعات سمعنا الهرج والمرج، وجاءنا الجيران وهم يصرخون اخرجوا بسرعة، جاءنا الغزاة ، في اشارة الى "داعش" الارهابي، تركنا بيتنا وملابسنا ومصوغاتنا الذهبية، وكل شيء.

قريبتها واسمها "مارلين"التي تشاركها المكان، قالت بخوف، انا مصابة بمرض السرطان في الرحم، سأفقد حياتي في اية لحظة.

سألتها هل تراجعين الطبيب؟ هل تأخذين علاجا؟ اجابت قبل يومين كنت في حالة سيئة جدا، ومن ثم ذهبت للطبيب، بدوره طلب مني ان اعمل فحص "مفراس" لم استطع اجراء الفحص لسبب بسيط انني لا املك النقود . سألتني ما فائدة اجراء فحص المفراس ها، وماذا بعد الفحص؟ افرضي انني احتاج الى عملية، كيف سأتدبر النقود؟!

الاطفال كانوا فرحين بزيارتنا، اولا بسبب الهدايا، وثانيا لشعورهم بالاطمئنان بدخول ناس جاءوا لمساعدتهم؟ كانت اكثر احاديثهم عن المدرسة.

"رحمة " ابنة الثلاثة عشر ربيعا، ذات جمال اخاذ : خدود موّردة، عينان خضراوان، شعر اشقر ينسدل كسبائك الذهب.

قالت اكثر شيء اشتاق اليه هو المدرسة، وصديقاتي، واضافت أشعر بالملل ، فنحن هنا غرباء لا نعرف احدا، لا نخرج من البيت ابدا. نقضي النهار كل منا تحدق بوجه الاخرى، لحد هذه اللحظة لا نستوعب ما جرى لنا!!.

سألت ام رحمه هل تتصلون باهلكم بالموصل؟ . اجابت لا فأهلي هناك منذ اشهر ولا اعلم هل هم احياء ام اموات، وسمعت بأن داعش البست النساء الكبار الخمار الاسود، والبنات الصغيرات الخمار الابيض لكي يميّزوهن، ويسهل أخذهن كزوجات، او اغتصابهن!!.

الساعة السادسة عصرا. اشتدّ المطر عندما وصلنا الى عائلة اتت قبل اسبوعين من كوباني السورية وسكنت ارضا خاليه من البناء، تقع بين بيتين.

العائلة تتكون من الام والابن وزوجته واطفاله الثلاث. قالت الام الله يوفق الجوارين والناس الطيبين. ساعدونا في جلب الخشب والنايلون وبنوا لنا هذا المكان، عبارة عن خشب ونايلون أزرق.

كانت تتحدث وعيوني تبحث عن الاطفال، سألتها خالة وين الزغار؟

قادتني الى مكان مجاور بني بنفس الطريقة، المكان يسوده الظلام، وعيون صغيرة تتلصلص من تحت البطانية، احد الصغار دفر البطانية، نظر لي وابتسم، لعله شكرني، فيما اخذ المطر ينساب الى الخيمة، او بيت النايلون .

خرجت ولم استطع حبس دموعي، وانا اصب اللعنات على كل من ساهم، وساعد، وروّج لخفافيش الظلام، من سياسيّين، او "قوّادين" او سماسرة، لقتل الطفولة والانسانية وسبي النساء.





 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter