| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الأثنين 6 / 12 / 2010 زكي رضا كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
الخطر كل الخطر في ان تتحول بغداد الى قندهار بنكهة ايرانية
زكي رضا
(موقع الناس)
جسور غير هياب ، واثق من عدالة ما يؤمن به ، زأر كالاسد في وجه الثعالب . التي بدأت تراوغ منذ اللحظة الاولى للاحتلال ولليوم ، بل وحتى عندما كانت في صفوف المعارضة للنظام الفاشي السابق ، وهي تربط مصير العراق وشعبه ، بحبل سري مع فيلق القدس الايراني . لتعدل كفة الميزان التي مالت لوقت طويل حسب اعتقادها ، لصالح العمق العروبي الذي مثله سنة العراق لعقود . وبذلك اصبح الخيط الرفيع الذي يفصل الوطنية ، عن خيانة الوطن عند ساسة الطائفتين ، اوهى من خيط نسيج العنكبوت . وعمل ويعمل الطائفيون الجدد والقدامى ولليوم ، على ربط مصير بلدهم اما بمدينة التخلف والظلام قم ، او بمدينة العهر البدوي الرياض والعواصم التي تدور في فلكها . كل هذا تحت يافطة الدين الذي اتخذوه رأس حربة ، في معركتهم ضد التحضر والمدنية ، بعد ان وضعوا الملايين بين متاريس الجهل والتخلف . لان لا حياة للدين ورجاله ، الا بارتفاع اعداد جيش الجهلة والمتخلفين ، الباحثين عن فردوس في العالم الاخر . تاركين الفردوس الارضي ومتعه ، الى الطبقة المخملية من السياسيين الاسلاميين ، ورجال الدين الذين يأتمرون بأمرتهم .
هذا الرجل العملاق الذي وقف ليلة امس ، ليحاور اقزام صفر الوجوه ، خبيثي الابتسامة والنية والسريرة ، من خلال قناة السلطة العراقية التي يقودها الاسلاميون . وليعلن وعلى الهواء دون وجل وتردد ، من انه كمثقف عراقي ، في البلد الذي خفت فيه صوت الثقافة والمثقف ، امام القرع العالي لطبول الجهل والامية والتخلف . يرفض بشكل قاطع ، اسلمة التعليم والثقافة والفن . وذلك على خلفية هجوم مؤسسة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (الشرطة العراقية) ، على مقر الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق ، وغلق ناديه الاجتماعي . هذا العملاق لم يكن سوى السيد فاضل ثامر رئيس الاتحاد . وذلك من خلال ندوة جمعته والقانوني السيد طارق حرب ، بالاضافة الى رئيس مجلس محافظة بغداد كامل الزيدي ، وعضو مجلس المحافظة مسؤول اللجنة الشبابية عبد الكريم البصري .
وقد حاول الزيدي ومعه البصري ، النيل من السيد فاضل ثامر ، الذي فطن وهو الامين على ما تبقى للمثقف العراقي من فسحة للحياة ، بعد ان ارخى الموت والظلام سدولهما على العراق ارضا وشعبا ، من نيتهما المبطنة وسعيهم البليد لحرف النقاش عن وجهته الاصلية . وذلك من خلال محاولاتهم البائسة في ربط موقف السيد ثامر ، والتجمع الكبير للمثقفين في شارع المتنبي الذي نظمته مؤسسة المدى ، وايضا التجمع الذي نظم في مقر الاتحاد ، ودفاعهم عن حرية التعبير والحريات الشخصية التي كفلها الدستور . من انها كانت تجمعا من اجل اباحة الخمور والدفاع عن الحانات والملاهي الليلية !! .بهذه السطحية يفكر قادة الاسلام السياسي في العراق ، محاولين لي عنق الحقيقة المرة والمرعبة ، والتي لا يستطيع تغافلها كل من له عينين ( من البشر طبعا ) . معتمدين على سذاجة الاميين الذين ينعقون مع كل ناعق ، بعد قتل العلماء وذوي الكفاءات وهجرتهم ، وتراجع التعليم لصالح تكايا حفظ القرآن ومسابقاته . وهذه الحقيقة هي العمل على قضم الحريات الواحدة تلو الاخرى ، والتي بدأت بتهديد الصحفيين والاعلاميين وقتلهم ، والغاء ومنع الفعاليات الفنية ، وتغيير المناهج الدراسية كي تكون بنكهة طائفية ، والغاء قانون الاحوال الشخصية وغيرها الكثير . والتي يريدونها ان تنتهي بدولة ثيوقراطية ، على غرار دولة الفقيه في ايران ، ان لم يكن في العراق باكمله ( وهم غير قادرون ) فعلى الاقل في المحافظات الجنوبية حيث الشيعة . وان لم يكن عن طريق الدولة ، فعن طريق مجالس المحافظات التي تترجم على ارض الواقع ، ما تريده المؤسسة الدينية والاحزاب الاسلامية . التي فشلت في توفير الخدمات الى الجماهير ، ولكنها نجحت والحق يقال بتوفيرها والسكن المناسب ، هناك في الجنة عن طريق الدعاء . دون ان تتساءل هذه الجماهير المغيبة عن السبب ، الذي يدعو الله ان يستجيب لدعاء لصوص وقتلة ، ولا يستجيب لدعاء المحرومين والفقراء البائسين ، الذين يعانون شظف العيش ويسكنون في خيام متهرئة على اطراف المدن ، او في بيوت الصفيح في بلد وصلت ميزانيته الى ما يقارب السبعين مليار دولار .
ان ما يجري في العراق اليوم ، يعتبر تكرارا لما حصل للمثقفين الايرانيين على يد سلطة رجال الدين . منذ اليوم الاول لنجاح الثورة الايرانية ، حتى القضاء على آخر التنظيمات السياسية التي كانت تعمل بشكل علني ، اي حزب الشعب الايراني ( توده ) . ففي تلك الايام من عنفوان الثورة الايرانية ، كانت شوارع وساحات ومتنزهات ومدارس ايران وجامعاتها ، عبارة عن تجمعات بشرية كبيرة ، تتحاور بالسياسة والاقتصاد ودور الثقافة والمثقف الملتزم ، في اعادة الهيبة للمثقف الايراني , بعد ان كانت الثقافة ورموزها حبيسي افكارهم ، لخوفهم المزمن من بطش السافاك وساديته . وكانت جامعة طهران تحديدا ، مرجلا يغلي بالافكار الانسانية التي تعبر عن الحرية والمساواة ، والتوزيع العادل للثروات وتنشيط منظمات المجتمع المدني . وكان دور اليسار حينها بارزا وملموسا ، فمقر حزب الشعب الايراني ( توده ) مثلا ، والذي كان يقع بالقرب من جامعة طهران في ساحة الثورة ، تحول الى مقر للطلبة الحالمين بغد ديموقراطي لايران . ولم يكن الامر مختلفا عند التنظيمات الاخرى ، مثل فدائيي الشعب ( فدائيى خلق ) الاكثرية والاقلية ، ومنظمة مجاهدي الشعب ( مجاهدي خلق ) ، و الحركات التحررية القومية كالحركة الكردية في كردساتن ايران والعربية في اقليم الاحواز وغيرها .هذا النشاط الخلاق للشباب الايراني والتنظيمات الايرانية ، اصاب رجال الدين ومريدهم بالرعب والخوف . ما حدا بهم لاستثمار اخطاء القوى العلمانية ، بمختلف اتجاهاتها الفكرية والسياسية وتشرذمها ، وتردد وخوف بعض القيادات الليبرالية وخصوصا اعضاء حكومة السيد بازركان . الذين كانوا يتوجهون الى قم كلما اصطدموا ، بغلاة التطرف الديني من امثال الجلاد خلخالي وغيره ، ليعرضوا مشاكلهم على الخميني ليساهم بحلها . ما دعى الخميني وبنصيحة المقربين منه ، الى الانتقال الى حسينية جماران في طهران ليكون قريبا من الحدث . هذا التردد من قبل الليبراليين وتشرذم القوى اليسارية والقومية الوطنية ، جعل رجال الدين واحزابهم وتنظيماتهم ان تستفرد بتلك القوى الواحدة تلو الاخرى . وبذلك تبخرت احلام الملايين من ابناء الشعب الايراني ، من مختلف التنظيمات السياسية وابناء القوميات غير الفارسية ، التي عانت الامرين خلال حكم العائلة البهلوية ، امام المد المتخلف لعمائم قم وعصابات الجلاد خلخالي.
ومن الجدير ذكره هنا هو الاستفادة القصوى للمعممين من افكار وممارسات السافاك الايراني ، في تفريقه للتجمعات والتظاهرات والمسيرات الاحتجاجية ، عن طريق حملة العصي الغليظة ( جماقداران ) . الذين لعبوا دورا كبيرا في القضاء على حكومة مصدق ، من امثال شعبان جعفري المعروف باسم شعبان بي مخ ( الذي لاعقل له ) ، والعصابات التي كان يقودها ، في الدخول وسط التجمعات السياسية لضرب المجتمعين وتفريقهم بالعصي ، وزرع الرعب بين صفوفهم .ولم تكن المؤسسة الدينية في قم بزعامة آية الله الكاشاني حينها بعيدة عن ذلك ، اذ قررت المؤسسة الدينية الوقوف الى جانب الشاه ضد مصدق . خوفا من المد اليساري الذي كان يمثله حزب الشعب الايراني ( توده ) حينها ، اذ كان خوفهم يستند الى الحفاظ على المذهب والدين . وبعد انهيار حكومة مصدق ، على يد القوى الرجعية ومؤيدي الشاه ، والمؤسسة الدينية الشيعية . وشركات النفط التي أممها مصدق ، قال آية الله السيد ابو القاسم الكاشاني في رسالة بارك فيها والمؤسسة الدينية ، الشاه بالعودة الى ايران قائلا ( ان مصدق اجبر الشاه على مغادرة ايران ، ولكن الشاه وبعزة وحب عاد بعد ايام ، الشعب يحب الشاه ، والنظام الجمهوري غير مناسب لايران ) * ، وهذا ما حصل ثانية اثناء التظاهرات الكبيرة ، التي عمت مدن ايران بعد نتائج الانتخابات الاخيرة . حيث كان حملة العصي هذه المرة من قوات التعبئة ( البسيج ) ، يدخلون وسط التظاهرات على متن دراجاتهم البخارية ، لاداء نفس الدور السابق الذي كان يؤديه شعبان بي مخ واتباعه . وبعد اقل من عقد من السنين على انهيار حكومة مصدق، تكررت التجربة نفسها في العراق ضد سلطة 14 تموز وبنفس الاليات تقريبا ، ما يجعلنا ان نتساءل عن منفذ الانقلابين في طهران وبغداد ، وعلاقة المؤسسة الدينية به .
ان الانتخابات ( الديموقراطية ) لوحدها ليست كافية ، للحفاظ على مدنية الدولة والمجتمع . بل نحتاج الى آليات لضمان الحريات الشخصية للناس ، وعدم اضطهاد الاقليات القومية والدينية والسياسية بأسم الاغلبية ( التي تعكز عليها كل من الزيدي والبصري ) . ومن دون هذه الاليات التي يجب ان يشرعها البرلمان ، فان خطر الالتفاف على ما تحقق من منجزات على فقرها سيبقى قائما . ويجب علينا الاستفادة من دروس الديموقراطيات ، في بلدان اخرى كالمانيا مثلا ، في نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات من القرن المنصرم ، وكيفية وصول النازيين الالمان بزعامة هتلر الى السلطة عبر انتخابات برلمانية ، واستفرادهم بالسلطة باسم الاغلبية ، والقضاء على النظام الديموقراطي حينها . وعلى الرغم من تباين واختلاف التجربتين العراقية والالمانية ، نتيجة وجود السنة والاكراد وتغير المناخ السياسي في العالم ، ووجود قوات محتلة لازالت تملك الكثير من أزمة الوضع السياسي والاقتصادي ويهمها نجاح تجربتها في احتلال العراق وبناء الديموقراطية فيه . الا ان الحذر يبقى ضروريا للحيلولة دون قمع الحريات الشخصية ، التي كفلها القانون والدستور ، من التي يسعى الاسلام السياسي لالغائها .
ان المعركة بين الاسلاميين واتحاد الادباء هي الوجه الظاهر للأزمة السياسية الاجتماعية المستفحلة ، اما الوجه الاخر فهو العمل الدؤوب وببرنامج واضح للقوى الظلامية ، في القضاء بشكل تدريجي على الحياة الثقافية في مناطق نفوذهم ( الاسلاميين ) . عندها سيكون في العراق نموذجين للحكم ، نموذج طالباني ( نسبة الى طالبان ) شيعي ، ونموذج علماني ( كردي ) ، ونموذج لم تتحدد هويته بعد في مناطق الوسط والغرب . اذ لازال الصراع هناك بين القوميين العرب والبعثيين العلمانيين من جهة ، وبين الاصوليين السنة المتأثرين بافكار القاعدة من جهة اخرى قائما ، وما التهديد الذي اطلقه رجال الدين في محافظة ديالى بالفدرالية ، بعد ان شعرت الطائفة السنية بالتهميش اثر الانتخابات الاخيرة ، الا وجها من اوجه الصراع هذا . فان نجحت هذه القوى المتطرفة بتحشيد الشارع السني في هذا الاتجاه ، فان تقسيم العراق المقسم اليوم فعليا سيكون امرا واقع ، وهذا ما تخطط له الاحزاب الشيعية الطائفية وتهلل له ، وبمباركة سلطة ولي القفيه في قم .
ان القوى الديموقراطية امام خطر فعلي ، فميزان القوى في معركتها ضد التطرف الديني واحزابه ليس في صالحها . خصوصا وانها لا تملك اية ورقة للضغط او المناورة ، بعد ان تم تهميشها من خلال الانتخابات السابقة . وعليه فان التحالف الكردستاني والقائمة العراقية ، والعلمانيين في قوائم التحالف الشيعي الطائفية ، امام مسؤولية وطنية واخلاقية كبرى . ليس للحفاظ فقط ، بل وعلى تطوير النظام الديموقراطي في بغداد .ان التجربة الايرانية تشير وبكل وضوح ، الى ان الحل الامثل لمعالجة المشاكل القومية ، وللحد من نشاط القوى العلمانية ، هو القمع المنظم وعلى مراحل ، وهذا ما تقوم به اليوم قوى الاسلام السياسي . فمن يتوقع من انه سيكون في مأمن من العقلية الاسلامية السياسية ، الساعية الى تطبيق شريعة الله على الارض يعتبر حالما ، والنظام الديموقراطي الحقيقي في بغداد ، هو خير ضمان لابناء شعبنا من مختلف القوميات والاديان في الحرية والمساواة .
فلتعمل القائمتين الكردستانية والعراقية من خلال ثقلهما في البرلمان والحياة السياسية ، في الحفاظ على ديمومة العملية السياسية وعدم انتكاستها . وذلك بتبني القوانين الكفيلة بعدم تقييد الحريات العامة ، والغاء القوانين التي اتخذها النظام السابق اثناء حملته الايمانية ، والتي ساهمت الى جانب تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية حينها ، في اشاعة ثقافة الجهل والتخلف والامية ، التي تعتبر الحاضنة المثلى للقوى الدينية على مر العصور .لان انتكاستها سيضع شعبنا ثانية ، في اتون جحيم من المشاكل والمصاعب ، وهو الذي لم تندمل جراحه لليوم . ان الواجب الوطني والاخلاقي كبير ، والوطن وتجربته على المحك ، فهل ستقف القائمتين الى جانب القوى الديموقراطية ومنظمات المجتمع المدني ، وشعبهم في صراعهم هذا ، ام سيتركونهم وحيدين في معركة محسومة النتيجة للخلل الكبير في ميزان القوى ؟ وعندها وفي وقت مناسب آخر سيكونان الضحية القادمة ، الواحد تلو الاخر، وحينها لا يفيد القول من اننا اكلنا يوم اكل الثور الابيض . وهذا السؤال يجب الاجابة عليه اليوم وليس غدا ، لان الغد يعتبر متأخر جدا ، حيث افكار وتطبيقات قندهار وقم بانتظار البلد .
وفي الختام اود القول ان لاحزاب الاسلام السياسي ، الالاف من امثال شعبان بي مخ . من عناصر ميليشيات جيش المهدي ، وحزب الله وثار الله وبدر وغيرها . الذين تلقو تدريباتهم في معسكرات ايرانية خاصة ، وتحت اشراف ضباط المخابرات الايرانية وفيلق القدس . وهذا ما اشارت اليه تسريبات موقع ويكيليكس مؤخرا ، وهؤلاء القتلة الارهابيون على استعداد لتنفيذ اجندة طهران ، متى ما صدرت لهم الاوامر بذلك .
لقد تعلمت باكرا أن الحق لا يعطى لمن يسكت عنه ، وأن على المرء أن يحدث بعض الضجيج حتى يحصل على ما يريد .
( مالكوم اكس )
* من مجموعة خطب ومراسلات آية الله السيد ابو القاسم الكاشاني م. دهنوي ( محمد تركمان ) طبعة طهران سنة 1984 ص 28 المجلد 4 .
الدنمارك
6 / 12 / 2010