|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  12  / 8 / 2021                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

مقترح التعديل رجوع للوراء *

سهاد الخطيب **
(موقع الناس)

قانون الاحوال الشخصية رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩ الحالي تأسس على قاعدة حضارية وإنسانية واشتركت في اعداده مختلف الاوساط العلمية والدينية والثقافية ومنظمات المجتمع المدني والحصيلة قانون رصين. والقانون يسري على كل العراقيين بمختلف الاديان والطوائف ويمنح الام الأحقية في حضانة الأطفال وتحقيق الأفضل لمصلحة الطفل وعدم حرمان الام من ابنائها.

نرجع الى بدايات عام ١٩٥٩، علينا ان لا ننسى الجهد النضالي الوطني النبيل لنضال المرأة ولرابطة المرأة العراقية على وجه الخصوص، ولا ننكر المنجز الفكري الذي أفضى الى تشريعه بالصيغة المعروفة من خلال مختصين في العملية التشريعية والصياغة القانونية وفي مقدمتهم قضاة مشهود لهم بسعة العلم والإحاطة الكبيرة بأحكام الفقه الاسلامي، ولا يمكن إنكار فضلهم في وضع القانون موضع التطبيق.

وقد عملت الدكتورة نزيهة الدليمي من موقعها كوزيرة عام (١٩٥٩) بمساندة قضايا المرأة، وقدمت لجان مشاكل المرأة في الرابطة ببغداد والالوية (المدن) والتي كانت هذه اللجان برئاسة طبيبات ومحاميات، قدمت دراسات سياسية وإقتصادية وإجتماعية وثقافية تتعلق بمساواة المرأة بالرجل، وموضوعات اخرى مثل الطلاق، النسب، تعدد الزوجات،الحضانة والنفقة، وقدمت الدكتورة الدليمي هذه الدراسات الى مجلس الوزراء وتم تشكيل لجنة في وزارة العدل تنفيذا للمرسوم المرقم (٥٦٠) في ٧ شباط ١٩٥٩، فتألفت لجنة وضع القانون من السادة (محمد شفيق العاني) نائب رئيس محكمة التمييز في العراق و (احمد جمال الدين) الحاكم الدائم في محكمة تمييز العراق و(علي كامل) المدون القانوني و(مصطفى جواد) حاكم بداءة بغداد سكرتيرا للجنة، فقاموا بوضع قانون الأحوال الشخصية الذي استمدت مبادئه مما هو متفق عليه في الاحكام الشرعية وما هو مقبول من قوانين البلاد الاسلامية وما استقر عليه القضاء الشرعي في العراق، وبعدها تمت مناقشته في مجلس الوزراء وتم التصويت عليه بالموافقة كقانون للاحوال الشخصية رقم ١٨٨لسنة ١٩٥٩ في الجلسة المنعقدة في ١٩/١٢/١٩٥٩.

وكانت هناك مناقشات أجرتها منظمات المجتمع المدني ورابطة المرأة العراقية، وتم طرح بعض المقترحات والتوصيات منها مشاركة المرأة في تطبيق هذا القانون عن طريق تعيينها كقاضية في محاكم الاحوال الشخصية، وان تكون المرأة عضواً في هيئة إستشارية في تشريع القوانين المستقبلية، وكذلك توصية إجراء فحص طبي للراغبين بالزواج واعطاء تقرير عن سلامتهم صحياً، وأيضا تعيين باحثة إجتماعية خاصة في محاكم الاحوال الشخصية لتعيين الأصلح من الأبوين لحضانة الطفل على ان تكون المرأة احدى اعضاء اللجنة، وبالفعل تم العمل بما اوصت به الرابطة مثل تعيين المحامية (زكية اسماعيل حقي) أول قاضية في المحاكم الشرعية في بغداد، وإستحداث نظام الفحص الطبي للراغبين بالزواج لتأكيد لسلامتهما وسلامة الأجيال القادمة.

لقد كان قانون الاحوال الشخصية رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩ وتعديلاته يستمد أحكامه من أحكام الشريعة الاسلامية لكن بصورة منفتحة على كافة المذاهب والاتجاهات الفقهية بما يضمن التكافؤ في الحقوق بين الرجل و المرأة.

نحتاج الآن الحفاظ على هذا القانون والعمل على تطويره وضمان إلتزام مؤسسات الدولة المعنية، بالدستور وبجميع المواثيق الدولية المتعلقة بحماية حقوق المرأة والطفل، وتكريس ذلك في القوانين ذات العلاقة والاعتراف بالحقوق والحريات التي كفلتها المواثيق والاتفاقيات الدولية حول المرأة، ومتابعة تطبيق كل القوانين التي تضمن وتحمي حقوق المرأة والطفل في الواقع العملي، وتطوير قانون الأحوال الشخصية بما ينسجم مع التطورات الداخلية والعالمية، ووفق المواثيق الدولية التي تكفل حقوق المرأة والاسرة، ولدينا كدولة التزامات دولية بقوانين واتفاقيات دولية مثال اتفاقية سيداو للقضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة، والقرار ١٣٢٥ الذي يضمن الحماية والوقاية، ومشاركة المرأة في بناء السلام وبناء مجتمعها وبلدها، وإصدار القوانين بما ينسجم مع الاعلان العالمي للامم المتحدة الخاص بحقوق الطفل.

العراق مُلزم باتفاقيات دولية حول حقوق الطفل وحقوق المرأة، وهذا التعديل المقترح يعتبر هجمة على حقوق الطفل والمرأة، وسيفتح الباب لاجهاض هذه الحقوق واحدة تلو الاخرى.

المادة ٥٧ بصيغتها الحالية والتي استمر تطبيقيها لمًا يقرب من نصف قرن من دون شكوى من احكامها لا من الاسرة ولا من المجتمع، بمختلف انتماءاته، ولا من السلطة القضائية التي طبقتها بشكل سلس أدى الى إستقرار الاسرة وخلق جيل لديه إحساس بالمواطنة، وتم تنظيم العلاقات بين الافراد وبينهم وبين مؤسسات الدولة، وشكلت هذه المادة الخاصة بحضانة الطفل حالة متقدمة في حقوق الطفل وحقوق الام فضلا عن انسجامها مع احكام التطور حينذاك.

في كل مرة يطل علينا بعض أعضاء مجلس النواب بمشروعات قوانين ليست من أولويات حاجات الناس وليس لها اولوية بمشاكل المجتمع، مقارنة بمشاكل السكن والفقر وخدمات الماء والكهرباء وتردي الوضع الامني والصحي والحريات ومكافحة الفساد والسلاح المنفلت وهي تتطلب الحلول لها لتعزيز رفاهية المجتمع.

إعتبر حقوقيون ومواطنون هذا التعديل المقترح رجوعاً للوراء من خلال حرمان الام من أبنائها، فالمراد من تغيير القوانين ملاءمتها مع تطورات القوانين واللوائح الدولية والحقوقية العالمية، خاصة قوانين الأحوال الشخصية فهي تكون مدفوعة بتطور أوضاع المرأة في هذا البلد الى الأمام وليس رجوعاً للخلف.

نحن ضد التعديل، لكن مع تحسين الآليات والإجراءات والتعليمات الخاصة بمشاهدة الطفل لوالده، لتكون هناك ضوابط وتعليمات تسمح بتواجد الطفل مع والده ليوم او يومين كل اسبوع او اسبوعين مرة، والإبتعاد عن المشاهدة في بنايات المحاكم مما له من آثار سلبية على الطفل.

القانون الحالي قبل مقترح التعديل يعتبر نموذجاً لبعض الدول، وطموحاً لدى مجموعات اخرى تُحارب من أجل منح الام حق حضانة أبنائها.

هناك أمثلة رائعة من تأريخنا الاسلامي، أولاً: عند زواج النبي محمد (ص) من السيدة خديجة (ع) كان قد أولى رعاية بناتها لحين زواجهم، وكأنه يُعطي مثالاً متميزا لنا، والمثال الآخر: الامام علي (ع) فقد تولى رعاية محمد بن ابي بكر وعمره ثلاث سنوات عند وفاة والده وزواجه من اسماء بنت عميس، وبقى برعاية الامام حتى ولاه ولاية مصر، وكأنه يعطينا مثالاً حسناً وقدوة لنا في حياتنا.

الهدف من مقترح التعديل ليس مصلحة الطفل، لكن يستهدف تقييد المرأة وإهانتها والعبث بمستقبل الاسرة، فمقترح التعديل سيجبر الكثير من النساء على تحمل أشكال مختلفة من العنف حفاظاً على قربهن من أبنائهن وهذا ما تحذر منه منظمات مناهضة العنف ضد المرأة ومن تبعاته على المرأة والاطفال على حد سواء.

مقترح التعديل سيمنع المرأة من الزواج ثانية بعد طلاقها أيضاً، وحتى لا تُحرم من أطفالها، فتُحرم بذلك من حقها في خيارات حياتية وانسانية تناسبها وتناسب وضعها الاجتماعي، ومن الممكن أن يفتح باباً للمساومات بين الرجل والمرأة.

لقد قوبلت التعديلات المقترحة برفض شديد وواسع داخل العراق وخارجه، وأطلقت شبكة النساء المدنيات في العراق حملة تواقيع شارك فيها آلاف من النساء والرجال، ومنظمات نسوية وحقوقية واُطلقت الكترونيا ايضاً.

شكل قانون الاحوال الشخصية رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩ ومنذ الأيام الأولى لتشريعه، اللبنة الأساسية لبناء الدولة المدنية، وهذا النزوع لا يروق لخصوم الدولة المدنية، فأظهروا كل أسلحتهم لمخاصمة كل منجز تتطلبه الدولة المدنية، لكونهم خصوما للدولة المدنية ما داموا متمسكين بالهويات الفرعية والجزئية.

في الختام، نحن في رابطة المرأة العراقية بجميع فروعها، وكحركة نسوية عراقية، لن نسكت وسنستمر بحملتنا المعارضة للتعديل المقترح الجائر، ونستمر بنضالاتنا بجميع اشكالها من وقفات إحتجاجية ومناشدات وكتابات ولقاءات بالمسؤولين وأصحاب القرار، وهناك الكثير ممن يساندنا من تجمعات نسوية وحقوقية وإتحادات وشخصيات مدنية فهم معنا بنضالاتنا.

 

* مداخلة في الندوة النقاشية الالكترونية الموسومة : (جدلية تعديل قانون الاحوال الشخصية : مصلحة الاسرة أم مصالح اخرى) التي أقامها مركز الرافدين للحوار مساء 10 آب 2021.
** سكرتيرة رابطة المرأة العراقية فرع النجف وناشطة مدنية وسياسية.
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter